fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هل يعود نازحو الساحل السوري إلى منازلهم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الرعب الذي عشناه مع أهلي وجيراني يكفينا لعقود مقبلة، كان أمامنا خياران فقط: الموت بالرصاص، أو النزوح عبر المعابر غير الرسمية والنهر. لم نكن نملك رفاهية الاختيار، وجدنا أنفسنا نازحين من دون تفكير”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعيش الكثير من سكان الساحل السوري، خصوصاً العلويين، خوفاً مستمراً منذ بداية المجازر التي بدأت رداً على اغتيال فلول النظام عناصر من الأمن العام. إذ لا تزال عمليات الخطف والقتل الطائفي مستمرة، ليجد علويون كثر في الساحل أنفسهم أمام خيارات قليلة، إما التمسك بمنازلهم وأرضهم وتصديق وعود الأمان التي قدمتها الإدارة الجديدة في سوريا، أو الاتجاه نحو قاعدة حميميم الروسية، أو النزوح تجاه لبنان عبر معابر غير نظامية تربط البلدين.

رشا حبيب (اسم مستعار)  من أهالي محافظة طرطوس واحدة من الآلاف الذي فرّوا نحو لبنان، تقول في حديثها مع “درج” “خرجنا مذعورين، خائفين، لم نجلب معنا أي متاع أو حاجيات شخصية. تضاربت الآراء حول اللجوء إلى قاعدة حميميم أو لبنان، وفي النهاية قطعنا مياه النهر الكبير الشمالي سيراً على الأقدام”. 

تصف رشا حال الفارين عبر النهر قائلة: “صياح وعويل، أطفال على أكتاف آبائهم، ونساء يحملن بعض الأغراض التي تمكنّ من أخذها على عجل. لم نكن نعرف أين سنستقر، وقبل كل شيء، هل سننجح في عبور النهر أم لا؟”.

أما ميسون الهلال (اسم مستعار)، من قرية قريبة من حكري الضاهري، فقالت لـ”درج”: “الرعب الذي عشناه مع أهلي وجيراني يكفينا لعقود مقبلة، كان أمامنا خياران فقط: الموت بالرصاص، أو النزوح عبر المعابر غير الرسمية والنهر. لم نكن نملك رفاهية الاختيار، وجدنا أنفسنا نازحين من دون تفكير”.

كانت الاشتباكات التي اندلعت بين فلول النظام السوري وقوات الأمن العام التابعة للإدارة الجديدة في دمشق، ثم المجازر التي ارتكبت بحق العلويين والتنكيل الذي تعرضوا له، تسببت بموجة نزوح كبيرة، إذ عبر الآلاف نهر الكبير الشمالي نحو لبنان، بينهم 40 عائلة لبنانية كانت مستقرة في الساحل السوري. 

تسببت موجة العنف الدامية، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بارتكاب مجازر وعمليات “إعدام ميداني” أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 مدني، غالبيتهم من الأقلية العلوية. واضطر النازحون إلى استخدام معابر غير شرعية بعدما أخرجت الغارات الإسرائيلية المعابر الشرعية شمال لبنان (وعددها ثلاثة) عن الخدمة، فيما بقي فقط معبر المصنع الحدودي في البقاع شرق البلاد يعمل بشكل رسمي.

لا مخيمات للنازحين الجدد

تكمل رشا حديثها لـ”درج”: “لم يكن يدور بيننا أي حديث سوى قصص الموت والخطف. هذا فقد أخاه، وذاك قُتل أبوه أمام عينيه، وتلك لا تعلم شيئاً عن زوجها وأبيها وإخوتها. لا أحد يعرف حجم الغُبن والعذاب في داخلنا. لم نكن نخرج من أماكن إقامتنا المؤقتة، إلى أين نذهب؟ ومع من نلتقي؟ فقدنا أعز ما نملك. من تسبب بهذه المآسي هم فلول النظام، لكن ردّة الفعل كانت عنيفة جداً وشملت الأبرياء والنساء والرجال فقط على الهوية. هل هذه هي سوريا الجديدة؟”.

تواصل “درج” مع نضال ميهاب (اسم مستعار)، من أهالي طرطوس، والذي نزح إلى جبل محسن، يقول: “قتلوا ابني وأخي أمامي. شعرت أنني أملك بضع ثوانٍ فقط، إما أن يموت من تبقى وأعرّض النساء للخطر، أو أهرب بمن تبقى. لا أعلم ماذا حلّ بجثامين القتلى، لكني أعلم أنهم أبرياء. ابني لم يتجاوز العشرين، طالب في كلية الآداب – قسم علم الاجتماع، وأخي كان يملك محلاً لبيع الأقمشة النسائية. هربنا، ونحن الآن نستفيق على كوابيس القتل والهروب”.

من جهته، قال المصوّر الصحافي أسامة عويد من لبنان لـ “درج”، إن النازحين السوريين “لم يسكنوا المخيمات، بل في بيوت العلويين في الطرف الآخر من الحدود، أو توزعوا على مراكز الإيواء، قاعات المساجد، مجالس العزاء، والمنازل الفارغة. القسم الأكبر توجّه إلى قرى عكار وجبل محسن، بخاصة المسعودية، تل حميرة، الريحانية، الحيصة، والسماقية. وقدّم الصليب الأحمر وبعض المنظمات، إلى جانب المبادرات الأهلية، بعض الحاجيات الأساسية من بطانيات وأغذية وحليب أطفال”.

يضيف عويد: “من عاد إلى سوريا، عاد بقرار شخصي، ولم يتعرض أحد من النازحين لأي تهديد أو ضغط للعودة. الجيش اللبناني تكفّل بتقديم التسهيلات اللازمة للعبور، على رغم أن المحيط في قرى عكار سني، لكن الجميع هنا قادر على العيش بسلام”.

تضارب في الروايات 

شهد معبر “حكر ضاهر” الحدودي في ريف طرطوس عودة عدد من العائلات السورية التي نزحت سابقاً إلى لبنان. وقدّم الجيش اللبناني والأمن العام التسهيلات اللازمة للعودة. وقال مصدر في الأمن العام فضّل عدم الكشف عن اسمه: “بعض الفصائل المتشددة لدينا تسببت بالكثير من الانتهاكات، ولا أعفي أي طرف، سوري أو غير سوري، من نتائج التجاوزات والقتل الذي حصل. لا يوجد إحصاء رسمي لأعداد العائدين، لكن عددهم قليل جداً”. وأضاف: “العودة بطيئة، وأعدادها لا تُقارن بعدد النازحين. يبدو أن الخوف لا يزال حاضراً. ننظّم دخولهم عبر المعبر”.

أما أحمد الشامي، مسؤول الحدود في إدارة الأمن العام في طرطوس، فقال حول آلية العودة: “انتشرنا في سهل عكار الحدودي مع لبنان، وقمنا بتمشيط المنطقة، الأمور تعود تدريجياً إلى طبيعتها، مع ارتفاع وتيرة الاستقرار. بناءً عليه، دعونا الأهالي النازحين في لبنان إلى العودة إلى بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية”.

في المقابل، هناك رواية أخرى عن طبيعة العودة، إذ قال الصحافي “باسم باسم” (اسم مستعار) لـ”درج” عبر الهاتف من طرطوس:
“ما يتم الترويج له إنما هو من مخططات الأمن العام والحكومة في دمشق. الحقيقة هي أن الأمن العام وجّه تعليمات، عبر مخاتير القرى والأحياء، بإبلاغ النازحين بضرورة العودة إلى منازلهم، أو مواجهة إجراءات مثل الحجز الاحتياطي على أملاكهم، ومصادرتها، واستدعاء أقربائهم للتحقيق، وربما تصنيف من لا يعود ضمن فئة (فلول النظام)، بما يترتب عليه من تداعيات قانونية وإدارية. الأعداد العائدة لا تتجاوز العشرات، بسبب الخوف من الوضع”.

أضاف الصحافي: “هذه التوجهات تثير جدلاً في الأوساط المحلية. البعض يعتبرها ضغطاً كبيراً على النازحين الذين هربوا أساساً خوفاً على حياتهم، ولا يزالون يخشون العودة. في المقابل، يرى آخرون أن الإجراء يدخل ضمن رغبة الحكومة في تنظيم الأوضاع، وعودة الأهالي لحماية ممتلكاتهم من السرقة أو السيطرة عليها من بعض الأطراف المحسوبة على الحكومة”.

حاول “درج” التواصل مع أكثر من جهة رسمية للاطلاع على حقيقة القرار السابق لكنه لم يتلقَّ أي رد. كما تواصل مع المواطن سعيد هشام، العائد من رحلة النزوح إلى قرى عكار، والذي قال: “منزلي منهوب، ودكانتي التي كنت أعيش منها تم تعفيشها وحرقها. لماذا رجعت؟ لا أعرف. جيراني مفقودون أو مقتولون أو نازحون. لا أعرف شيئاً عن غالبية أهلي بعد انقطاع التواصل معهم”. 

وأضاف: “نزحنا إلى لبنان بسبب إطلاق النار المكثف والعشوائي. لم أكن أستطيع تجاوز الخوف والرعب اللذين عاشهما أطفالي وزوجتي. قررت العودة الى قريتي. صحيح أن الأمان أفضل نسبياً، لكن سبل العيش شبه معدومة. لا أطباء، لا محالّ مفتوحة، ولا طرق تجارية لنقل البضائع أو المستلزمات اليومية”.
وختم قائلاً: “حركة العودة بطيئة، بخاصة أن عامل الثقة مفقود، والخوف لا يزال مستمراً”.

من جهته، قال رياض معروف (اسم مستعار)، وهو مسؤول في مديرية التربية في اللاذقية: “من يعود لا يفعل ذلك بنيّة الاستقرار، بل رغبة في تصفية أموره تمهيداً للهجرة النهائية. لماذا سيبقى؟ وأين؟ في مكان قُتل فيه الآباء والأبناء والنساء؟ هل لعاقل أن يتخيل قدرة أحد على العيش في منزل لا تزال تفوح منه رائحة الموت؟”.

استُبدلت رائحة الدم برائحة الزيزفون، ومناظر الجثث بمشاهد الغابات الخلابة، والغُبن والأسى في الصدور بطيبة أهل الدار وكرمهم… هكذا اختتمت رشا حديثها لـ”درج”.

14.04.2025
زمن القراءة: 5 minutes

“الرعب الذي عشناه مع أهلي وجيراني يكفينا لعقود مقبلة، كان أمامنا خياران فقط: الموت بالرصاص، أو النزوح عبر المعابر غير الرسمية والنهر. لم نكن نملك رفاهية الاختيار، وجدنا أنفسنا نازحين من دون تفكير”.

يعيش الكثير من سكان الساحل السوري، خصوصاً العلويين، خوفاً مستمراً منذ بداية المجازر التي بدأت رداً على اغتيال فلول النظام عناصر من الأمن العام. إذ لا تزال عمليات الخطف والقتل الطائفي مستمرة، ليجد علويون كثر في الساحل أنفسهم أمام خيارات قليلة، إما التمسك بمنازلهم وأرضهم وتصديق وعود الأمان التي قدمتها الإدارة الجديدة في سوريا، أو الاتجاه نحو قاعدة حميميم الروسية، أو النزوح تجاه لبنان عبر معابر غير نظامية تربط البلدين.

رشا حبيب (اسم مستعار)  من أهالي محافظة طرطوس واحدة من الآلاف الذي فرّوا نحو لبنان، تقول في حديثها مع “درج” “خرجنا مذعورين، خائفين، لم نجلب معنا أي متاع أو حاجيات شخصية. تضاربت الآراء حول اللجوء إلى قاعدة حميميم أو لبنان، وفي النهاية قطعنا مياه النهر الكبير الشمالي سيراً على الأقدام”. 

تصف رشا حال الفارين عبر النهر قائلة: “صياح وعويل، أطفال على أكتاف آبائهم، ونساء يحملن بعض الأغراض التي تمكنّ من أخذها على عجل. لم نكن نعرف أين سنستقر، وقبل كل شيء، هل سننجح في عبور النهر أم لا؟”.

أما ميسون الهلال (اسم مستعار)، من قرية قريبة من حكري الضاهري، فقالت لـ”درج”: “الرعب الذي عشناه مع أهلي وجيراني يكفينا لعقود مقبلة، كان أمامنا خياران فقط: الموت بالرصاص، أو النزوح عبر المعابر غير الرسمية والنهر. لم نكن نملك رفاهية الاختيار، وجدنا أنفسنا نازحين من دون تفكير”.

كانت الاشتباكات التي اندلعت بين فلول النظام السوري وقوات الأمن العام التابعة للإدارة الجديدة في دمشق، ثم المجازر التي ارتكبت بحق العلويين والتنكيل الذي تعرضوا له، تسببت بموجة نزوح كبيرة، إذ عبر الآلاف نهر الكبير الشمالي نحو لبنان، بينهم 40 عائلة لبنانية كانت مستقرة في الساحل السوري. 

تسببت موجة العنف الدامية، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بارتكاب مجازر وعمليات “إعدام ميداني” أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 مدني، غالبيتهم من الأقلية العلوية. واضطر النازحون إلى استخدام معابر غير شرعية بعدما أخرجت الغارات الإسرائيلية المعابر الشرعية شمال لبنان (وعددها ثلاثة) عن الخدمة، فيما بقي فقط معبر المصنع الحدودي في البقاع شرق البلاد يعمل بشكل رسمي.

لا مخيمات للنازحين الجدد

تكمل رشا حديثها لـ”درج”: “لم يكن يدور بيننا أي حديث سوى قصص الموت والخطف. هذا فقد أخاه، وذاك قُتل أبوه أمام عينيه، وتلك لا تعلم شيئاً عن زوجها وأبيها وإخوتها. لا أحد يعرف حجم الغُبن والعذاب في داخلنا. لم نكن نخرج من أماكن إقامتنا المؤقتة، إلى أين نذهب؟ ومع من نلتقي؟ فقدنا أعز ما نملك. من تسبب بهذه المآسي هم فلول النظام، لكن ردّة الفعل كانت عنيفة جداً وشملت الأبرياء والنساء والرجال فقط على الهوية. هل هذه هي سوريا الجديدة؟”.

تواصل “درج” مع نضال ميهاب (اسم مستعار)، من أهالي طرطوس، والذي نزح إلى جبل محسن، يقول: “قتلوا ابني وأخي أمامي. شعرت أنني أملك بضع ثوانٍ فقط، إما أن يموت من تبقى وأعرّض النساء للخطر، أو أهرب بمن تبقى. لا أعلم ماذا حلّ بجثامين القتلى، لكني أعلم أنهم أبرياء. ابني لم يتجاوز العشرين، طالب في كلية الآداب – قسم علم الاجتماع، وأخي كان يملك محلاً لبيع الأقمشة النسائية. هربنا، ونحن الآن نستفيق على كوابيس القتل والهروب”.

من جهته، قال المصوّر الصحافي أسامة عويد من لبنان لـ “درج”، إن النازحين السوريين “لم يسكنوا المخيمات، بل في بيوت العلويين في الطرف الآخر من الحدود، أو توزعوا على مراكز الإيواء، قاعات المساجد، مجالس العزاء، والمنازل الفارغة. القسم الأكبر توجّه إلى قرى عكار وجبل محسن، بخاصة المسعودية، تل حميرة، الريحانية، الحيصة، والسماقية. وقدّم الصليب الأحمر وبعض المنظمات، إلى جانب المبادرات الأهلية، بعض الحاجيات الأساسية من بطانيات وأغذية وحليب أطفال”.

يضيف عويد: “من عاد إلى سوريا، عاد بقرار شخصي، ولم يتعرض أحد من النازحين لأي تهديد أو ضغط للعودة. الجيش اللبناني تكفّل بتقديم التسهيلات اللازمة للعبور، على رغم أن المحيط في قرى عكار سني، لكن الجميع هنا قادر على العيش بسلام”.

تضارب في الروايات 

شهد معبر “حكر ضاهر” الحدودي في ريف طرطوس عودة عدد من العائلات السورية التي نزحت سابقاً إلى لبنان. وقدّم الجيش اللبناني والأمن العام التسهيلات اللازمة للعودة. وقال مصدر في الأمن العام فضّل عدم الكشف عن اسمه: “بعض الفصائل المتشددة لدينا تسببت بالكثير من الانتهاكات، ولا أعفي أي طرف، سوري أو غير سوري، من نتائج التجاوزات والقتل الذي حصل. لا يوجد إحصاء رسمي لأعداد العائدين، لكن عددهم قليل جداً”. وأضاف: “العودة بطيئة، وأعدادها لا تُقارن بعدد النازحين. يبدو أن الخوف لا يزال حاضراً. ننظّم دخولهم عبر المعبر”.

أما أحمد الشامي، مسؤول الحدود في إدارة الأمن العام في طرطوس، فقال حول آلية العودة: “انتشرنا في سهل عكار الحدودي مع لبنان، وقمنا بتمشيط المنطقة، الأمور تعود تدريجياً إلى طبيعتها، مع ارتفاع وتيرة الاستقرار. بناءً عليه، دعونا الأهالي النازحين في لبنان إلى العودة إلى بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية”.

في المقابل، هناك رواية أخرى عن طبيعة العودة، إذ قال الصحافي “باسم باسم” (اسم مستعار) لـ”درج” عبر الهاتف من طرطوس:
“ما يتم الترويج له إنما هو من مخططات الأمن العام والحكومة في دمشق. الحقيقة هي أن الأمن العام وجّه تعليمات، عبر مخاتير القرى والأحياء، بإبلاغ النازحين بضرورة العودة إلى منازلهم، أو مواجهة إجراءات مثل الحجز الاحتياطي على أملاكهم، ومصادرتها، واستدعاء أقربائهم للتحقيق، وربما تصنيف من لا يعود ضمن فئة (فلول النظام)، بما يترتب عليه من تداعيات قانونية وإدارية. الأعداد العائدة لا تتجاوز العشرات، بسبب الخوف من الوضع”.

أضاف الصحافي: “هذه التوجهات تثير جدلاً في الأوساط المحلية. البعض يعتبرها ضغطاً كبيراً على النازحين الذين هربوا أساساً خوفاً على حياتهم، ولا يزالون يخشون العودة. في المقابل، يرى آخرون أن الإجراء يدخل ضمن رغبة الحكومة في تنظيم الأوضاع، وعودة الأهالي لحماية ممتلكاتهم من السرقة أو السيطرة عليها من بعض الأطراف المحسوبة على الحكومة”.

حاول “درج” التواصل مع أكثر من جهة رسمية للاطلاع على حقيقة القرار السابق لكنه لم يتلقَّ أي رد. كما تواصل مع المواطن سعيد هشام، العائد من رحلة النزوح إلى قرى عكار، والذي قال: “منزلي منهوب، ودكانتي التي كنت أعيش منها تم تعفيشها وحرقها. لماذا رجعت؟ لا أعرف. جيراني مفقودون أو مقتولون أو نازحون. لا أعرف شيئاً عن غالبية أهلي بعد انقطاع التواصل معهم”. 

وأضاف: “نزحنا إلى لبنان بسبب إطلاق النار المكثف والعشوائي. لم أكن أستطيع تجاوز الخوف والرعب اللذين عاشهما أطفالي وزوجتي. قررت العودة الى قريتي. صحيح أن الأمان أفضل نسبياً، لكن سبل العيش شبه معدومة. لا أطباء، لا محالّ مفتوحة، ولا طرق تجارية لنقل البضائع أو المستلزمات اليومية”.
وختم قائلاً: “حركة العودة بطيئة، بخاصة أن عامل الثقة مفقود، والخوف لا يزال مستمراً”.

من جهته، قال رياض معروف (اسم مستعار)، وهو مسؤول في مديرية التربية في اللاذقية: “من يعود لا يفعل ذلك بنيّة الاستقرار، بل رغبة في تصفية أموره تمهيداً للهجرة النهائية. لماذا سيبقى؟ وأين؟ في مكان قُتل فيه الآباء والأبناء والنساء؟ هل لعاقل أن يتخيل قدرة أحد على العيش في منزل لا تزال تفوح منه رائحة الموت؟”.

استُبدلت رائحة الدم برائحة الزيزفون، ومناظر الجثث بمشاهد الغابات الخلابة، والغُبن والأسى في الصدور بطيبة أهل الدار وكرمهم… هكذا اختتمت رشا حديثها لـ”درج”.

14.04.2025
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية