fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“يا ريت” يمكن تغيير الواقع بخطاب لنعيم قاسم!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمارس “حزب الله” ابتزازاً للحكومة اللبنانية، ومعها لكل القوى السياسية المشاركة فيها. وإزاء ذلك ربما ينبغي تذكيره بأنه حتى الحكومة اللبنانية التي وافقت على اتّفاق وقف الأعمال العدائية، وكانت محسوبة عليه، لم تكن صاحبة قرار في الأمر

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من المحتمَل أن يكون الأمين العامّ لـ “حزب الله” نعيم قاسم غير فاهم لفحوى اتّفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزبه، ولكن المرجّح أكثر أن يكون فاهماً له ويتقصّد التغاضي عمّا يعرفه.

تساعدنا استعارة ما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو عن أن “السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى”، في تعليقه على نظرية الجنرال البروسي والمنظّر الحربي كارل فون كلاوزفيتز عن علاقة الحرب بالسياسة، لفهم طبيعة اتّفاق وقف الأعمال العدائية الذي أبصر النور، وفق توازنات قوّة معيّنة لم تكن لصالح “حزب الله” ولا لصالح لبنان، وهو أمر لا يمكن للأسف تغييره بإنكاره.

هذا الاتّفاق لم يكن “نتيجة صمود المقاومة”؛ كما أخبرنا الشيخ نعيم، بل هو انعكاس لهزيمة “حزب الله”، وليس صحيحاً أنه “لو لم تصمد المقاومة، لاستمرّت إسرائيل في ‏عدوانها لتحقق أهدافها”، لأن إسرائيل تستمرّ بالفعل في عدوانها لتحقيق أهدافها، وتشنّ غارات حينما تشاء بلا حسيب ولا رقيب، مستهدفة قادة وعناصر في “حزب الله” ومخازن أسلحة ومواقع تابعة له.

الحرب توقّفت من طرف واحد، وإسرائيل لم تقبل باتّفاق وقف الأعمال العدائية، إلا لأنها كانت قد حقّقت بالفعل الجزء الأكبر من أهدافها، ولم تعد بحاجة للاستمرار بشنّ حرب واسعة وشاملة، وأيضاً لأن مندرجات الاتّفاق وفّرت لها وسيلة أقلّ كلفة لتحقيق الجزء المتبقّي منها.

قد تكون هذه الحقائق قاسية، لا شكّ في ذلك. ولكن تجاهلها لا يمكن أن ينتج إلا خطاباً مائعاً، لا يمكن أن تُبنى عليه سياسات ترقى إلى حجم الاستحقاقات المصيرية، التي تنتظر اللبنانيين، والتي تتطلّب جدّية كبيرة في التعامل معها، لأن وجود لبنان كما نعرفه، بحدوده التي نعرفها وبوحدته ككيان سياسي، هو المهدَّد اليوم.

تساءل قاسم في خطابه الأخير: “هذا الاتّفاق الذي انعقد، ‏أليس يُفترض أن يكون نهاية لمرحلة العدوان؟”، والقصد من سؤاله الإيحاء بأن مجرّد الموافقة على الاتّفاق كان ينبغي أن تُنهي العدوان الإسرائيلي. والجواب بسيط: لا. الاتّفاق يتضمّن نوعاً من خارطة طريق مطلوب بموجبها من الدولة اللبنانية أن تفكّك بنية “حزب الله” العسكرية، “بدءاً من جنوب الليطاني” (وليس حصراً في ‏جنوب نهر الليطاني، كما ادّعى قاسم) وأن تمنعه من إعادة التسلّح عبر منعه من تصنيع أي سلاح على الأراضي اللبنانية، ومنعه من إدخال أي أسلحة عبر الحدود اللبنانية. 

وعلى إسرائيل في المقابل التزامات أيضاً، وعلى رأسها الانسحاب من الأراضي التي احتلّتها خلال الحرب الأخيرة، ووقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية، وهي لا تلتزم بذلك. وهذا للأسف مؤشّر آخر على الهزيمة التي مُني بها “حزب الله”، جاراً معه إليها لبنان واللبنانيين، خاصّةً الشيعة منهم.

إزاء الواقع الحالي، “حزب الله” أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالواقع وإما العودة إلى الحرب. ولكن “حزب الله” يفضّل الوقوف في منزلة بين المنزلتين، فلا هو يريد العودة إلى الحرب لأنه ببساطة غير قادر على ذلك، ولا هو يريد القبول بالواقع الصعب وتسهيل عمل الحكومة اللبنانية في تنفيذ المطلوب منها.

ويعتقد أنه بتموضعه هذا يستطيع قلب الطاولة على الجميع، وتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن كافّة النتائج، التي تسبّبت بها مغامرته غير المحسوبة في “إسناد غزة”، فينهزم أمام إسرائيل من دون أن يقرّ بذلك، وينتصر على باقي اللبنانيين بظهوره بمظهر القادر على عرقلة تنفيذ السياسات الحكومية.

بسلوكه هذا، يمارس “حزب الله” ابتزازاً للحكومة اللبنانية، ومعها لكل القوى السياسية المشاركة فيها. وإزاء ذلك ربما ينبغي تذكيره بأنه حتى الحكومة اللبنانية التي وافقت على اتّفاق وقف الأعمال العدائية، وكانت محسوبة عليه، لم تكن صاحبة قرار في الأمر، لأن لا إمرة لها في قرار إطلاق النار أو وقفه، بل فقط كانت الجهة التي قبلت بتحمّل مسؤولية تنفيذ ما ينصّ عليه الاتّفاق لتتوقّف الحرب عليه، ولينجو بما تبقّى منه وله، ولينجو الشيعة بما لم يتدمّر من أرزاقهم.

الحكومة اللبنانية السابقة كانت حبل خلاص “حزب الله” من الحرب عليه، وهذا ما ينبغي أن ترثه الحكومة الحالية من تركتها. وربما من المفيد تذكير “حزب الله” بهذه المعادلة بدلاً من تركه يتمادى في التنصّل من التزاماته ومسؤولياته، ويبتزّ باقي اللبنانيين ويُلقي عليهم مسؤولية إصلاح ما تسبّب به، وليتّخذ على ضوئها القرار الأنسب له. فكلّ الكوارث أهون من كارثة الاقتتال الداخلي.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
23.04.2025
زمن القراءة: 3 minutes

يمارس “حزب الله” ابتزازاً للحكومة اللبنانية، ومعها لكل القوى السياسية المشاركة فيها. وإزاء ذلك ربما ينبغي تذكيره بأنه حتى الحكومة اللبنانية التي وافقت على اتّفاق وقف الأعمال العدائية، وكانت محسوبة عليه، لم تكن صاحبة قرار في الأمر


من المحتمَل أن يكون الأمين العامّ لـ “حزب الله” نعيم قاسم غير فاهم لفحوى اتّفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزبه، ولكن المرجّح أكثر أن يكون فاهماً له ويتقصّد التغاضي عمّا يعرفه.

تساعدنا استعارة ما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو عن أن “السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى”، في تعليقه على نظرية الجنرال البروسي والمنظّر الحربي كارل فون كلاوزفيتز عن علاقة الحرب بالسياسة، لفهم طبيعة اتّفاق وقف الأعمال العدائية الذي أبصر النور، وفق توازنات قوّة معيّنة لم تكن لصالح “حزب الله” ولا لصالح لبنان، وهو أمر لا يمكن للأسف تغييره بإنكاره.

هذا الاتّفاق لم يكن “نتيجة صمود المقاومة”؛ كما أخبرنا الشيخ نعيم، بل هو انعكاس لهزيمة “حزب الله”، وليس صحيحاً أنه “لو لم تصمد المقاومة، لاستمرّت إسرائيل في ‏عدوانها لتحقق أهدافها”، لأن إسرائيل تستمرّ بالفعل في عدوانها لتحقيق أهدافها، وتشنّ غارات حينما تشاء بلا حسيب ولا رقيب، مستهدفة قادة وعناصر في “حزب الله” ومخازن أسلحة ومواقع تابعة له.

الحرب توقّفت من طرف واحد، وإسرائيل لم تقبل باتّفاق وقف الأعمال العدائية، إلا لأنها كانت قد حقّقت بالفعل الجزء الأكبر من أهدافها، ولم تعد بحاجة للاستمرار بشنّ حرب واسعة وشاملة، وأيضاً لأن مندرجات الاتّفاق وفّرت لها وسيلة أقلّ كلفة لتحقيق الجزء المتبقّي منها.

قد تكون هذه الحقائق قاسية، لا شكّ في ذلك. ولكن تجاهلها لا يمكن أن ينتج إلا خطاباً مائعاً، لا يمكن أن تُبنى عليه سياسات ترقى إلى حجم الاستحقاقات المصيرية، التي تنتظر اللبنانيين، والتي تتطلّب جدّية كبيرة في التعامل معها، لأن وجود لبنان كما نعرفه، بحدوده التي نعرفها وبوحدته ككيان سياسي، هو المهدَّد اليوم.

تساءل قاسم في خطابه الأخير: “هذا الاتّفاق الذي انعقد، ‏أليس يُفترض أن يكون نهاية لمرحلة العدوان؟”، والقصد من سؤاله الإيحاء بأن مجرّد الموافقة على الاتّفاق كان ينبغي أن تُنهي العدوان الإسرائيلي. والجواب بسيط: لا. الاتّفاق يتضمّن نوعاً من خارطة طريق مطلوب بموجبها من الدولة اللبنانية أن تفكّك بنية “حزب الله” العسكرية، “بدءاً من جنوب الليطاني” (وليس حصراً في ‏جنوب نهر الليطاني، كما ادّعى قاسم) وأن تمنعه من إعادة التسلّح عبر منعه من تصنيع أي سلاح على الأراضي اللبنانية، ومنعه من إدخال أي أسلحة عبر الحدود اللبنانية. 

وعلى إسرائيل في المقابل التزامات أيضاً، وعلى رأسها الانسحاب من الأراضي التي احتلّتها خلال الحرب الأخيرة، ووقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية، وهي لا تلتزم بذلك. وهذا للأسف مؤشّر آخر على الهزيمة التي مُني بها “حزب الله”، جاراً معه إليها لبنان واللبنانيين، خاصّةً الشيعة منهم.

إزاء الواقع الحالي، “حزب الله” أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالواقع وإما العودة إلى الحرب. ولكن “حزب الله” يفضّل الوقوف في منزلة بين المنزلتين، فلا هو يريد العودة إلى الحرب لأنه ببساطة غير قادر على ذلك، ولا هو يريد القبول بالواقع الصعب وتسهيل عمل الحكومة اللبنانية في تنفيذ المطلوب منها.

ويعتقد أنه بتموضعه هذا يستطيع قلب الطاولة على الجميع، وتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن كافّة النتائج، التي تسبّبت بها مغامرته غير المحسوبة في “إسناد غزة”، فينهزم أمام إسرائيل من دون أن يقرّ بذلك، وينتصر على باقي اللبنانيين بظهوره بمظهر القادر على عرقلة تنفيذ السياسات الحكومية.

بسلوكه هذا، يمارس “حزب الله” ابتزازاً للحكومة اللبنانية، ومعها لكل القوى السياسية المشاركة فيها. وإزاء ذلك ربما ينبغي تذكيره بأنه حتى الحكومة اللبنانية التي وافقت على اتّفاق وقف الأعمال العدائية، وكانت محسوبة عليه، لم تكن صاحبة قرار في الأمر، لأن لا إمرة لها في قرار إطلاق النار أو وقفه، بل فقط كانت الجهة التي قبلت بتحمّل مسؤولية تنفيذ ما ينصّ عليه الاتّفاق لتتوقّف الحرب عليه، ولينجو بما تبقّى منه وله، ولينجو الشيعة بما لم يتدمّر من أرزاقهم.

الحكومة اللبنانية السابقة كانت حبل خلاص “حزب الله” من الحرب عليه، وهذا ما ينبغي أن ترثه الحكومة الحالية من تركتها. وربما من المفيد تذكير “حزب الله” بهذه المعادلة بدلاً من تركه يتمادى في التنصّل من التزاماته ومسؤولياته، ويبتزّ باقي اللبنانيين ويُلقي عليهم مسؤولية إصلاح ما تسبّب به، وليتّخذ على ضوئها القرار الأنسب له. فكلّ الكوارث أهون من كارثة الاقتتال الداخلي.

23.04.2025
زمن القراءة: 3 minutes
|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية