fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

يهود لبنانيون:
التمييز الذي نتعرض له لم يواجهه أنطوان لحد!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم أن التاريخ في لبنان قد قسى على الجميع، إلا أن معاناة اليهود كان لها أثر مختلف كونهم شكلوا إحدى الأقليات التي لم تستطع أن تحمي نفسها، والتي زاد من مأساتها ربطها ظلماً بكيان عنصري وتحميلها وزر أفعاله وتجريدها من وطنيتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هناك مكان لكلّ الناس”، يقول نسيم إبراهيم ليفي، رئيس المجلس الإقليمي للجاليات اليهودية في النورماندي شمال فرنسا. قول لا يعكس حقيقة الحال في لبنان، البلد الذي اضطر ليفي للهجرة منه عام 1976، وهو في الحادية والعشرين من عمره، بعد عام من بدء الحرب الأهلية، وبعد سنوات من معاناة والده من الشلل، نتيجة تعرضه للضرب “لأنه يهودي”، ما أدى إلى كسر في عموده الفقري. 

يؤكد الباحث المتخصص بشؤون الطائفة اليهودية في لبنان، ناجي جرجي زيدان، لـ”درج”، أن عدد اليهود اللبنانيين المقيمين في لبنان اليوم هو 27 شخصاً فقط، “يعيشون بخوف ويخفون هويتهم الدينية”.

“عانينا كثيراً ورحلنا تاركين وراءنا كل شيء. كنت صغيراً عندما أصيب والدي بالشلل، قالوا له يهودي يهودي وضربوه على ظهره فأصيب بكسر في عموده الفقري”، يقول ليفي لـ”درج”. ويتابع ليروي رحلة هجرته من لبنان: “أفرغت أمي أكياس الأرزّ الكبيرة لتضع ثيابنا بداخلها، أخذنا جميع أوراقنا الثبوتية وهاجرنا من لبنان. عندما تركت منزلنا في صيدا لم آخذ معي سوى الصور، وصلنا إلى لارنكا في قبرص، ومن هناك انتقلنا إلى فرنسا. لقد بكى جيراننا عندما هاجرنا، كانوا يحبوننا، لكننا كنا خائفين، وعندما يشعر الشخص بأنه سيقتل، يفكّر حكماً بالهجرة. لقد خاف اليهود خلال الحرب لأننا اعتُبرنا إسرائيليين بينما لم يكن لنا علاقة بإسرائيل. البعض ظن أن عبارة الطائفة الإسرائيلية تعني الدولة الإسرائيلية. لقد هاجر جدي إلى ريو ديجينيرو في البرازيل، حيث يقيم آلاف اليهود اللبنانيين، لكننا لم نكن نملك المال الكافي للحاق بهم”.

ليفي يودع صديقه قبيل هجرته في العام ١٩٧٥

ما زال ليفي يذكر جيّداً أسماء جيرانه في صيدا، يتذكر والدته ويتأثر، “اسمها مريم، كانوا ينادونها بالقديسة مريم، كانت تملك متجراً صغيراً في شارع رياض الصلح في صيدا. للأسف تعطل عملها ولم تستطع تسجيلنا في المدرسة الفرنسية التي كنا نتعلم فيها. كنت أتوجه إلى المقاصد لتلقي الدروس الصيفية. لم نكن ضد أحد لكن البعض أصبح ضدنا”. ويبرر رئيس الرعية اليهودية في النورماندي هجرة بعض اليهود إلى فلسطين المحتلة، “من ذهب من اليهود إلى إسرائيل لم يكن يملك خياراً آخر. فبعدما أخذوا رهائن فرنسيين بدأوا يأخذون رهائن من الطائفة اليهودية في لبنان”. ويفضل ليفي ألا يتهم جهة محددة في ذلك.

لدى الاتصال به ومخاطبته بداية باللغة العربية بدا ليفي وكأنه شعر بالريبة، قبل أن نسارع للحديث معه باللغة الفرنسية. وبعدما ارتاح للحديث أخذ يروي بعض الأحداث باللغة العربية، وعبّر عن سعادته بالتحدث بهذه اللغة التي لم يتحدث بها منذ سنوات. ويعيش اليهودي اللبناني اليوم مع زوجته وأبنائه الثلاثة وحفيديه في فرنسا، ولا يستخدم جواز سفره اللبناني، إذ أصبح مواطناً فرنسياً بعدما تزوج من فرنسية. وحمل ليفي لغته العربية معه وعلّمها لزوجته، “كنا نستمع إلى فيروز”.

اليوم يخدم ليفي الجالية اليهودية كرئيس المجلس الإقليمي للجاليات اليهودية في النورماندي، “لكنّ قلبنا مع لبنان، نتألّم لما يحصل هناك ونصلي ليعيش بسلام. لم تعد لديّ عائلة في لبنان لكن لدي أصدقائي القدامى. حين تزوجت ابنتي في فرنسا جاءوا وكانوا من مختلف المذاهب”.

العودة جنون 

من الواضح أن ليفي لا يفكر بالعودة إلى لبنان: “في ظل الوضع الحالي بالطبع لا، فحتى المقيمون هناك يطمحون للمغادرة”. لكنه يحلم بالقيام بزيارة رسمية بصفته مسؤول رعية وفي ظروف أفضل، “فاليوم زيارة لبنان أشبه بضرب جنون”.

يصف ليفي مبادرة السفير اللبناني في فرنسا، رامي عدوان، بدعوة الجالية اليهودية بالاستثنائية، فقد أقام عدوان في الأول  من تشرين الثاني/ نوفمبر “لقاءً عائلياً على شرف الطائفة اليهودية في لبنان”. “قدرت ما قاله بأنه كان على الدولة اللبنانية أن تحمي اليهود. وما قاله يصح قوله أيضاً عن الجميع لا على اليهود فقط”، يقول ليفي. ويستغرب المقالات التي ربطت بين الانتخابات النيابية والحدث، “ماذا بإمكان خمسين شخصاً أن يفعلوا؟”. ويعرب عن تمنيه أن يصبح عدوان رئيساً للجمهورية.

دعي إلى اللقاء في السفارة اللبنانية أيضاً الباحث المتخصص بشؤون الطائفة اليهودية في لبنان، ناجي جرجي زيدان، والذي أصدر كتابه بالفرنسية بعنوان “يهود لبنان”. ووفق المؤلف، واجه نشر الكتاب صعوبة في لبنان لذا نشر في فرنسا. وليس من السهل العمل على المسألة اليهودية في لبنان، إذ ستدور فوراً شبهات حول الباحث نظراً إلى الربط الجائر بين اليهودية والصهيونية. ولدى سؤاله عن الأمر، يكشف زيدان أنه استدعي سابقاً التحقيق معه من قبل مخابرات الجيش للتأكد من غاياته البحثية.

“يعيشون بخوف ويغيرون أسماءهم” 

يتابع زيدان الشأن اليهودي منذ نحو 27 عاماً، ولا يعترف بالأرقام التي تقدر عدد اليهود اللبنانيين في لبنان بنحو مئتين، ولا يعترف بما هو غير موثق، وقد وثق وجود 27 يهودياً لبنانياً في لبنان، يعرف أسماءهم وأعمارهم، ويشير إلى أنهم تزوجوا زيجات مختلطة من غير اليهود، “وهم يعيشون بخوف ويغيرون أسماءهم”. ويلفت إلى أن رئيس الطائفة في لبنان اسحق آرازي ليس لبنانياً.

بالنسبة إلى الباحث، يشكل اجتماع السفارة حلماً، إذ جمعه بحوالى 53 شخصية يهودية “من أثرى أثرياء يهود لبنان من آل كوهين وليفي وحلاق… ممن كانوا يملكون مصارف في بيروت”. ووفق زيدان لم يقتصر الاجتماع على المقيمين في فرنسا، بل أتى اليهود من مختلف أنحاء أوروبا، وقد دعاهم السفير إلى الاستثمار في لبنان.

كان من بين الذين حضروا إلى  السفارة أندريه حلاق، وهو ابن إيلي حلاق، الطبيب اليهودي الذي خطف عام 1985 وقتل. ووفق زيدان فإن إيلي حلاق كان رفض الذهاب إلى إسرائيل متمسكاً بجنسيته اللبنانية قبل أن يقتل.

استعادة جثث المخطوفين شرط أساسي

عن احتمال أن تشكل خطوة السفير مدخلاً لعودة اليهود اللبنانيين إلى وطنهم فيما يشهد انهياراً مالياً، يؤكد زيدان أنهم “لن يعودوا. فهناك مسألة أعمق من الأزمة المالية، لقد خطف وقتل 9 يهود عام 1985 بطريقة قذرة خلال الحرب ولم يعرف حتى الآن مكان رفاتهم. هم يريدون جثثهم على الأقل”. ويتجنّب زيدان تسمية الفصيل المتهم بهذه الجريمة. ويلفت إلى إمكان القيام بتسوية للعثور على الرفات ودفنها من دون إعلان المسؤولية “كما حصل في قضية الباحث الفرنسي ميشال سورا الذي اغتيل في لبنان عام 1985، وتم الكشف عن مكان جثمانه عام 2005 بتسوية مع حزب الله من دون أن يعلن مسؤوليته عنها”.

ويصف زيدان جو اجتماع اليهود في السفارة اللبنانية بالرائع، إذ اهتم السفير بالتفاصيل وقدم طعام “كوشير”، بمعنى حلال، وهو الأكل المسموح تناوله بموجب الشريعة اليهودية، التي تحرم طبخ اللحوم ومنتجات الحليب مع بعضها بعضاً. كما قدم الخبز بمواصفات محددة كي لا يحتوي على الحليب والزبدة في آن. “التفت السفير لكل التفاصيل الدقيقة وقد دعا حاخام فرنسا الأكبر، حاييم كورزيا، الذي بارك الطعام”.

سعي إلى حدث عالمي يجمع يهود لبنان

يكشف زيدان عن سعي لجمع اليهود اللبنانيين “في مكان أكبر وبشكل عالمي كخطوة ثانية”. ويعلن أنه وجّه رسالة لرئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، يخبره فيها عن التمييز الذي يعاني منه اللبنانيون اليهود في الخارج. ويشرح الباحث: “خلال محاولة تجديد جوازات سفرهم يعاني اليهود اللبنانيون كثيراً، إذ يطلب منهم التوجه إلى وزارة الدفاع في لبنان والخضوع لتحقيق لسؤالهم إذا زاروا إسرائيل للحصول على ورقة ومن ثم التوجه لتجديد جواز السفر”. ويلفت إلى أن “ذلك لم يحصل مع أنطوان لحد الذي كان عميلاً إسرائيلياً، إذ كان بإمكانه الحصول على جواز سفر مباشرة من السفارة من دون أن يُطلب منه الذهاب إلى لبنان”.

ويشير إلى معاناة اليهود أيضاً في الحصول على أوراق ثبوتية أخرى كوثيقة الولادة وغيرها. ويطلب هؤلاء من وكيلهم في لبنان، المحامي باسم الحوت تأمينها. ولا يقف دور المسؤول السياسي في الجماعة الإسلامية عند هذا الحد، بل إن اليهود اختاروه وكيلاً لأوقافهم في لبنان.

وكان لليهود الكثير من الأملاك في وادي أبو جميل، والذي كان يعرف بالوادي اليهودي. وقد سطت سوليدير على الكثير من هذه الأملاك في الوادي، كما حاولت السطو على كنيس ماغن أبراهام في بيروت، لكن السفارة الأميركية منعتها، وفق زيدان. ويشكل كنيس ماغن أبراهام المعبد اليهودي الأقدم في العاصمة اللبنانية بيروت.

“أقذر من هتلر”

وفي حين تحكي مراجع أخرى أن هجرة اليهود من لبنان بدأت بعد حرب عام 1967، مع ازدياد حالة العداء لليهود، يميز زيدان بين اليهود السوريين الذين قدموا إلى لبنان واليهود اللبنانيين. ويقول إن هجرة اليهود اللبنانيين بدأت قبل عام 1967 بفعل علاقات المصاهرة، بين يهود لبنان ويهود فلسطين، إذ كان اليهود يتنقلون بين بيروت وحيفا بشكل طبيعي بفعل علاقات عائلية لا عقائدية. ويؤكد أن الجيش الإسرائيلي حاول في الثمانينات استغلال اليهود للذهاب إلى إسرائيل وكانوا يرفضون، “اليهودي اللبناني لم يكن عميلاً لإسرائيل، كان همه كسب المال ولم يكن لديه هم سياسي”. بل ويشير إلى امتلاك وثائق تثبت أن اثنين من اليهود عملوا بين العامين 1948 و1990 جواسيسَ لمصلحة الدولة اللبنانية لمراقبة نشاطات الصهاينة السوريين في وادي أبو جميل، “أحدهم خطف وقتل على يد حزب الله” يقول.

زيارات سرية

نتيجة الخوف، يزور بعض اليهود فقط وطنهم لبنان سراً ويتوجهون إلى منطقة وادي أبو جميل، بحسب زيدان، اما عدد اليهود اللبنانيين على لوائح الشطب الانتخابية، أي الذين يحق لهم التصويت فيبلغ حوالى 4300. لكن أرقام لوائح الشطب هذه ليست دقيقة إذ تضم أسماء أشخاص توفوا ولم تسجل وفاتهم.

على رغم أن التاريخ في لبنان قد قسا على الجميع، إلا أن معاناة اليهود كان لها أثر مختلف كونهم شكلوا إحدى الأقليات التي لم تستطع أن تحمي نفسها، والتي زاد من مأساتها ربطها ظلماً بكيان عنصري وتحميلها وزر أفعاله وتجريدها من وطنيتها. وانطلاقاً ربما من هذه النظرة، يؤكد ليفي تمنيه الخير والسلام للبنان ويستعين بالتوراة، يقول “يأتي يوم لا يوجد شعب أسمى من شعب، الكل يعيش بسلام والذئب لن يأكل العجل. هذا النهار سيكون أجمل نهار وآمل أن نكون على قيد الحياة لنعيش هذه اللحظة”.

إقرأوا أيضاً:

17.11.2021
زمن القراءة: 7 minutes

على رغم أن التاريخ في لبنان قد قسى على الجميع، إلا أن معاناة اليهود كان لها أثر مختلف كونهم شكلوا إحدى الأقليات التي لم تستطع أن تحمي نفسها، والتي زاد من مأساتها ربطها ظلماً بكيان عنصري وتحميلها وزر أفعاله وتجريدها من وطنيتها.

“هناك مكان لكلّ الناس”، يقول نسيم إبراهيم ليفي، رئيس المجلس الإقليمي للجاليات اليهودية في النورماندي شمال فرنسا. قول لا يعكس حقيقة الحال في لبنان، البلد الذي اضطر ليفي للهجرة منه عام 1976، وهو في الحادية والعشرين من عمره، بعد عام من بدء الحرب الأهلية، وبعد سنوات من معاناة والده من الشلل، نتيجة تعرضه للضرب “لأنه يهودي”، ما أدى إلى كسر في عموده الفقري. 

يؤكد الباحث المتخصص بشؤون الطائفة اليهودية في لبنان، ناجي جرجي زيدان، لـ”درج”، أن عدد اليهود اللبنانيين المقيمين في لبنان اليوم هو 27 شخصاً فقط، “يعيشون بخوف ويخفون هويتهم الدينية”.

“عانينا كثيراً ورحلنا تاركين وراءنا كل شيء. كنت صغيراً عندما أصيب والدي بالشلل، قالوا له يهودي يهودي وضربوه على ظهره فأصيب بكسر في عموده الفقري”، يقول ليفي لـ”درج”. ويتابع ليروي رحلة هجرته من لبنان: “أفرغت أمي أكياس الأرزّ الكبيرة لتضع ثيابنا بداخلها، أخذنا جميع أوراقنا الثبوتية وهاجرنا من لبنان. عندما تركت منزلنا في صيدا لم آخذ معي سوى الصور، وصلنا إلى لارنكا في قبرص، ومن هناك انتقلنا إلى فرنسا. لقد بكى جيراننا عندما هاجرنا، كانوا يحبوننا، لكننا كنا خائفين، وعندما يشعر الشخص بأنه سيقتل، يفكّر حكماً بالهجرة. لقد خاف اليهود خلال الحرب لأننا اعتُبرنا إسرائيليين بينما لم يكن لنا علاقة بإسرائيل. البعض ظن أن عبارة الطائفة الإسرائيلية تعني الدولة الإسرائيلية. لقد هاجر جدي إلى ريو ديجينيرو في البرازيل، حيث يقيم آلاف اليهود اللبنانيين، لكننا لم نكن نملك المال الكافي للحاق بهم”.

ليفي يودع صديقه قبيل هجرته في العام ١٩٧٥

ما زال ليفي يذكر جيّداً أسماء جيرانه في صيدا، يتذكر والدته ويتأثر، “اسمها مريم، كانوا ينادونها بالقديسة مريم، كانت تملك متجراً صغيراً في شارع رياض الصلح في صيدا. للأسف تعطل عملها ولم تستطع تسجيلنا في المدرسة الفرنسية التي كنا نتعلم فيها. كنت أتوجه إلى المقاصد لتلقي الدروس الصيفية. لم نكن ضد أحد لكن البعض أصبح ضدنا”. ويبرر رئيس الرعية اليهودية في النورماندي هجرة بعض اليهود إلى فلسطين المحتلة، “من ذهب من اليهود إلى إسرائيل لم يكن يملك خياراً آخر. فبعدما أخذوا رهائن فرنسيين بدأوا يأخذون رهائن من الطائفة اليهودية في لبنان”. ويفضل ليفي ألا يتهم جهة محددة في ذلك.

لدى الاتصال به ومخاطبته بداية باللغة العربية بدا ليفي وكأنه شعر بالريبة، قبل أن نسارع للحديث معه باللغة الفرنسية. وبعدما ارتاح للحديث أخذ يروي بعض الأحداث باللغة العربية، وعبّر عن سعادته بالتحدث بهذه اللغة التي لم يتحدث بها منذ سنوات. ويعيش اليهودي اللبناني اليوم مع زوجته وأبنائه الثلاثة وحفيديه في فرنسا، ولا يستخدم جواز سفره اللبناني، إذ أصبح مواطناً فرنسياً بعدما تزوج من فرنسية. وحمل ليفي لغته العربية معه وعلّمها لزوجته، “كنا نستمع إلى فيروز”.

اليوم يخدم ليفي الجالية اليهودية كرئيس المجلس الإقليمي للجاليات اليهودية في النورماندي، “لكنّ قلبنا مع لبنان، نتألّم لما يحصل هناك ونصلي ليعيش بسلام. لم تعد لديّ عائلة في لبنان لكن لدي أصدقائي القدامى. حين تزوجت ابنتي في فرنسا جاءوا وكانوا من مختلف المذاهب”.

العودة جنون 

من الواضح أن ليفي لا يفكر بالعودة إلى لبنان: “في ظل الوضع الحالي بالطبع لا، فحتى المقيمون هناك يطمحون للمغادرة”. لكنه يحلم بالقيام بزيارة رسمية بصفته مسؤول رعية وفي ظروف أفضل، “فاليوم زيارة لبنان أشبه بضرب جنون”.

يصف ليفي مبادرة السفير اللبناني في فرنسا، رامي عدوان، بدعوة الجالية اليهودية بالاستثنائية، فقد أقام عدوان في الأول  من تشرين الثاني/ نوفمبر “لقاءً عائلياً على شرف الطائفة اليهودية في لبنان”. “قدرت ما قاله بأنه كان على الدولة اللبنانية أن تحمي اليهود. وما قاله يصح قوله أيضاً عن الجميع لا على اليهود فقط”، يقول ليفي. ويستغرب المقالات التي ربطت بين الانتخابات النيابية والحدث، “ماذا بإمكان خمسين شخصاً أن يفعلوا؟”. ويعرب عن تمنيه أن يصبح عدوان رئيساً للجمهورية.

دعي إلى اللقاء في السفارة اللبنانية أيضاً الباحث المتخصص بشؤون الطائفة اليهودية في لبنان، ناجي جرجي زيدان، والذي أصدر كتابه بالفرنسية بعنوان “يهود لبنان”. ووفق المؤلف، واجه نشر الكتاب صعوبة في لبنان لذا نشر في فرنسا. وليس من السهل العمل على المسألة اليهودية في لبنان، إذ ستدور فوراً شبهات حول الباحث نظراً إلى الربط الجائر بين اليهودية والصهيونية. ولدى سؤاله عن الأمر، يكشف زيدان أنه استدعي سابقاً التحقيق معه من قبل مخابرات الجيش للتأكد من غاياته البحثية.

“يعيشون بخوف ويغيرون أسماءهم” 

يتابع زيدان الشأن اليهودي منذ نحو 27 عاماً، ولا يعترف بالأرقام التي تقدر عدد اليهود اللبنانيين في لبنان بنحو مئتين، ولا يعترف بما هو غير موثق، وقد وثق وجود 27 يهودياً لبنانياً في لبنان، يعرف أسماءهم وأعمارهم، ويشير إلى أنهم تزوجوا زيجات مختلطة من غير اليهود، “وهم يعيشون بخوف ويغيرون أسماءهم”. ويلفت إلى أن رئيس الطائفة في لبنان اسحق آرازي ليس لبنانياً.

بالنسبة إلى الباحث، يشكل اجتماع السفارة حلماً، إذ جمعه بحوالى 53 شخصية يهودية “من أثرى أثرياء يهود لبنان من آل كوهين وليفي وحلاق… ممن كانوا يملكون مصارف في بيروت”. ووفق زيدان لم يقتصر الاجتماع على المقيمين في فرنسا، بل أتى اليهود من مختلف أنحاء أوروبا، وقد دعاهم السفير إلى الاستثمار في لبنان.

كان من بين الذين حضروا إلى  السفارة أندريه حلاق، وهو ابن إيلي حلاق، الطبيب اليهودي الذي خطف عام 1985 وقتل. ووفق زيدان فإن إيلي حلاق كان رفض الذهاب إلى إسرائيل متمسكاً بجنسيته اللبنانية قبل أن يقتل.

استعادة جثث المخطوفين شرط أساسي

عن احتمال أن تشكل خطوة السفير مدخلاً لعودة اليهود اللبنانيين إلى وطنهم فيما يشهد انهياراً مالياً، يؤكد زيدان أنهم “لن يعودوا. فهناك مسألة أعمق من الأزمة المالية، لقد خطف وقتل 9 يهود عام 1985 بطريقة قذرة خلال الحرب ولم يعرف حتى الآن مكان رفاتهم. هم يريدون جثثهم على الأقل”. ويتجنّب زيدان تسمية الفصيل المتهم بهذه الجريمة. ويلفت إلى إمكان القيام بتسوية للعثور على الرفات ودفنها من دون إعلان المسؤولية “كما حصل في قضية الباحث الفرنسي ميشال سورا الذي اغتيل في لبنان عام 1985، وتم الكشف عن مكان جثمانه عام 2005 بتسوية مع حزب الله من دون أن يعلن مسؤوليته عنها”.

ويصف زيدان جو اجتماع اليهود في السفارة اللبنانية بالرائع، إذ اهتم السفير بالتفاصيل وقدم طعام “كوشير”، بمعنى حلال، وهو الأكل المسموح تناوله بموجب الشريعة اليهودية، التي تحرم طبخ اللحوم ومنتجات الحليب مع بعضها بعضاً. كما قدم الخبز بمواصفات محددة كي لا يحتوي على الحليب والزبدة في آن. “التفت السفير لكل التفاصيل الدقيقة وقد دعا حاخام فرنسا الأكبر، حاييم كورزيا، الذي بارك الطعام”.

سعي إلى حدث عالمي يجمع يهود لبنان

يكشف زيدان عن سعي لجمع اليهود اللبنانيين “في مكان أكبر وبشكل عالمي كخطوة ثانية”. ويعلن أنه وجّه رسالة لرئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، يخبره فيها عن التمييز الذي يعاني منه اللبنانيون اليهود في الخارج. ويشرح الباحث: “خلال محاولة تجديد جوازات سفرهم يعاني اليهود اللبنانيون كثيراً، إذ يطلب منهم التوجه إلى وزارة الدفاع في لبنان والخضوع لتحقيق لسؤالهم إذا زاروا إسرائيل للحصول على ورقة ومن ثم التوجه لتجديد جواز السفر”. ويلفت إلى أن “ذلك لم يحصل مع أنطوان لحد الذي كان عميلاً إسرائيلياً، إذ كان بإمكانه الحصول على جواز سفر مباشرة من السفارة من دون أن يُطلب منه الذهاب إلى لبنان”.

ويشير إلى معاناة اليهود أيضاً في الحصول على أوراق ثبوتية أخرى كوثيقة الولادة وغيرها. ويطلب هؤلاء من وكيلهم في لبنان، المحامي باسم الحوت تأمينها. ولا يقف دور المسؤول السياسي في الجماعة الإسلامية عند هذا الحد، بل إن اليهود اختاروه وكيلاً لأوقافهم في لبنان.

وكان لليهود الكثير من الأملاك في وادي أبو جميل، والذي كان يعرف بالوادي اليهودي. وقد سطت سوليدير على الكثير من هذه الأملاك في الوادي، كما حاولت السطو على كنيس ماغن أبراهام في بيروت، لكن السفارة الأميركية منعتها، وفق زيدان. ويشكل كنيس ماغن أبراهام المعبد اليهودي الأقدم في العاصمة اللبنانية بيروت.

“أقذر من هتلر”

وفي حين تحكي مراجع أخرى أن هجرة اليهود من لبنان بدأت بعد حرب عام 1967، مع ازدياد حالة العداء لليهود، يميز زيدان بين اليهود السوريين الذين قدموا إلى لبنان واليهود اللبنانيين. ويقول إن هجرة اليهود اللبنانيين بدأت قبل عام 1967 بفعل علاقات المصاهرة، بين يهود لبنان ويهود فلسطين، إذ كان اليهود يتنقلون بين بيروت وحيفا بشكل طبيعي بفعل علاقات عائلية لا عقائدية. ويؤكد أن الجيش الإسرائيلي حاول في الثمانينات استغلال اليهود للذهاب إلى إسرائيل وكانوا يرفضون، “اليهودي اللبناني لم يكن عميلاً لإسرائيل، كان همه كسب المال ولم يكن لديه هم سياسي”. بل ويشير إلى امتلاك وثائق تثبت أن اثنين من اليهود عملوا بين العامين 1948 و1990 جواسيسَ لمصلحة الدولة اللبنانية لمراقبة نشاطات الصهاينة السوريين في وادي أبو جميل، “أحدهم خطف وقتل على يد حزب الله” يقول.

زيارات سرية

نتيجة الخوف، يزور بعض اليهود فقط وطنهم لبنان سراً ويتوجهون إلى منطقة وادي أبو جميل، بحسب زيدان، اما عدد اليهود اللبنانيين على لوائح الشطب الانتخابية، أي الذين يحق لهم التصويت فيبلغ حوالى 4300. لكن أرقام لوائح الشطب هذه ليست دقيقة إذ تضم أسماء أشخاص توفوا ولم تسجل وفاتهم.

على رغم أن التاريخ في لبنان قد قسا على الجميع، إلا أن معاناة اليهود كان لها أثر مختلف كونهم شكلوا إحدى الأقليات التي لم تستطع أن تحمي نفسها، والتي زاد من مأساتها ربطها ظلماً بكيان عنصري وتحميلها وزر أفعاله وتجريدها من وطنيتها. وانطلاقاً ربما من هذه النظرة، يؤكد ليفي تمنيه الخير والسلام للبنان ويستعين بالتوراة، يقول “يأتي يوم لا يوجد شعب أسمى من شعب، الكل يعيش بسلام والذئب لن يأكل العجل. هذا النهار سيكون أجمل نهار وآمل أن نكون على قيد الحياة لنعيش هذه اللحظة”.

إقرأوا أيضاً: