fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

يا دعاة “التوجّه شرقاً” أين أنتم من جريمة إبادة مسلمي الصين؟!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ممّا لا شكّ فيه أنّ دولاً منافسة للصين تستغل “ورقة الإيغور” للضغط على الصين وإضعاف اقتصادها، إلّا أنّ الغريب والمخزي هو الغياب شبه الكامل للدول والمؤسسات التي يُفترض أن تكون معنيّة بالدفاع عن الإيغور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اغتُصبت تورسوناي زياودون جماعيّاً ثلاث مرّات، على يد رجلين أو ثلاثة في كل مرّة وذلك بعد تعذيبها نفسيّاً وجسديّاً، ما وصفته بـ “الندبة التي لن تنساها مدى الحياة”، قبل أن تهرب إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة للتخلّص من هذا الكابوس. ولكن زيادون ليست حالة خاصة، بل هي واحدة من آلاف الإيغوريّات اللواتي يتعرّضن للتعذيب والهتك والاغتصاب بشكلٍ يومي في معسكرات الإيغور في الصين. 

لم نكن نعلم بهول هذه الكارثة وفظاعتها سابقاً، ربّما بسبب التعتيم الإعلامي العربي أو غياب بيانات وخطابات الاستنكار العربيّة والإسلاميّة واسعة الانتشار! ولكن بعدما “أوصى” أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، في أحد خطاباته في أواخر 2019، بأن نتّجه شرقاً هرباً من الضغط الغربي الأميركي، قرّرتُ عندها، كمواطنة “مطيعة”، أن أتّجه شرقاً وأتابع أخبار الشرق وتطوّراته،  خصوصاً الصين، عملاقة آسيا ودول “الشرق”. 

ولكن عندما اتّجهت شرقاً صُعقت بإبادة جماعيّة وتعذيب شنيع وظروف لا إنسانيّة يتعرّض لها مسلمو الإيغور… إبادة بكلّ ما للكلمة من معنى يعيشها أهل الإيغور والأقليّات كلّ يوم، في القرن الحادي والعشرين. فأين مدّعو الدفاع عن المسلمين وتمثيلهم؟ ألا يتابعون أخبار الشرق الذي حثّونا على التوجّه إليه؟ ماذا عن المؤسسات الدينيّة التي تستشيط غضباً واستنكاراً تجاه أي رسوم أو خطاب “تعتبره” إساءة للمسلمين وتهبّ للدفاع عن “الإسلام”؟ ألا تعتبر إبادة جماعيّة بحق الأقليّات المسلمة إساءة للإسلام؟ ما هي معاييرهم؟!  

فعلى رغم التطوّر الهائل الذي حقّقته وتحقّقه الصين، إلّا أنّها لم تتمكّن بعد من حلّ أزماتها الدينيّة العرقيّة والتخلّص من العنصريّة التي تفتك بمجتمعها. فما نفع التقدّم العلمي إذا لم يوازه تقدّم أخلاقيّ إنسانيّ ديموقراطيّ يرتقي بالمجتمع والإنسان؟! فتحت ذريعة مواجهة التطرّف، اتباع الصين استراتيجيّة وحشيّة للقضاء على الأقليّة المسلمة في البلاد.

ضغط دولي مقابل صمت عربي وإسلامي!

يبلغ عدد الإيغور حوالى 12 مليوناً، أغلبهم من المسلمين، يعيشون في شمال غربي الصين في منطقة شينجيانغ، وهي تُعرف باسم منطقة شينجيانغ الإيغورية المتمتعة بالحكم الذاتي (XUAR). والإيغور يشكّلون قرابة نصف سكان المنطقة. للإيغور لغتهم الخاصة، وهي شبيهة باللغة التركية. ولطالما كان تميّزهم العرقي والحضاري والديني نقمة عليهم، فوفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، حوالى مليوني إيغوري وأقليات مسلمة أخرى قد وُضعوا في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء المنطقة. فيما يقول روشان عباس، المؤسس والمدير التنفيذي لحملة الإيغور، إنّ “أكثر من ثلاثة ملايين من الإيغور محتجزون في معسكرات اعتقال بسبب هويتهم العرقيّة”.  


وبلغ التمييز العنصري ضدّ الإيغور من قبل السلطات الصينيّة حدّ التخطيط الممنهج للقضاء عليهم، وهذا ما نصّ عليه التقرير الأخير الصادر في آذار/ مارس 2021 عن معهد نيولاينز في العاصمة واشنطن New Lines Institute، الذي يشير إلى الاستراتيجيّة الممنهجة لإبادة الإيغور. ويضيف التقرير المستقل الصادر عن أكثر من 50 خبيراً عالمياً في القانون الدولي والإبادة الجماعية وسياسة الصين، أنّ الدولة تتحمّل مسؤولية الإبادة الجماعية المستمرة ضد الإيغور في انتهاك لكل بنود اتفاقية الإبادة الجماعية التابعة للأمم المتحدة. والصين هي واحدة من 152 دولة موقّعة على اتفاقيّة “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” التي تبنّتها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في كانون الأوّل/ ديسمبر 1948 والتي أصبحت سارية المفعول في 12 كانون الثاني/ يناير 1951. 

فعام 2014، أطلق رئيس الدولة الصيني، شي جين بينغ Xi Jinping، “الحرب على الإرهاب” في منطقة شينجيانغ الإيغورية المتمتّعة بالحكم الذاتي (XUAR)، ما جعل المناطق التي يشكّل فيها الإيغور حوالى 90 في المئة من السكان في خط المواجهة الأوّل. فأمر بعض كبار المسؤولين “باعتقال كل من يجب اعتقالهم”، و”القضاء عليهم تماماً … تدمير جذورهم وفروعهم”، و”كسر نسبهم، وقطع جذورهم وصلاتهم وأصولهم”، وفقاً للتقرير السابق الذي سلّط الضوء على استخدام المسؤولين عبارات غير إنسانية لوصف الإيغور واعتبروا مراراً حملات الاعتقال الجماعي بحقّهم “استئصال أورام”. 

ولكن هذه الإجراءات القاسية قوبلت برسالة موقّعة من 22 دولة منضوية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عام 2019، تستنكر فيها معاملة الصين للإيغور والأقليات، وهذه الدول هي: كندا، اليابان، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، النمسا، السويد، لاتفيا، نيوزيلندا،  ليتوانيا، إستونيا، الدنمارك، النرويج، إسبانيا، أستراليا، أيرلندا، بلجيكا، أيرلندا الشمالية، هولندا، أيسلندا، لكسمبورغ، وسويسرا.

وأعلنت كندا في شباط/ فبراير 2021 اعتبارها ما تفعله الصين في أقليّة الإيغور إبادة جماعيّة. فصوّت مجلس العموم الكندي بأغلبية ساحقة (266 صوتاً مقابل صفر) لإعلان معاملة الصين لأقلية الإيغور إبادة جماعية. فيما امتنع حزب رئيس الوزراء جاستن ترودو ومعظم أعضاء حكومته عن التصويت.
 

كما صوّت المشرّعون لتمرير تعديل يطالب كندا بدعوة اللجنة الأولمبية الدولية لنقل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 من بكين “إذا استمرت الحكومة الصينية في هذه الإبادة الجماعية” وهذا مطلب تضغط بشأنه مجموعات حقوقيّة.

وأصبحت كندا الدولة الثانية التي تقرّ بأنّ سياسة الصين تجاه الأقليّة المسلمة هي سياسة إبادة استراتيجيّة، بعد الولايات المتّحدة الأميركيّة التي أعلن وزير خارجيتها السابق مايك بومبيو أنّ الصين ترتكب إبادة جماعية في قمعها الإيغور وغيرهم من الشعوب ذات الأغلبية المسلمة. 

وقال بومبيو في بيان له في يومه الأخير في منصبه تحت إدارة دونالد ترامب: “أعتقد أن هذه الإبادة الجماعية مستمرة، وأننا نشهد محاولة منهجية لتدمير الإيغور من قبل الدولة الصينية”.

إقرأوا أيضاً:

حدّد معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي في أيلول/ سبتمبر 2020 أنّ هناك 380 منشأة مشتبه بها في منطقة شينجيانغ (Xinjiang) أن تكون معسكرات وهو أكثر بنحو 40 في المئة من التقديرات السابقة.

ممّا لا شكّ فيه أنّ دولاً منافسة للصين تستغل “ورقة الإيغور” للضغط على الصين وإضعاف اقتصادها، إلّا أنّ الغريب والمخزي هو الغياب شبه الكامل للدول والمؤسسات التي يُفترض أن تكون معنيّة بالدفاع عن الإيغور. 


فردّاً على رسالة الـ22 دولة المذكورة سابقاً، وجّهت 37 دولة رسالة إلى الأمم المتحدة تدعم سياسة بكين، ومن هذه الدول: السعودية وقطر وسوريا وكوريا الشمالية والجزائر ونيجيريا والفيليبين وروسيا.


أمّا إيران وأذرعها فالموضوع لا يعنيها، فالصين حليف استراتيجيّ لا يمكن الاستغناء عنه. فمن ينكّل بأطفال سوريا والعراق واليمن، لن يهمّه أمر مسلمي الإيغور! والمبدأ نفسه ينطبق على المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة التي لن تفتح “جبهة” مع قوّة عالميّة كالصين من أجل “حقوق الإنسان”. أما تركيا ورئيسها رجب الطيّب أردوغان، فبعدما وصف القمع الصيني للإيغور بالإبادة عام 2009، ابتعد وآثر الحياد وذلك بسبب تزايد اعتماد تركيا الاقتصادي على الصين.

وعلى رغم استنكار الأزهر في بعض المناسبات هذا القمع والانتهاك، ولكن يبقى ذلك خجولاً جدّاً مقارنةً بحجم الجريمة الانسانيّة ومقارنةً بردود الفعل “المبالغ بها” تجاه أي رسوم مسيئة للإسلام مثلاً. 

المعسكرات، التعذيب، الاغتصاب

تتعرّض النساء في معسكرات الإيغور في الصين للاغتصاب والاعتداء الجنسي والتعذيب بشكل منهجي، وفقاً لتحقيق وروايات حصلت عليها الـ BBC. تقول تورسوناي زياودون، التي هربت من شينجيانغ إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة بعدما أُطلق سراحها، أنّه يتمّ إخراج النساء من الزنازين كلّ ليلة ويغتصبهنّ رجل صيني مقنّع أو أكثر، يرتدون البدلات لا الزي العسكري. وذكرت أنّها شخصيّاً تعرّضت للتعذيب ثم اغتصبت جماعيّاً في ثلاث مناسبات، في كل مرة على يد رجلين أو ثلاثة.

بحسب زياودون، يأتون بعد منتصف الليل إلى السجون لاختيار النساء اللواتي يعجبنهم ويأخذونهنّ في الممر إلى “حجرة سوداء”، حيث لا كاميرات مراقبة ويدفع الرجال مبالغ ماليّة لاختيار النساء اللواتي يعجبنهم.

وفي تحقيق الـ BBC في شباط/ فبراير 2021 أيضاً تقول إمرأة كازاخستانية، تدعى غولزيرا أولخان، احتُجزت لمدة 18 شهراً في المعسكر، إنّها أُجبرت على تجريد نساء الإيغور من ملابسهن وتقييد أيديهن، قبل تركهن بمفردهن مع رجال صينيين. بعد ذلك، كانت تقوم بتنظيف الغرف. “كانت وظيفتي خلع ملابس نساء الإيغور فوق الخصر وتقييد أيديهنّ حتى لا يتمكنّ من الحركة… ثم أترك النساء في الغرفة ليدخل رجل صيني مدني أو شرطي. كنت أجلس بصمت بجانب الباب، وعندما يغادر الرجل الغرفة، آخذ المرأة للاستحمام”. وأكّدت أولخان أيضاً أنّ الرجال الصينيين “يدفعون نقوداً مقابل اختيار أجمل السجينات الشابات”.

تتعرّض النساء إلى كلّ أشكال التعذيب والعنف والضرب وصولاً إلى الصعقات الكهربائيّة. فهناك “أربعة أنواع من الصدمات الكهربائية”، “الكرسي والقفاز والخوذة والاغتصاب الشرجي بعصا (anal rape with a stick)”.

ويؤكّد تحقيق سابق لـAssociated Press في منتصف 2020، الاستخدام الواسع للعقم القسري للإيغور في شينجيانغ والإجهاض لحدّ نسلهم وذلك من خلال التدخّلات الطبيّة مثلاً باستخدام اللولب والأدوية لوقف الحيض. وبناءً على ذلك، وبحسب التحقيق نفسه، انخفضت معدلات المواليد في مناطق هوتان وكاشغر ذات الأغلبيّة “الإيغوريّة” بأكثر من 60 في المئة من عام 2015 حتى عام 2018. تظهر الإحصاءات أن معدلات المواليد في جميع أنحاء منطقة شينجيانغ تستمر في الانخفاض، إذ تراجعت 24 في المئة عام 2019 مقارنة بـ4.2 في المئة فقط على الصعيد الوطني، وهذا يظهر حجم تأثير الاستراتيجيّة الممنهجة لإبادة الإيغور والقضاء على وجودهم. 

أمّا عن التعليم، فبحسب الشهادات، هو عبارة عن “بروباغندا” لتمجيد الرئيس الصيني وغسل أدمغة الأقليّة العرقيّة والدينيّة بهدف تجريد الإيغور والأقليات الأخرى من ثقافتهم ولغتهم ودينهم، وتلقينهم الثقافة الصينية السائدة. فالمعتقلون يمضون ساعات في إنشاد الأغاني الصينية الوطنية ومشاهدة البرامج التلفزيونية الوطنية عن الرئيس الصيني تشي جين بينغ. التدخّل السريع لوقف هذا الانتهاك الجسيم والمخيف وللحفاظ على الحضارة الإيغوريّة صار ملحاً، فوفقاً للمحامي البولندي، رفائيل ليمكين، الذي صاغ كلمة “إبادة” (genocide) وبادر بالاتفاقية الدوليّة: “الإبادة الجماعيّة ليست حرباً، إنّها أخطر من الحرب”. وبحسب الأمين العام السابق للأمم المتّحدة، كوفي أنان، “الإبادة الجماعية تبدأ بقتل شخص واحد ليس بسبب فعله، ولكن بسبب هويّته” وها هو العالم يشهد على إبادة جديدة، لا مجال للشكّ فيها، تجمع كل وقاحة العالم وبشاعته وحقارته، وتُواجه بالارتهان والتخاذل والاستهتار.

إقرأوا أيضاً:


22.03.2021
زمن القراءة: 7 minutes

ممّا لا شكّ فيه أنّ دولاً منافسة للصين تستغل “ورقة الإيغور” للضغط على الصين وإضعاف اقتصادها، إلّا أنّ الغريب والمخزي هو الغياب شبه الكامل للدول والمؤسسات التي يُفترض أن تكون معنيّة بالدفاع عن الإيغور.

اغتُصبت تورسوناي زياودون جماعيّاً ثلاث مرّات، على يد رجلين أو ثلاثة في كل مرّة وذلك بعد تعذيبها نفسيّاً وجسديّاً، ما وصفته بـ “الندبة التي لن تنساها مدى الحياة”، قبل أن تهرب إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة للتخلّص من هذا الكابوس. ولكن زيادون ليست حالة خاصة، بل هي واحدة من آلاف الإيغوريّات اللواتي يتعرّضن للتعذيب والهتك والاغتصاب بشكلٍ يومي في معسكرات الإيغور في الصين. 

لم نكن نعلم بهول هذه الكارثة وفظاعتها سابقاً، ربّما بسبب التعتيم الإعلامي العربي أو غياب بيانات وخطابات الاستنكار العربيّة والإسلاميّة واسعة الانتشار! ولكن بعدما “أوصى” أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، في أحد خطاباته في أواخر 2019، بأن نتّجه شرقاً هرباً من الضغط الغربي الأميركي، قرّرتُ عندها، كمواطنة “مطيعة”، أن أتّجه شرقاً وأتابع أخبار الشرق وتطوّراته،  خصوصاً الصين، عملاقة آسيا ودول “الشرق”. 

ولكن عندما اتّجهت شرقاً صُعقت بإبادة جماعيّة وتعذيب شنيع وظروف لا إنسانيّة يتعرّض لها مسلمو الإيغور… إبادة بكلّ ما للكلمة من معنى يعيشها أهل الإيغور والأقليّات كلّ يوم، في القرن الحادي والعشرين. فأين مدّعو الدفاع عن المسلمين وتمثيلهم؟ ألا يتابعون أخبار الشرق الذي حثّونا على التوجّه إليه؟ ماذا عن المؤسسات الدينيّة التي تستشيط غضباً واستنكاراً تجاه أي رسوم أو خطاب “تعتبره” إساءة للمسلمين وتهبّ للدفاع عن “الإسلام”؟ ألا تعتبر إبادة جماعيّة بحق الأقليّات المسلمة إساءة للإسلام؟ ما هي معاييرهم؟!  

فعلى رغم التطوّر الهائل الذي حقّقته وتحقّقه الصين، إلّا أنّها لم تتمكّن بعد من حلّ أزماتها الدينيّة العرقيّة والتخلّص من العنصريّة التي تفتك بمجتمعها. فما نفع التقدّم العلمي إذا لم يوازه تقدّم أخلاقيّ إنسانيّ ديموقراطيّ يرتقي بالمجتمع والإنسان؟! فتحت ذريعة مواجهة التطرّف، اتباع الصين استراتيجيّة وحشيّة للقضاء على الأقليّة المسلمة في البلاد.

ضغط دولي مقابل صمت عربي وإسلامي!

يبلغ عدد الإيغور حوالى 12 مليوناً، أغلبهم من المسلمين، يعيشون في شمال غربي الصين في منطقة شينجيانغ، وهي تُعرف باسم منطقة شينجيانغ الإيغورية المتمتعة بالحكم الذاتي (XUAR). والإيغور يشكّلون قرابة نصف سكان المنطقة. للإيغور لغتهم الخاصة، وهي شبيهة باللغة التركية. ولطالما كان تميّزهم العرقي والحضاري والديني نقمة عليهم، فوفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، حوالى مليوني إيغوري وأقليات مسلمة أخرى قد وُضعوا في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء المنطقة. فيما يقول روشان عباس، المؤسس والمدير التنفيذي لحملة الإيغور، إنّ “أكثر من ثلاثة ملايين من الإيغور محتجزون في معسكرات اعتقال بسبب هويتهم العرقيّة”.  


وبلغ التمييز العنصري ضدّ الإيغور من قبل السلطات الصينيّة حدّ التخطيط الممنهج للقضاء عليهم، وهذا ما نصّ عليه التقرير الأخير الصادر في آذار/ مارس 2021 عن معهد نيولاينز في العاصمة واشنطن New Lines Institute، الذي يشير إلى الاستراتيجيّة الممنهجة لإبادة الإيغور. ويضيف التقرير المستقل الصادر عن أكثر من 50 خبيراً عالمياً في القانون الدولي والإبادة الجماعية وسياسة الصين، أنّ الدولة تتحمّل مسؤولية الإبادة الجماعية المستمرة ضد الإيغور في انتهاك لكل بنود اتفاقية الإبادة الجماعية التابعة للأمم المتحدة. والصين هي واحدة من 152 دولة موقّعة على اتفاقيّة “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” التي تبنّتها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في كانون الأوّل/ ديسمبر 1948 والتي أصبحت سارية المفعول في 12 كانون الثاني/ يناير 1951. 

فعام 2014، أطلق رئيس الدولة الصيني، شي جين بينغ Xi Jinping، “الحرب على الإرهاب” في منطقة شينجيانغ الإيغورية المتمتّعة بالحكم الذاتي (XUAR)، ما جعل المناطق التي يشكّل فيها الإيغور حوالى 90 في المئة من السكان في خط المواجهة الأوّل. فأمر بعض كبار المسؤولين “باعتقال كل من يجب اعتقالهم”، و”القضاء عليهم تماماً … تدمير جذورهم وفروعهم”، و”كسر نسبهم، وقطع جذورهم وصلاتهم وأصولهم”، وفقاً للتقرير السابق الذي سلّط الضوء على استخدام المسؤولين عبارات غير إنسانية لوصف الإيغور واعتبروا مراراً حملات الاعتقال الجماعي بحقّهم “استئصال أورام”. 

ولكن هذه الإجراءات القاسية قوبلت برسالة موقّعة من 22 دولة منضوية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عام 2019، تستنكر فيها معاملة الصين للإيغور والأقليات، وهذه الدول هي: كندا، اليابان، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، النمسا، السويد، لاتفيا، نيوزيلندا،  ليتوانيا، إستونيا، الدنمارك، النرويج، إسبانيا، أستراليا، أيرلندا، بلجيكا، أيرلندا الشمالية، هولندا، أيسلندا، لكسمبورغ، وسويسرا.

وأعلنت كندا في شباط/ فبراير 2021 اعتبارها ما تفعله الصين في أقليّة الإيغور إبادة جماعيّة. فصوّت مجلس العموم الكندي بأغلبية ساحقة (266 صوتاً مقابل صفر) لإعلان معاملة الصين لأقلية الإيغور إبادة جماعية. فيما امتنع حزب رئيس الوزراء جاستن ترودو ومعظم أعضاء حكومته عن التصويت.
 

كما صوّت المشرّعون لتمرير تعديل يطالب كندا بدعوة اللجنة الأولمبية الدولية لنقل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 من بكين “إذا استمرت الحكومة الصينية في هذه الإبادة الجماعية” وهذا مطلب تضغط بشأنه مجموعات حقوقيّة.

وأصبحت كندا الدولة الثانية التي تقرّ بأنّ سياسة الصين تجاه الأقليّة المسلمة هي سياسة إبادة استراتيجيّة، بعد الولايات المتّحدة الأميركيّة التي أعلن وزير خارجيتها السابق مايك بومبيو أنّ الصين ترتكب إبادة جماعية في قمعها الإيغور وغيرهم من الشعوب ذات الأغلبية المسلمة. 

وقال بومبيو في بيان له في يومه الأخير في منصبه تحت إدارة دونالد ترامب: “أعتقد أن هذه الإبادة الجماعية مستمرة، وأننا نشهد محاولة منهجية لتدمير الإيغور من قبل الدولة الصينية”.

إقرأوا أيضاً:

حدّد معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي في أيلول/ سبتمبر 2020 أنّ هناك 380 منشأة مشتبه بها في منطقة شينجيانغ (Xinjiang) أن تكون معسكرات وهو أكثر بنحو 40 في المئة من التقديرات السابقة.

ممّا لا شكّ فيه أنّ دولاً منافسة للصين تستغل “ورقة الإيغور” للضغط على الصين وإضعاف اقتصادها، إلّا أنّ الغريب والمخزي هو الغياب شبه الكامل للدول والمؤسسات التي يُفترض أن تكون معنيّة بالدفاع عن الإيغور. 


فردّاً على رسالة الـ22 دولة المذكورة سابقاً، وجّهت 37 دولة رسالة إلى الأمم المتحدة تدعم سياسة بكين، ومن هذه الدول: السعودية وقطر وسوريا وكوريا الشمالية والجزائر ونيجيريا والفيليبين وروسيا.


أمّا إيران وأذرعها فالموضوع لا يعنيها، فالصين حليف استراتيجيّ لا يمكن الاستغناء عنه. فمن ينكّل بأطفال سوريا والعراق واليمن، لن يهمّه أمر مسلمي الإيغور! والمبدأ نفسه ينطبق على المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة التي لن تفتح “جبهة” مع قوّة عالميّة كالصين من أجل “حقوق الإنسان”. أما تركيا ورئيسها رجب الطيّب أردوغان، فبعدما وصف القمع الصيني للإيغور بالإبادة عام 2009، ابتعد وآثر الحياد وذلك بسبب تزايد اعتماد تركيا الاقتصادي على الصين.

وعلى رغم استنكار الأزهر في بعض المناسبات هذا القمع والانتهاك، ولكن يبقى ذلك خجولاً جدّاً مقارنةً بحجم الجريمة الانسانيّة ومقارنةً بردود الفعل “المبالغ بها” تجاه أي رسوم مسيئة للإسلام مثلاً. 

المعسكرات، التعذيب، الاغتصاب

تتعرّض النساء في معسكرات الإيغور في الصين للاغتصاب والاعتداء الجنسي والتعذيب بشكل منهجي، وفقاً لتحقيق وروايات حصلت عليها الـ BBC. تقول تورسوناي زياودون، التي هربت من شينجيانغ إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة بعدما أُطلق سراحها، أنّه يتمّ إخراج النساء من الزنازين كلّ ليلة ويغتصبهنّ رجل صيني مقنّع أو أكثر، يرتدون البدلات لا الزي العسكري. وذكرت أنّها شخصيّاً تعرّضت للتعذيب ثم اغتصبت جماعيّاً في ثلاث مناسبات، في كل مرة على يد رجلين أو ثلاثة.

بحسب زياودون، يأتون بعد منتصف الليل إلى السجون لاختيار النساء اللواتي يعجبنهم ويأخذونهنّ في الممر إلى “حجرة سوداء”، حيث لا كاميرات مراقبة ويدفع الرجال مبالغ ماليّة لاختيار النساء اللواتي يعجبنهم.

وفي تحقيق الـ BBC في شباط/ فبراير 2021 أيضاً تقول إمرأة كازاخستانية، تدعى غولزيرا أولخان، احتُجزت لمدة 18 شهراً في المعسكر، إنّها أُجبرت على تجريد نساء الإيغور من ملابسهن وتقييد أيديهن، قبل تركهن بمفردهن مع رجال صينيين. بعد ذلك، كانت تقوم بتنظيف الغرف. “كانت وظيفتي خلع ملابس نساء الإيغور فوق الخصر وتقييد أيديهنّ حتى لا يتمكنّ من الحركة… ثم أترك النساء في الغرفة ليدخل رجل صيني مدني أو شرطي. كنت أجلس بصمت بجانب الباب، وعندما يغادر الرجل الغرفة، آخذ المرأة للاستحمام”. وأكّدت أولخان أيضاً أنّ الرجال الصينيين “يدفعون نقوداً مقابل اختيار أجمل السجينات الشابات”.

تتعرّض النساء إلى كلّ أشكال التعذيب والعنف والضرب وصولاً إلى الصعقات الكهربائيّة. فهناك “أربعة أنواع من الصدمات الكهربائية”، “الكرسي والقفاز والخوذة والاغتصاب الشرجي بعصا (anal rape with a stick)”.

ويؤكّد تحقيق سابق لـAssociated Press في منتصف 2020، الاستخدام الواسع للعقم القسري للإيغور في شينجيانغ والإجهاض لحدّ نسلهم وذلك من خلال التدخّلات الطبيّة مثلاً باستخدام اللولب والأدوية لوقف الحيض. وبناءً على ذلك، وبحسب التحقيق نفسه، انخفضت معدلات المواليد في مناطق هوتان وكاشغر ذات الأغلبيّة “الإيغوريّة” بأكثر من 60 في المئة من عام 2015 حتى عام 2018. تظهر الإحصاءات أن معدلات المواليد في جميع أنحاء منطقة شينجيانغ تستمر في الانخفاض، إذ تراجعت 24 في المئة عام 2019 مقارنة بـ4.2 في المئة فقط على الصعيد الوطني، وهذا يظهر حجم تأثير الاستراتيجيّة الممنهجة لإبادة الإيغور والقضاء على وجودهم. 

أمّا عن التعليم، فبحسب الشهادات، هو عبارة عن “بروباغندا” لتمجيد الرئيس الصيني وغسل أدمغة الأقليّة العرقيّة والدينيّة بهدف تجريد الإيغور والأقليات الأخرى من ثقافتهم ولغتهم ودينهم، وتلقينهم الثقافة الصينية السائدة. فالمعتقلون يمضون ساعات في إنشاد الأغاني الصينية الوطنية ومشاهدة البرامج التلفزيونية الوطنية عن الرئيس الصيني تشي جين بينغ. التدخّل السريع لوقف هذا الانتهاك الجسيم والمخيف وللحفاظ على الحضارة الإيغوريّة صار ملحاً، فوفقاً للمحامي البولندي، رفائيل ليمكين، الذي صاغ كلمة “إبادة” (genocide) وبادر بالاتفاقية الدوليّة: “الإبادة الجماعيّة ليست حرباً، إنّها أخطر من الحرب”. وبحسب الأمين العام السابق للأمم المتّحدة، كوفي أنان، “الإبادة الجماعية تبدأ بقتل شخص واحد ليس بسبب فعله، ولكن بسبب هويّته” وها هو العالم يشهد على إبادة جديدة، لا مجال للشكّ فيها، تجمع كل وقاحة العالم وبشاعته وحقارته، وتُواجه بالارتهان والتخاذل والاستهتار.

إقرأوا أيضاً: