قبل نحو شهرين سربت لنا إحدى الجهات صورة عن وثيقة تحويل مصرفي من حساب زوجة المدعي العام اللبناني القاضي غسان عويدات، السيدة لينا عويدات، من بنك عودة/ لبنان، إلى حسابها المشترك مع ابنيها منيف وإبراهيم في بنك عودة/ باريس. قيمة التحويل 800 ألف دولار أميركي، وهو أجري في 8 كانون الثاني/ يناير 2020، أي بعد قرار المصارف تنفيذ “كابيتال كونترول” غير قانوني على ودائع اللبنانيين، فمنعتهم بموجبه من التصرف بودائعهم، وهو ما لم تفعله مع عويدات، إذا ما تأكدنا من صحة الوثيقة.

في حينها تعاملنا مع الوثيقة بجدية، ولكن أيضاً بحذر مهني، وبحماسة مصدرها قناعتنا بمقولة “اللهم اضرب الفاسدين بالفاسدين”. وبما أننا حيال نسخة غير أصلية، اعتبرنا أن نشرها يحتاج إلى تقص وتثبت. أرسلنا إلى بنك عودة/ بيروت، فلم يجب! ثم أرسلنا رسالة أخرى إلى بنك عودة / باريس، ولم يجب أيضاً. وأمام صمت بنك عودة، زاد اقتناعنا بصحة الوثيقة، فعدم صحتها كان يفترض أن يدفع المصرف إلى نفيها، وإلى التلويح بمقاضاتنا في حال نشرها، أما الصمت، فيزيد من الشكوك. ثم إننا حيال بنك عودة الذي أثبتت تحقيقاتنا أنه على رأس المصارف اللبنانية المتورطة بالتحويلات بعد بدء الانهيار اللبناني، والمستفيدة من الهندسات المالية التي تسببت بالكارثة التي يعيشها اللبنانيون.
لكن صمت بنك عودة لا يكفي للتثبت من صحة التحويل، فقمنا بعرضها على عدد ممن يملكون خبرات مصرفية، وجميعهم حسموا بأنها النموذج الصحيح للتحويل المصرفي إلى الخارج. لكن يبقى أن نثبت ذلك.
الجهة التي سربت الوثيقة أشارت إلى أن الهدف من التحويل شراء منزل في باريس. استعنا بشركاء فرنسيين للبحث عما إذا ما تم شراء منزل في العاصمة الفرنسية في هذا التاريخ من قبل المستفيدين المفترضين من التحويل. شركاؤنا عثروا على ثلاث عمليات شراء لأشخاص من آل عويدات في تواريخ أعقبت التحويل المفترض. لكن لم نتمكن من إثبات علاقة قرابة من الدرجة الأولى تربط بين المشترين والمدعي العام، وبينما كنا نستقصي احتمالات علاقة القرابة بين مشتري المنازل في فرنسا وبين عائلة غسان عويدات، أقدمت الجهة التي سربت لنا الوثيقة على تسريبها إلى رجل الأعمال عمر حرفوش الذي نشرها.
وفي هذا الوقت، كنا سلكنا طريقاً موازياً في البحث عن صحة الوثيقة، فقد التقينا برابطة المودعين، كونها تمثل متضررين من عمليات التحويل التي ارتكبتها المصارف اللبنانية خلال مخالفتها القانون وتنفيذها حجزاً انتقائياً على ودائع اللبنانيين، أعفت منه المسؤولين السياسيين ومديريها، وهو ما تمكنا من إثباته خلال نشرنا وثائق تؤكد اقدام “بنك الموارد”، مثلاً لا حصراً، على تحويل نحو 6 ملايين دولار أميركي إلى الخارج لمصلحة نجل حاكم مصرف لبنان ندي رياض سلامة. وفي حينها لم ينف المصرف ما نشرناه، وطبعاً صمت رياض سلامة على الفضيحة.
استعنا بشركاء فرنسيين للبحث عما إذا ما تم شراء منزل في العاصمة الفرنسية في هذا التاريخ من قبل المستفيدين المفترضين من التحويل.
رابطة المودعين عبر المحامية ديالا شحادة قررت التقدم بشكوى إلى “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”، تطلب فيها التحقيق في صحة الوثيقة، و”بشبهة ارتكاب النائب العام التمييزي غسان عويدات جرائم فساد وإثراء غير مشروع… فيما لو ثبتت صحة الوثيقة. ثم أن للتثبت من صحة الوثيقة بعداً آخر، يتمثل في أن عويدات، وهو على رأس أعلى سلطة قضائية في لبنان، هو جزء أساسي من نظام قضائي سمح للمصارف بمخالفة قانون النقد والتسليف، وأوقف أحكاماً قضائية بحق المصارف، والوثيقة، في حال صحتها، تفسر أسباب انحياز القضاء للمصارف. وقال العضو في رابطة المودعين نزار غانم إن “عويدات بمنصبه كمدعي عام تمييزي، قام بعرقلة كل محاولات المودعين للتقاضي بوجه المصارف، ومنها دعوى إفلاس واثراء غير مشروع كانت قدمتها رابطة المودعين عام 2020. هذه الوثيقة تثبت على الأقل أن هناك شبهات جدية بتورط غسان عويدات بصفقات مشبوهة مع المصارف، وأن هناك أساساً قانونياً لكف يده عن النظر ومتابعة أي الملفات والدعاوى المرتبطة بالجرائم المالية المرتكبةمن قبل المصارف والمصرف المركزي”.
شحادة طلبت موعداً من الهيئة للتقدم بالشكوى بعدما أعدت مراجعة مفصلة عن احتمالات “الإثراء غير المشروع” لعويدات، وهو ما يوجب محاكمته في حال ثبوته.
رئيس الهيئة القاضي كلود كرم أجل موعد تقديم الشكوى أسبوعاً لأسباب “لوجستية”، ثم عاد وأعطى شحادة موعداً يوم غد الخميس، وهي ستتوجه إلى مقر الهيئة بهذا التاريخ لتسجيل شكوى تطلب فيها التحقيق بصحة الوثيقة ومع عويدات، باسم رابطة المودعين.
إقرأوا أيضاً: