fbpx

هل يعيق “حزب الثورة المصريّة” النساء ويقصيهنّ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن معرفة مصير الأزمة الاخيرة داخل “الدستور”، إلا أن المؤكد أن الحزب الذي بدأ كممثل لثورة يناير لاقى مصير الثورة نفسها كحلم لم يكتمل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كانت أحلامنا تلامس السماء عند تأسيس الحزب، فهو حزب ثورة يناير والمعبّر عنها، ويرأسه واحد من أهم أعضاء النخبة، محمد البرادعي، الذي كانت عودته من الخارج أحد إرهاصات الثورة الأولي، ولم نتخيل أن يؤول الى ما انتهى إليه الآن”.

العبارة السابقة تلخّص موقف ريهام الحكيم، واحدة من أعضاء الهيئة العليا الذين أصدروا بيان إسقاط عضوية رئيسة الحزب الحالية جميلة إسماعيل، الذي بموجبه أعلنت لجنة شؤون الأحزاب خلوّ منصب رئيس الحزب الى حين انعقاد مؤتمره العام، ليدخل حزب “الدستور” في دوامة القضاء الإداري بعد تقديمه طعناً على القرار بحسب البيان المنشور على صفحته في “فيسبوك”. 

سبق لـ8 أعضاء في الهيئة العليا للحزب أن أصدروا بياناً أعلنوا فيه إسقاط عضوية رئيسة الحزب الحالية  جميلة اسماعيل المنتخبة في 2022 من الهيئة العليا طبقاً للائحة الحزب، متّهمينها بأنها “تعمدت تجميد الهيئة العليا للحزب”، بالإضافة إلى “الانفراد بالقرار”، و”إقصاء معارضيها” في مخالفة للائحة الحزب.

أما الجبهة الثانية المؤيدة لرئيسة الحزب فردت بأن الهيئة العليا لم تجتمع لاتخاذ أي قرارات، وأن ما جرى هو مجرد جلسة ودية لـ 8 من أعضاء الهيئة العليا، بينهم ثلاثة أعضاء مفصولين، ولا يترتب عنها أي قرارات قانونية لعدم اكتمال النصاب.

“حزب الدستور” هو أحد أحزاب الثورة المصرية، انفرد عن أحزاب المعارضة كافة بأنه الحزب الوحيد الذي ترأسته سيدتان، هما هالة شكرالله وجميلة إسماعيل، لكن في فترة رئاستهما لم يخلُ الحزب من الخلافات، الأمر الذي يضع فرضية أن الحزب لا يقبل رئاسة النساء لذلك يعيقهن.

 أطراف الأزمة رفضوا هذه الفرضية، مؤكدين أن الطريقة التي تم تأسيس الحزب بها، هي التي أدخلته في صراعات بدأت من 2013، وذلك بعد أقل من عام على تأسيسه وحتى الآن.

محمد البرادعي يدخل السياسة

في تشرين الأول/ أكتوبر 2009، دعا الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، الى تأسيس مجلس أمناء لصياغة دستور جديد وقيادة مرحلة انتقالية يشرف عليها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، لضمان الانتقال الآمن للسلطة، ليُطرح اسم الدكتور محمد البرادعي للمرة الأولى في السياسة الداخلية المصرية، وتودشَّن بعدها حملة لدعم ترشيحه للرئاسة أمام مبارك بالتزامن مع عودته الى مصر في شباط/ فبراير 2010.

شكّلت هذه الحملة شرارة جديدة في الجهود المعارضة لاستمرار مبارك في الحكم، أو توريث ابنه جمال مبارك، واستمرت لتشكل واحدة من شرارات ثورة يناير، في انتظار الشراراتين الأخيرتين وهما تفجير كنيسة القديسين ومقتل الشاب خالد سعيد، ثم اندلاع الثورة التونسية وهروب بن علي.

بعد رحيل مبارك وتولّي المجلس العسكري الحكم، كان من المتوقع أن يكون البرادعي المرشح الأول للانتخابات الرئاسية، وبالفعل أعلن عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية في آذار/ مارس 2011، إلا أنه تراجع عن الترشح في بيان في كانون الثاني/ يناير 2012، معللاً ذلك  بأن المجلس العسكري الأعلى الذي يتولى شؤون البلاد منذ تنحّي مبارك “يأبى إلا أن يمضي فى الطريق القديم، وكأن ثورة لم تقم، وكأن نظاماً لم يسقط”.

مع غياب البرادعي عن السباق الرئاسي، جاءت فكرة تأسيس حزب يمثل الثورة وشبابها، يعمل على تهيئة وإصلاح الوضع السياسي لتحقيق أهداف الثورة. وقد شكّل الحزب عودة للبرادعي الى الواجهة السياسية مرة أخرى بعد غياب أشهر عدة عن الساحة، فيما جاء البيان التأسيسي للحزب من دون ذكر أيديولوجية محددة يمثلها الحزب.

جاء في البيان التأسيسي للحزب، أنه “يفتح أبوابه لكل أبناء الشعب، ولكل مدارس الفكر والعمل الرئيسية فيه، ابتداء من الإسلام السياسي، مروراً بالليبرالية وانتهاء بالراديكالية الاجتماعية والاشتراكية، لتجتمع حول أهداف الثورة من أجل حمايتها من كل محاولات الخطف من ناحية ومحاولات تصفيتها من ناحية أخرى”.

حزب بلا أيديولوجيا؟

تشير ريهام الحكيم، أمينة تنظيم حزب الدستور المفصولة بقرار هيئة التحكيم، والمنتخبة على قائمة جميلة إسماعيل، الى أن الحزب لم ينحصر في أيديولوجية محددة، وإنما كان يضم كل مؤمن بالثورة من كل التيارات، فمثلاً هي تميل الى الاشتراكية، بينما يمثل كثر من أعضاء الحزب التوجه الليبرالي، وسط زخم ثوري كبير، فتم جمع ما يزيد عن 20 ألف توكيل، تم التقدم للجنة شؤون الأحزاب بـ 11 ألف توكيل منها.

الزخم الثوري لم يمنع من حدوث خلاف في مرحلة التأسيس، حول هوية وكلاء المؤسسين بحسب ريهام، فتم اختيار المحامية الحقوقية راجية عمران في البداية، وصدرت توكيلات عدة باسمها، قبل أن يتم استبعادها خوفاً من سيطرة الاشتراكيين على الحزب، ويوضع بدلاً منها أحمد دراج ليصبح الوكلاء المؤسسين أحمد دراج والسفير سيد قاسم وأحمد حرارة بالإضافة إلى محمد البرادعي، ويتم تأسيس الحزب في آب/ أغسطس 2012.

لم تكن طريقة تأسيس الحزب عادية، إذ تم اختيار مجلس أمناء للحزب، وتشكيل هيئته العليا بالتعيين وليس بالانتخاب، وكان الحزب بحسب ريهام يتسم بـالنخبوية الشديدة، الأمر الذي سبب أزمات عدة في عامه الأول.

في كانون الثاني/ يناير، شهد الحزب أول أزماته، باعتصام عدد من شبابه احتجاجاً على قرارات البرادعي بإعادة تشكيل لجنة تسيير الأعمال بالحزب، وتعيين بسنت فهمي نائبة له، وتشكيل لجنة للإشراف على انتخابات مجلس النواب، مطالبين بإجراء انتخابات داخلية للحزب.

وشهد عام 2013 أيضاً رحيل البرادعي عن القاهرة، بعد تقديمه استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية الذي كلف به عقب 30 حزيران/ يونيو، وذلك احتجاجاً على فض اعتصام رابعة، لتنتهي حقبة البرادعي في حزب الدستور، وتبدأ سلسلة من الأزمات التي لا تنتهي.

رئاسة امرأة مسيحيّة 

في شباط/ فبراير 2014، خاض حزب الدستور أول انتخابات له، اختيرت خلالها هالة شكرالله أول رئيسة منتخبة للحزب في منافسة مع كل من جميلة اسماعيل وحسام عبد الغفار.

 وعلى رغم ارتفاع سقف الأمل مع تولّي شكرالله رئاسة الحزب، كونها سيدة مسيحية، إلا أن هذا الأمل لم يستمر كثيراً، إذ بدأت الأزمات تلاحقها داخل الحزب، واشتعلت المعركة بينها وبين مجلس الحكماء بسبب قرارات عدة كان منها مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي رأت شكرالله أنها تستجيب لإرادة قطاع واسع من شباب الحزب.

من جهته، رأى مجلس الحكماء أن شكرالله انفردت بالقرار، وأصرت على إجراء الانتخابات الداخلية في موعدها، وعدم إشراف مجلس الحكماء عليها لعدم حياديته، وهو ما رفضه المجلس، لتنتهي الأزمة بإعلان شكرالله استقالتها من رئاسة الحزب، واستقالة المتحدث الرسمي له خالد داود مع بقائه عضواً فيه.

بحسب محمد أبو العلا، رئيس مفوضية الانتخابات في حزب الدستور المؤيد لجبهة جميلة اسماعيل في تصريحاته لـ”درج”، ” فإن الأزمة داخل الحزب لا تتعلق بشخصية الرئيس بقدر ما تتعلق بأزمة تباين كتل داخله، كونه يضم منذ تأسيسه طيفاً واسعاً غير مجتمع على أيديولوجيا واحدة، وهو ما تسبب في محاولات كل كتلة السيطرة على الحزب، الأمر الذي يتسبب بدوره بتكرار الأزمات الداخلية، ففي فترة رئاسة هالة شكرالله كانت الكتلة اليسارية تسيطر على الحزب، وهو ما دفعني الى أخذ خطوة للخلف أثناء تلك الفترة رغم كوني عضواً في لجنة الحكماء”.

تتفق ريهام مع أبو العلا في وصفه صراع السيطرة على الحزب، فحسب رأيها تم اختيار هالة شكرالله لأنها شخصية توافقية، ولرفض كثر داخل الحزب ما اعتبروه محاولة جميلة اسماعيل السيطرة على قواعد الحزب، وهو ما تسبب في خلافات بينها وبين الكثير من أعضاء الحزب وقياداته، وعلى رغم ميلها الى جميلة اسماعيل، إلا أنها انتخبت هالة شكرالله لكونها شخصية لا خلاف عليها.

لم تنتهِ الخلافات باستقالة شكرالله، إذ ظلّ منصب الرئاسة خالياً لمدة عامين فشل خلالهما في إجراء أي انتخابات داخلية، لتبدأ أزمة الرئيسين بعد إعلان الهيئة العليا فوز خالد داود وقائمته بالتزكية في انتخابات عام 2017، وهو ما رفضه مجلس الحكماء. تمت الدعوة لإجراء انتخابات جديدة فاز فيها أحمد بيومي، لينقسم الحزب الى جبهتين، لكل جبهة منهما رئيس، حتى تدخل الوسطاء بعد عامين كاملين لحل الأزمة بانتخابات جديدة تنافس فيها علاء الخيام وأحمد بيومي فاز فيها الأول.

تصف ريهام الحكيم فترة الخيام بأنها فترة استقرار داخل الحزب من دون خلافات داخلية، لكنها كانت فترة التضييق الأمني بعد حملة اعتقالات واسعة شهدتها صفوف الحزب، وهو ما تسبب في ابتعاد كثر من أعضاء الحزب عن مقاراته، وانتهى الأمر بتجميد غير معلن لنشاطات الحزب مقابل الإفراج عن المعتقلين.

جميلة اسماعيل والصراعات

في 2022، بدأت محاولات إحياء الحزب مرة أخرى، فبحسب ريهام الحكيم تمت مراجعة قوائم عضوية الحزب مرة أخرى، وطُرحت مبادرة الإعفاء من السداد، لا سيما أن لائحة الحزب تشترط سداد العضو فيه اشتراك آخر سنة ليشارك في الجمعية العمومية، ومما يزيد عن 20 ألف توكيل، فيما لم تزد الجمعية العمومية للحزب عن 700 عضو فقط بعد مبادرة الإعفاء من سداد الاشتراكات.

شاركت ريهام الحكيم ضمن قائمة جميلة اسماعيل وفازت بمنصب أمين التنظيم والعضوية، وفازت الأخيرة برئاسة الحزب في منافسة جمعتها بخالد داود، الذي استقال من الحزب في تموز/ يوليو 2022، وانضم الى الحزب المصري الديمقراطي، وهو حزب يميل الى اليسار بينما تمثل جميلة اسماعيل التيار الليبرالي في الحزب، بخاصة وأن تجربتها السابقة كانت في حزب الغد، وهو حزب ليبرالي أيضاً.

بداية الصراع في الحزب كانت مع تأسيس التيار الليبرالي الحر، إذ أعلنت جميلة اسماعيل المشاركة فيه قبل موافقة الجمعية العمومية والهيئة العليا للحزب طبقاً للائحة، كما أنها حين شاركت في الاجتماعات التأسيسية للتيار، اكتفت أثناء تشاورها مع أمناء الحزب وأعضاء الهيئة العليا بالإشارة إليه باسم التيار الحر، من دون ذكر كلمة الليبرالي.

تفجرت الأزمة بشدة مع تصريحات عماد جاد، المتحدث الرسمي حول إسرائيل والعداء معها، وهو ما دفع قطاعاً عريضاً داخل الحزب الى رفض المشاركة في التيار. وبالفعل، أعيد طرح الانضمام الى التيار في اجتماع الهيئة العليا للحزب، وصدر قرار تعليق المشاركة، ثم انتهت الهيئة الى قرار انسحاب الحزب من التيار، وهو ما خالف إرادة جميلة اسماعيل، ولم تنشره حتى صدر قرار التيار الحر بتجميد نشاطه بعد أيام عدة.

 أما الأزمة الثانية للحزب، فحصلت في أيلول/ سبتمبر 2023، حين طلبت جميلة اسماعيل من الهيئة العليا إصدار قرار يطالبها بالترشح للانتخابات الرئاسية أسوة بالأحزاب الأخرى. وبالفعل صدر هذا القرار بعد تصويت الهيئة العليا لصالحه، وطبقاً للائحة فإن قرار ترشحه لا بد من التصويت عليه داخل الجمعية العمومية للحزب.

وهنا بدأت محاولة السيطرة على الجمعية العمومية بتقليل عددها، إذ أعلن أمين الصندوق قائمة بـ150 عضواً مسدداً للاشتراكات، وأخرى تضم ما يزيد عن مائة مشترك غير مسددّ للاشتراك، لامتناعه عن منح الأعضاء المسددين إيصالات، وهو ما رفضته أمينة التنظيم ريهام الحكيم، وأصرت على كشف الجمعية العمومية الذي يضم ما يزيد عن 700 عضو.

 ووسط رفضه التوقيع على هذا الكشف، ورفضها التوقيع على كشف 150 عضواً، فشل تنظيم الجمعية العمومية غير العادية لمناقشة ترشح جميلة اسماعيل. وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، انعقدت الجمعية العمومية بما يزيد عن 750 عضواً بعد إصرار 9 من أعضاء الهيئة العليا على ضرورة حضور الكشف العام، وهي الجمعية التي صوتت برفض ترشح جميلة اسماعيل، بخاصة بعد إعلانها عن مخاطبة نواب مستقبل وطن والتنسيقية للحصول على تزكيتهم للترشح، لتعلن بعدها نزولها عند رغبة الجمعية العمومية.

بعد هذه الازمة، بدأت تصفية الحسابات داخل الحزب، بإيقاف اثنين من أعضاء الهيئة العليا 3 أشهر بناء على شكاوى كيدية بالاعتداء على لجنة الانتخابات، وهو ما رفضته الهيئة العليا للحزب، ورفضت قرارات هيئة التحكيم التي أنشئت بقرار من رئيسة الحزب، وهو ما رفضته أيضاً جميلة اسماعيل، وعبرت عن رفضها من خلال تعطيل اجتماعات الهيئة العليا كافة التي يحضرها أي عضو من الاثنين.

 استمرّ تعطيل الاجتماعات لمدة 10 أشهر، قبل أن يفاجئ 3 من أعضاء الهيئة العليا بالفصل، اثنان منهم انتخبا على قائمة جميلة اسماعيل، وهما ريهام الحكيم ومحمد حمدون، إلا أن القرار رفضته لجنة شؤون الأحزاب لعدم اعتماد قرار إنشاء هيئة التحكيم، لتصل الأزمة الى الاجتماع الأخير الذي قرر إسقاط عضوية اسماعيل في الهيئة العليا، الذي أيدته لجنة شؤون الأحزاب، واعتبرته ريهام انتهاء لرحلة اختطاف الحزب من أعضائه لصالح اسماعيل.

رئاسة امرأة 

ضمن التسريبات التي تدور في أروقة الحزب، فإن معارضة جميلة اسماعيل تأتي من كونها امرأة، إلا أن ريهام الحكيم تعترض على ذلك مشيرة الى الانفراد في القرارات ومحاولة سيطرة كتلة على الحزب، والتباين الواضح في توجهات أعضائه، ومحاولة فرض أيديولوجيا أو توجهات بعينها على الحزب. إلا أن أزمة الحزب في عهد جميلة اسماعيل قد تقف حائلاً أمام نساء أخريات في تولّي مناصب حزبية. وعلى رغم انشقاق عشرات الأحزاب في وجود رؤساء رجال إلا أن الجميع سيذكر فقط أزمة حزب الدستور لأن رئيسته امرأة.

وعلى رغم وقوفهما على طرفي نقيض، يتفق محمد أبو العلا مع ريهام الحكيم قائلاً: “الأزمة ليست في أن رئيسة الحزب امرأة، فلا مشلكة لدى أعضاء الحزب مع ذلك، وإنما في محاولات السيطرة، فالتيار الذي سيطر على الحزب في فترة رئاسة شكرالله هو الذي يحاول السيطرة على الحزب الآن، والتيارات الموجودة داخل الحزب أكبر من أن يحتويها حزب واحد، وكل كتلة تتحسس مسدسها حين تلتقي بالأخري، ويصبح كل قرار محل تشكيك. لذلك، فأن الأزمات مستمرة منذ تأسيس الحزب حتى الآن.

وأوضح أبو العلا أنه ليس طرفاً في الأزمة الاخيرة، لكن طبقاً للقانون واللائحة الحزبية، فإن البيان الأخير المنسوب الى الهيئة العليا صادر عن جلسة ودية وليس عن اجتماع للهيئة العليا، وبالتالي لا محل له من الإعراب، كما أن الاتهامات التي يتم سوقها ضد رئيسة الحزب هي اتهامات واهية، فهي لم تجمد الهيئة العليا، كما أن الأفراد الذين يدعون أنها خالفت قرار الحزب بالترشح هم الذين كانوا يطالبونها في اجتماعات الهيئة العليا بضرورة حسم موقفها من الترشح لضيق الوقت.

وحول قرار لجنة شؤون الأحزاب، يقول أبو العلا: “القرار معيب من نواحٍ عدة، الأولى هي حفظ عدد من الإخطارات التى سبق وقدمها الحزب، بالإضافة إلى استخدام اللجنة سلطة ليست من حقها، وإصرارها على استخدام لائحة الحزب القديمة التى ألغيت، واستبدلت بلائحة 2018، ونحن ننتظر قرار نظر القضاء الإداري للطعن، الذي نتوقع أن يكون لصالحنا”.

لا توجد أحزاب 

الأزمة ليست في قيادة المرأة للحزب ولكن في أنه لا يوجد حزب من الأساس، بهذه العبارة افتتح الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية حديثه لـ درج قائلاً: “لا توجد أحزاب حقيقية، والجميع يعرف ذلك من دون شك، وما يزيد الأزمة هو استبدال نظام الأحزاب بكيانات أسوأ مثل اتحاد القبائل”.

وأوضح ربيع أن الأحزاب لم يعد لديها جمهور في مصر، فعلى رغم وجود ما يزيد عن مائة حزب إلا أن عدد المنتمين إليها لا يزيد عن 0.5 في المئة من الجمهور المؤهل للانضمام، لا سيما أنه بعد ثورة يناير حدثت حالة “اسهال حزبي”، فتم تأسيس عشرات الأحزاب من دون أن يكون لها جمهور حقيقي، كما أن حالة التضييق الأمني على الأحزاب وحبسها داخل مقراتها يمكن اعتباره سبباً لكثرة الأزمات، لأن الأعضاء لديهم حالة من الغضب، وليس أمامهم سوى بعضهم البعض لتفريغ هذا الغضب”.

لا يمكن معرفة مصير الأزمة الاخيرة داخل “الدستور”، إلا أن المؤكد أن الحزب الذي بدأ كممثل لثورة يناير لاقى مصير الثورة نفسها كحلم لم يكتمل.

23.09.2024
زمن القراءة: 10 minutes

لا يمكن معرفة مصير الأزمة الاخيرة داخل “الدستور”، إلا أن المؤكد أن الحزب الذي بدأ كممثل لثورة يناير لاقى مصير الثورة نفسها كحلم لم يكتمل.

“كانت أحلامنا تلامس السماء عند تأسيس الحزب، فهو حزب ثورة يناير والمعبّر عنها، ويرأسه واحد من أهم أعضاء النخبة، محمد البرادعي، الذي كانت عودته من الخارج أحد إرهاصات الثورة الأولي، ولم نتخيل أن يؤول الى ما انتهى إليه الآن”.

العبارة السابقة تلخّص موقف ريهام الحكيم، واحدة من أعضاء الهيئة العليا الذين أصدروا بيان إسقاط عضوية رئيسة الحزب الحالية جميلة إسماعيل، الذي بموجبه أعلنت لجنة شؤون الأحزاب خلوّ منصب رئيس الحزب الى حين انعقاد مؤتمره العام، ليدخل حزب “الدستور” في دوامة القضاء الإداري بعد تقديمه طعناً على القرار بحسب البيان المنشور على صفحته في “فيسبوك”. 

سبق لـ8 أعضاء في الهيئة العليا للحزب أن أصدروا بياناً أعلنوا فيه إسقاط عضوية رئيسة الحزب الحالية  جميلة اسماعيل المنتخبة في 2022 من الهيئة العليا طبقاً للائحة الحزب، متّهمينها بأنها “تعمدت تجميد الهيئة العليا للحزب”، بالإضافة إلى “الانفراد بالقرار”، و”إقصاء معارضيها” في مخالفة للائحة الحزب.

أما الجبهة الثانية المؤيدة لرئيسة الحزب فردت بأن الهيئة العليا لم تجتمع لاتخاذ أي قرارات، وأن ما جرى هو مجرد جلسة ودية لـ 8 من أعضاء الهيئة العليا، بينهم ثلاثة أعضاء مفصولين، ولا يترتب عنها أي قرارات قانونية لعدم اكتمال النصاب.

“حزب الدستور” هو أحد أحزاب الثورة المصرية، انفرد عن أحزاب المعارضة كافة بأنه الحزب الوحيد الذي ترأسته سيدتان، هما هالة شكرالله وجميلة إسماعيل، لكن في فترة رئاستهما لم يخلُ الحزب من الخلافات، الأمر الذي يضع فرضية أن الحزب لا يقبل رئاسة النساء لذلك يعيقهن.

 أطراف الأزمة رفضوا هذه الفرضية، مؤكدين أن الطريقة التي تم تأسيس الحزب بها، هي التي أدخلته في صراعات بدأت من 2013، وذلك بعد أقل من عام على تأسيسه وحتى الآن.

محمد البرادعي يدخل السياسة

في تشرين الأول/ أكتوبر 2009، دعا الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، الى تأسيس مجلس أمناء لصياغة دستور جديد وقيادة مرحلة انتقالية يشرف عليها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، لضمان الانتقال الآمن للسلطة، ليُطرح اسم الدكتور محمد البرادعي للمرة الأولى في السياسة الداخلية المصرية، وتودشَّن بعدها حملة لدعم ترشيحه للرئاسة أمام مبارك بالتزامن مع عودته الى مصر في شباط/ فبراير 2010.

شكّلت هذه الحملة شرارة جديدة في الجهود المعارضة لاستمرار مبارك في الحكم، أو توريث ابنه جمال مبارك، واستمرت لتشكل واحدة من شرارات ثورة يناير، في انتظار الشراراتين الأخيرتين وهما تفجير كنيسة القديسين ومقتل الشاب خالد سعيد، ثم اندلاع الثورة التونسية وهروب بن علي.

بعد رحيل مبارك وتولّي المجلس العسكري الحكم، كان من المتوقع أن يكون البرادعي المرشح الأول للانتخابات الرئاسية، وبالفعل أعلن عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية في آذار/ مارس 2011، إلا أنه تراجع عن الترشح في بيان في كانون الثاني/ يناير 2012، معللاً ذلك  بأن المجلس العسكري الأعلى الذي يتولى شؤون البلاد منذ تنحّي مبارك “يأبى إلا أن يمضي فى الطريق القديم، وكأن ثورة لم تقم، وكأن نظاماً لم يسقط”.

مع غياب البرادعي عن السباق الرئاسي، جاءت فكرة تأسيس حزب يمثل الثورة وشبابها، يعمل على تهيئة وإصلاح الوضع السياسي لتحقيق أهداف الثورة. وقد شكّل الحزب عودة للبرادعي الى الواجهة السياسية مرة أخرى بعد غياب أشهر عدة عن الساحة، فيما جاء البيان التأسيسي للحزب من دون ذكر أيديولوجية محددة يمثلها الحزب.

جاء في البيان التأسيسي للحزب، أنه “يفتح أبوابه لكل أبناء الشعب، ولكل مدارس الفكر والعمل الرئيسية فيه، ابتداء من الإسلام السياسي، مروراً بالليبرالية وانتهاء بالراديكالية الاجتماعية والاشتراكية، لتجتمع حول أهداف الثورة من أجل حمايتها من كل محاولات الخطف من ناحية ومحاولات تصفيتها من ناحية أخرى”.

حزب بلا أيديولوجيا؟

تشير ريهام الحكيم، أمينة تنظيم حزب الدستور المفصولة بقرار هيئة التحكيم، والمنتخبة على قائمة جميلة إسماعيل، الى أن الحزب لم ينحصر في أيديولوجية محددة، وإنما كان يضم كل مؤمن بالثورة من كل التيارات، فمثلاً هي تميل الى الاشتراكية، بينما يمثل كثر من أعضاء الحزب التوجه الليبرالي، وسط زخم ثوري كبير، فتم جمع ما يزيد عن 20 ألف توكيل، تم التقدم للجنة شؤون الأحزاب بـ 11 ألف توكيل منها.

الزخم الثوري لم يمنع من حدوث خلاف في مرحلة التأسيس، حول هوية وكلاء المؤسسين بحسب ريهام، فتم اختيار المحامية الحقوقية راجية عمران في البداية، وصدرت توكيلات عدة باسمها، قبل أن يتم استبعادها خوفاً من سيطرة الاشتراكيين على الحزب، ويوضع بدلاً منها أحمد دراج ليصبح الوكلاء المؤسسين أحمد دراج والسفير سيد قاسم وأحمد حرارة بالإضافة إلى محمد البرادعي، ويتم تأسيس الحزب في آب/ أغسطس 2012.

لم تكن طريقة تأسيس الحزب عادية، إذ تم اختيار مجلس أمناء للحزب، وتشكيل هيئته العليا بالتعيين وليس بالانتخاب، وكان الحزب بحسب ريهام يتسم بـالنخبوية الشديدة، الأمر الذي سبب أزمات عدة في عامه الأول.

في كانون الثاني/ يناير، شهد الحزب أول أزماته، باعتصام عدد من شبابه احتجاجاً على قرارات البرادعي بإعادة تشكيل لجنة تسيير الأعمال بالحزب، وتعيين بسنت فهمي نائبة له، وتشكيل لجنة للإشراف على انتخابات مجلس النواب، مطالبين بإجراء انتخابات داخلية للحزب.

وشهد عام 2013 أيضاً رحيل البرادعي عن القاهرة، بعد تقديمه استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية الذي كلف به عقب 30 حزيران/ يونيو، وذلك احتجاجاً على فض اعتصام رابعة، لتنتهي حقبة البرادعي في حزب الدستور، وتبدأ سلسلة من الأزمات التي لا تنتهي.

رئاسة امرأة مسيحيّة 

في شباط/ فبراير 2014، خاض حزب الدستور أول انتخابات له، اختيرت خلالها هالة شكرالله أول رئيسة منتخبة للحزب في منافسة مع كل من جميلة اسماعيل وحسام عبد الغفار.

 وعلى رغم ارتفاع سقف الأمل مع تولّي شكرالله رئاسة الحزب، كونها سيدة مسيحية، إلا أن هذا الأمل لم يستمر كثيراً، إذ بدأت الأزمات تلاحقها داخل الحزب، واشتعلت المعركة بينها وبين مجلس الحكماء بسبب قرارات عدة كان منها مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي رأت شكرالله أنها تستجيب لإرادة قطاع واسع من شباب الحزب.

من جهته، رأى مجلس الحكماء أن شكرالله انفردت بالقرار، وأصرت على إجراء الانتخابات الداخلية في موعدها، وعدم إشراف مجلس الحكماء عليها لعدم حياديته، وهو ما رفضه المجلس، لتنتهي الأزمة بإعلان شكرالله استقالتها من رئاسة الحزب، واستقالة المتحدث الرسمي له خالد داود مع بقائه عضواً فيه.

بحسب محمد أبو العلا، رئيس مفوضية الانتخابات في حزب الدستور المؤيد لجبهة جميلة اسماعيل في تصريحاته لـ”درج”، ” فإن الأزمة داخل الحزب لا تتعلق بشخصية الرئيس بقدر ما تتعلق بأزمة تباين كتل داخله، كونه يضم منذ تأسيسه طيفاً واسعاً غير مجتمع على أيديولوجيا واحدة، وهو ما تسبب في محاولات كل كتلة السيطرة على الحزب، الأمر الذي يتسبب بدوره بتكرار الأزمات الداخلية، ففي فترة رئاسة هالة شكرالله كانت الكتلة اليسارية تسيطر على الحزب، وهو ما دفعني الى أخذ خطوة للخلف أثناء تلك الفترة رغم كوني عضواً في لجنة الحكماء”.

تتفق ريهام مع أبو العلا في وصفه صراع السيطرة على الحزب، فحسب رأيها تم اختيار هالة شكرالله لأنها شخصية توافقية، ولرفض كثر داخل الحزب ما اعتبروه محاولة جميلة اسماعيل السيطرة على قواعد الحزب، وهو ما تسبب في خلافات بينها وبين الكثير من أعضاء الحزب وقياداته، وعلى رغم ميلها الى جميلة اسماعيل، إلا أنها انتخبت هالة شكرالله لكونها شخصية لا خلاف عليها.

لم تنتهِ الخلافات باستقالة شكرالله، إذ ظلّ منصب الرئاسة خالياً لمدة عامين فشل خلالهما في إجراء أي انتخابات داخلية، لتبدأ أزمة الرئيسين بعد إعلان الهيئة العليا فوز خالد داود وقائمته بالتزكية في انتخابات عام 2017، وهو ما رفضه مجلس الحكماء. تمت الدعوة لإجراء انتخابات جديدة فاز فيها أحمد بيومي، لينقسم الحزب الى جبهتين، لكل جبهة منهما رئيس، حتى تدخل الوسطاء بعد عامين كاملين لحل الأزمة بانتخابات جديدة تنافس فيها علاء الخيام وأحمد بيومي فاز فيها الأول.

تصف ريهام الحكيم فترة الخيام بأنها فترة استقرار داخل الحزب من دون خلافات داخلية، لكنها كانت فترة التضييق الأمني بعد حملة اعتقالات واسعة شهدتها صفوف الحزب، وهو ما تسبب في ابتعاد كثر من أعضاء الحزب عن مقاراته، وانتهى الأمر بتجميد غير معلن لنشاطات الحزب مقابل الإفراج عن المعتقلين.

جميلة اسماعيل والصراعات

في 2022، بدأت محاولات إحياء الحزب مرة أخرى، فبحسب ريهام الحكيم تمت مراجعة قوائم عضوية الحزب مرة أخرى، وطُرحت مبادرة الإعفاء من السداد، لا سيما أن لائحة الحزب تشترط سداد العضو فيه اشتراك آخر سنة ليشارك في الجمعية العمومية، ومما يزيد عن 20 ألف توكيل، فيما لم تزد الجمعية العمومية للحزب عن 700 عضو فقط بعد مبادرة الإعفاء من سداد الاشتراكات.

شاركت ريهام الحكيم ضمن قائمة جميلة اسماعيل وفازت بمنصب أمين التنظيم والعضوية، وفازت الأخيرة برئاسة الحزب في منافسة جمعتها بخالد داود، الذي استقال من الحزب في تموز/ يوليو 2022، وانضم الى الحزب المصري الديمقراطي، وهو حزب يميل الى اليسار بينما تمثل جميلة اسماعيل التيار الليبرالي في الحزب، بخاصة وأن تجربتها السابقة كانت في حزب الغد، وهو حزب ليبرالي أيضاً.

بداية الصراع في الحزب كانت مع تأسيس التيار الليبرالي الحر، إذ أعلنت جميلة اسماعيل المشاركة فيه قبل موافقة الجمعية العمومية والهيئة العليا للحزب طبقاً للائحة، كما أنها حين شاركت في الاجتماعات التأسيسية للتيار، اكتفت أثناء تشاورها مع أمناء الحزب وأعضاء الهيئة العليا بالإشارة إليه باسم التيار الحر، من دون ذكر كلمة الليبرالي.

تفجرت الأزمة بشدة مع تصريحات عماد جاد، المتحدث الرسمي حول إسرائيل والعداء معها، وهو ما دفع قطاعاً عريضاً داخل الحزب الى رفض المشاركة في التيار. وبالفعل، أعيد طرح الانضمام الى التيار في اجتماع الهيئة العليا للحزب، وصدر قرار تعليق المشاركة، ثم انتهت الهيئة الى قرار انسحاب الحزب من التيار، وهو ما خالف إرادة جميلة اسماعيل، ولم تنشره حتى صدر قرار التيار الحر بتجميد نشاطه بعد أيام عدة.

 أما الأزمة الثانية للحزب، فحصلت في أيلول/ سبتمبر 2023، حين طلبت جميلة اسماعيل من الهيئة العليا إصدار قرار يطالبها بالترشح للانتخابات الرئاسية أسوة بالأحزاب الأخرى. وبالفعل صدر هذا القرار بعد تصويت الهيئة العليا لصالحه، وطبقاً للائحة فإن قرار ترشحه لا بد من التصويت عليه داخل الجمعية العمومية للحزب.

وهنا بدأت محاولة السيطرة على الجمعية العمومية بتقليل عددها، إذ أعلن أمين الصندوق قائمة بـ150 عضواً مسدداً للاشتراكات، وأخرى تضم ما يزيد عن مائة مشترك غير مسددّ للاشتراك، لامتناعه عن منح الأعضاء المسددين إيصالات، وهو ما رفضته أمينة التنظيم ريهام الحكيم، وأصرت على كشف الجمعية العمومية الذي يضم ما يزيد عن 700 عضو.

 ووسط رفضه التوقيع على هذا الكشف، ورفضها التوقيع على كشف 150 عضواً، فشل تنظيم الجمعية العمومية غير العادية لمناقشة ترشح جميلة اسماعيل. وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، انعقدت الجمعية العمومية بما يزيد عن 750 عضواً بعد إصرار 9 من أعضاء الهيئة العليا على ضرورة حضور الكشف العام، وهي الجمعية التي صوتت برفض ترشح جميلة اسماعيل، بخاصة بعد إعلانها عن مخاطبة نواب مستقبل وطن والتنسيقية للحصول على تزكيتهم للترشح، لتعلن بعدها نزولها عند رغبة الجمعية العمومية.

بعد هذه الازمة، بدأت تصفية الحسابات داخل الحزب، بإيقاف اثنين من أعضاء الهيئة العليا 3 أشهر بناء على شكاوى كيدية بالاعتداء على لجنة الانتخابات، وهو ما رفضته الهيئة العليا للحزب، ورفضت قرارات هيئة التحكيم التي أنشئت بقرار من رئيسة الحزب، وهو ما رفضته أيضاً جميلة اسماعيل، وعبرت عن رفضها من خلال تعطيل اجتماعات الهيئة العليا كافة التي يحضرها أي عضو من الاثنين.

 استمرّ تعطيل الاجتماعات لمدة 10 أشهر، قبل أن يفاجئ 3 من أعضاء الهيئة العليا بالفصل، اثنان منهم انتخبا على قائمة جميلة اسماعيل، وهما ريهام الحكيم ومحمد حمدون، إلا أن القرار رفضته لجنة شؤون الأحزاب لعدم اعتماد قرار إنشاء هيئة التحكيم، لتصل الأزمة الى الاجتماع الأخير الذي قرر إسقاط عضوية اسماعيل في الهيئة العليا، الذي أيدته لجنة شؤون الأحزاب، واعتبرته ريهام انتهاء لرحلة اختطاف الحزب من أعضائه لصالح اسماعيل.

رئاسة امرأة 

ضمن التسريبات التي تدور في أروقة الحزب، فإن معارضة جميلة اسماعيل تأتي من كونها امرأة، إلا أن ريهام الحكيم تعترض على ذلك مشيرة الى الانفراد في القرارات ومحاولة سيطرة كتلة على الحزب، والتباين الواضح في توجهات أعضائه، ومحاولة فرض أيديولوجيا أو توجهات بعينها على الحزب. إلا أن أزمة الحزب في عهد جميلة اسماعيل قد تقف حائلاً أمام نساء أخريات في تولّي مناصب حزبية. وعلى رغم انشقاق عشرات الأحزاب في وجود رؤساء رجال إلا أن الجميع سيذكر فقط أزمة حزب الدستور لأن رئيسته امرأة.

وعلى رغم وقوفهما على طرفي نقيض، يتفق محمد أبو العلا مع ريهام الحكيم قائلاً: “الأزمة ليست في أن رئيسة الحزب امرأة، فلا مشلكة لدى أعضاء الحزب مع ذلك، وإنما في محاولات السيطرة، فالتيار الذي سيطر على الحزب في فترة رئاسة شكرالله هو الذي يحاول السيطرة على الحزب الآن، والتيارات الموجودة داخل الحزب أكبر من أن يحتويها حزب واحد، وكل كتلة تتحسس مسدسها حين تلتقي بالأخري، ويصبح كل قرار محل تشكيك. لذلك، فأن الأزمات مستمرة منذ تأسيس الحزب حتى الآن.

وأوضح أبو العلا أنه ليس طرفاً في الأزمة الاخيرة، لكن طبقاً للقانون واللائحة الحزبية، فإن البيان الأخير المنسوب الى الهيئة العليا صادر عن جلسة ودية وليس عن اجتماع للهيئة العليا، وبالتالي لا محل له من الإعراب، كما أن الاتهامات التي يتم سوقها ضد رئيسة الحزب هي اتهامات واهية، فهي لم تجمد الهيئة العليا، كما أن الأفراد الذين يدعون أنها خالفت قرار الحزب بالترشح هم الذين كانوا يطالبونها في اجتماعات الهيئة العليا بضرورة حسم موقفها من الترشح لضيق الوقت.

وحول قرار لجنة شؤون الأحزاب، يقول أبو العلا: “القرار معيب من نواحٍ عدة، الأولى هي حفظ عدد من الإخطارات التى سبق وقدمها الحزب، بالإضافة إلى استخدام اللجنة سلطة ليست من حقها، وإصرارها على استخدام لائحة الحزب القديمة التى ألغيت، واستبدلت بلائحة 2018، ونحن ننتظر قرار نظر القضاء الإداري للطعن، الذي نتوقع أن يكون لصالحنا”.

لا توجد أحزاب 

الأزمة ليست في قيادة المرأة للحزب ولكن في أنه لا يوجد حزب من الأساس، بهذه العبارة افتتح الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية حديثه لـ درج قائلاً: “لا توجد أحزاب حقيقية، والجميع يعرف ذلك من دون شك، وما يزيد الأزمة هو استبدال نظام الأحزاب بكيانات أسوأ مثل اتحاد القبائل”.

وأوضح ربيع أن الأحزاب لم يعد لديها جمهور في مصر، فعلى رغم وجود ما يزيد عن مائة حزب إلا أن عدد المنتمين إليها لا يزيد عن 0.5 في المئة من الجمهور المؤهل للانضمام، لا سيما أنه بعد ثورة يناير حدثت حالة “اسهال حزبي”، فتم تأسيس عشرات الأحزاب من دون أن يكون لها جمهور حقيقي، كما أن حالة التضييق الأمني على الأحزاب وحبسها داخل مقراتها يمكن اعتباره سبباً لكثرة الأزمات، لأن الأعضاء لديهم حالة من الغضب، وليس أمامهم سوى بعضهم البعض لتفريغ هذا الغضب”.

لا يمكن معرفة مصير الأزمة الاخيرة داخل “الدستور”، إلا أن المؤكد أن الحزب الذي بدأ كممثل لثورة يناير لاقى مصير الثورة نفسها كحلم لم يكتمل.