هذه الحلقة الخاصة من عمود “عزيزي المعالج” (Dear Therapist)، تختلف عن الشكل المعتاد، إذ إن السؤال المتناول لا يأتي من قارئ واحد، بل هو سؤال وجّهه الكثير من الرجال لكاتبة العمود لوري غوتليب، في البريد الخاص بها وفي عيادتها النفسية: هل يمكن الاعتذار عن اعتداء جنسي؟ وإذا كان ذلك ممكناً، كيف أعتذر؟
أعزائي الرجال الذين سألوا:
هناك أساليب كثيرة تجعل الرجال متردّدين في أن يبادروا ويطرحوا هذا السؤال، ناهيك عن أن يفكروا ملياً في ما فعلوه، لذلك أنا أحترم الشجاعة التي تطلّبها القيام بذلك. لكنني أقلق أيضاً من أن بعض الأشخاص سيعترضون على هذا السؤال، وسيهاجمون أولئك الذين طرحوه. وسوف أكره أن يحدث ذلك لأن نيّاتكم حسنة، ولأن مهاجمة الأشخاص الذين يأخذون بزمام المبادرة يقتل المحادثات الكثيرة التي عَمِل حراك “أنا_أيضاً” (#MeToo) جاهداً على فتحها.
وفي حين أنه لا توجد طريقة واحدة للتعامل مع هذا الأمر- إذ تتراوح خياراتكم بين اعتذار صادق نابع من القلب من النساء اللواتي اعتديتم عليهن، ومحاولات لجعل الأمور منصفة بالنسبة إلى النساء أكثر- يمكنني أن أساعدكم في التفكير ملياً بما يمكن أن تكون الطريقة المثلى لتحمّل مسؤولية الاعتداءات الجنسية التي ارتُكبت في الماضي.
قال بعضكم إنكم تودون أن تخبروا النساء اللواتي اعتديتم عليهن أنكم نادمون جداً، وأنكم تغيرتم على الصعيد الشخصي. لذا، دعونا أولاً نفرِّق بين ما تريدونه أنتم لأنفسكم وما قد تريده هذه المرأة. أنتم تسألون بالأساس سؤالين اثنين – أحدهما يدور حولكم، والآخر حولها. السؤال المتعلق بكم يدور حول المغفرة: أنتم تسعون إلى الحصول على شيء منها كي يخفّ شعوركم بالألم (الخزي، والرعب، والقلق حول ما إذا كانت ستبادر هي). أما السؤال المتعلق بها فيدور حول ما يمكنك فعله كي تشعر -هي- بألم أقل.
سأقترح أن تصارحوا أنفسكم بشأن دوافعكم، كي يصبح دافعكم – إذا تواصلتم معها- هو مساعدتها لا مساعدة أنفسكم. إن احتياجاتكم مهمة أيضاً، ولكن -كما سأتطرق إليه بعد قليل- أنتم من ستعالجون هذه الاحتياجات، ومن دون أن تدخلوها في الأمر. يجب أن يكون التركيز حالياً عليها هي فقط.
أولاً، عليكم أن تأخذوا في الاعتبار ما تريد أن تسمعه هي. فربما تجد أنه من المزعج أن يتواصل معها الشخص الذي اعتدى عليها، وسيكون عليكم احترام رد فعلها ومراعاته -أياً كان- سواء رفضت التحدث إليكم، أو لم ترد على رسالة أرسلتموها، أو أعربت عن غضبها، إلخ… ولكن من ناحية أخرى، قد ترحب هي بالاعتذار لأنه يثبت تعرّضها لهذه التجربة، ويجعلها تشعر بأنها إنسانة أكثر- بعد أن جُرِّدت من إنسانيتها- وهو ما يعتبر رد فعل شائعاً على التعرض للاعتداء الجنسي، فقد اعتُبرت في النهاية إنساناً ولها مشاعر، ستفكر هي “أنا لست مجنونة. ذكرياتي حقيقية. أنا لست الشاهد الوحيد على الاعتداء. شعرت بأنني غير مرئية تماماً حينها ولكنني لم أعد غير مرئية الآن. لم يكن يستطيع الشعور بألمي حينها، ولكنه يشعر به الآن”.
عندما تخططون لما ستقولونه، فكّروا في كيفية صوغ اعتذاركم، كي تعرف أنكم لا تطلبون شيئاً منها – سواء كان مغفرة أو طمأنة أو تبرئة أو فتح صفحة جديدة. ففي النهاية، إذا قمتم بذلك لمصلحتكم، فسوف يعتبر اعتذاركم مجرد اعتداء آخر.
عندما تضعون هذا في اعتباركم، سيكون من المهم أن تتحملوا المسؤولية الكاملة عما اقترفتموه من طريق الابتعاد تماماً من الاعتذارات التي لا تشبه الاعتذارات. أحد الأمثلة على ذلك هو أن تقولوا إنكم آسفون على الاعتداء، ومن ثم تقللون من شأنه عبر التفوه بعبارات تبدو أكثر حججاً من كونها توضيحات. مثال: “لقد اقترفت هذا الأمر الفظيع بحقك، لكن الثقافة السائدة في ذلك الوقت جعلته يبدو طبيعياً، وكنت مراهقاً أحمق لم يعلمني أحد كيف أتصرف جيداً”. أما الاعتذار الصادق فهو ببساطة “لقد اقترفت هذا الأمر الفظيع بحقك، وأنا آسف، آسف حقاً”.
أولاً، عليكم أن تأخذوا في الاعتبار ما تريد أن تسمعه هي
وعلى نحو مماثل، لا تخففوا من وقع اعتذاركم عبر توضيح مدى فخركم بما أنتم عليه الآن، إذ لن يكون من العزاء أنكم شهدتهم تطوراً ونضجاً كبيراً، في حين أن ما سببتموه لها كبَّلها طوال هذا الوقت. وقد يبدو اعتذار آخر (من الاعتذارات التي لا تشبه الاعتذارات) هكذا: “أنا آسف لأنني اعتديت عليك. فأنا أيضاً أعرف ما يعنيه أن يكون المرء عاجزاً لا حول له ولا قوة، نظراً للتجربة التي مررت بها أثناء كذا وكذا. وفي حين أن ما سببته لك أسوأ، يمكنني التعاطف معك”. أنتم لا تعرفون في الواقع كيف يشعر الشخص الآخر، وتقديم اعتذار يتمحور حول تجربتكم أنتم، عوضاً عن تجربتها هي، سيقلل من شأن مشاعرها ويجعلها غير مرئية مجدداً.
يمكنكم أن تسألوها أثناء اعتذاركم عما إذا كان هناك شيء تعتقد أنه بإمكانكم -في هذه المرحلة- فعله لمساعدتها. لربما هي بحاجة إلى أن تسمع منكم شيئاً محدداً كانت تريد لسنوات أن تسمعه. وربما تريد منك أن تسمع مدى عمق الألم الذي تسببت أنت به، وكيف أثر في حياتها – من دون أن تأخذ موقفاً دفاعياً عن نفسك، بل بالاستماع والتفهم فقط.
أياً كان ما اخترتم أن تفعلوه -وأيا كان ما قرّرت -هي- أن تفعله بشأنه، حتى لو وصل ذلك إلى المغفرة- فأنتم لا تزالون في حاجة إلى إيجاد طريقة للتصالح مع ما قمتم به. سأل بعضكم عما إذا كان هناك مجال في هذه المحادثات، وفي نقاش “أنا_أيضاً” الأوسع، للمغفرة. أجل، هناك مجال لذلك، ولكن -بالدرجة الأولى- هذه محادثة أنتم في حاجة إلى أن تجروها مع أنفسكم. فمشاعركم مهمة أيضاً، لكنها مسؤوليتكم أنتم، لا هي.
ما عليكم أن تأخذوه في الاعتبار هو: ما الذي قد يساعدكم على أن تمنحوا أنفسكم إذناً بمسامحة أنفسكم، مع تحمّل المسؤولية الكاملة عما فعلتموه؟ تأتي المغفرة عموماً على مراحل، وفي حين أنه لا يمكنكم تعجيل قدومها، إلا أنه يمكنكم تشجيعها، من طريق التفكير بذلك مع أنفسكم أو ربما التحدث مع معالج أو صديق تثقون به. وعليكم، في أثناء هذه العملية، تذكر أن معاقبة أنفسكم ليس أمراً مثمراً – فهو لا يغيّر ما حدث، ولا يساعد الإنسانة التي اعتديتم عليها.
إذا قمتم بذلك لمصلحتكم، فسوف يعتبر اعتذاركم مجرد اعتداء آخ
ولكن مسامحة أنفسكم قد تساعدكم في أن تفهموا أنفسكم أكثر، بطريقة تسمح لكم بالمساهمة بشيء إيجابي في العالم. قد ينعكس هذا على علاقاتكم الشخصية بالنساء، أو بالمساهمة في حراك “أنا_أيضاً” الأوسع. قد تقرّرون أن ترفعوا الوعي عبر تغيير الثقافة السائدة في الحرم الجامعي أو مكان العمل الخاص بكم بصورة فعالة، أو الوقوف في صف النساء اللواتي يتعرّضن للمضايقة أو التحرّش، أو التبرع للقضايا التي تدعم ضحايا الاعتداء الجنسي.
هناك طرائق كثيرة للتعامل مع هذا الوضع، وهناك الكثير من النتائج المحتملة؛ لكن حقيقة أنكم تراجعون أخطاءكم وترغبون في أن تفعلوا شيئاً حيال تصرفاتكم الماضية هو أمر واعد يبعث على الأمل فيكم وفي النساء اللواتي تعرضن للاعتداء. هذه بالضبط هي أنواع المراجعات التي تؤدي إلى تغير مجتمعي وتضميد لآلام جميع المعنيين.
عمود Dear Therapist هو لأغراض إعلامية فقط. لا يمثل استشارة طبية، وليس بديلاً عن الاستشارة أو التشخيص أو العلاج الطبي المتخصص. اطلب دائماً مشورة من طبيبك، أو المختص بالصحة النفسية، أو مقدم الخدمات الصحية، في أي سؤال يراودك حول حالة طبية. عندما ترسل رسالة، فأنت تسمح لمجلة The Atlantic أن تستخدمه -جزئياً أو كلياً- كما تقبل بأننا قد ندخل عليها تعديلات من أجل طولها و/أو مدى وضوحها.
هذا المقال مترجم عن موقع The Atlantic ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي
إقرأ أيضاً:
سياسات مكافحة التحرش الجنسي في أماكن العمل التي لا يتحدث عنها أحد
لماذا يتحرش الرجال بالنساء جنسياً؟