تعيش ثلاث عائلات فلسطينية من آل حامد في منزل واحد يجاور مستوطنة إسرائيلية ومحاط بأسلاك شائكة وجدار فصل يعزله عن محيطه الفلسطيني.
في منتصف نيسان/ إبريل الماضي، تعرّضت عائلة حامد التي تضم 20 فرداً، لهجوم من مستوطني “بيت إيل” المقامة شمال رام الله تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أسفر عن إصابة 3 من أفرادها بالرصاص. لكن، ما حكاية هذا البيت؟
لم تكن تتوقّع عائلة حامد التي هُجِّرت من منزلها في قرية العباسية، قضاء مدينة يافا، إبان نكبة عام 1948، أن تواجه في العام 2024 المصير نفسه أمام عنف المستوطنين.
بعد النكبة، لجأت العائلة إلى مخيم الجلزون للاجئين شمال رام الله، وفي العام 1978 تمكنت من شراء قطعة أرض في الشارع المقابل للمخيم، ليتفاجأوا آواخر السبعينات بمجموعة من الكرفانات وُضعت على الأراضي المحيطة بمنزلهم، وبدأت تزداد يوماً بعد يوم إلى أن أصبحت مستوطنة بيت إيل بشكلها الحالي.
يقول حكم حامد في حديث لـ”درج”، إنهم العائلة الوحيدة التي تمكنت من شراء قطعة أرض في تلك المنطقة قبل مصادرة إسرائيل بقية الأراضي ومنع البناء في محيطها، مضيفاً: “عندما اشترينا الأرض وهي بمساحة نحو دونمين، قررنا نحن الإخوة الثلاثة، بناء منزل كبير للعائلة، لكن بعد إقامة المستوطنة ومصادرة الأراضي مُنعنا من إضافة طوابق بحجة عدم الحصول على ترخيص، وعدم أحقية البناء في مناطق مصنفة “ج” حسب اتفاق أوسلو”.
يتابع حامد: “في العام 2017، قررت سلطات الاحتلال إقامة جدار فصل عنصري يحيط بالمستوطنة، وكان منزلنا مشمولاً بهذا القرار، ما جعله معزولاً عن محيطه الفلسطيني. أقيم الجدار وتُرك لنا ممر للحركة. وفي العام 2023، أضافت السلطات الإسرائيلية بوابة على المدخل المؤدي إلى منزلنا، أحيطت بأسلاك شائكة على شكل حرف U، ما جعل بيتنا مكشوفاً للمستوطنين وللجيش.
يضيف: “يُمنع علينا فتح البوابة لوقت طويل، وعند مجيء الزوار يجب أن نمشي إلى الشارع الرئيسي لاستقبالهم وإغلاق الباب بعد ذلك، وبمجرد ترك الباب مفتوحاً لدقائق تأتي قوات الأمن الإسرائيلية”.

وحول الاعتداء الأخير، يشرح حامد: “هجم المستوطنون على منزلنا على مدار يومين، على مرأى من السلطات الإسرائيلية، وأدى الهجوم إلى خلع البوابة التي تفصل منزلنا عن الشارع. وبعد تركيبها مجدداً، جاءت دورية إسرائيلية تابعة لحرس الحدود وأطلقت الغاز المسيل للدموع في محيط منزلنا، فيما بدأ المستوطنون بإلقاء الحجارة. وفي مساء أحد الأيام وفيما كان بعض أفراد العائلة عائدين إلى المنزل، تعرضوا لإطلاق نار من 3 جهات، فخرجت زوجتي مسرعة لتتعرض بدورها لإطلاق نار مع اثنين من أولاد شقيقي”.
مخيم الجلزون المجاور لمستوطنة بيت إيل، هو واحد من 19 مخيماً للأونروا يقطنها اللاجئون في الضفة الغربية.
في العام 2017، قرر وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك أفيغدور ليبرمان، إقامة جدار عنصري في محيط مستوطنة “بيت ايل” على طريق رام الله – نابلس القديمة، الذي يفصل بين المستوطنة ومخيم الجلزون وبعض الأحياء الفلسطينية، ويعزل عشرات الدونمات الزراعية عن أراضي مدينة البيرة وقرى بيتين وعين يبرود ودورا القرع، لتصبح تلك الأراضي التي صودرت أصلاً في الثمانينات لأسباب عسكرية، تحت سلطة الأمر الواقع بعد عزلها بالجدار الفاصل.
يشكل منزل حامد نموذجاً عن مدى خطورة هجمات المستوطنين التي تتم بحماية من جيش الاحتلال ضمن سياسات تدفع المواطنين الى التهجير القسري، وهي سياسة تضاعفت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
أدوار تتكامل لفرض التهجير القسري
رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، يوضح في حديث لــ”درج”، إن المناطق الفلسطينية كافة تتعرض بشكل ممنهج لاعتداءات المستوطنين، في إطار مخطط تسعى دولة الاحتلال إلى تنفيذه فعلاً. وتشير الإحصاءات الأخيرة التي رصدتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إلى استهداف ثلاث مناطق جغرافية، أولها منطقة شرق رام الله، المستهدفة بسياسات التهجير القسري للتجمعات البدوية التي تسكنها، وقد مُنح المستوطنون الضوء الأخضر لتنفيذ المهمة.
أما المنطقة الثانية وفقاً لشعبان، فهي جنوب الضفة الغربية، وتحديداً مسافر يطا جنوب محافظة الخليل، المستهدفة بسياسة الإغلاق العسكري، إذ أعلنت السلطات الإسرائيلية أكثر من 35 ألف دونم في هذه المناطق كمنطقة تدريب عسكري، وهي مناطق مأهولة بالسكان، ثم دفعت عصابات المستوطنين الى القيام بمهمة التضييق والاعتداء على سكانها. أما المنطقة الأخيرة فهي منطقة جنوب نابلس، التي أنشأت إسرائيل في المستوطنات المقامة على أراضيها قيادة عصابات “تدفيع الثمن” و”شبيبة التلال” الاستيطانيتين، إلى جانب المستوطنات الكبرى المقامة على أراضي المنطقة، ومنها يتسهار ومجداليم وألون موريه.
وأشار شعبان إلى “أن السلطات الإسرائيلية تحاصر محافظة نابلس من الجهة الجنوبية، التي تعتبر بوابة شمال الضفة الغربية، عن طريق العزل بالبؤر الاستيطانية والتكتلات الاستيطانية الكبرى، وهذا يفسر سبب تركيز اعتداءات المستوطنين في هذه المنطقة كتبادل وظيفي للأدوار مع المؤسسة الرسمية”.

في شهر الأشهر الأخيرة وصل إرهاب المستوطنين إلى ذروته، ويروي شعبان “إذ شهدنا هجوماً على الآمنين في 36 قرية فلسطينية من شمال الضفة إلى جنوبها يومي 21 و22 نيسان، تخللته عمليات إشعال نيران طاولت ممتلكات المواطنين وأرواحهم في قرى المغير وقصرة ودوما، وأدت إلى إحراق 36 منزلاً بشكل كلّي و33 بشكل جزئي، بالإضافة إلى إحراق أكثر من 57 سيارة، وتم تسجيل ما مجموعه 337 عملية اعتداء على الممتلكات شملت مصادرة وتخريب وسرقة.
كذلك، صادر الجيش الإسرائيلي 21 مركبة، 4 تسجيلات كاميرات مراقبة، 10 جرافات وشاحنة، 3 جرارات زراعية، ومركبة كهربائية. أما السرقات التي قام بها المستوطنون فتوزعت بين سرقة 152 رأس غنم، و3 جرارات زراعية، 6 خيول، مركبتين، 6 حالات أدوات زراعية، جهاز محمول، ناهيك بسرقة محاصيل زراعية”.
ولفت شعبان الى “أن سلطات الاحتلال نفذت منذ مطلع نيسان وحتى اللحظة أكثر من 39 عملية هدم طاولت 52 منشأة سكنية و17 منشأة زراعية”.
حجم الهجمات المستمرة للمستوطنين تدلل على حجم الصلاحيات الممنوحة لهم من المؤسسة الرسمية وهو ما يعتبره شعبان “تحدٍّ لدول العالم التي أدانت الإرهاب الاستعماري الإسرائيلي وفرضت العقوبات عليه”، مشيراً إلى أن المستوطنين يعيشون حالة إنكار كردة فعل على الموقف الدولي، بدأت تتجلّى بشراسة الاعتداءات وتصاعدها، والتي يهدفون من خلالها الى إيصال رسالة مفادها أنهم لن يخضعوا للعقوبات وللإدانات الدولية، على حد تعبيره.
إقرأوا أيضاً: