ظهر وزير الداخلية الأسبق محمد الشعار في فيديو، في قبضة عناصر الإدارة السورية الجديدة، بعدما سلّم نفسه، وهي المرة الأولى التي يسلّم فيها مسؤول سوري رفيع المستوى، يتبع للنظام السابق، نفسه للحكومة السورية الجديدة، وذلك بعد نحو الشهرين على فرار بشار الأسد إلى روسيا.
من النجاة إلى المحاسبة
محمد الشعار، الذي كان الوحيد الذي نجا من تفجيرين سابقين، يبدو أنه لم ينجُ هذه المرة، إذ سبق أن نجا من تفجير خلية الأزمة في 18 تموز/ يوليو 2012، الذي قُتل فيه عدد من المسؤولين، بمن فيهم صهر عائلة الأسد آصف شوكت ووزير الدفاع داود راجحة، وقيل حينها إن الشعار أيضاً قُتل لكنه ظهر على التلفزيون السوري بعد 10 أيام من التفجير مصاباً بيده، وهو ما أثار الشكوك حول دورٍ له في عملية التفجير، كما نجا لاحقاً من تفجير أمام مبنى وزارة الداخلية السورية في كفرسوسة يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر 2012، ونُقل على أثره إلى العاصمة اللبنانية بيروت لتلقّي العلاج. وللمصادفة، تبنّت الهجوم في حينها “جبهة النصرة”، التي انبثقت منها لاحقاً “هيئة تحرير الشام” التي أطاحت في النهاية نظام الأسد.
وظهر الشعار في مقطعي فيديو منفصلين. في الأول، داخل سيارة مع رجلين، وفي الثاني، في مقابلة تلفزيونية بعدما سلّم نفسه، وقال خلالهما: “ضميري مرتاح وكنت أعمل وفق القانون (…) وزارة الداخلية ليست لديها سجون مخفيّة، وكانت اللجان الدولية والصليب الدولي تدخل إلى السجون، كل السجون، وكل الأمور التي ترتبط بالعمل الإنساني كانت بإشراف القضاء والأمم المتحدة… ليس لدينا شيء نخفيه (…) السجون التي تعنيها (المعارضة) ليست تابعة لوزارة الداخلية وليست بعهدتها، سجون وزارة الداخلية تختلف كثيراً، وفيها مواصفات تهدف إلى تحسين ما أمكن من ظروف السجين. لا علاقة لنا بالسجون الأخرى ولا نعرف عنها شيئاً”.
وفي ظل الفوضى والتصعيد الملحوظ في حالات الانتقام، يبدو أن الشعار؛ في خطوة غير متوقعة، اختار تسليم نفسه للسلطات الجديدة. فقد أشار إلى أنه منذ سقوط النظام في سوريا، بذل محاولات عدة للتواصل مع هذه السلطات.
وربما يعكس هذا التسليم محاولة للابتعاد عن مصير مجهول، بعدما أدرك أن التغييرات السياسية الحاصلة، قد تكون فرصته الأخيرة للخروج من دائرة الانتقام الفردي والملاحقات، خصوصاً أنه عاجز عن التحرك والهرب بسبب العقوبات المفروضة عليه، ومن بينها تجميد الأصول ومنع السفر.
إقرأوا أيضاً:
الشعار المحاصر بالعقوبات والمحاسبة
حالة الشعار والطريقة التي سلّم بها نفسه، تعكسان مصير الكثير من عناصر النظام السابق، الذين تركهم رئيسهم ليواجهوا مصيرهم وحدهم. قبله، أُلقي القبض على عاطف نجيب الذي حاول الهرب، ويبدو أن مسار العدالة والعقوبات المفروضة على رجال الأسد سيدفعهم في النهاية إلى الخضوع وتسليم أنفسهم، عوضاً عن أن ينتهوا ضحايا “أخطاء فردية” كما تكشف تسجيلات كثيرة، خصوصاً أن آلية المحاسبة ما زالت غامضة إلى الآن.
وكان الشعار تولّى منصب وزير الداخلية في عام 2011، وقبل ذلك شغل مناصب عدة، منها قائد الشرطة العسكرية ورئيس فرع الأمن العسكري في حلب وطرطوس، وأُدرج اسمه ضمن قوائم العقوبات الغربية منذ منتصف العام 2011.
خضع الشعار لعقوبات الاتحاد الأوروبي منذ العام 2011، التي فُرضت عليه رداً على مشاركته في الحملة العنيفة التي شنّتها الحكومة السورية ضد المتظاهرين السلميين، خلال الثورة عام 2011، وصُنِّف كمسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان، بسبب دوره في قمع المعارضة والمساهمة في قمع الاحتجاجات بشكل عنيف في سوريا.
من جهة أخرى، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشعار في عام 2011، تماشياً مع الجهود الدولية الأوسع للضغط على الحكومة السورية. وظهر الشعار تحديداً في تصنيف وزارة الخزانة الأميركية، الذي استهدف المسؤولين السوريين والكيانات المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان.
تحدث الشعار عن فترة سوريا ما بعد الثورة، ولم يأتِ على ذكر ما قبل الثورة والانتهاكات التي كان جزءاً منها، إذ كان له دور في مجزرة سجن صيدنايا في عام 2008، التي حصلت على أثر العصيان الذي نفّذه المعتقلون آنذاك.
جرائم الشعار في لبنان
ربما يسعى الشعار الى الهروب من الجرائم التي ارتكبها النظام، لكنه يدرك جيداً أن ماضيه ما زال حاضراً في الأذهان، فالرجل كان مسؤولاً عن الأمن في طرابلس خلال الثمانينيات، وواحداً من أبرز الشخصيات في لبنان في عهد غازي كنعان، ففي كانون الأول/ ديسمبر من العام 1986، كانت قواته جزءاً من الأحداث الدموية في باب التبانة في طرابلس، حيث سقط نحو 700 ضحية من المدنيين، بينهم أطفال. وعلى إثر تلك المجزرة، أصبح يُعرف بلقب “سفاح طرابلس”، اللقب الذي لازمه ليكون شاهداً على جزء مظلم من تاريخه.
يُعتقد أيضاً أنه كان مسؤولاً عن مقتل خليل عكاوي، مؤسس “المقاومة الشعبية” في طرابلس، والمعروف بلقب “أبو عربي”.
وفي عام 2012 وخلال علاج الشعار في لبنان بعد التفجير الذي أصيب فيه، تقدّم المحامي اللبناني طارق شندب ببلاغ ضده على خلفية اتهامات بضلوعه في مقتل المئات في مدينة طرابلس اللبنانية، بطلب من مجموعة من أهالي الضحايا الذين تسبب الشعار بقتلهم. ونقلت الوكالة الفرنسية عن شندب قوله في حينها، إنه تقدّم ببلاغ ضد الشعار “بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وقتل واغتيال سياسي، واغتيال رجال دين وأطفال في منطقة باب التبانة”.
وقال شندب خلال لقاء تلفزيوني آنذاك، إن محمد الشعار اغتال عن سابق إصرار الزعيم الشعبي خليل عكاوي، مضيفاً: “هذه الجرائم التي ارتكبها محمد الشعار هي جرائم ضد الإنسانية، جرائم تطهير عرقي عن سابق تصوّر وتصميم، ويطبّق عليها قانون العقوبات اللبناني”.
ومع “ضمير الشعار المرتاح” يبدأ أخيراً طريق المحاسبة، الذي انتظره السوريون طوال 54 عاماً من الظلم والانتهاكات. الشعار، الذي يعدّ أحد أبرز الوجوه في آلة القمع التي دمّرت البلاد، ليس سوى البداية في سلسلة محاسبة طويلة، يجب أن تشمل العشرات من رجال نظام الأسد الذين ارتكبوا جرائم على مختلف الأصعدة.
إقرأوا أيضاً: