fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هل يقطع مقتدى الصدر حبل السُرّة مع النظام الإيراني؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اليوم، هناك فرصة سانحة للصدر مع احتمال تفكّك قوى “الإطار التنسيقي”، التحالف الشيعي الأوسع في العراق، الى قوائم انتخابية عدة، لكن هناك مجموعة تساؤلات تمهيدية لهذه العودة. هل سيفكّ الصدر حبل السرّة مع النظام الإيراني بعد إزاحة مرشده الحائري؟ وهل أخذ الغطاء الذي يعتبره كافياً من السيستاني؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عود على بدء لمقتدى الصدر، كعادته يتقدم ويتراجع، يهاجم ويهادن في الزمان والمكان اللذين يختارهما، في جعبته خزان مناصرين يجعلونه الرقم الصعب في المعادلة من دون إعطائه التفويض الكافي لحكم العراق. نهاية الشهر الماضي، دعا الصدر مناصريه مرة أخرى الى الخروج من مقاعد الاحتياط بعد غياب طويل عن الساحة السياسية، نحو 32 شهراً، وقبل 7 أشهر من الانتخابات التشريعية في شهر تشرين الاول/ أكتوبر المقبل.

قرار العودة هذا بدأ التخطيط له تدريجياً منذ نحو عام، في سيارة الميتسوبيشي التي قُتل فيها والده محمد صادق الصدر عام 1999، وصل مقتدى الصدر في شهر آذار/ مارس 2024 إلى مقر المرجع الديني علي السيستاني في الأزقة الضيقة المتفرّعة من شارع الرسول وسط مدينة النجف. بعدها بنحو شهر، أعطى الصدر المؤشر الأول لعودته المحتومة عندما غيّر اسم التيار السياسي الذي يقوده.

التيار الصدري أصبح “التيار الوطني الشيعي” في نيسان/ أبريل الماضي، كأنه تغيير “علامة تجارية” لتوجيه رسائل متعددة، هي أولاً أن التيار لا يُختصر بمقتدى الصدر فقط، وهذا مشكوك فيه بطبيعة الحال، ثانياً اقتصار نفوذ التيار على شيعة العراق لينافس التيارات التقليدية التي تحتكر التمثيل الشيعي ومنعته من تشكيل حكومات سابقة، وثالثاً التشديد على الوطنية في هذا البعد الشيعي مقارنة مع ولاء التيارات الشيعية التقليدية لإيران. 

لفهم معاني هذه العودة لا بد من إعادة قراءة سياق هذا الاعتكاف الأخير. إذ أعلن الصدر في 15 تموز/ يوليو2021 اعتزامه مقاطعة الانتخابات النيابية الحاصلة في تشرين الأول/ أكتوبر2021 بحجة الفساد والتزوير، قبل أن يعود ويتراجع عن هذا القرار في 27 آب/ أغسطس 2021 بعد “ورقة الإصلاح” التي أرسلها له الساسة الفاسدون أنفسهم، وشكّلت مخرجاً لتراجعه عن المقاطعة.

بعد 8 أشهر فقط، وبحجة عدم التزام الساسة بورقة الإصلاح، سحب الصدر في حزيران/ يونيو 2022 نوابه من البرلمان، وهذا يعني عملياً مصادرة التكليف الشعبي لكتلته بعدما عجز عن تشكيل حكومة غالبية، ما يعكس ليس فقط ميله الى التفرّد بالقرارات داخل تياره بل أيضاً الأزمات البنيوية في النظام السياسي العراقي. 

بعدها، في شهر آب/ أغسطس 2022، اقتحم أنصار الصدر البرلمان واشتبكوا مع القوى الأمنية العراقية قبل أن يأمرهم بالانسحاب فوراً من الشارع ويعلن ما سمّاه حينها الاعتزال النهائي من العمل السياسي. لكن حصلت أيضاً تطورات دينية فرضت اعتكاف الصدر بعد تعرّضه لانتقادات من مرشده السابق المقيم في إيران كاظم الحائري، الذي تنازل عن مرجعيته الدينية وطلب من أنصاره في العراق اتباع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إجراء اعتبره الصدر رسالة إيرانية مباشرة له، ليعلن بعدها إغلاق معظم مؤسساته.

عدم الثبات هذا ليس استثناء في مسيرة الصدر المليئة بدورات الاعتكاف والعودة منذ عام 2013، في فترات تزامنت مع تعرّضه لضغوط إيرانية أو عدم تمكّنه من تحقيق أهداف سياسية. فقد سحب الصدر كتلته من البرلمان والحكومة لفترة شهر فقط في آب/ أغسطس 2013، كما اعتزل العمل السياسي وأغلق مؤسساته لفترة شهرين في شهر شباط/ فبراير 2014، حين دعمت حوزات قم والنجف خصمه نوري المالكي، في رسالة إيرانية فهمها الصدر الذي عاد وشارك في الانتخابات التشريعية في نيسان/ أبريل 2014. 

كما جمّد في نيسان/ أبريل 2016 كتلته البرلمانية “الأحرار” لفترة ستة أشهر بهدف الضغط لتغيير هيئة رئاسة مجلس النواب، ثم أغلق معظم مكاتب تياره في تموز/ يوليو 2016 قبل أن يُنهي بعد 3 أشهر مقاطعة اجتماعات التحالف الوطني الذي كان حينها أكبر كتلة برلمانية. هذا وأعلن الصدر اعتكافه العمل السياسي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وعدم تقديم تحالف “سائرون” الداعم له أي مرشح لحكومة عادل عبد المهدي، قبل أن يُغلق في كانون الأول/ ديسمبر 2019 كل مؤسسات تياره، باستثناء ميليشيا “القبعات الزرقاء”. 

للصدر أيضاً جولات في مواجهة السلطة الحاكمة في العراق حتى قبل انضوائه تحت سقف النظام السياسي العراقي. إذ جمّد في آب/ أغسطس 2007 أنشطة جيش المهدي لإعادة تنظيمه بعد ضلوعه في عمليات قتل في كربلاء، قبل أن يعلن نهاية عام 2008 “لواء اليوم الموعود” الذي واجه الاحتلال الأميركي. 

دفع الصدر ثمن التقارب الأميركي-الإيراني في العراق، وتوارى عن الأنظار ليذهب الى مدينة قم عام 2008 لمتابعة دروس في الحوزة العلمية تحت إشراف الحائري، ليحصل على مرتبة الاجتهاد، إذ استثمر النظام الإيراني في تعزيز مكانة الصدر تمهيداً لعودته الى العراق عام 2011، لكنه لم يتمكّن من السيطرة عليه منذ عودته، كما أن دراسته في قم لم تجعله مرجعاً دينياً قادراً على منافسة السيستاني.

إذاً، ماذا تغيّر الآن منذ اعتزاله الآخير عام 2022؟ هل أضحى الساسة العراقيون أقل فساداً؟ هل تغيّرت الديناميات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية؟ يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى احتواء إيران في العراق كما بدا واضحاً في قرار البيت الأبيض الشهر الماضي، إلغاء الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من طهران، ومنع إيران من استخدام النظام المالي العراقي. لم يتضح بعد ما إذا دخل كل من واشنطن وطهران على مسار تفاوض أو مواجهة، وهذا سينعكس على العراق عموماً، وعلى عودة الصدر الى السياسة بخاصة.

أمام مقتدى الصدر تحدّي توضيح طبيعة علاقته بالنظام الإيراني وحلفائه من التيارات التقليدية الشيعية في العراق لا سيما أن علاقته مع إيران أصبحت أكثر تعقيداً الآن. خسر الصدر أيضاً مرجعية الحائري في قم، التي كان يتكئ عليها، وبالتالي عليه الاستناد إلى مرجعية السيستاني. وبعد اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله في أيلول/ سبتمبر الماضي، فقد أيضاً قناة وساطة مع حلفاء إيران، هذا يعني أن تقاطع مصالحه مع هذا المحور قد يكون مستبعداً في المدى المنظور. 

سيظل يردد الصدر قوله “ما كنت شرقياً ولا غربياً”، ما يعني استمراره في سياسة متقلّبة ومرنة، إذ يهادن الأميركيين ولا يقاطع الإيرانيين. وما يطمح إليه هو أن يكون المرجعية السياسية لشيعة العراق بالتوازي مع مرجعية السيستاني الدينية، لكن العائق الرئيسي هو إيران وحلفاؤها في العراق وحتى أميركا وحلفائها في بعض الأحيان. 

يحمل الصدر لواء مكافحة الفساد لكنه شارك في الحكومات العراقية منذ نحو عقدين من الزمن، كما واجه المتظاهرين بالنار في ساحة الصدرين في شباط/ فبراير 2020 عند رفضهم مرشحه لرئاسة الحكومة محمد توفيق علاوي. توسّط النظام الإيراني بين المالكي والصدر ليحصل الأخير على 8 وزراء في حكومة المالكي الثانية عام 2010، كما أبرم صفقة لدخول حكومة عادل عبد المهدي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

عدم الثبات هذا قد يُربك مناصري الصدر برغم ولائهم له. وهو حتى الآن، لم يتمكّن من توسيع رقعة قاعدته الشعبية وتحالفاته السياسية، وهذا التحدي سيبقى عائقاً أمام تشكيله حكومة غالبية مهما اعتكف وعاد إلى الحياة السياسية. حكومات الغالبية التي يسعى إليها الصدر قد تكون أكثر فعالية وأقل فساداً من الحكومات التوافقية التي تفضلها الطبقة السياسية العراقية، لكن التنقل بين الاعتكاف والعودة الى الحياة السياسية يُفقده مصداقية الأداء ويعكس حاجته الى التواضع أمام أهمية التكليف الشعبي في الانتخابات مهما كانت التحديات والعوائق. 

في بداية عام 2022، تمسّك الصدر بموقف حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بدل دعم عودة مصطفى الكاظمي الى رئاسة الحكومة، ما أدى إلى انهيار تحالفه الثلاثي مع مسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي.

اليوم، هناك فرصة سانحة للصدر مع احتمال تفكّك قوى “الإطار التنسيقي”، التحالف الشيعي الأوسع في العراق، الى قوائم انتخابية عدة، لكن هناك مجموعة تساؤلات تمهيدية لهذه العودة. هل سيفكّ الصدر حبل السرّة مع النظام الإيراني بعد إزاحة مرشده الحائري؟ وهل أخذ الغطاء الذي يعتبره كافياً من السيستاني؟ إذا لم يتمكن الصدر من تشكيل حكومة غالبية بعد الانتخابات المقبلة، هل يخوض المواجهة السياسية مع خصومه أو يعود الى الاعتكاف مرة أخرى؟ هل سيبقى مهووساً بفكرة حكم العراق كما كان مهووساً بخصومة المالكي؟ أو يكون صانع رؤساء حكومات العراق؟

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
11.03.2025
زمن القراءة: 6 minutes

اليوم، هناك فرصة سانحة للصدر مع احتمال تفكّك قوى “الإطار التنسيقي”، التحالف الشيعي الأوسع في العراق، الى قوائم انتخابية عدة، لكن هناك مجموعة تساؤلات تمهيدية لهذه العودة. هل سيفكّ الصدر حبل السرّة مع النظام الإيراني بعد إزاحة مرشده الحائري؟ وهل أخذ الغطاء الذي يعتبره كافياً من السيستاني؟

عود على بدء لمقتدى الصدر، كعادته يتقدم ويتراجع، يهاجم ويهادن في الزمان والمكان اللذين يختارهما، في جعبته خزان مناصرين يجعلونه الرقم الصعب في المعادلة من دون إعطائه التفويض الكافي لحكم العراق. نهاية الشهر الماضي، دعا الصدر مناصريه مرة أخرى الى الخروج من مقاعد الاحتياط بعد غياب طويل عن الساحة السياسية، نحو 32 شهراً، وقبل 7 أشهر من الانتخابات التشريعية في شهر تشرين الاول/ أكتوبر المقبل.

قرار العودة هذا بدأ التخطيط له تدريجياً منذ نحو عام، في سيارة الميتسوبيشي التي قُتل فيها والده محمد صادق الصدر عام 1999، وصل مقتدى الصدر في شهر آذار/ مارس 2024 إلى مقر المرجع الديني علي السيستاني في الأزقة الضيقة المتفرّعة من شارع الرسول وسط مدينة النجف. بعدها بنحو شهر، أعطى الصدر المؤشر الأول لعودته المحتومة عندما غيّر اسم التيار السياسي الذي يقوده.

التيار الصدري أصبح “التيار الوطني الشيعي” في نيسان/ أبريل الماضي، كأنه تغيير “علامة تجارية” لتوجيه رسائل متعددة، هي أولاً أن التيار لا يُختصر بمقتدى الصدر فقط، وهذا مشكوك فيه بطبيعة الحال، ثانياً اقتصار نفوذ التيار على شيعة العراق لينافس التيارات التقليدية التي تحتكر التمثيل الشيعي ومنعته من تشكيل حكومات سابقة، وثالثاً التشديد على الوطنية في هذا البعد الشيعي مقارنة مع ولاء التيارات الشيعية التقليدية لإيران. 

لفهم معاني هذه العودة لا بد من إعادة قراءة سياق هذا الاعتكاف الأخير. إذ أعلن الصدر في 15 تموز/ يوليو2021 اعتزامه مقاطعة الانتخابات النيابية الحاصلة في تشرين الأول/ أكتوبر2021 بحجة الفساد والتزوير، قبل أن يعود ويتراجع عن هذا القرار في 27 آب/ أغسطس 2021 بعد “ورقة الإصلاح” التي أرسلها له الساسة الفاسدون أنفسهم، وشكّلت مخرجاً لتراجعه عن المقاطعة.

بعد 8 أشهر فقط، وبحجة عدم التزام الساسة بورقة الإصلاح، سحب الصدر في حزيران/ يونيو 2022 نوابه من البرلمان، وهذا يعني عملياً مصادرة التكليف الشعبي لكتلته بعدما عجز عن تشكيل حكومة غالبية، ما يعكس ليس فقط ميله الى التفرّد بالقرارات داخل تياره بل أيضاً الأزمات البنيوية في النظام السياسي العراقي. 

بعدها، في شهر آب/ أغسطس 2022، اقتحم أنصار الصدر البرلمان واشتبكوا مع القوى الأمنية العراقية قبل أن يأمرهم بالانسحاب فوراً من الشارع ويعلن ما سمّاه حينها الاعتزال النهائي من العمل السياسي. لكن حصلت أيضاً تطورات دينية فرضت اعتكاف الصدر بعد تعرّضه لانتقادات من مرشده السابق المقيم في إيران كاظم الحائري، الذي تنازل عن مرجعيته الدينية وطلب من أنصاره في العراق اتباع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إجراء اعتبره الصدر رسالة إيرانية مباشرة له، ليعلن بعدها إغلاق معظم مؤسساته.

عدم الثبات هذا ليس استثناء في مسيرة الصدر المليئة بدورات الاعتكاف والعودة منذ عام 2013، في فترات تزامنت مع تعرّضه لضغوط إيرانية أو عدم تمكّنه من تحقيق أهداف سياسية. فقد سحب الصدر كتلته من البرلمان والحكومة لفترة شهر فقط في آب/ أغسطس 2013، كما اعتزل العمل السياسي وأغلق مؤسساته لفترة شهرين في شهر شباط/ فبراير 2014، حين دعمت حوزات قم والنجف خصمه نوري المالكي، في رسالة إيرانية فهمها الصدر الذي عاد وشارك في الانتخابات التشريعية في نيسان/ أبريل 2014. 

كما جمّد في نيسان/ أبريل 2016 كتلته البرلمانية “الأحرار” لفترة ستة أشهر بهدف الضغط لتغيير هيئة رئاسة مجلس النواب، ثم أغلق معظم مكاتب تياره في تموز/ يوليو 2016 قبل أن يُنهي بعد 3 أشهر مقاطعة اجتماعات التحالف الوطني الذي كان حينها أكبر كتلة برلمانية. هذا وأعلن الصدر اعتكافه العمل السياسي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وعدم تقديم تحالف “سائرون” الداعم له أي مرشح لحكومة عادل عبد المهدي، قبل أن يُغلق في كانون الأول/ ديسمبر 2019 كل مؤسسات تياره، باستثناء ميليشيا “القبعات الزرقاء”. 

للصدر أيضاً جولات في مواجهة السلطة الحاكمة في العراق حتى قبل انضوائه تحت سقف النظام السياسي العراقي. إذ جمّد في آب/ أغسطس 2007 أنشطة جيش المهدي لإعادة تنظيمه بعد ضلوعه في عمليات قتل في كربلاء، قبل أن يعلن نهاية عام 2008 “لواء اليوم الموعود” الذي واجه الاحتلال الأميركي. 

دفع الصدر ثمن التقارب الأميركي-الإيراني في العراق، وتوارى عن الأنظار ليذهب الى مدينة قم عام 2008 لمتابعة دروس في الحوزة العلمية تحت إشراف الحائري، ليحصل على مرتبة الاجتهاد، إذ استثمر النظام الإيراني في تعزيز مكانة الصدر تمهيداً لعودته الى العراق عام 2011، لكنه لم يتمكّن من السيطرة عليه منذ عودته، كما أن دراسته في قم لم تجعله مرجعاً دينياً قادراً على منافسة السيستاني.

إذاً، ماذا تغيّر الآن منذ اعتزاله الآخير عام 2022؟ هل أضحى الساسة العراقيون أقل فساداً؟ هل تغيّرت الديناميات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية؟ يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى احتواء إيران في العراق كما بدا واضحاً في قرار البيت الأبيض الشهر الماضي، إلغاء الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من طهران، ومنع إيران من استخدام النظام المالي العراقي. لم يتضح بعد ما إذا دخل كل من واشنطن وطهران على مسار تفاوض أو مواجهة، وهذا سينعكس على العراق عموماً، وعلى عودة الصدر الى السياسة بخاصة.

أمام مقتدى الصدر تحدّي توضيح طبيعة علاقته بالنظام الإيراني وحلفائه من التيارات التقليدية الشيعية في العراق لا سيما أن علاقته مع إيران أصبحت أكثر تعقيداً الآن. خسر الصدر أيضاً مرجعية الحائري في قم، التي كان يتكئ عليها، وبالتالي عليه الاستناد إلى مرجعية السيستاني. وبعد اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله في أيلول/ سبتمبر الماضي، فقد أيضاً قناة وساطة مع حلفاء إيران، هذا يعني أن تقاطع مصالحه مع هذا المحور قد يكون مستبعداً في المدى المنظور. 

سيظل يردد الصدر قوله “ما كنت شرقياً ولا غربياً”، ما يعني استمراره في سياسة متقلّبة ومرنة، إذ يهادن الأميركيين ولا يقاطع الإيرانيين. وما يطمح إليه هو أن يكون المرجعية السياسية لشيعة العراق بالتوازي مع مرجعية السيستاني الدينية، لكن العائق الرئيسي هو إيران وحلفاؤها في العراق وحتى أميركا وحلفائها في بعض الأحيان. 

يحمل الصدر لواء مكافحة الفساد لكنه شارك في الحكومات العراقية منذ نحو عقدين من الزمن، كما واجه المتظاهرين بالنار في ساحة الصدرين في شباط/ فبراير 2020 عند رفضهم مرشحه لرئاسة الحكومة محمد توفيق علاوي. توسّط النظام الإيراني بين المالكي والصدر ليحصل الأخير على 8 وزراء في حكومة المالكي الثانية عام 2010، كما أبرم صفقة لدخول حكومة عادل عبد المهدي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

عدم الثبات هذا قد يُربك مناصري الصدر برغم ولائهم له. وهو حتى الآن، لم يتمكّن من توسيع رقعة قاعدته الشعبية وتحالفاته السياسية، وهذا التحدي سيبقى عائقاً أمام تشكيله حكومة غالبية مهما اعتكف وعاد إلى الحياة السياسية. حكومات الغالبية التي يسعى إليها الصدر قد تكون أكثر فعالية وأقل فساداً من الحكومات التوافقية التي تفضلها الطبقة السياسية العراقية، لكن التنقل بين الاعتكاف والعودة الى الحياة السياسية يُفقده مصداقية الأداء ويعكس حاجته الى التواضع أمام أهمية التكليف الشعبي في الانتخابات مهما كانت التحديات والعوائق. 

في بداية عام 2022، تمسّك الصدر بموقف حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بدل دعم عودة مصطفى الكاظمي الى رئاسة الحكومة، ما أدى إلى انهيار تحالفه الثلاثي مع مسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي.

اليوم، هناك فرصة سانحة للصدر مع احتمال تفكّك قوى “الإطار التنسيقي”، التحالف الشيعي الأوسع في العراق، الى قوائم انتخابية عدة، لكن هناك مجموعة تساؤلات تمهيدية لهذه العودة. هل سيفكّ الصدر حبل السرّة مع النظام الإيراني بعد إزاحة مرشده الحائري؟ وهل أخذ الغطاء الذي يعتبره كافياً من السيستاني؟ إذا لم يتمكن الصدر من تشكيل حكومة غالبية بعد الانتخابات المقبلة، هل يخوض المواجهة السياسية مع خصومه أو يعود الى الاعتكاف مرة أخرى؟ هل سيبقى مهووساً بفكرة حكم العراق كما كان مهووساً بخصومة المالكي؟ أو يكون صانع رؤساء حكومات العراق؟