شرحت المصرية آية محمد، في مداخلة تلفزيونية مع الشيخ المصري مبروك عطية، كيف تعرضت للعنف الزوجي بطرائق وحشية وصلت حد التقييد بالحديد، والتعذيب البدني بالبصق والركل والضرب بـأخشاب السرير، هذه التفاصيل الجنونية لم تكن كافية لإقناع الشيخ مبروك عطية، بأن لا تبرير للعنف على الإطلاق، بل قال إن النساء عموماً يبالغن في الشكوى.
الشيخ الأكثر حضوراً على منصات المشاهدة التلفزيونية والاجتماعية في مصر نصح الزوجة بالصبر، على رغم أنها تعرضت لعنف كاد يفضي الى القتل، فزوجها هددها بسكين. بل وطلب الشيخ من السيدة في برنامج يذاع أمام ملايين المصريين أن تتذكر ما يفعله الزوج من أمور جيدة مثل إحضار الأكل للأبناء، وأصر على موقفه، على رغم محاولات الإعلامي شريف عامر الضغط عليه أثناء حديثه لانتزاع كلمة منه بشكل معلن ضد العنف الزوجي، لكن بلا جدوى.
المفارقة في هذا أن الشيخ يحمل وروداً في يده في كل لقاء تلفزيوني يظهر فيه وكأنه بهذا يناصر السلام ولا ينحاز إلى العنف، لكنه فعلياً أضفى على هذا العنف مباركة دينية كونه رجل يمثل مؤسسة دينية وبالتالي فإن تساهله مع عنف الزوج وتقريعه للزوجة والنساء عموماً بأنهن “يبالغن”، فهذا يشرّع استخفافاً مكللاً بسلطة مؤسسته الدينية.
تصدر وسم #اوقفوا_مبروك_عطية موقع “تويتر” خلال ساعات من عرض الحلقة، استنكرت خلاله فتيات التطبيع مع العنف وإضفاء مبررات له مثل شرط الكفاية في إطعام الأبناء كذريعة لتقبل الإهانات مهما كانت.
النساء شبعن من العنف
نقاشات الفتيات على منصات التواصل الاجتماعي، أظهرت حالة شحن واضحة ضد كل متعاطف مع العنف، مهما كان مركزه الديني والاجتماعي، و الواقع يظهر ما تعانيه المصريات من عنف داخل المنزل لم يعد يجدي معه إمساك العصا من المنتصف، أو حتى باقة من الورود.
ذهبت نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي التي أصدرها العام الماضي المجلس القومي للمرأة، بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلى أن 5 ملايين و600 ألف امرأة يعانين من عنف على يد الزوج أو الخطيب سنوياً، كما أن مليونين و400 ألف سيدة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات بسبب عنف على يد الزوج أو الخطيب، كما أن مليون امرأة يتركن منزل الزوجية، ما يعني وصول تكلفة السكن البديل أو المأوى إلى نحو 585 مليون جنيه سنوياً، ومع ذلك اللواتي يقمن بإبلاغ الشرطة عن حوادث العنف، يشكلن نسبة قليلة لا تتخطى 75 ألف امرأة.
أما التقديرات الخاصة بالبنك الدولي، فتشير إلى أن موجات العنف الأسري أكثرها قائم على النوع الاجتماعي الموجه ضد النساء، وتكون كلفته في الدول الأضعف اقتصادياً أكثر وضوحاً حتى أنه قد يكلف الدولة ما يصل إلى نحو 3.7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، ما يعني ضعف ما تنفقه معظم الحكومات على التعليم.
نظرة حقوقية أم دينية للحد من العنف؟
أفردت برامج وقنوات وصحف مصرية مساحات هائلة أمام رجال الدين، للحديث عن كل صغيرة وكبيرة تخص المرأة، بداية من أحقيتها في وضع طلاء الأظافر، وتشذيب حاجبيها نهاية إلى إبداء الرأي حول جدوى ممارسة العنف ضدهن مثلما حدث في أزمة “مبروك”، الذي دافع عن موقفه ولم يتراجع عن كلمة واحدة قالها: “كل كلمة رديت بها لها دليل في السنة”.
وضع مبروك أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، يديه على بيت القصيد، فهو يتحدث من أرضية دينية وتفسيرات ضيقة لم تنفض عنها الذكورية و التشدد حتى اليوم، وطالما أن الدولة بمؤسساتها الإعلامية تميل أكثر إلى إعلاء صوت الخطاب الديني لا الحقوقي في قضايا المرأة فلن يكون مبروك عطية آخر الألسنة التي تبرر العنف ضد النساء .
ما أشار إليه الإعلامي إبراهيم عيسى أثناء حديثه أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في أيلول/ سبتمبر الماضي، يمكن استدعاؤه في أزمة مبروك، فإعطاء الفرصة لرجال الدين للحديث عن أمور حياتية هو اتجاه سائد يتناقض مع ما تدعو إليه الدولة المصرية: “عايز الدولة تترك الدين كعلاقة العبد وربه… بتفاجئ بدار الإفتاء تصدر فتاوى في الإمتحانات… هذا يقودنا وكأننا في محاولة لتديين الدولة وليس مدنية الدولة”.
إقرأوا أيضاً:
بحسب عيسى مهما كانت الأهداف نبيلة وعظيمة لدى الجهات التشريعية إلا أن نبل المقاصد لا يكفي، “هناك جهات أو أطراف في مؤسسات الدولة والمجتمع تعمل محاورة ومناورة، لتصبح التشريعات حالة ورقية لا واقعية”.
القوانين أيضاً المنوط بها العلاج أو الحد من ظاهرة العنف ضد النساء لا تزال ظالمة، وهذا ما أشارت إليه المحامية نهاد أبو القمصان لـ”درج”، فعند تعرض زوجة لعنف من زوجها، وتلجأ إلى تحرير محضر تفاجأ بأن زوجها سيحرر محضراً مضاداً، ما يعني أنها ستمضي ليلة في الحجز لحين عرضها على النيابة في اليوم التالي، “هذا الإجراء الذي تتبعه الكثير من أقسام الشرطة يساهم في إحجام النساء عن الإبلاغ عما يتعرضن له، ما يفاقم تفشي ظاهرة العنف المنزلي”.
وفي وقت سابق، ذكر المركز المصري لحقوق المرأة، أن هذا الإجراء يؤثر بالسلب في منظومة العدالة والثقة في تطبيق القانون، “فبدلاً من ذهاب السيدة المعنفة إلى المستشفى لتلقي الرعاية الصحية والنفسية، تجد نفسها تمضي ليلة في الحجز، كأنها متهمة وليست ضحية للعنف والتعذيب، فترتفع بالتالي حدة العنف”.
طالبت أبو القمصان بضرورة تعديل هذا الإجراء الذي يعيق النساء عن طلب المساعدة القانونية، داعية إلى أن يأخذ محضر العنف الذي تحرره الزوجة موعداً للعرض على النيابة، وإلغاء إجراء البقاء في الحجز، وفي حالة شدة الإصابات لا بد من إنهاء التحقيق في المستشفى، وطالبت أيضاً وزير الداخلية بتعميم بيانات تساعد على اتخاذ قرارات من شأنها أن تتعامل مع العنف ضد المرأة كقضية محورية لا فرعية.
الكاتب محمد داوود، يرى أن لغة رجال الدين عموماً استعلائية، ويمكنها إعطاء مبررات لأبشع الأمور ، بخاصة في ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية لا سيما بين الرجل والمرأة، موضحاً لـ”درج” أن علمنة الدولة ورفض تداخل الحقوق الفردية مع الكهنوت الديني واجب مؤسسي على الدولة المصرية أن تتولاه بجدية.
الصراع إذاً طويل وممتد فالقطاع الرجعي في مصر ذو قوة مؤثرة لما لديه من بنية تحتية قوية ومؤسسات رسمية أسست قنوات لتبث من خلالها قيماً معادية للنساء.
إقرأوا أيضاً: