fbpx

أين هي السياسة الخارجية اليساريّة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقول أحد كبار موظّفي الكونغرس الديموقراطيين، “هناك فشل هائل من جانب اليسار التقدّمي، في ما يتعلق بمراكز التفكير المتخصّصة في السياسة الخارجية… إن المؤسسة الديموقراطية لم تُستثمر في صنع السياسة الخارجية بالطريقة المناسبة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أصبح شائعاً في السنوات الأخيرة عند السياسيين اليساريين إما أن يُفسدوا أو يتهرّبوا من القضايا المتعلّقة بالسياسة الخارجية”

تمكّنت أليكساندريا أوكاسيو- كورتيز من تخطّي بعض المصاعب الجمّة التي واجهتها أثناء مسيرتها. ولكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن المرشّحة عن الحزب الديموقراطي لخوض انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عن الدائرة الرابعة عشرة لمدينة نيويورك، لم تكن على أهبة الاستعداد. فقد أخفقت أثناء المقابلة الأخيرة التي أجرتها على شبكة “بي بي أس” التلفزيونية في حلقة من برنامج “خط النار” Firing Line، في شرح التعليقات التي سبق أن أدلت بها حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وعندما سُئلت عما كانت تعنيه بقولها “احتلال فلسطين”، تهرّبت من السؤال قائلةً: “لست خبيرة في الجغرافيا السياسية في ما يتعلق بهذه المسألة”. وباعتبارها واحدة من أبرز الاشتراكيين الديموقراطيين الذين ميّزوا أنفسهم في السياسة الأميركية، يبدو تعثّرها مناقضاً للانتماء السياسي الذي تدّعي علانيةً الانتساب إليه. كما صرّح موقع الاشتراكيين الديموقراطيين الأميركيين، وهي عضو فيه، أنها تنظر إلى “الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربيّة والحصار غير الإنساني لقطاع غزة باعتبارهما العائق الرئيسي” أمام السلام في المنطقة.

من المنطقي أن نفترض أن أليكساندريا ستكون قادرة على الدفاع عن هذا الموقف الشائع نسبياً. لكنه أصبح شائعاً في السنوات الأخيرة عند السياسيين اليساريين إما أن يُفسدوا أو يتهرّبوا من القضايا المتعلّقة بالسياسة الخارجية. تماماً كما حدث خلال الانتخابات الرئاسية التمهيدية عام 2016، إذ فشل عضو مجلس الشيوخ، السيناتور بيرني ساندرز أثناء ترشيح الحزب الديموقراطي الأولي للرئاسة الأميركية، في البداية في صياغة الكثير من برنامجه الانتخابي في ما يخص السياسة الخارجية – الأمر الذي يُعدّ خطأً غريباً، نظراً إلى أن منافسته، هيلاري كلينتون، شغلت منصب وزيرة الخارجية في السابق وكانت أحد الأعضاء السابقين في مجلس الشيوخ الذين أيّدوا غزو العراق. لم يقدّم ساندرز رؤية واضحة للسياسة الخارجية حتى عام 2017. وقال خلال الخطاب الذي ألقاه عام 2017 في كلية وستمنستر، “ينبغي أن تأخذ السياسة الخارجية في الاعتبار التفاوت الفاحش في الدخل وعدم المساواة في الثروة الموجود عالمياً وفي بلدنا”.

السيناتور الأميركي برني ساندرز والمرشّح السابق لرئاسة الولايات المتّحدة

ربما ساعد ساندرز في تحفيز قائمة غير عادية لمرشحي الكونغرس ذوي الميول اليسارية عام 2018. لكن التزاماته الأخيرة في السياسة الخارجية – التي تنطوي على تخفيض الإنفاق العسكري، واختيار اتّباع السبل الديبلوماسية بدلاً من التدخّل العسكري- لم تُناقش دائماً خلال سباقات انتخابات منتصف المدّة. غير أن ذلك ليس بالضرورة أمراً غير عادياً في سباقات الكونغرس. إذ يميل المرشحون من جميع الانتماءات السياسية إلى القيام بحملات تتعلق بالقضايا ذات الأهمية المباشرة للناخبين المحتملين. عندما يتطلّع المرشّحون اليساريون في خطاباتهم إلى ما وراء الحدود الأميركية، فهم غالباً ما يفعلون ذلك بتناول الموضوعات التي تخصّ الهجرة والتجارة. فقد قدّمت أيانا بريسلي، التي تتحدّى النائب الديموقراطي مايك كابوانو على الدائرة السابعة للكونغرس في ولاية ماساشوستس، برنامجاً تفصيلياً بشأن الهجرة على موقعها على شبكة الإنترنت، والذي يشمل إلغاء هيئة شؤون الهجرة والجمارك في الولايات المتّحدة. كما يدعو راندي برايس، النجم الصاعد في الدائرة الأولى للكونغرس في ولاية ويسكونسن، بالمثل إلى إلغاء هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والديوان في الولايات المتحدة وإقرار قانون “تطوير القاصرين الأجانب وإغاثتهم وتعليمهم”، والمعروف اختصاراً باسم DREAM.

قد لا تكون الانتخابات النصفية، عندما لا يكون هناك مرشّحون قوميّون على ورقة الاقتراع، أفضل منصّة لعرض تحليل مستفيض حول عقيدة السياسة الخارجية التي يتبنّاها اليسار. بيد أن الانتخابات النصفية تُعد بالضرورة بمثابة استفتاءات على البيت الأبيض، ولا سيّما خلال تلك الفترة الرئاسية الجديدة وبخاصة في حقبة ترامب. فقد أعلن الرئيس أن الولايات المتّحدة ستنسحب من الصفقة النوويّة الإيرانية واتّفاق باريس للمناخ، وشنّ حرباً تجارية ضد الصين وفرض رسوماً جمركية على حلفائها مثل كندا والمكسيك، وفرض قيوداً على السفر من بلدان كثيرة ذات أغلبية مسلمة، وتراجع عن مباشرة العلاقات مع كوبا التي بدأها الرئيس السابق باراك أوباما، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتراوحت مواقفه بين التهديدات النوويّة والديبلوماسية مع كوريا الشمالية، وبين مدافع باستمرار عن روسيا. وهدّد بإجبار الحكومة على إغلاق أبوابها في وقت لاحق من هذا العام قبل الموعد النهائي للاعتمادات المقبلة إذا لم يتلق تمويلاً لإنشاء جداره الحدودي.

يعني ذلك كلّه أن السياسة الخارجية ليست مجرّد قضية مهمّة قبل خوض الانتخابات الرئاسية عام 2020، بل إنها تحتل أهمية كبيرة في الوقت الراهن. بإمكان المرشّحين من أمثال أليكساندريا، إذا ما فازت في الانتخابات العامة في مقاطعتها التي تميل إلى التصويت بأغلبية كبيرة للديموقراطيين، أن يجدوا أنفسهم مسيطرين على مجلس النواب – وبعبارة أخرى، في موضع يمكّنهم من خلاله ممارسة بعض التأثير في الرئيس. وذلك يجعل الفراغ الذي يعاني منه اليسار بشأن السياسة الخارجية يبدو صارخاً للغاية.

“أفضل نهج للسياسة الخارجية هو السياسة الداخلية الجيّدة”

لا تكمن المشكلة في أنّ المرشحين اليساريين للكونغرس لم يحدّدوا مواقفهم بشأن السياسة الخارجية على مواقعهم الإلكترونية – على رغم أن ذلك صحيح إلى حد كبير – ولكن هناك القليل من البنية الأساسية التي من شأنها أن تزوّدهم بالأفكار بمجرّد تولّيهم السلطة. قال أحد كبار موظّفي الكونغرس الديموقراطيين لمجلة “ذا نيو ريببلك”: “لقد كان هناك فشل هائل من جانب اليسار التقدّمي، في ما يتعلّق بمراكز التفكير المتخصّصة في السياسة الخارجية. أعني أنه بالكاد يوجد أي شيء”. وأردف قائلاً “إن المؤسسة الديموقراطية – ولا أريد أن أستخدم ذلك المصطلح لأنني أعتقد أنه أوسع من ذلك – لم تستثمر في صنع السياسة الخارجية بالطريقة المناسبة”.

تتمتع واشنطن بسمة تداخلية بين الحزبين، وإن كانت بدرجات متفاوتة. فقد بدأ جورج دبليو بوش حربين كارثيّتين لم تنتهيا بعد. وقام باراك أوباما بحملة لإنهاء الحرب في العراق، واتّخذ خطوات لخفض مشاركة الجيش الأميركي هناك، ولكنه وسّع بشكل كبير الحرب التي شنّها بوش باستخدام طائرات بدون طيار، ما أسفر عن مقتل حوالى 324 مدنياً. كما استخدم أوباما الغارات الجوية للإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، وقد صارت ليبيا الآن دولة منهارة، وقد أثّرت هذه النتيجة على الأرجح في قرار أوباما بعدم التدخّل في سوريا. كما صوّت الديموقراطيون في الكونغرس لمصلحة الجمهوريّين في لحظات محوريّة. وأثار اتفاق أوباما النووي مع إيران معارضة كبيرة من قبل مؤيّدي الحرب في حزبه، وخلال سنوات حكم بوش، عارض عدد قليل من الديموقراطيين الغزو الأميركي لكل من أفغانستان والعراق. فقد أدلت النائب في مجلس النواب باربرا لي، المرشّحة الآن لشغل منصب رئيسة مجلس النواب الديموقراطي، بالصوت المعارض الوحيد ضد قانون الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين عام 2001.

ولكن ليس من الواضح دائماً كيف سيبدو البديل اليساري لسياسة المؤسسة. أشار الأكاديمي في جامعة برينستون، مايكل ولزر في مقالة نُشرت عام 2014، إلى أن هناك الكثير من الانعطافات نحو اليسار، على رغم أن بعض المواقف تبدو متناسقة. إذ يميل الاشتراكيون الديمقراطيون والشعبويون الذين يميلون إلى اليسار، إلى تفضيل التركيز على القضايا المحلية – على سبيل المثال الدعوة إلى توسيع الرعاية الاجتماعية الحكومية، بدلاً من الخوض في المغامرات العسكرية المُكلفة. وكما كتب ولزر قائلاً “هذا ما سأدعوه بالوضع الافتراضي لليسار والذي يتمثّل في كون أفضل نهج للسياسة الخارجية هو السياسة الداخلية الجيدة. كم عدد المرّات التي جادلنا فيها ضد خوض المغامرات الخارجية وشنّ الحروب غير الضرورية من خلال الإصرار على أن مواطنينا سيتمكّنون من أداء أعمالهم بشكل أفضل عند تركيز الطاقة والموارد على معالجة الظلم الحاصل في الوطن؟”.

بُذلت أخيراً بعض الجهود لترجمة الأفكار اليسارية إلى مواقف ملموسة في السياسة الخارجية، إذ تعكس منظمة “ثورتنا”، وهي مؤسسة انتخابية أسّسها بعض الأشخاص المتمرّسين من ذوي الخبرة العريقة في حملة بيرني ساندرز، الأفكار التي وردت في أطروحة ولزر في برنامجها بشأن السياسة الخارجية. وحثّت المسؤولين على “الابتعاد من سياسة العمل العسكري أحادي الجانب، والاتجاه إلى سياسة تأكيد الديبلوماسية، وضمان أن يكون قرار الذهاب إلى الحرب هو الملاذ الأخير”. كما تطالب بإغلاق معتقل غوانتانامو وتشجيع التجارة العادلة وتوفير المساعدات الإنسانية، إضافة إلى اقتراحها أن السبيل إلى حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني هو مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وقيامها بإنهاء الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة ووقف أنشطتها الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية.

لم يتهرّب جميع المرشّحين اليساريين هذا العام من السياسة الخارجية. فقد قام السياسي كانيلا إنغ، وهو من سكان هاواي الأصليين، والمرشح لعضوية الكونغرس عن المقاطعة الأولى في ولاية هاواي بصفته ديمقراطي اشتراكي، بنشر مقطع فيديو على موقع “تويتر”، أدان فيه سياسة التدخّل. وقال: “نحن نعرف أنه سواء إن كانت حرباً على المخدّرات أو حرباً على الإرهاب، أو لأي سبب آخر يختلقه البيت الأبيض، فهي حرب من أجل الربح، وهي حرب تتسبّب في معاناة السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم، مثلما نعاني نحن هنا في هاواي”. وأخبرني أنه يشهد حدوث بوادر “انتقال” بين التقدّميين حول موضوع الحروب التداخلية. وأردف قائلاً، “إن رعاية الأشخاص خارج حدودنا هو جزء من الاهتمام بالأشخاص الأكثر ضعفاً”، وأضاف، “في ما يخص ما سأصوّت عليه بالضبط، سيكون من الصعب جداً بالنسبة إلي أن أؤيّد خوض حرب لا تتضمّن وجود أشخاص على شواطئنا يهاجموننا”.

أعربت رشيدة طليب، المرشحة كبديل من عضو مجلس النواب المتقاعد جون كونيرز عن الدائرة الثالثة عشرة في ولاية ميشيغان، عن التزامات سياسية مماثلة. وقالت طليب من خلال متحدّث باسم الحملة “إن النهج الذي سأتّبعه في ما يتعلق بالسياسة الخارجية سيسترشد بالقيم ذاتها التي تدفع النهج الذي سأتّبعه في ما يتعلق بالسياسة الداخلية والذي يتمثّل بقيم التعاطف والتفاهم والاحترام”. وأردف المتحدّث قائلاً على لسان طليب: “أنا مناهضة للحرب بشدّة، وأعتقد أن ذلك قد تأثر إلى حدّ كبير بمنظوري بصفتي فلسطينية أميركية ولديّ عائلتي وأصدقائي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لقد رأيت عن كثب كيف يمكن أن يكون الصراع العسكري مدمّراً، وأعتقد أنه إذا عرف المزيد من أعضاء الكونغرس فعلاً حقيقة الحرب وتغيير النظام، فلن يكونوا قساة لإسقاط القنابل في البلدان البعيدة. ينبغي أن نحلّ مشكلاتنا بالديبلوماسية، لا بزيادة ميزانية إنفاقنا العسكري”.

ولكن حتى في ظلّ وجود هؤلاء المرشّحين، فإن الرسالة بالأحرى ما هي سوى ملاحظة واحدة. لا تقتصر السياسة الخارجية على الحرب فقط، وبالتالي، يجب أن يكون هناك المزيد من المواقف التي يتّخذها المرشّحون بشأن السياسة الخارجية أكثر من مجرّد مناهضة التدخّل – “لإنهاء الحروب المتهورة”، كما يقول إنغ على موقعه على الإنترنت، أو لخلق “اقتصاد سلام”، كما تفعل أليكساندريا. بيد أن توسيع نطاق برامجهم الانتخابية سيتطلّب مساعدة، ولا نعرف من يمكنهم اللجوء إليه. من المحتمل أيضاً أن النهج الذي يتّبعه المرشّحون من يسار الحزب الديمقراطي بشأن السياسة الخارجية على خلاف مع المراكز الفكرية مثل مركز التقدّم الأميركي، الذي دعم الهجمات باستخدام طائرات من دون طيار التي شنّها أوباما وبعض الضربات الجوية الأخرى. وبالتالي لا توجد مراكز فكرية ذات حجم ونفوذ مماثلين، تلتزم بصياغة السياسة الخارجية اليسارية.

وفقاً لما قاله موظف الكونغرس: “لا توجد مقارنة بين اليسار واليمين. أعني أنه يمكنني أن أفكر في ما لا يقل عن خمسة أو ستة من مراكز التفكير اليمنية المتخصّصة فقط في السياسة الخارجية، في حين أنه لا يوجد شيء مماثل لذلك بالنسبة إلى التقدّميين”. وأردف قائلاً “هذه هي المشكلة الأكبر”.

هذا المقال مترجم عن موقع newrepublic.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي