fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

وقائع مُريعة في السودان بحق النساء…الاغتصاب كـ”سلاح حرب”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تواجه المئات من النساء والفتيات اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية، مثل الاغتصاب والاسترقاق، خلال الحرب الحالية في السودان، أوضاعاً نفسية سيئة، بالإضافة إلى مشكلات اجتماعية وصحية. وتشمل هذه الحالات الحمل القسري والإجهاض، علاوة على وقوع العديد من حالات الزواج القسري. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بضربك طلقة في عينكِ” جملة ما زالت تتردد في أذن سمر*، وهي تسترجع بها الوقائع الأليمة لتعرضها للاعتداء على يد أفراد من “الدعم السريع”. تتذكر الفتاة السودانية كيف كبلوها وأطلقوا النار على عدد من رفيقاتها في مكان الخطف، ثم استمروا بالضرب والاعتداء الجسدي والجنسي – بما في ذلك الاغتصاب – على النساء والفتيات الأخريات، ومن بينهن طفلات. 

وقعت هذه الاعتداءات عقب أسابيع قليلة من بدء الحرب، وتحديداً في أيار/ مايو 2023، في منزل في منطقة جبرة في الخرطوم، بعدما تم خطف النساء والفتيات من منازلهن والشوارع القريبة أثناء محاولتهن جلب الطعام والدواء.

منذ بداية الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023، تعرض عدد كبير من السودانيين للاعتداءات الجنسية، واستهدفت هذه الاعتداءات النساء على وجه الخصوص؛ من بينهن طفلات ونساء من ذوات الإعاقة وكبيرات في السن، إضافةً إلى الرجال والأطفال ولكن بنسبة أقل. وقد اتسعت رقعة جرائم الاعتداء الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، والزواج القسري، والبغاء القسري، والاستعباد الجنسي، مع استمرار الحرب وانتشارها في الكثير من المناطق.

ويصعب الآن الحصول على إحصائيات دقيقة لعدد الحالات التي تعرضت لاغتصاب، لعدة أسباب؛ منها صعوبة الوصول إلى الحالات بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وتعطل شبكات الاتصال في عدة مناطق في السودان. كما أن العديد من الناجيات من هذه الانتهاكات يفضلن الصمت. وبسبب هذه العوامل، بالإضافة إلى صعوبات أخرى تتعلق بإمكانية الوصول إلى الضحايا، تم التوصل إلى إحصائيات مختلفة صادرة عن جهات متعددة.

ووفق حملة “معاً ضد الاغتصاب”، بلغ عدد ضحايا الاعتداء الجنسي في السودان 505 حالات خلال الفترة من منذ بداية الحرب وحتى 30 تموز/ يوليو 2024.

 وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، وصل عدد النساء والبنات اللواتي يمكن أن يتعرضن للعنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي في السودان إلى 6.9 ملايين امرأة وطفلة في هذا العام.

الألم الجسدي والنفسي

تقول سمر، منذ أن تم خطفهن حصلت وقائع اعتداء وحشية تسببت في آلام جسدية مبرحة، وصلت حد فقدان الوعي من شدة الضرب، إضافة إلى العنف الجنسي الذي شمل الاغتصاب. تسترجع سمر وقائع هذا اليوم، بقولها: “قتلوا سبع أو ثماني فتيات أمامنا”.

وبعد يومين من وقوع سمر في قبضة “الدعم السريع”، شنّ الجيش السوداني ضربات على المجموعة التي كانت تحتجزهن، فهرعوا إلى الاشتباك مع الجيش، وتركوا النساء خلفهم. خرجت سمر مع بقية النساء والفتيات وهن في حالة نفسية وجسدية سيئة، واتجهن نحو منطقة الكلاكلة جنوبي الخرطوم، حيث أقامت عند أقربائها لمدة أسبوع. بعد ذلك، بدأت رحلة الخروج من السودان. ساعدها خلال الطريق عدد من الأشخاص الذين قابلتهم، من بينهم أسرة سودانية التقت بها على الحدود. 

الآن تعيش سمر في أحد معسكرات اللجوء في شرقي أفريقيا، حيث حاولت الانتحار عدة مرات إثر تدهور صحتها النفسية جراء تعرضها للاعتداء الجسدي على يد “قوات الدعم السريع”.

وتواجه المئات من النساء والفتيات اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية، مثل الاغتصاب والاسترقاق، خلال الحرب الحالية في السودان، أوضاعاً نفسية سيئة، بالإضافة إلى مشكلات اجتماعية وصحية. وتشمل هذه الحالات الحمل القسري والإجهاض، علاوة على وقوع العديد من حالات الزواج القسري. 

تحدثت إلينا سلمى* خلال رحلتها بحثاً عن الأمان، في مواجهة الطلاق وآثار الاغتصاب، بالإضافة إلى تعقيدات اجتماعية، ووضع نفسي سيئ، وظروف اقتصادية متدهورة. تقول سلمى: “تعرضت للاعتداء خلال رحلة نزوحنا الثانية أمام أطفالي، وطلقني زوجي عندما أخبرته”. 

اعتدى أفراد من “قوات الدعم السريع” على سلمى وهي في طريقها للخروج من ولاية الجزيرة، واغتصبوها أمام طفلها الرضيع، ثم تركوها وذهبوا. واصلت سلمى نزوحها مع أطفالها حتى وصلت إلى زوجها الذي كان قد نزح من الخرطوم إلى شرق السودان. بعد أكثر من أسبوع، أخبرت سلمى زوجها بما حدث، فطلقها.

ويعيش العديد من النساء اللواتي تعرضن للاعتداءات في أوضاع معقدة، حيث لا يزال بعضهن في مناطقهن، تحت رحمة الرصاص، وتفصلهن مسافات طويلة عن الرعاية الصحية الضرورية. كما تضيف ويلات الحرب المزيد من الضغط النفسي والاجتماعي عليهن؛ مما يعرضهن لمزيد من المخاطر. من جهة أخرى، تواجه نساء أخريات النزوح أو اللجوء، وبعضهن حوامل في انتظار الحصول على الإجراءات القانونية للإجهاض.

لا وصول إلى المستشفيات

في آب/ أغسطس 2024، وفقاً لشبكة شبكة نساء القرن الإفريقي (صيحة) توفيت الفتاة مريم* البالغة من العمر 26 عاماً، في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، نتيجة إصابتها بالتهابات حادة جراء تعرضها للاغتصاب في شباط/ فبراير 2024، وذلك بعد اقتحام منزل أسرتها من قبل “قوات الدعم السريع”.

وفي تموز/ يوليو 2023 تلقت شبكة “صيحة” معلومات تفيد بأن أفراداً من “الدعم السريع” قاموا بخطف نساء وفتيات واحتجازهن كرهائن في مناطق محددة من إقليم شمال دارفور، وذكرت “صيحة” نقلاً عن مصدر أنه رأى العديد من النساء والفتيات مقيدات ومحتجزات في سيارات في منطقة ودعة في ولاية شمال دارفور غربي السودان.

مع تفشي حالات الاغتصاب، توقع أطباء ما زالوا يعملون في مستشفيات السودان ويشهدون وصول نساء وفتيات تعرضن لاعتداءات جنسية، ارتفاع نسبة الأمراض المنقولة جنسياً خلال فترة الحرب، ويعود ذلك إلى انتشار جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على العلاج في الوقت المناسب. كما يتوقع الأطباء أن نسبة كبيرة من مرتكبي هذه الاعتداءات قد يكونون مصابين بالأمراض المنقولة جنسياً، نظراً لتكرار ارتكابهم لجرائم الاغتصاب. ومع ذلك، لا توجد إحصائيات دقيقة حول إصابة الناجيات، إذ لم يقم بعضهن بإجراء الفحوصات اللازمة.

وأبدى الأطباء قلقهم من العجز عن توفير البروتوكول في الوقت المناسب؛ أي خلال ساعة بعد الاغتصاب، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية التي أدت إلى خروج معظم المؤسسات الصحية عن الخدمة في المناطق غير الآمنة، بالإضافة إلى ذلك، لا يتحدث بعضهن عما حدث لهن إلا بعد مرور فترة طويلة.

وبحسب إفادة سابقة للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان خلال حديثنا مع أحد أعضائها في أيلول/ سبتمبر 2023، ثمة ثلاثة أسباب تقلل من وصول الحالات إلى المستشفيات. أولاً: صعوبة الحركة، وعدم توفر الأمان في شوارع المناطق التي طالتها الحرب في ظل الأوضاع الحالية، وثانياً: عدم توفر العلاجات، والسبب الثالث يرجع إلى الوصمة الاجتماعية التي تلاحق الناجيات، وهو أمر حساس نظراً لطبيعة المجتمعات التي تنتمي إليها الناجيات.

 ومع ذلك، فإن الحالات التي تتواصل مع اللجنة تحصل على توجيهات وإرشادات لمقابلة أطباء متعاونين. وتوقعت اللجنة في بداية الحرب أن يكون عدد الحالات التي تعرضت للاعتداء الجنسي، أكبر بسبب اعتياد جماعات الصراع في السودان على اغتصاب الضحايا كأداة عقابية. لذلك، يتوقع استمرار حالات الاغتصاب، طالما استمرت الحرب. 

وتواجه النساء الحوامل قسرياً صعوبات أكبر في الحصول على حق الإجهاض القانوني ضمن فترة زمنية محددة، بالإضافة إلى المخاطر الصحية التي قد تنشأ خلال مراحل الحمل أو عند الإجهاض بطريقة غير آمنة. 

وفي هذا الصدد، أُبلغت شبكة نساء القرن الإفريقي “صيحة” في نيسان/ أبريل 2024 عن وقوع 14 حالة حمل نتيجة الاغتصاب خلال الحرب في عدة ولايات سودانية.

سلاح الحرب المعتاد !

ولم يكن استخدام الاعتداء الجنسي والاغتصاب أمراً جديداً، إذ استخدم في حروب دارفور منذ 2003 وفي النيل الأزرق، حيث تعرضت مئات من النساء لجرائم الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، وغيرهما من أشكال العنف الجنسي.

وبشكل عام، ارتبطت الحروب والنزاعات المسلحة بالاغتصاب، الذي يصبح في هذه الحالة “سلاحاً حربياً” – كما وصفته منظمة العفو الدولية – ويستهدف النساء والرجال، لكن التركيز يكون على النساء بشكل أكبر. ولا يعني ذلك ندرة جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي المرتكبة ضد الرجال؛ إذ إن كثيراً من الرجال لا يتحدثون عما حدث لهم، ولا يطلبون الدعم أو يوثقون الجرائم التي واجهونها بالرغم من معاناتهم، وذلك بسبب الوصمة المجتمعية التي تواجه الرجل الناجي من الاغتصاب، إذ تعتبر العديد من المجتمعات تعرض الرجل للاغتصاب انتقاصاً من رجولته.

 وتهدف جريمة الاغتصاب سواء ارتُكبت ضد رجل أو امرأة إلى الإذلال، والحرب النفسية. وأشارت الأستاذة الجامعية دارا كوهين في دراسة نشرت في 2017 بعنوان “دور الاغتصاب في الحرب”  إلى أن بعض الجيوش التي تجند الأطفال تلجأ إلى الاغتصاب، لتعزيز نزعة العنف لديهم خصوصاً في المجتمعات التي تربط الرجولة بالهيمنة والسيطرة. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، يستخدم الاغتصاب المُمَنهج غالباً “سلاحاً حربياً” في جرائم التطهير العرقي.

وذكرت الصحافية النسوية الأميركية سوزان براون ميلر في كتابها عن الاغتصاب خلال الحرب “ضد إرادتنا: النساء والرجال والاغتصاب” أن هذه الممارسة تنم عن احتقار جزء من الرجال للنساء وازدرائهن، وأن الحرب هي وقت مثالي لهؤلاء الرجال للتعبير عن ذلك.

وتحدثت سارة يحيى عضوة حملة “معاً ضد الاغتصاب”، أن الحملة وثقت العديد من حالات الاغتصاب خلال الفترة بين 15 نيسان/ أبريل 2023 و31 أيار/ مايو 2024، مضيفة أن الدعم الطبي والنفسي المطلوب يجب أن يشمل الرعاية الصحية العاجلة للضحايا لعلاج الأذى الجسدي، وتقديم العلاج الوقائي ضد الأمراض المنقولة جنسياً، مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الأمهات الحوامل إلى رعاية طبية متكاملة تشمل التغذية والمكملات الغذائية. أما بالنسبة إلى الدعم النفسي، فهو يتضمن تقديم العلاج النفسي المكثف لمساعدة الضحايا على التعامل مع الصدمة الناتجة عن الاغتصاب، وكذلك توفير مجموعات دعم لمساعدتهم على تجاوز التجربة الصادمة.

اغتصاب أدى إلى الحمل

تعرضت هدى ذات الـ 17 عاماً للاغتصاب على يد أفراد من “الدعم السريع” أثناء بحثها عن عمل في أطراف معسكر الحميدية في وسط دارفور في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وتمكنت من تلقي العلاج، لكنها ما زالت منهارة نفسياً. وقد شهدت وسط دارفور، خاصة المناطق حول معسكر الحميدية، خلال تلك الفترة عدداً من جرائم الاغتصاب للبنات وخطف الشباب. تذكر هدى أنهم لم يكتفوا باغتصاب النساء، قائلة: “قتلوا أخي أيضاً”.

وذكرت أنها لم تتمكن من الوصول إلى منطقة آمنة والحصول على دعم طبي إلا بعد مرور ثلاثة أشهر من تعرضها للاغتصاب. وعندها اكتشفت أنها حامل، وحالياً هي أم لطفل تخشى عليه من وصمة مجتمعها.

وجاء في بيان صدر عن اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في 17 آذار/ مارس 2024، أن أفراداً من “الدعم السريع” اغتصبوا ممرضة في مستشفى الحصاحيصا بولاية الجزيرة بوسط السودان أثناء عملها، بعد أن رأتهم يقومون باغتصاب أخريات، فبدأت بالصراخ وطلب النجدة.

وفي تشرين الثاني/ تشرين الثاني 2023، دعا المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام إلى تحقيق العدالة والمحاسبة لعدد 69 حالة اغتصاب واختطاف جنوبي دارفور، بينها 43 حالة اغتصاب جماعي، وعشر حالات خطف تعرضت للاستعباد الجنسي. كما وثق المركز في بيان آخر 51 حادثة عنف جنسي ضد النساء والفتيات في محليتي زالنجي وقارسيلا في وسط دارفور. 

وبحسب المركز، تمكنت الناجيات من التعرف على الجناة الذين كانوا رجالاً يرتدون زي “قوات الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها، وفي بعض الحالات رجال يرتدون زي القوات المسلحة السودانية.

وبحسب وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة الرعاية الاجتماعية، التي تعمل على رصد الحالات وتوثيقها والتواصل معها وتقديم الدعم، وصل عدد حالات الاغتصاب منذ بداية الحرب في السودان وحتى 20 حزيران/ يونيو 2024 إلى 191 حالة.

 وأوضحت سليمى إسحاق مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، أن ارتفاع عدد حالات الاغتصاب المسجلة في الفترة الأخيرة، يعود إلى فقدان التواصل لفترة من الزمن مع عدد من الحالات، بما في ذلك حالات مدينة الأبيض التي وقعت في بداية الحرب، وقد تم تسجيل هذه الحالات خلال الأسابيع السابقة، بعد استقرار الأوضاع الأمنية بصورة نسبية. كما استطاعت الوحدة أن تصل إلى ضحايا الاغتصاب من منطقتي الجزيرة وسنار، وتمكنت النساء هناك من الحصول على الخدمات الطبية.

 وأضافت سليمى قائلة: “حتى الآن لدينا ثماني حالات من الجزيرة، وهذه هي الحالات التي تحصلت على الخدمات الطبية، أو تمكنت من الخروج منها، ونحن نعرف أن العدد الحقيقي يمكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير، وهناك عدد أكبر من الحالات منذ بداية الحرب في كل من نيالا والجنينة والخرطوم حيث أجريت تحديثات خلال الأربعة أشهر الأخيرة فقط”.

ذكرت سليمى أن آثار الاعتداءات الجنسية عديدة، وخاصة الآثار الصحية. فعلى سبيل المثال، في بداية الحرب كان البروتوكول العلاجي، الذي يشمل أدوية للوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وتدابير علاجية للحمل غير المرغوب فيه، يُعطى بشكل ناقص في الخرطوم، مما يزيد من خطر انتقال التهاب الكبد الوبائي. 

وأضافت: “وصلتنا حتى الآن ثماني حالات حمل قدمنا المساعدة لهن؛ ولكن هناك حالات أخرى وصلت بعد أن أصبح الحمل في مراحل متقدمة، فلم تكن هناك فرصة للإجهاض القانوني. ومع ذلك، لم تكن هناك ثمة مشكلة في مسألة الولادة وتسليم الأطفال لأسر بديلة”.

وأشارت إلى أن “الدعم النفسي متوفر بشكل محدود، وتستفيد منه فقط من تحصل على مساعدة دائمة. ومع ذلك، فإن المشكلة تكمن في أن الدعم النفسي لا يكفي بمفرده، إذ يتطلب توفير عوامل أخرى، مثل: الأمان الشخصي، واستقرار الأسرة، وتحسن الظروف المجتمعية بشكل عام، وهي أمور بعيدة المنال في ظل الحرب الدائرة، مما يعيق تحقيق نتائج فعالة.

حظر العنف الجنسي 

يحظر القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، الاغتصاب وكل أشكال العنف الجنسي خلال الحروب. كما أدرج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي صدر في 17 تموز/ يوليو 1998، جرائم الاغتصاب، والاسترقاق الجنسي، والإكراه على البغاء، والحمل القسري – كما هو معرّف في المادة 7-2 – ضمن الجرائم التي تخضع للملاحقة الدولية.

 وفي الوقت نفسه، تواجه النساء اللواتي تعرضن لهذه الجرائم صعوبة في الإبلاغ عنها، بسبب وجود معظمهن في مناطق غير آمنة وتوقف أقسام الشرطة عن العمل في تلك المناطق منذ بداية الحرب. أما بالنسبة إلى حالات الحمل القسري الناتجة عن الاغتصاب، فيتم التعامل معها وفقاً للقانون الجنائي السوداني لعام 1991. وتنص المادة 135 من هذا القانون على أن “من يتسبب عمداً في إسقاط جنين امرأة يُعاقب بالسجن لمدة ثلاثة أعوام أو بالغرامة أو بالاثنين معاً”. 

وتنص المادة 135 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991 على أن العقوبة تُسقط إذا كان الحمل نتيجة اغتصاب ولم يتجاوز 90 يوماً. أما إذا تجاوزت فترة الحمل 90 يوماً، فقد تصل العقوبة إلى السجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية، بالإضافة إلى احتمال الحكم بدفع الدية. ومع ذلك، تواجه الكثير من الضحايا صعوبة في الوصول إلى مناطق آمنة في الوقت المناسب، مما يعقد قدرتهن على الحصول على الدعم القانوني والطبي اللازم.

يُذكر أن النائب العام المكلف الفاتح طيفور، أصدر توجيهات جديدة لوكلاء النيابة بشأن قضايا الاغتصاب والعنف الجنسي بعد بداية الحرب. تشمل هذه التوجيهات السماح بعدم الالتزام بالاختصاص المكاني في هذه القضايا، وتكليف نيابة الأسرة والطفل بالتحقيق فيها. كما تضمنت التوجيهات التعاون مع منظمات المجتمع المدني، وتنسيق الجهود المختلفة لمكافحة الاغتصاب والعنف الجنسي خلال الحرب. بالإضافة إلى ذلك، تم توفير إمكانية الإجهاض في حالات الحمل الناتجة عن الاغتصاب، وفقاً للقانون.

وفي هذا السياق، أفادت المحامية إنعام عتيق بتسجيل عدة بلاغات تتعلق بحالات اغتصاب، حيث تمكنت بعض الناجيات من الحصول على إذن من النيابة لإجراء عمليات إجهاض للحمل الناتج عن هذه الجرائم. ومع ذلك، أوضحت عتيق أن هذه البلاغات توقفت عند مرحلة التحري ولم تُحل إلى المحكمة؛ وذلك بسبب عدم تحديد هوية الجناة الذين ينتمون إلى قوة نظامية، بالإضافة إلى تعطل الأجهزة العدلية في معظم الولايات.

وقالت عتيق إنه “بعد اندلاع الحرب وظهور العديد من حالات الحمل بين الناجيات، أصبح من الضروري مساعدة الناجيات الراغبات في التخلص من الحمل الناتج عن الاغتصاب في الوصول إلى طرق آمنة للإجهاض، وفقاً للقانون. ورغم كل الصعوبات والعقبات، نجح المحامون ومقدمو الخدمات والدعم لضحايا الاغتصاب، وبعد مجهود كبير ونقاشات قانونية وفقهية مع النيابة والشرطة والسلطات الصحية، في تمكين بعض الناجيات من إجراء الإجهاض بطريقة قانونية وآمنة تحت رعاية طبية”.

واصلت إنعام عتيق حديثها مؤكدةً أن “تحقيق العدالة لضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي في ظل الظروف المتردية الحالية يتطلب جهوداً متنوعة ومشتركة من مختلف الأطراف. على سبيل المثال، يجب تشجيع الضحايا على التبليغ عندما يكون ذلك ممكناً وآمناً، بالإضافة إلى حثهم ودفع الشهود على توثيق حالات الاغتصاب بطريقة صحيحة وآمنة، والحصول على التقارير الطبية وحفظها في مكان آمن”، كما شددت على “أهمية تدريب العاملين مع الضحايا، مثل: المحامين، والكادر الطبي، وغرف الطوارئ، ولجان المقاومة، والإدارات الأهلية، على كيفية التوثيق. بالإضافة إلى ضرورة التعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لتوثيق الجرائم وجمع الأدلة بطرق احترافية”.

وجاء في بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في النزاعات، في 19 حزيران/ يونيو 2024، أن الهجمات على مراكز الرعاية الصحية أثرت بشكل كبير في الحق الأساسي في الرعاية الصحية للناجيات والناجين من العنف الجنسي. ووفقًا للبيان، وثقت المفوضية تعرض ما لا يقل عن 133 امرأة وفتاة ورجل وفتى للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع، مع توقع أن يكون العدد الحقيقي أكبر بكثير، نظراً لأن العديد من الضحايا غير قادرين على التبليغ. وأشار البيان إلى أنه في أغلب الحالات لم تُتح للضحايا الخدمات الطبية الفورية أو الكافية اللازمة. كما ذكر أن القوانين السودانية، وخاصة تلك التي تتطلب أدلة معتمدة طبياً أثناء التحقيقات، قد أعاقت حصول الناجيات على الرعاية الصحية، مما أدى إلى مشاكل صحية خطيرة للعديد من النساء وجيل من الأطفال المولودين نتيجة للاغتصاب.

وحتى يمكن إنفاذ العدالة، تظل هدى في رعاية طفلها الذي تلاحقه الوصمة الاجتماعية، وتمكث سمر في مخيم اللجوء تطاردها أشباح ذكرى تعرضها للاغتصاب، فيما تبقى منظومة العدالة مكبلة لا تستطيع الاقتصاص من قتلة مريم.  


أُنجزت هذه المادة في إطار زمالة محمد أبو الغيط للصحفيين والباحثين.

يقدم برنامج زمالة محمد أبو الغيط منحة سنوية لعدد من الصحفيين والصحافيات والباحثين والباحثات للعمل على إنتاج أبحاث وقصص صحفية حول منطقة الشرق الأوسط.

تم تأسيس هذه الزمالة لتخليد ذكرى محمد أبو الغيط وهو صحفي وطبيب مصري، وُلد عام 1989 وتوفي في 2022، واشتهر بكتاباته الاستقصائية التي تناولت قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان. وقد عمل مع منصات مثل “بي بي سي” و”درج”، وألّف كتاب “أنا قادم أيها الضوء” الذي وثق فيه تجربته مع مرض السرطان.

29.10.2024
زمن القراءة: 12 minutes

تواجه المئات من النساء والفتيات اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية، مثل الاغتصاب والاسترقاق، خلال الحرب الحالية في السودان، أوضاعاً نفسية سيئة، بالإضافة إلى مشكلات اجتماعية وصحية. وتشمل هذه الحالات الحمل القسري والإجهاض، علاوة على وقوع العديد من حالات الزواج القسري. 

“بضربك طلقة في عينكِ” جملة ما زالت تتردد في أذن سمر*، وهي تسترجع بها الوقائع الأليمة لتعرضها للاعتداء على يد أفراد من “الدعم السريع”. تتذكر الفتاة السودانية كيف كبلوها وأطلقوا النار على عدد من رفيقاتها في مكان الخطف، ثم استمروا بالضرب والاعتداء الجسدي والجنسي – بما في ذلك الاغتصاب – على النساء والفتيات الأخريات، ومن بينهن طفلات. 

وقعت هذه الاعتداءات عقب أسابيع قليلة من بدء الحرب، وتحديداً في أيار/ مايو 2023، في منزل في منطقة جبرة في الخرطوم، بعدما تم خطف النساء والفتيات من منازلهن والشوارع القريبة أثناء محاولتهن جلب الطعام والدواء.

منذ بداية الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023، تعرض عدد كبير من السودانيين للاعتداءات الجنسية، واستهدفت هذه الاعتداءات النساء على وجه الخصوص؛ من بينهن طفلات ونساء من ذوات الإعاقة وكبيرات في السن، إضافةً إلى الرجال والأطفال ولكن بنسبة أقل. وقد اتسعت رقعة جرائم الاعتداء الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، والزواج القسري، والبغاء القسري، والاستعباد الجنسي، مع استمرار الحرب وانتشارها في الكثير من المناطق.

ويصعب الآن الحصول على إحصائيات دقيقة لعدد الحالات التي تعرضت لاغتصاب، لعدة أسباب؛ منها صعوبة الوصول إلى الحالات بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وتعطل شبكات الاتصال في عدة مناطق في السودان. كما أن العديد من الناجيات من هذه الانتهاكات يفضلن الصمت. وبسبب هذه العوامل، بالإضافة إلى صعوبات أخرى تتعلق بإمكانية الوصول إلى الضحايا، تم التوصل إلى إحصائيات مختلفة صادرة عن جهات متعددة.

ووفق حملة “معاً ضد الاغتصاب”، بلغ عدد ضحايا الاعتداء الجنسي في السودان 505 حالات خلال الفترة من منذ بداية الحرب وحتى 30 تموز/ يوليو 2024.

 وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، وصل عدد النساء والبنات اللواتي يمكن أن يتعرضن للعنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي في السودان إلى 6.9 ملايين امرأة وطفلة في هذا العام.

الألم الجسدي والنفسي

تقول سمر، منذ أن تم خطفهن حصلت وقائع اعتداء وحشية تسببت في آلام جسدية مبرحة، وصلت حد فقدان الوعي من شدة الضرب، إضافة إلى العنف الجنسي الذي شمل الاغتصاب. تسترجع سمر وقائع هذا اليوم، بقولها: “قتلوا سبع أو ثماني فتيات أمامنا”.

وبعد يومين من وقوع سمر في قبضة “الدعم السريع”، شنّ الجيش السوداني ضربات على المجموعة التي كانت تحتجزهن، فهرعوا إلى الاشتباك مع الجيش، وتركوا النساء خلفهم. خرجت سمر مع بقية النساء والفتيات وهن في حالة نفسية وجسدية سيئة، واتجهن نحو منطقة الكلاكلة جنوبي الخرطوم، حيث أقامت عند أقربائها لمدة أسبوع. بعد ذلك، بدأت رحلة الخروج من السودان. ساعدها خلال الطريق عدد من الأشخاص الذين قابلتهم، من بينهم أسرة سودانية التقت بها على الحدود. 

الآن تعيش سمر في أحد معسكرات اللجوء في شرقي أفريقيا، حيث حاولت الانتحار عدة مرات إثر تدهور صحتها النفسية جراء تعرضها للاعتداء الجسدي على يد “قوات الدعم السريع”.

وتواجه المئات من النساء والفتيات اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية، مثل الاغتصاب والاسترقاق، خلال الحرب الحالية في السودان، أوضاعاً نفسية سيئة، بالإضافة إلى مشكلات اجتماعية وصحية. وتشمل هذه الحالات الحمل القسري والإجهاض، علاوة على وقوع العديد من حالات الزواج القسري. 

تحدثت إلينا سلمى* خلال رحلتها بحثاً عن الأمان، في مواجهة الطلاق وآثار الاغتصاب، بالإضافة إلى تعقيدات اجتماعية، ووضع نفسي سيئ، وظروف اقتصادية متدهورة. تقول سلمى: “تعرضت للاعتداء خلال رحلة نزوحنا الثانية أمام أطفالي، وطلقني زوجي عندما أخبرته”. 

اعتدى أفراد من “قوات الدعم السريع” على سلمى وهي في طريقها للخروج من ولاية الجزيرة، واغتصبوها أمام طفلها الرضيع، ثم تركوها وذهبوا. واصلت سلمى نزوحها مع أطفالها حتى وصلت إلى زوجها الذي كان قد نزح من الخرطوم إلى شرق السودان. بعد أكثر من أسبوع، أخبرت سلمى زوجها بما حدث، فطلقها.

ويعيش العديد من النساء اللواتي تعرضن للاعتداءات في أوضاع معقدة، حيث لا يزال بعضهن في مناطقهن، تحت رحمة الرصاص، وتفصلهن مسافات طويلة عن الرعاية الصحية الضرورية. كما تضيف ويلات الحرب المزيد من الضغط النفسي والاجتماعي عليهن؛ مما يعرضهن لمزيد من المخاطر. من جهة أخرى، تواجه نساء أخريات النزوح أو اللجوء، وبعضهن حوامل في انتظار الحصول على الإجراءات القانونية للإجهاض.

لا وصول إلى المستشفيات

في آب/ أغسطس 2024، وفقاً لشبكة شبكة نساء القرن الإفريقي (صيحة) توفيت الفتاة مريم* البالغة من العمر 26 عاماً، في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، نتيجة إصابتها بالتهابات حادة جراء تعرضها للاغتصاب في شباط/ فبراير 2024، وذلك بعد اقتحام منزل أسرتها من قبل “قوات الدعم السريع”.

وفي تموز/ يوليو 2023 تلقت شبكة “صيحة” معلومات تفيد بأن أفراداً من “الدعم السريع” قاموا بخطف نساء وفتيات واحتجازهن كرهائن في مناطق محددة من إقليم شمال دارفور، وذكرت “صيحة” نقلاً عن مصدر أنه رأى العديد من النساء والفتيات مقيدات ومحتجزات في سيارات في منطقة ودعة في ولاية شمال دارفور غربي السودان.

مع تفشي حالات الاغتصاب، توقع أطباء ما زالوا يعملون في مستشفيات السودان ويشهدون وصول نساء وفتيات تعرضن لاعتداءات جنسية، ارتفاع نسبة الأمراض المنقولة جنسياً خلال فترة الحرب، ويعود ذلك إلى انتشار جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على العلاج في الوقت المناسب. كما يتوقع الأطباء أن نسبة كبيرة من مرتكبي هذه الاعتداءات قد يكونون مصابين بالأمراض المنقولة جنسياً، نظراً لتكرار ارتكابهم لجرائم الاغتصاب. ومع ذلك، لا توجد إحصائيات دقيقة حول إصابة الناجيات، إذ لم يقم بعضهن بإجراء الفحوصات اللازمة.

وأبدى الأطباء قلقهم من العجز عن توفير البروتوكول في الوقت المناسب؛ أي خلال ساعة بعد الاغتصاب، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية التي أدت إلى خروج معظم المؤسسات الصحية عن الخدمة في المناطق غير الآمنة، بالإضافة إلى ذلك، لا يتحدث بعضهن عما حدث لهن إلا بعد مرور فترة طويلة.

وبحسب إفادة سابقة للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان خلال حديثنا مع أحد أعضائها في أيلول/ سبتمبر 2023، ثمة ثلاثة أسباب تقلل من وصول الحالات إلى المستشفيات. أولاً: صعوبة الحركة، وعدم توفر الأمان في شوارع المناطق التي طالتها الحرب في ظل الأوضاع الحالية، وثانياً: عدم توفر العلاجات، والسبب الثالث يرجع إلى الوصمة الاجتماعية التي تلاحق الناجيات، وهو أمر حساس نظراً لطبيعة المجتمعات التي تنتمي إليها الناجيات.

 ومع ذلك، فإن الحالات التي تتواصل مع اللجنة تحصل على توجيهات وإرشادات لمقابلة أطباء متعاونين. وتوقعت اللجنة في بداية الحرب أن يكون عدد الحالات التي تعرضت للاعتداء الجنسي، أكبر بسبب اعتياد جماعات الصراع في السودان على اغتصاب الضحايا كأداة عقابية. لذلك، يتوقع استمرار حالات الاغتصاب، طالما استمرت الحرب. 

وتواجه النساء الحوامل قسرياً صعوبات أكبر في الحصول على حق الإجهاض القانوني ضمن فترة زمنية محددة، بالإضافة إلى المخاطر الصحية التي قد تنشأ خلال مراحل الحمل أو عند الإجهاض بطريقة غير آمنة. 

وفي هذا الصدد، أُبلغت شبكة نساء القرن الإفريقي “صيحة” في نيسان/ أبريل 2024 عن وقوع 14 حالة حمل نتيجة الاغتصاب خلال الحرب في عدة ولايات سودانية.

سلاح الحرب المعتاد !

ولم يكن استخدام الاعتداء الجنسي والاغتصاب أمراً جديداً، إذ استخدم في حروب دارفور منذ 2003 وفي النيل الأزرق، حيث تعرضت مئات من النساء لجرائم الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، وغيرهما من أشكال العنف الجنسي.

وبشكل عام، ارتبطت الحروب والنزاعات المسلحة بالاغتصاب، الذي يصبح في هذه الحالة “سلاحاً حربياً” – كما وصفته منظمة العفو الدولية – ويستهدف النساء والرجال، لكن التركيز يكون على النساء بشكل أكبر. ولا يعني ذلك ندرة جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي المرتكبة ضد الرجال؛ إذ إن كثيراً من الرجال لا يتحدثون عما حدث لهم، ولا يطلبون الدعم أو يوثقون الجرائم التي واجهونها بالرغم من معاناتهم، وذلك بسبب الوصمة المجتمعية التي تواجه الرجل الناجي من الاغتصاب، إذ تعتبر العديد من المجتمعات تعرض الرجل للاغتصاب انتقاصاً من رجولته.

 وتهدف جريمة الاغتصاب سواء ارتُكبت ضد رجل أو امرأة إلى الإذلال، والحرب النفسية. وأشارت الأستاذة الجامعية دارا كوهين في دراسة نشرت في 2017 بعنوان “دور الاغتصاب في الحرب”  إلى أن بعض الجيوش التي تجند الأطفال تلجأ إلى الاغتصاب، لتعزيز نزعة العنف لديهم خصوصاً في المجتمعات التي تربط الرجولة بالهيمنة والسيطرة. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، يستخدم الاغتصاب المُمَنهج غالباً “سلاحاً حربياً” في جرائم التطهير العرقي.

وذكرت الصحافية النسوية الأميركية سوزان براون ميلر في كتابها عن الاغتصاب خلال الحرب “ضد إرادتنا: النساء والرجال والاغتصاب” أن هذه الممارسة تنم عن احتقار جزء من الرجال للنساء وازدرائهن، وأن الحرب هي وقت مثالي لهؤلاء الرجال للتعبير عن ذلك.

وتحدثت سارة يحيى عضوة حملة “معاً ضد الاغتصاب”، أن الحملة وثقت العديد من حالات الاغتصاب خلال الفترة بين 15 نيسان/ أبريل 2023 و31 أيار/ مايو 2024، مضيفة أن الدعم الطبي والنفسي المطلوب يجب أن يشمل الرعاية الصحية العاجلة للضحايا لعلاج الأذى الجسدي، وتقديم العلاج الوقائي ضد الأمراض المنقولة جنسياً، مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الأمهات الحوامل إلى رعاية طبية متكاملة تشمل التغذية والمكملات الغذائية. أما بالنسبة إلى الدعم النفسي، فهو يتضمن تقديم العلاج النفسي المكثف لمساعدة الضحايا على التعامل مع الصدمة الناتجة عن الاغتصاب، وكذلك توفير مجموعات دعم لمساعدتهم على تجاوز التجربة الصادمة.

اغتصاب أدى إلى الحمل

تعرضت هدى ذات الـ 17 عاماً للاغتصاب على يد أفراد من “الدعم السريع” أثناء بحثها عن عمل في أطراف معسكر الحميدية في وسط دارفور في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وتمكنت من تلقي العلاج، لكنها ما زالت منهارة نفسياً. وقد شهدت وسط دارفور، خاصة المناطق حول معسكر الحميدية، خلال تلك الفترة عدداً من جرائم الاغتصاب للبنات وخطف الشباب. تذكر هدى أنهم لم يكتفوا باغتصاب النساء، قائلة: “قتلوا أخي أيضاً”.

وذكرت أنها لم تتمكن من الوصول إلى منطقة آمنة والحصول على دعم طبي إلا بعد مرور ثلاثة أشهر من تعرضها للاغتصاب. وعندها اكتشفت أنها حامل، وحالياً هي أم لطفل تخشى عليه من وصمة مجتمعها.

وجاء في بيان صدر عن اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في 17 آذار/ مارس 2024، أن أفراداً من “الدعم السريع” اغتصبوا ممرضة في مستشفى الحصاحيصا بولاية الجزيرة بوسط السودان أثناء عملها، بعد أن رأتهم يقومون باغتصاب أخريات، فبدأت بالصراخ وطلب النجدة.

وفي تشرين الثاني/ تشرين الثاني 2023، دعا المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام إلى تحقيق العدالة والمحاسبة لعدد 69 حالة اغتصاب واختطاف جنوبي دارفور، بينها 43 حالة اغتصاب جماعي، وعشر حالات خطف تعرضت للاستعباد الجنسي. كما وثق المركز في بيان آخر 51 حادثة عنف جنسي ضد النساء والفتيات في محليتي زالنجي وقارسيلا في وسط دارفور. 

وبحسب المركز، تمكنت الناجيات من التعرف على الجناة الذين كانوا رجالاً يرتدون زي “قوات الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها، وفي بعض الحالات رجال يرتدون زي القوات المسلحة السودانية.

وبحسب وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة الرعاية الاجتماعية، التي تعمل على رصد الحالات وتوثيقها والتواصل معها وتقديم الدعم، وصل عدد حالات الاغتصاب منذ بداية الحرب في السودان وحتى 20 حزيران/ يونيو 2024 إلى 191 حالة.

 وأوضحت سليمى إسحاق مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، أن ارتفاع عدد حالات الاغتصاب المسجلة في الفترة الأخيرة، يعود إلى فقدان التواصل لفترة من الزمن مع عدد من الحالات، بما في ذلك حالات مدينة الأبيض التي وقعت في بداية الحرب، وقد تم تسجيل هذه الحالات خلال الأسابيع السابقة، بعد استقرار الأوضاع الأمنية بصورة نسبية. كما استطاعت الوحدة أن تصل إلى ضحايا الاغتصاب من منطقتي الجزيرة وسنار، وتمكنت النساء هناك من الحصول على الخدمات الطبية.

 وأضافت سليمى قائلة: “حتى الآن لدينا ثماني حالات من الجزيرة، وهذه هي الحالات التي تحصلت على الخدمات الطبية، أو تمكنت من الخروج منها، ونحن نعرف أن العدد الحقيقي يمكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير، وهناك عدد أكبر من الحالات منذ بداية الحرب في كل من نيالا والجنينة والخرطوم حيث أجريت تحديثات خلال الأربعة أشهر الأخيرة فقط”.

ذكرت سليمى أن آثار الاعتداءات الجنسية عديدة، وخاصة الآثار الصحية. فعلى سبيل المثال، في بداية الحرب كان البروتوكول العلاجي، الذي يشمل أدوية للوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وتدابير علاجية للحمل غير المرغوب فيه، يُعطى بشكل ناقص في الخرطوم، مما يزيد من خطر انتقال التهاب الكبد الوبائي. 

وأضافت: “وصلتنا حتى الآن ثماني حالات حمل قدمنا المساعدة لهن؛ ولكن هناك حالات أخرى وصلت بعد أن أصبح الحمل في مراحل متقدمة، فلم تكن هناك فرصة للإجهاض القانوني. ومع ذلك، لم تكن هناك ثمة مشكلة في مسألة الولادة وتسليم الأطفال لأسر بديلة”.

وأشارت إلى أن “الدعم النفسي متوفر بشكل محدود، وتستفيد منه فقط من تحصل على مساعدة دائمة. ومع ذلك، فإن المشكلة تكمن في أن الدعم النفسي لا يكفي بمفرده، إذ يتطلب توفير عوامل أخرى، مثل: الأمان الشخصي، واستقرار الأسرة، وتحسن الظروف المجتمعية بشكل عام، وهي أمور بعيدة المنال في ظل الحرب الدائرة، مما يعيق تحقيق نتائج فعالة.

حظر العنف الجنسي 

يحظر القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، الاغتصاب وكل أشكال العنف الجنسي خلال الحروب. كما أدرج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي صدر في 17 تموز/ يوليو 1998، جرائم الاغتصاب، والاسترقاق الجنسي، والإكراه على البغاء، والحمل القسري – كما هو معرّف في المادة 7-2 – ضمن الجرائم التي تخضع للملاحقة الدولية.

 وفي الوقت نفسه، تواجه النساء اللواتي تعرضن لهذه الجرائم صعوبة في الإبلاغ عنها، بسبب وجود معظمهن في مناطق غير آمنة وتوقف أقسام الشرطة عن العمل في تلك المناطق منذ بداية الحرب. أما بالنسبة إلى حالات الحمل القسري الناتجة عن الاغتصاب، فيتم التعامل معها وفقاً للقانون الجنائي السوداني لعام 1991. وتنص المادة 135 من هذا القانون على أن “من يتسبب عمداً في إسقاط جنين امرأة يُعاقب بالسجن لمدة ثلاثة أعوام أو بالغرامة أو بالاثنين معاً”. 

وتنص المادة 135 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991 على أن العقوبة تُسقط إذا كان الحمل نتيجة اغتصاب ولم يتجاوز 90 يوماً. أما إذا تجاوزت فترة الحمل 90 يوماً، فقد تصل العقوبة إلى السجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية، بالإضافة إلى احتمال الحكم بدفع الدية. ومع ذلك، تواجه الكثير من الضحايا صعوبة في الوصول إلى مناطق آمنة في الوقت المناسب، مما يعقد قدرتهن على الحصول على الدعم القانوني والطبي اللازم.

يُذكر أن النائب العام المكلف الفاتح طيفور، أصدر توجيهات جديدة لوكلاء النيابة بشأن قضايا الاغتصاب والعنف الجنسي بعد بداية الحرب. تشمل هذه التوجيهات السماح بعدم الالتزام بالاختصاص المكاني في هذه القضايا، وتكليف نيابة الأسرة والطفل بالتحقيق فيها. كما تضمنت التوجيهات التعاون مع منظمات المجتمع المدني، وتنسيق الجهود المختلفة لمكافحة الاغتصاب والعنف الجنسي خلال الحرب. بالإضافة إلى ذلك، تم توفير إمكانية الإجهاض في حالات الحمل الناتجة عن الاغتصاب، وفقاً للقانون.

وفي هذا السياق، أفادت المحامية إنعام عتيق بتسجيل عدة بلاغات تتعلق بحالات اغتصاب، حيث تمكنت بعض الناجيات من الحصول على إذن من النيابة لإجراء عمليات إجهاض للحمل الناتج عن هذه الجرائم. ومع ذلك، أوضحت عتيق أن هذه البلاغات توقفت عند مرحلة التحري ولم تُحل إلى المحكمة؛ وذلك بسبب عدم تحديد هوية الجناة الذين ينتمون إلى قوة نظامية، بالإضافة إلى تعطل الأجهزة العدلية في معظم الولايات.

وقالت عتيق إنه “بعد اندلاع الحرب وظهور العديد من حالات الحمل بين الناجيات، أصبح من الضروري مساعدة الناجيات الراغبات في التخلص من الحمل الناتج عن الاغتصاب في الوصول إلى طرق آمنة للإجهاض، وفقاً للقانون. ورغم كل الصعوبات والعقبات، نجح المحامون ومقدمو الخدمات والدعم لضحايا الاغتصاب، وبعد مجهود كبير ونقاشات قانونية وفقهية مع النيابة والشرطة والسلطات الصحية، في تمكين بعض الناجيات من إجراء الإجهاض بطريقة قانونية وآمنة تحت رعاية طبية”.

واصلت إنعام عتيق حديثها مؤكدةً أن “تحقيق العدالة لضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي في ظل الظروف المتردية الحالية يتطلب جهوداً متنوعة ومشتركة من مختلف الأطراف. على سبيل المثال، يجب تشجيع الضحايا على التبليغ عندما يكون ذلك ممكناً وآمناً، بالإضافة إلى حثهم ودفع الشهود على توثيق حالات الاغتصاب بطريقة صحيحة وآمنة، والحصول على التقارير الطبية وحفظها في مكان آمن”، كما شددت على “أهمية تدريب العاملين مع الضحايا، مثل: المحامين، والكادر الطبي، وغرف الطوارئ، ولجان المقاومة، والإدارات الأهلية، على كيفية التوثيق. بالإضافة إلى ضرورة التعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لتوثيق الجرائم وجمع الأدلة بطرق احترافية”.

وجاء في بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في النزاعات، في 19 حزيران/ يونيو 2024، أن الهجمات على مراكز الرعاية الصحية أثرت بشكل كبير في الحق الأساسي في الرعاية الصحية للناجيات والناجين من العنف الجنسي. ووفقًا للبيان، وثقت المفوضية تعرض ما لا يقل عن 133 امرأة وفتاة ورجل وفتى للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع، مع توقع أن يكون العدد الحقيقي أكبر بكثير، نظراً لأن العديد من الضحايا غير قادرين على التبليغ. وأشار البيان إلى أنه في أغلب الحالات لم تُتح للضحايا الخدمات الطبية الفورية أو الكافية اللازمة. كما ذكر أن القوانين السودانية، وخاصة تلك التي تتطلب أدلة معتمدة طبياً أثناء التحقيقات، قد أعاقت حصول الناجيات على الرعاية الصحية، مما أدى إلى مشاكل صحية خطيرة للعديد من النساء وجيل من الأطفال المولودين نتيجة للاغتصاب.

وحتى يمكن إنفاذ العدالة، تظل هدى في رعاية طفلها الذي تلاحقه الوصمة الاجتماعية، وتمكث سمر في مخيم اللجوء تطاردها أشباح ذكرى تعرضها للاغتصاب، فيما تبقى منظومة العدالة مكبلة لا تستطيع الاقتصاص من قتلة مريم.  


أُنجزت هذه المادة في إطار زمالة محمد أبو الغيط للصحفيين والباحثين.

يقدم برنامج زمالة محمد أبو الغيط منحة سنوية لعدد من الصحفيين والصحافيات والباحثين والباحثات للعمل على إنتاج أبحاث وقصص صحفية حول منطقة الشرق الأوسط.

تم تأسيس هذه الزمالة لتخليد ذكرى محمد أبو الغيط وهو صحفي وطبيب مصري، وُلد عام 1989 وتوفي في 2022، واشتهر بكتاباته الاستقصائية التي تناولت قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان. وقد عمل مع منصات مثل “بي بي سي” و”درج”، وألّف كتاب “أنا قادم أيها الضوء” الذي وثق فيه تجربته مع مرض السرطان.