فيما تحتفل شركة “آسياسيل” للاتصالات في العراق بجائزتين من “أوكلا الدوليّة” (Ookla) لجودة خدماتها في بداية عام 2022، كانت مجموعة كبيرة من الصحافيين من حول العالم تتعمّق في وثائق من شركة “إريكسون” العالميّة تمثّل تحقيقاً داخليّاً أجرته الشركة عام 2019 بخصوص تفاصيل أعمال غير قانونيّة قام بها فريق الشركة خلال عملها في العراق، تحديداً في سياق مشروع “بيروزا” بين شركتي “إريكسون” و”آسياسيل”.
بحث الصحافيّون عن شخص من ضحايا هذه الأعمال غير القانونية، سقط في يد تنظيم “داعش” بسبب مشروع “بيروزا”، وذكرته وثائق “إريكسون” على الورق، لكن فريق الشركة عندها تجاهله وتخلّى عنه، بعدما ضغط عليه لمتابعة العمل تحت سيطرة التنظيم، غير آبه بالمخاطر والتحديات.
تكشف “وثائق إريكسون” الداخليّة، وهي في سياق تحقيق الشركة الداخلي السريّ، حول عملها في العراق، التي حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” (ICIJ) وشاركها مع أكثر من 110 صحافيين من 30 مؤسسة صحافيّة في 22 دولة حول العالم، بينها موقع “درج”، أنّ الشركة الأوروبيّة متورّطة في سلوكيّات غير قانونيّة في العراق تتضمن تقديم الرشاوى، والتهرب الضريبي وانتهاك مدونة أخلاقيات العمل (CoBE)، وإضافة إلى دفعات “محتملة” لأعضاء من تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، بينما بلغ إجمالي صافي مبيعات “إريكسون” بين 2011-2018 نحو 1.9 مليار دولار أميركي في العراق.
رقبة عفّان في قبضة “داعش”!
يُحرم موظّفو وعمّال قطاع الاتصالات في العراق حقوقهم الأساسيّة في الطبابة والضمان الاجتماعي إلّا أنّ قصّة عفّان، مغايرة، فمهندس الاتصالات في فريق “أوربيتال” تمّ رميه بين يدي مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة، على حدّ وصفه في مقابلة أجراها مع شركاء “درج” في المشروع، قناة NDR الألمانيّة. فتكشف “وثائق إريكسون” عن عمليّة اختطاف أحد عاملي فريق “أوربيتال”، وهي شركة مقاولة تعمل مع “إريكسون”، في سياق مشروع الأخيرة مع “آسياسيل”، مشروع “بيروزا” (أي مبارك باللغة الكرديّة).
الجدول الزمني للأحداث بحسب وثائق “إريكسون”:
وفقاً لعفّان، ضغطت شركة “إريكسون” على “أوربيتال” للاستمرار في العمل بعدما هدّدتها بإيقاف العمل معها، فكانت المعادلة: إمّا المخاطرة بحياة الموظفين أو خسارة العقد مع الشركة الدوليّة وطبعاً رضخت الشركة المحليّة للضغوط، وأضطرّت إلى متابعة العمل، وذلك عقب رفض الإيقاف الفوري للعمل أو ما يعرف بالـ force majeure، علماً أنّ توم نيجرين، نائب الرئيس والمستشار العام لشركة اريكسون، كان طالب بوقف العمل، وفقاً للوثائق الداخليّة، إلّا أنّ القيّمين على العمل في الشرق الأوسط، على رأسهم الماليزيّة رافية إبراهيم والأردني طارق سعدي، أصرّوا على المتابعة، مهما كانت المخاطر، والتي اتّضح لاحقاً أنّها كانت كثيرة جدّاً وخاطرت بأرواح كثيرين.
حتى أيّار/ مايو 2014، كان عفّان يتابع عمله بشكل طبيعي في مشروع بين شركتي اريكسون وآسياسيل في الموصل. وكان المقاول (subcontractor) شركة أوربيتال التي يعمل فيها عفّان حيث كان منصبه قائد فريق ولديه ستة فرق تحت قيادته لتغطية المنطقة بأسرها عبر مراقبة الجودة والصيانة والتحقق من حالة الشبكة في المنطقة. لكن بعدما ساء الوضع، فضّل عفّان التوقّف عن العمل لأيام، الّا أنّه تعرض لضغوط من “إريكسون” و”أوربيتال” بضرورة الاستمرار بالعمل وإلّا يخسرون المشروع. فاضطروا للاستمرار ولكن في اليوم الثاني خُطف أحد أعضاء الفريق في الموصل ولكن تمّ الإفراج عنه لاحقاً.
“إريكسون” علمت بالموضوع وفقاً لعفّان لكن “ردهم كان دائماً انّو هذا المشروع نحن لازم نكمله، بكم أو بغيركم، انّو اذا انتو موجودين أهلاً وسهلاً، مو موجودين نشوف غيركم يكملوه بهالبساطة، ما همهم نحن كبشر إذا يصرلنا شي، يعتقلونا، يعذبونا أو ممكن توصل للقتل… شلون أنا أرسل واحد لمكان، أنا أعرف، ممكن 90 في المئة هذا ما يرجع”.
ومن ثمّ وقعت حادثة أخرى مشابهة ولكن سرعان ما تمّ الإفراج عن الموظّف خلال ساعات عدّة. على ضوء هذه الأحداث، قرّر عفّان توقيف العمل. وبعد ضغط من الشركتين “إريكسون” و”آسياسيل”، كان الاقتراح أخذ كتاب التأييد (تسهيل مهمّة) من “آسياسيل” إلى مقرّ لـ”داعش” في الموصل.
رفض عفّان في البداية ولكن وافق تحت الضغط وتوجّه إلى مقرّ التنظيم وأوصل الكتاب الموجّه من “آسياسيل” والذي يتضمّن معطيات عن المشروع مع “إريكسون”… بعدها تلقّى اتصالاً من عضو في التنظيم وهو المسؤول عن قطاع الاتصالات يدعى “حجي صالح”، هدّده وقال له إذا استمررت في العمل “سنخفيك” (نقتلك)، “إمّا أن تأتي إلينا مع كتابك أو نحن سنأتي إليك إلى منزلك”. فوافق عفّان على لقائه وعندها تمّ خطفه. اتصل عفّان بالشخص المسؤول عن الأمن في اريسكون وأبلغه، بناءً على ضغط “حجي صالح”، ومن ثمّ تواصل صالح مع المسؤول في “إريكسون”، وطلب منه مبلغ من المال مقابل العمل في المنطقة، الّا أنّ موظّف اريكسون أقفل الخط. أُخذ عفّان إلى منزله ووُضع تحت الإقامة الجبريّة ما يقارب نحو شهر. يقول “هذه الفترة كلها حالتي النفسية صارت دون الصفر… بقعد أفكر شو رح يصير فيي وبأهلي”، خصوصاً أنّ “إريكسون” و”آسياسيل” لم تتّصلا به لتسوية الوضع. وفي النهاية أخبر عفّان حجي صالح بعدم تجاوب الشركات وقرّر الأخير إطلاقه. لم تردّ الشركات الثلاث: “إريكسون”، “آسياسيل”، “أوربيتال”، على أسئلة الصحافيين العاملين على المشروع.
أيّام من الرعب عاشها عفّان في قبضة “داعش”، شعر بكل لحظة فيها أنّه يواجه خطر الموت. لم تنته مأساة عفّان لدى نهاية احتجازه، فهو ما زال يعيش حالة من الصدمة والذهول ويستذكر يوميّاً ما حدث معه. فبعد الإفراج عنه، ساعده صديق في كركوك على العبور إلى السليمانيّة، حيث استأجر غرفة في فندق بعد أن باع سيارته ليتمكّن من تأمين احتياجاته ريثما يبدأ بالعمل من جديد. حاول العمل مجدّداً لدى أوربيتال لكنّه لم يحتمل أكثر من أسبوعٍ واحد إذ إنّه أبى أن يعمل في شركة باعته وتاجرت بحياته من أجل صفقة.
أمّا بخصوص “إريكسون”، فلا يقتصر الأمر على عفّان وبعض من زملائه في الموصل الذين عاشوا تجربة شبيهة، إلّا أنّ هناك شبهات كبيرة على احتمال أنّ تكون الشركة العالميّة قد ساهمت في الدفع للتنظيم من أجل تمرير معدّاتها، والتهرّب من ضرائب الحكومة الاتحاديّة، غير آبهة بأنّها تموّل تنظيماً ارهابيّاً استخدم هذه الأموال في جرائم ضدّ الانسانيّة.
“الطريق السريع”: تهرّب ضريبي عبر مناطق “داعش”!
بحسب الوثائق الداخليّة للشركة فإنّ أحد موظّفيها في ذلك الوقت، وهو روجير أنطون، قال إنّ “إريكسون دفعت بشكل غير قانوني لخيار الطريق السريع لشركة النقل Cargo Iraq لنقل المعدات بشكل أسرع عبر المناطق العراقيّة”، ووفقاً لأنطون، “تمّ التعامل مع Cargo Iraq من خلال إريكسون وبناءً على تعليمات من الشركة غير الحكوميّة، آسياسيل، عامي 2016 و2017، بهدف التحايل على الضريبة الجمركيّة الرسميّة، التي ارتفعت إلى 25 في المئة من 10-15 في المئة…”.
وبحسب وثائق “إريكسون”، “يشير الإطار الزمني والمناطق الجغرافية التي تغطيها عمليات النقل هذه إلى المرور بمناطق سيطرة المليشيات المحلية، بما في ذلك داعش”. وحصل ذلك في مشروع “بيروزا” (Peroza Project)، بين “إريكسون” و”آسياسيل”، وهو يهدف إلى تحويل المعدّات من الجيل الثاني إلى الجيل الثالث (2g to 3g SWAP).
وفقاً لموظّف في مدخل ابراهيم الخليل (فضّل عدم الإفصاح عن اسمه)، “عادة تجهيزات إريكسون تصل عبر معبر ابراهيم خليل، بين تركيا والعراق، لأنها مصنعة في أوروبا”، إذاً فهي تعبر من إقليم كردستان إلى الداخل العراقي.
في أواخر عام 2015 وبداية الـ2016، اشتدّت الخلافات بين حكومة إقليم كردستان وحكومة العراق الاتحاديّة، خصوصاً أنّ حكومة الإقليم لم تكن تسدّد الضرائب والمستحقّات للحكومة الاتحادية، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى فرض ضرائب على البضائع والمعدّات الآتية من مناطق الإقليم إلى المناطق الاتحادية، تحديداً في نقطة الصفراء في محافظة ديالى (أصبحت الصفراء نقطة جمركيّة رسميّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2016).
ويقول عدد من المصادر أنّه قبل عام 2018، كانت الجباية عشوائيّة على حسب الموظّف، فيما قال مسؤول عراقي سابق في مقابلة مع “درج”، أنّه في المساء كانت تترك القوى التابعة للدولة النقطة لصالح ميليشيات وقوى مسلّحة غير حكوميّة من بينها الحشد الشعبي وكتائب حزب الله في العراق وغيرها.
بهدف التهرّب من دفع ضريبة للحكومة الاتحاديّة، وذلك بعد دفع الضريبة في إقليم كردستان، لجأت العديد من الشركات، بينها شركات الاتصالات إلى الالتفاف على نقطة الصفراء وذلك عبر التوجّه من منطقة خانقين، في محافظة ديالى، مروراً في بلدة نفط خانة ثمّ بمحاذاة بلدة مندلي قرب الحدود العراقيّة- الإيرانيّة، وصولاً إلى بعقوبة وهي عاصمة محافظة ديالى من ثمّ يلتقي بالخط الآتي من الصفراء باتجاه بغداد ومن ثمّ الرمادي (في حالة مشروع “بيروزا”).
أوضح المهندس بسام سالم حسين، رئيس مجلس المفوّضين في هيئة الإعلام والاتصالات العراقيّة، في مقابلة لموقع “درج”، أنّه عادةً تتولّى الشركة الأجنبيّة (أي أريكسون في هذه الحالة) عمليّة تأمين المعدّات من الخارج إلى العراق وتتولّى الشركات المشغّلة (المحليّة) نقل المواد داخل العراق، الّا أنّه وفقاً للوثائق، فإنّ مسؤوليّة النقل في مشروع “بيروزا” كانت موزّعة على الشكل التالي:
1- تتولّى اريكسون التخطيط، والطلب والدفع في جميع ما يتعلّق بنقل المعدّات إلى مواقع العملاء داخل العراق.
2- تتولّى “آسياسيل” عمليّات التخليص الجمركي من السويد الى العراق كمستورد للمعدّات.
اتُّخذ القرار بفصل نطاق النقل من مزودي خدمة التنفيذ وإدارته كنشاط منفصل، وفقاً لتقرير “إريكسون” الداخلي الذي أكّد أنّ، Cargo Iraq، SLS، وشركة ثالثة تدعى التحدّث (Al Tahaduth)، كانت متورّطة بالتهرّب من الضريبة العراقية الرسميّة (للحكومة المركزيّة)، وذلك في عمليّة نقل المعدّات من اربيل إلى داخل العراق. وحصل ذلك دون أي رقابة واجبة (due diligence) أو تسجيل وفقاً لعملية “إريكسون” العاديّة لاختيار المورّدين. فعرضت Cargo Iraq خيارين للنقل:
أ- خيار “الطريق السريع” Speedway.
ب- الطريقة العادية (الطريقة القانونية) (إجراءات التخليص الجمركي).
كان أول اتصال موثق بين “إريكسون” وشركة Cargo Iraq في كانون الثاني/ يناير 2016، إلّا أنّ الوثائق تشير أنّ Cargo Iraq لم تكن مسجّلة كأحد الشركات الموردة المعتمدة لـ”إريكسون”، وكان يتم الدفع لها نقداً عبر شركة Security and Logistics Services SLS، وهي شركة موردة معتمدة لـ”إريكسون”، كان أوّل عقد لها مع اريكسون في شباط/ فبراير 2013. بلغ إجمالي الفواتير من Cargo Iraq إلى SLS (أس. أل. أس)، 171 ألف دولار أميركي بين الربع الثالث من 2016 والربع الثاني من 2017، دفعتها SLS نقداً وتمّ تعويضها من اريكسون عبر أوامر شراء (purchase orders)، مقابل خدمات وهميّة بقيمة 6.7 مليون دولار أميركي بين 2013 و2019.
“على الرغم من عدم وجود أدلّة مؤكّدة حول رشوة أو دفعات لتسهيل العمل أو احتمال تمويل غير مشروع للإرهاب، إلا أن هناك أدلة تشير إلى تجاوز غير قانوني للجمارك والمرور عبر مناطق سيطرة “داعش” فيما يتعلق بالنقل في العراق”، بحسب الوثائق التي تذكر أنّه “من خلال تجنّب الجمارك الرسمية، والنقل عبر المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، بما في ذلك “داعش”، لا يمكن استبعاد أن شركة Cargo Iraq قد تورطت في دفعات التسهيل (لموظفي الجمارك الرسميين) والرشوة المحتملة لتمويل الإرهاب”، لتنفيذ عمليات النقل لشركة اريكسون.
وبعد إيقاف العمل مع شركة Cargo Iraq وSLS، قدمت شركة Al-Tahaduth (التحدّث) هذه الخدمة بكلفة أعلى.
في هذا السياق، قال مهندس الاتصالات السابق في “إريكسون”، جاجانديب كوهلي (Gagandeep Kohli) الذي عمل في مشروع “بيروزا” بين 2014-2017، في مقابلة لشركاء “درج” في المشروع ICIJ، أن المشروع لم يتوقف في فترة سيطرة التنظيم وانتهى عام 2017، وأنّ اريكسون بالفعل عملت في مناطق “داعش”. “تقوم إريكسون بالاستعانة بمقاولين خارج الشركة ويفعل المقاولون ما يريدون، أو يدفعون لـ”داعش” أو للحكومة. “إريكسون” لا تدفع لهم. بل يقوم المقاولون بجميع الصفقات. “إريكسون” لن تضع اسمها في رشوة أو دفع لـ”داعش”، لذا من الصعب جدّاً محاسبة “إريكسون” على ذلك.
هل تمّت حماية الأبراج؟
في ما يخصّ أبراج الاتصالات تحت سيطرة “داعش”، فيبقى السؤال عمّا إذا كانت شركات الاتصالات قد دفعت للتنظيم للإبقاء على الأبراج إسوةً بما كان يحدث أيّام حكم القاعدة في الموصل، خصوصاً أنّه، وفقاً لشهود من المنطقة، الأبراج لم تُدمّر إلّا في الستّة أشهر الأخيرة من سيطرة “داعش” (قبل التحرير). فيما أكّد بسّام سالم حسين، رئيس مجلس المفوّضين في هيئة الإعلام والاتصالات العراقيّة، أنّ خسائر الدولة في البنى التحتيّة للإتصالات كانت كبيرة جدّاً في تلك الفترة، فيما لم تشارك الهيئة ولا شركات الاتصالات قيمة خسائرها الماديّة عندها.
يقول وزير الاتصالات العراقي، المهندس أركان شهاب أحمد، أنّه ما من تحديد للخسائر التي تقسم نوعين: خسائر مباشرة (في البنى التحتيّة)، وخسائر غير مباشرة على شكل عدم استخدام الشبكة.
في مقابلة لـ”درج” مع الصحافي الاستقصائي العراقي، دلوفان برواري، شرح الأخير كيفيّة متابعة الأعمال في فترة سيطرة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، بناءً على تحقيق سابق له، يُظهر أنّ “تنظيم القاعدة”، وقبل تأسيس “داعش” وسيطرته على الموصل، كان يجبي شهريّاً ما يقارب 5 ملايين دولار من الموصل تحديداً، على شكل “أتاوات” على المصالح الخاصّة، منها شركات الاتصالات.
وأثبت برواري، من خلال قائمة جباية سريّة زوّده بها أحد أعضاء القاعدة، أنّ شركة “آسياسيل”، كانت تدفع “ضريبة” بشكل مستمر لحماية أبراجها في محافظة نينوى، بعدما حاولت عام 2008 “الامتناع عن الدفع كان رد (تنظيم) دولة العراق الإسلامية (القاعدة) تفجير العشرات من أبراجها خلال أشهر معدودة”، بحسب تحقيق برواري.
وتحدّث علي محمّد عبّاس، (مواطن عراقي خمسيني مقيم في الموصل) عن الصعوبات والمخاوف التي واجهتهم في تلك الفترة إذ كان يجازف بحياته من أجل التواصل مع “العالم الخارجي” وإبلاغهم عن الوضع داخل الموصل، “والتي كانت كفيلة بأن تودي به إلى الموت”، بتهمة التجسّس.
الشبكة كانت ضعيفة جدّاً على حدّ قوله، ولكنّه كان يصعد إلى سطح المبنى عند الثانية ليلاً ليلتقط شبكة ضعيفة من شركة كورك ويتواصل من خلالها، وذلك لأنّه كان يقيم على أطراف الموصل. ولكن عبّاس قال إنّ أعضاء التنظيم، خصوصاً الأجانب منهم، كانوا يتواصلون مع أهاليهم عبر شبكات الاتصال نفسها.
إقرأوا أيضاً:
هل غضّت الولايات الأميركيّة النظر عن تجاوزات “إريكسون” في العراق؟
في 6 كانون الأوّل/ ديسمبر 2019، وافقت إريكسون، على دفع عقوبات تزيد عن مليار دولار أميركي بعد تحقيق الحكومة الأميركية في انتهاكات قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة (FCPA) الذي نتج عن قيام اريكسون بدفع عشرات الملايين من الدولارات في دفعات غير قانونيّة حول العالم.
يتضمن ذلك عقوبة جنائية تزيد عن 520 مليون دولار ونحو 540 مليون دولار تدفع إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC). وأقرّت شركة تابعة لشركة إريكسون (Ericsson Egypt Ltd) بأنها مذنبة في قضية جنائية متهمة إياها بالتآمر لخرق أحكام مكافحة الرشوة الواردة في قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة (FCPA)، وهذا وفقاً للبيان الرسمي الصادر عن وزارة العدل الأميركيّة في ذلك الوقت. “سلوك إريكسون الفاسد شمل مدراء تنفيذيين رفيعي المستوى وامتد 17 عاماً وفي خمسة بلدان على الأقل، كل ذلك في محاولة مضللة لزيادة الأرباح”، بحسب مساعد المدعي العام بريان أ. بينسكوفسكي من القسم الجنائي في وزارة العدل. ودخلت “إريكسون” عندها في اتفاقية لتأجيل الملاحقة (Deferred Prosecution Agreement DPA) لمدّة ثلاث سنوات، أوقفت خلالها التهم الجنائية على الشركة، بشرط أن تقوم إريكسون ببعض الإصلاحات ومواصلة التعاون مع وزارة العدل في أي تحقيقات وملاحقات جارية تتعلق بسلوك الشركة.
وبرغم محاسبة “إريكسون” على عملها غير القانوني في خمس دول: جيبوتي والصين وفيتنام وأندونيسيا والكويت، إلّا أنّ عمل الشركة في العراق لم يتم تضمينه في الاتفاقية لعام 2019. فهل كانت وزارة العدل تعلم بالتجاوزات القانونيّة التي حصلت في العراق والتي قد تصل إلى حدّ دفع أموال، وإن بطريقة غير مباشرة، لتنظيم إرهابي ارتكب جرائم ضدّ الإنسانيّة؟ وإذا لم تكن تعلم، فلماذا لم تلتزم اريكسون بالاتفاقية بينها وبين وزارة العدل؟
بحسب تحقيق أخير لوكالة “رويترز”، فإنّ وزارة العدل الأميركيّة كانت على علم بتحقيق العراق، ولكن الوزارة رفضت الردّ على أسئلة المؤسسات الصحفية العاملة على المشروع.
عقب إرسال أسئلة حق الردّ للشركة من الشركاء العاملين في المشروع، قامت “إريكسون” بإصدار بيانين رسمييّن تقرّ بسلوكها الفاسد بالعراق، فأشار البيان إلى أنّ التحقيق الداخلي وجد انتهاكات خطيرة لقواعد الامتثال ومدونة أخلاقيات العمل.
وجد التحقيق أدلة مرتبطة بالفساد، بما في ذلك: تقديم تبرع نقدي دون مستفيد واضح، الدفع لمورد مقابل عمل غير محدّد ووثائق محددة، وعبر استخدام المورّدين لتسديد الدفعات النقدية، وتمويل السفر والنفقات غير الملائمة، بالإضافة إلى تضارب المصالح، وعدم الامتثال لقوانين الضرائب، والدفع لوسطاء واستخدام طرق نقل بديلة للتحايل على الجمارك العراقية، في وقت كانت فيه التنظيمات الإرهابية، ومنها “داعش”، تسيطر على بعض طرق النقل. والشركة وفي مقابلات إعلاميّة عقب البيان أشارت إلى إحتمال أنّ اموالاً لها قد وصلت بالفعل لتنظيم “داعش”.
وبينما تقول اريكسون أنّها اتخذت إجراءات بحقّ من تورّط في فساد في العراق بناءً على تحقيقها الداخليّ، الّا أنّ بعض المتورّطين ما زالوا في الشركة وبعضهم تمّت ترقيته: فمثلاً رافية ابراهيم، مديرة الشرق الأوسط وأفريقيا في “إريكسون” في ذلك الوقت، أصبحت اليوم مستشارة المدير التنفيذي للشركة. أمّا ايلي مبارك، المدير الرئيسي لحساب كورك (KAM for Korek) في “إريكسون” في ذلك الوقت، فتمّت ترقيته إلى رتبة مدير عمليّات “إريكسون” في العراق علماً أنّه شارك في تجاوزات عدة. وبالتالي لم يدفع الثمن إلّا صغار الموظّفين وتحديداً الذي يعملون لدى المقاولين الصغار، مثل عفّان، الذي كاد يخسر حياته بسبب تعنّت شركة “إريكسون” واستخفافها بحياة العمّال المحليّين.
إقرأوا أيضاً: