fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

وهم “الحضن الآمن” كما ترويه شابة تعرضت للتحرش وهي طفلة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذه القصة ليست قصة طفلة واحدة، بل آلاف الفتيات اللواتي يعشن تحت وطأة الخوف و”العار” كي لا يبحن بما يتعرضن له في بيئة اجتماعية وقانونية لا تزال لا تقيم وزناً لهذه الاعتداءات، وتحمّل الضحية نفسها مسؤوليتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“نظر إلي بعينين فارغتين مجدداً، عينين لوزيّتين تشبهان كرتي زجاج مثبتتين في وجهٍ آدمي، تساءلت بينما أتفحّصهما إن كان الدم يصل إليهما أو إن كان الهواء يخترقهما، كأني في فيلم رعبٍ يتجمّد دمي. ها أنا أراه بعد سنوات يجالس عائلتي وكأن شيئاً لم يكن”.

في هذا المقال، شهادة حقيقية لفتاة سورية، عانت خلال سنوات طفولتها من تحرش رجل مقرب منها. تركت التجربة التي استمرت على مدى سنوات، آثاراً نفسية قاسية على الفتاة التي تضطر اليوم إلى البقاء قريبةً من هذا الرجل ولا تعرف طريقةً لمواجهته. 

هذه القصة ليست قصة طفلة واحدة، بل آلاف الفتيات اللواتي يعشن تحت وطأة الخوف و”العار” كي لا يبحن بما يتعرضن له في بيئة اجتماعية وقانونية لا تزال لا تقيم وزناً لهذه الاعتداءات، وتحمّل الضحية نفسها مسؤوليتها. 

 بلعتُ ريقي وحاولت إخفاء رعشتي ثم انتبهت الى حقيقة أنّ إنجازي الكبير بتجاوزه تحطّم، إذ اتضّح أنني لم أفعل شيئاً بعد ولا أعرف إن كنت سأفعل قريباً. كنتُ مجرد طفلة، سمعت حكايات عن المعتدين، لكنني لم أعرف حينها كيف أفسّر ما تعرضت له، لكن بعد سنوات أدركتُ ما فعله بي.

أشعل سيجارته، ونفخ في الهواء دخانه متابعاً حديثاً تافهاً عن الرجولة، ثم وضع عينيه بعينيّ لتأكيد كلامه، وفي أجزاءٍ من الثانية سرت رعشة خوفٍ باردة وحبست انفعالاتي إلى حدّ أن آلمتني حنجرتي، لكنني رمشتُ كاسرةً هذا الاتصال أخيراً وأشحت بنظري ممسكةً هاتفي المحمول.

ظللتُ أكرر لنفسي: “لقد انتهى الأمر… أنتِ بخير… لن يقترب منك” كما كان يفعل، لكنّه رمى نكتةً وعندما ضحكوا جميعاً أكّد متفاخراً: “أنا الله حاطط سرّه فيني”. بدأت الذكريات تتدفق إلى عقلي كمن يتابع شريط حياته قبل موته: كان عمري ستُ سنوات وكنت أبكي من شيءٍ ما وأشعر بالغضب، وكان ينظر في عينيّ مباشرةً ويطمئنني بأنه تحدّث إلى الله حالاً وأكّد له أنه سيعاقب كل من يغضبني. نزل إلى مستوى نظري ومسح دموعي بحنان، ثم اقترب مني بهدوء وتحوّل غضبي كله إلى خوف، لكنّي حدّقت في عينيه فلم أقاوم، وضع لسانه في حلقي وشعرت للمرة الأولى بالقرف حد التقيؤ. 

حاولت إبعاده؛ وكلّما فعلت عض شفتي وأصبح أعنف، وعندما ابتعد أخيراً كان وجهي مليئاً باللعاب والدمع والمخاط، وصار وجهه هو أحمر وعيناه خضراوين ويحدق فيّ بغضب، مسح فمه بكمّه وسألني ببرود: “شو صرلك، بدّك الله يعاقبنا مع بعضنا يعني؟ إهدي أو رح تندمي كل حياتك”. اعتذرت وأنا أرتجف، فنظّف وجهي بالكُم ذاته وضمني، وعندما هدأت حملني إلى السرير، ودفع لسانه فيّ مجدداً؛ لكنّه هذه المرّة لمس عضوي التناسلي فارتعبت وصرخت من دون قصد، فأرعبته، لذا صفعني فاختفى “حسّي”، ثم وقف ورفعني من شعري حتى صار وجهي موازياً لوجهه، وأعاد تحذيراته الحقيقية هذه المرّة، فأقسمت مراراً بأنني فهمت وبأنني سأكون مطيعةً حتى أفلت منه، وعندما فعلتُ ركضت إلى الباب وقلت بأنني سأفشي به، فلحق بي وبدل ضربي ضمّني هذه المرة وظل يبكي ويؤكد أنهم سيقتلونه ويقتلونني حتى طمأنته بأن أبي يحبني ولن يؤذيني وبأنني أيضاً لن أسمح لأحدٍ بلمسه.

الظبي يأكل الأسد الخائف

في وقتٍ متأخرٍ من عصر ذلك اليوم، جاء أبي مرهقاً من ضغط العمل، ركضتُ إلى حضنه محاولةً إيجاد طريقةٍ مناسبة لإخباره، قلتُ له بأنني أريد إخباره بشيء ما، فردّ بأنه متعب، وبعقلية الطفلة الصغيرة قلت له أنه لا يحبني وأنني أكرهه، فصرخ في وجهي وأمرني بالذهاب إلى غرفتي، وكانت لحظة مناسبةً له ليتدخل ويأخذني في حضنه قائلاً لأبي: “لا تعصب عليها… هي حصتي”، طبع قبلةً على رأسي وتحسس جسدي من دون أن ينتبه أحد، نظرت إلى أبي وللمرة الأولى شعرت بأنه تخلّى عني تماماً، وقد كان شعوراً كبيراً على طفلةٍ صغيرة.

في الصباح، لم أكن أريد تناول الطعام مع أهلي، شعرتُ بأنني ارتكبت خطأ ما ولم أرد أن أعاقب، لكن أمي أصرّت وقالت إن علي دائماً سماع كلمة العائلة حتى لو لم يعجبني الأمر، فهم يعرفون مصلحتي أكثر مني، سألتها: “منسمع كلمة الله أو أهلنا؟”، فردّت: “الله أمرنا أن نطيع أهلنا”، قلت لها بأن عمي يخبرني دائماً بأن الله يقول له بأنه علي أن أطيعه، فابتسمت وربتت على كتفي وأجرى أبي مداخلةً قصمت ظهري: “بابا عمك يعني أنا… بتسمعي كلامه كأنك عم تسمعي كلامي، إذا عرفت أنك عم تكوني قليلة أدب معه رح بطل حاكيك”، وهكذا صرت أسمع كلامه لخمس سنوات متتالية، ليس خوفاً من الله بل من خصام أبي، أكثر من أحبني وأكثر من خذلني.

عقوبة الصمت استمراره

بعد خمس سنوات من الصمت، أغضبته مجدداً برغبتي في البوح، مؤكدةً أنه لو لم يكن خطأ لما فعلناه بالسر. وبعد تعنيفٍ مستمرٍ وغاضب، حضرت معه فيلماً جنسياً للمرة الأولى، محاولةً عدم التقيؤ… هكذا جئت إذاً وأبي- قدوتي أبداً- يفعل أفظع مني وبالسر مثلي، ما يعني أني لست مخطئة وبأني مذنبة مجدداً، فاعتذرت.

لم يكن الأمر مريحاً حتى بعدما اعتدته، لذا بدأت أتملّص أكثر من الوجود معه، وصرت كتلةً من الغضب لا يستطيع أحد التعامل معي حتى هو، ومع هذا بقيت الملامسات المعتمدة غير الواضحة تؤذيني بشكلٍ متكرر، حتى وقع بغرام فتاةٍ ما وقرر الزواج منها تاركاً إياي وشأني، لكنني اليوم بعد سنوات مستمرة من الصمت أشعر كل يوم بأن عقابي المثالي لما سمحت له بفعله هو المزيد من الصمت.

وها أنا أتذكّر هذا كله وأضطر لسكب الشاي له والقول تفضّل، بينما يرد: “بعرسك” وينفث دخانه في روحي… مجدداً.

23.05.2023
زمن القراءة: 4 minutes

هذه القصة ليست قصة طفلة واحدة، بل آلاف الفتيات اللواتي يعشن تحت وطأة الخوف و”العار” كي لا يبحن بما يتعرضن له في بيئة اجتماعية وقانونية لا تزال لا تقيم وزناً لهذه الاعتداءات، وتحمّل الضحية نفسها مسؤوليتها.

“نظر إلي بعينين فارغتين مجدداً، عينين لوزيّتين تشبهان كرتي زجاج مثبتتين في وجهٍ آدمي، تساءلت بينما أتفحّصهما إن كان الدم يصل إليهما أو إن كان الهواء يخترقهما، كأني في فيلم رعبٍ يتجمّد دمي. ها أنا أراه بعد سنوات يجالس عائلتي وكأن شيئاً لم يكن”.

في هذا المقال، شهادة حقيقية لفتاة سورية، عانت خلال سنوات طفولتها من تحرش رجل مقرب منها. تركت التجربة التي استمرت على مدى سنوات، آثاراً نفسية قاسية على الفتاة التي تضطر اليوم إلى البقاء قريبةً من هذا الرجل ولا تعرف طريقةً لمواجهته. 

هذه القصة ليست قصة طفلة واحدة، بل آلاف الفتيات اللواتي يعشن تحت وطأة الخوف و”العار” كي لا يبحن بما يتعرضن له في بيئة اجتماعية وقانونية لا تزال لا تقيم وزناً لهذه الاعتداءات، وتحمّل الضحية نفسها مسؤوليتها. 

 بلعتُ ريقي وحاولت إخفاء رعشتي ثم انتبهت الى حقيقة أنّ إنجازي الكبير بتجاوزه تحطّم، إذ اتضّح أنني لم أفعل شيئاً بعد ولا أعرف إن كنت سأفعل قريباً. كنتُ مجرد طفلة، سمعت حكايات عن المعتدين، لكنني لم أعرف حينها كيف أفسّر ما تعرضت له، لكن بعد سنوات أدركتُ ما فعله بي.

أشعل سيجارته، ونفخ في الهواء دخانه متابعاً حديثاً تافهاً عن الرجولة، ثم وضع عينيه بعينيّ لتأكيد كلامه، وفي أجزاءٍ من الثانية سرت رعشة خوفٍ باردة وحبست انفعالاتي إلى حدّ أن آلمتني حنجرتي، لكنني رمشتُ كاسرةً هذا الاتصال أخيراً وأشحت بنظري ممسكةً هاتفي المحمول.

ظللتُ أكرر لنفسي: “لقد انتهى الأمر… أنتِ بخير… لن يقترب منك” كما كان يفعل، لكنّه رمى نكتةً وعندما ضحكوا جميعاً أكّد متفاخراً: “أنا الله حاطط سرّه فيني”. بدأت الذكريات تتدفق إلى عقلي كمن يتابع شريط حياته قبل موته: كان عمري ستُ سنوات وكنت أبكي من شيءٍ ما وأشعر بالغضب، وكان ينظر في عينيّ مباشرةً ويطمئنني بأنه تحدّث إلى الله حالاً وأكّد له أنه سيعاقب كل من يغضبني. نزل إلى مستوى نظري ومسح دموعي بحنان، ثم اقترب مني بهدوء وتحوّل غضبي كله إلى خوف، لكنّي حدّقت في عينيه فلم أقاوم، وضع لسانه في حلقي وشعرت للمرة الأولى بالقرف حد التقيؤ. 

حاولت إبعاده؛ وكلّما فعلت عض شفتي وأصبح أعنف، وعندما ابتعد أخيراً كان وجهي مليئاً باللعاب والدمع والمخاط، وصار وجهه هو أحمر وعيناه خضراوين ويحدق فيّ بغضب، مسح فمه بكمّه وسألني ببرود: “شو صرلك، بدّك الله يعاقبنا مع بعضنا يعني؟ إهدي أو رح تندمي كل حياتك”. اعتذرت وأنا أرتجف، فنظّف وجهي بالكُم ذاته وضمني، وعندما هدأت حملني إلى السرير، ودفع لسانه فيّ مجدداً؛ لكنّه هذه المرّة لمس عضوي التناسلي فارتعبت وصرخت من دون قصد، فأرعبته، لذا صفعني فاختفى “حسّي”، ثم وقف ورفعني من شعري حتى صار وجهي موازياً لوجهه، وأعاد تحذيراته الحقيقية هذه المرّة، فأقسمت مراراً بأنني فهمت وبأنني سأكون مطيعةً حتى أفلت منه، وعندما فعلتُ ركضت إلى الباب وقلت بأنني سأفشي به، فلحق بي وبدل ضربي ضمّني هذه المرة وظل يبكي ويؤكد أنهم سيقتلونه ويقتلونني حتى طمأنته بأن أبي يحبني ولن يؤذيني وبأنني أيضاً لن أسمح لأحدٍ بلمسه.

الظبي يأكل الأسد الخائف

في وقتٍ متأخرٍ من عصر ذلك اليوم، جاء أبي مرهقاً من ضغط العمل، ركضتُ إلى حضنه محاولةً إيجاد طريقةٍ مناسبة لإخباره، قلتُ له بأنني أريد إخباره بشيء ما، فردّ بأنه متعب، وبعقلية الطفلة الصغيرة قلت له أنه لا يحبني وأنني أكرهه، فصرخ في وجهي وأمرني بالذهاب إلى غرفتي، وكانت لحظة مناسبةً له ليتدخل ويأخذني في حضنه قائلاً لأبي: “لا تعصب عليها… هي حصتي”، طبع قبلةً على رأسي وتحسس جسدي من دون أن ينتبه أحد، نظرت إلى أبي وللمرة الأولى شعرت بأنه تخلّى عني تماماً، وقد كان شعوراً كبيراً على طفلةٍ صغيرة.

في الصباح، لم أكن أريد تناول الطعام مع أهلي، شعرتُ بأنني ارتكبت خطأ ما ولم أرد أن أعاقب، لكن أمي أصرّت وقالت إن علي دائماً سماع كلمة العائلة حتى لو لم يعجبني الأمر، فهم يعرفون مصلحتي أكثر مني، سألتها: “منسمع كلمة الله أو أهلنا؟”، فردّت: “الله أمرنا أن نطيع أهلنا”، قلت لها بأن عمي يخبرني دائماً بأن الله يقول له بأنه علي أن أطيعه، فابتسمت وربتت على كتفي وأجرى أبي مداخلةً قصمت ظهري: “بابا عمك يعني أنا… بتسمعي كلامه كأنك عم تسمعي كلامي، إذا عرفت أنك عم تكوني قليلة أدب معه رح بطل حاكيك”، وهكذا صرت أسمع كلامه لخمس سنوات متتالية، ليس خوفاً من الله بل من خصام أبي، أكثر من أحبني وأكثر من خذلني.

عقوبة الصمت استمراره

بعد خمس سنوات من الصمت، أغضبته مجدداً برغبتي في البوح، مؤكدةً أنه لو لم يكن خطأ لما فعلناه بالسر. وبعد تعنيفٍ مستمرٍ وغاضب، حضرت معه فيلماً جنسياً للمرة الأولى، محاولةً عدم التقيؤ… هكذا جئت إذاً وأبي- قدوتي أبداً- يفعل أفظع مني وبالسر مثلي، ما يعني أني لست مخطئة وبأني مذنبة مجدداً، فاعتذرت.

لم يكن الأمر مريحاً حتى بعدما اعتدته، لذا بدأت أتملّص أكثر من الوجود معه، وصرت كتلةً من الغضب لا يستطيع أحد التعامل معي حتى هو، ومع هذا بقيت الملامسات المعتمدة غير الواضحة تؤذيني بشكلٍ متكرر، حتى وقع بغرام فتاةٍ ما وقرر الزواج منها تاركاً إياي وشأني، لكنني اليوم بعد سنوات مستمرة من الصمت أشعر كل يوم بأن عقابي المثالي لما سمحت له بفعله هو المزيد من الصمت.

وها أنا أتذكّر هذا كله وأضطر لسكب الشاي له والقول تفضّل، بينما يرد: “بعرسك” وينفث دخانه في روحي… مجدداً.