fbpx

إسرائيل: صراعٌ بين اليمين… واليمين!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بينما تضاءلت حظوظ اليسار ويسار الوسط في إسرائيل الى درجة ان حزب العمل التاريخي بات مهدداً بالفشل في احراز النسبة الدنيا لدخول الكنيست، تسابقت الأحزاب اليهودية الإسرائيلية أكثر نحو اليمين…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أسبوع من انعقاد الانتخابات العامة أعلن زعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه سيُخضع أراضٍ فلسطينية جديدة لسيادة إسرائيل لو فاز! وصرخ المنافس الرئيسي بيني جانتس، زعيم حزب “ازرق أبيض”: لقد سرق نتنياهو فكرتي!  

شاهدتُ نتنياهو أول مرة في فندق ماي فلاور في واشنطن العاصمة في أكتوبر تشرين الأول 1996 يتحدث بثقة مفرطة ولكنة أمريكية واضحة، في مؤتمر صحفي عن مستقبل عملية السلام مع الفلسطينيين. كان هذا أول عام له كرئيس وزراء، ومنذ ذلك الوقت قضى ذلك الرجل 13 عاماً في ارفع منصب سياسي في بلاده، وهي فترة أطول من فترة أي سياسي إسرائيلي آخر في تاريخ بلده. وفي ذلك المؤتمر كان نتنياهو واضحاً أنه أتى ليغير المعادلة الرئيسية للعلاقة القائمة مع الفلسطينيين منذ اتفاقات أوسلو الفضفاضة من “الأرض مقابل السلام” (ارض للفلسطينيين مقابل سلام للجميع) إلى “الأمن مقابل السلام” فصارت عملية السلام تدريجياً فارغة من المعنى والهدف. 

سخر مسؤولون امريكيون منهم صهاينة مؤيدون لإسرائيل آنذاك من تبجح نتنياهو، وحذروا من أنه لن يتمكن من فرض صيغته المجوفة. ولكن السياسي الشعبوي البارع والنخبة الإسرائيلية الحاكمة منذ ذلك الوقت، نجحوا في فرض هذه الصيغة بل وتعاون معهم قسم من النخبة الفلسطينية السياسية. وصارت السلطة الفلسطينية تقوم بمهام كان الاحتلال الإسرائيلي يواجه صعوبات وخسائر في القيام بها في الضفة الغربية، وهي الحفاظ على الأمن ومنع المقاومة المسلحة وفرض الضبط والانضباط وتقديم بعض الخدمات للفلسطينيين الخاضعين للاحتلال. وهكذا لم تكن هناك صعوبة أمام نتنياهو أن يعد ناخبيه بتقنين السيطرة الفعلية على الضفة الغربية، وأن يضمّ للسيادة الإسرائيلية نحو ثلث أراضي هذه المنطقة.

الأمن واليمين يسيطران على الانتخابات في إسرائيل

في محفل انتخابي قبل التصويت المقرر في17 ايلول/سبتمبر قال نتنياهو: “امنحوني السلطة كي أضمن أمن إسرائيل، امنحوني السلطة لأقرر حدود إسرائيل … لم تكن لدينا مثل هذه الفرصة منذ حرب الأيام الستة في عام 1967، وأشك أن تُتاح لنا مثلها في الخمسين عاماً القادمة… علاقتي الشخصية بالرئيس ترامب، ستمكّنني من ضم كل المستوطنات الواقعة في قلب وطننا” لتصير تحت السيادة الإسرائيلية. ولم يتوانى ترامب عن المساعدة إذ غرد قبل الانتخابات بثلاثة أيام فقط قائلاً انه اتصل هاتفياً يومها بنتنياهو، وبحثا عقد اتفاقية دفاع مشتركة بين البلدين بعد الانتخابات “عندما نلتقي … في الأمم المتحدة في وقت لاحق” في شهر أيلول/سبتمبر.

وردت حماس على إعلان نتنياهو بنيته ضمّ غور الأردن واراضي المستوطنات بإطلاق بعض صواريخ من القطاع المحاصر على جنوب إسرائيل، انطلقت معها أجهزة انذار، واندفع حرس نتنياهو الشخصي لدفعه بعيداً عن منصة خطابة في مؤتمر انتخابي كان منعقداً ساعتها نحو مكان آمن. لا استعراض سياسي مؤثر أفضل من هذا للرجل المصر على اظهار عضلات أمنية، والتلويح بالتهديد “العربي الإرهابي” لنيل بضع مئات الاف الأصوات، التي قد تضمن له البقاء في السلطة عدة سنوات أخرى. وفي استطلاع رأي قبيل فتح مراكز الاقتراع، أيد نحو نصف الإسرائيليين ضمّ أراض في الضفة الغربية بينما لم يعترض على هذا الاجراء سوى حوالي ثلاثين في المئة.  

المرشحان نتانياهو وجانتس

حقق نتنياهو (70 عاماً) أرقاما قياسية عديدة في عالم السياسة الإسرائيلي، وكان أخرها أنه أول رئيس وزراء يضطر لخوض انتخابات عامة مرتين في عام واحد، بعد أن فشل في تشكيل حكومة ائتلافية عقب انتخابات نيسان/ابريل الماضي. ونتنياهو مهدد بالسجن لو خسر السلطة، حيث يواجه اتهامات في ثلاث قضايا فساد (احتيال ورشوة وخيانة امانة)، من المقرر أن تبدأ محكمة في نظرها في جلسات تمهيدية في تشرين الأول/اكتوبر القادم. وهكذا فأن فوزه المحتمل قد يمكنه من وضع قانون يحصن رئيس الوزراء أو، على الأقل، منع أو تأجيل محاكمته. 

وتأرجحت استطلاعات الرأي قبل التصويت، ولكنها وضعت نتنياهو وخصمه الرئيسي جانتس في موقعين متقاربين يحصل فيها حزب كل منهما على 32 مقعداً تقريبا في الكنيست (البرلمان)، المؤلف من 120 مقعداً، مما يجعل أيهما في حاجة الى 29 مقعداً اخر على الأقل، ليشكل ائتلافاً حاكماً. ولن يتمكن جانتس من تأمين مثل هكذا ائتلاف في ضوء ضعف غير مسبوق لأحزاب الوسط ويساره.

موزاييك الائتلافات الحاكم في اسرائيل

هكذا تبدأ لعبة رصّ قطع موزاييك صغيرة، تقرر فيها أصغر القطع شكل اللوحة النهائي، وهي في الموزاييك الإسرائيلي أحزاب اليمين المتطرف متعددة الاطياف (علمانية ودينية وقومية).

ويرفض افيغدور ليبرمان، رئيس حزب إسرائيل بيتنا اليميني، مغازلات نتنياهو، وأعلن رفضه الدخول في ائتلاف مع اليمين الديني المتطرف. وذلك اليمين الديني الاورثوذكسي المتطرف هو الحليف المضمون لنتنياهو من أجل تشكيل حكومة، ويضم حزب شاس الذي يمثل اليهود الشرقيين (السفارديم) وحزب يهوديت هاتوراة الذي يمثل اليهود الغربيين (اشكيناز)، ولكن في أفضل الاستطلاعات فلن يحصل الحزبان سوى على 15 مقعداً. وهكذا يبرز دور اليمين القومي الذي يمثله حزب “اليمين الجديد” بزعامة وزيرة العدل السابقة ايليت شاكيد التي تعطيها استطلاعات الرأي عشرة مقاعد. ولشاكيد شعبية وسط المستوطنين الذين صوت 90٪ من ناخبيهم في نيسان/ابريل الماضي. 

ويظل نتنياهو هكذا – حتى مع دعم أحزاب اليمين الديني المضمون واليمين القومي المعتدل- بحاجة لبضعة مقاعد لن يفكر في تقديمها له سوى ليبرمان الرافض للجلوس مع أحزاب اليمين الديني!

وكرر ليبرمان رفضه في انتخابات أيلول/سبتمبر لمطلب اليمين الديني الأساسي، وهو تقنين إعفاء كل الطلاب اليهود في المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية الاجبارية، إضافة الى مميزات أخرى متعددة يحصل عليها المتطرفون الاورثوذوكس في إسرائيل. هكذا يظل ليبرمان، الذي يستند على قاعدة دعم أساسية وسط المهاجرين اليهود من الجمهوريات السوفيتية السابقة، صانع الملوك، إذ تتوقع الاستطلاعات أن تزيد عدد مقاعده في الكنيست من خمسة حالياً الى عشرة مقاعد. وفي محفل انتخابي أكد ليبرمان، المولود في مولدوفا منذ 61 عاماً، والذي كان يعمل حارس ملهىً ليلي قبل سنوات طويلة من توليه وزارتي الخارجية ثم الدفاع التي تركها العام الماضي، أنه لن يجلس في حكومة واحدة مع “اليهود الاورثوذوكس المتشددين أو مع المتطرفين.” ولكن تراجعه عن هذا الموقف ليس أمراً مستبعداً تماماَ.

 

12٪ من الإسرائيليين يهود اورثوذوكس متشددون ويؤيد قطاع غالب وسطهم حزبي شاس ويهوديت هاتوراة

17٪ من الإسرائيليين منحدرون من موجهة هجرة ضخمة من الاتحاد السوفيتي السابق في التسعينيات ويؤيد قسم غالب فيهم “إسرائيل بيتنا”

21٪ من الإسرائيليين فلسطينيون منحدرون من عرب 1948 ولكن أقل من نصف الناخبين بينهم شاركوا في انتخابات نيسان/ابريل الماضي.

 

وتبقى الأحزاب العربية حصاناً أسوداً في تلك الانتخابات، حيث حصلت متفرقة على عشرة مقاعد في الانتخابات الماضية، وتعطيها الاستطلاعات الراهنة نفس العدد، ولكنها قد تحصد مقاعد أكثر حيث نحت خلافاتها وتحالف معظمها تحت عباءة “القائمة المشتركة” التي يقودها النائب الحالي أيمن عودة، بل وأبدت استعدادها لأول مرة في تاريخها لدخول ائتلاف حاكم وسطي مع حزب جانتس. وتمحورت شروط عودة للنظر في هكذا ائتلاف في زيادة الخدمات الصحية (أسرّة المستشفيات) في المناطق العربية، ومشاريع اسكانية جديدة، وتجميد هدم المنازل العربية غير المرخصة، وتمويل دور إقامة النساء المعنفات،….، وقبلها جميعا الغاء قانون القومية الذي يكرس يهودية الدولة الإسرائيلية ويحول فلسطينيّ إسرائيل لمواطنين درجة ثانية. وهذه قائمة يرفض جانتس، الذي يسعى لاستمالة اليمين “المعتدل” حتى التفكير في بعض بنودها. ولكن الأحزاب العربية هكذا، قد تصبح أكبر حزب معارض في الكنيست وهو تغير مهم قد يخدم المصالح الاقتصادية والاجتماعية لعرب إسرائيل. 

وخلت الحملات الانتخابية من الحديث عن السياسات الاقتصادية رغم تحذيرات متواترة عن مشاكل هيكلية في الاقتصاد الإسرائيلي مقارنة بالدول المماثلة، ليتركز الصراع تقريباً على القضايا الأمنية التي لا تختلف فيها مواقف الأحزاب كثيراً، وعلى شخصية نتنياهو الذي صار بقاؤه أو رحيله هو نفسه تقريباً محور هذه الانتخابات التي تهيمن عليها أطياف اليمين (الديني والقومي والعلماني). 

الفلسطينيون بين نارين

وبينما تضاءلت حظوظ اليسار ويسار الوسط في إسرائيل الى درجة ان حزب العمل التاريخي بات مهدداً بالفشل في احراز النسبة الدنيا لدخول الكنيست (3.25٪ من الناخبين)، تسابقت الأحزاب اليهودية الإسرائيلية أكثر نحو اليمين بما فيه الخطاب العنصري وبث الخوف وسط الناخبين. وأغلقت شركة فيسبوك صفحة فرعية في حملة نتنياهو، بعد ان حرّض القائم عليها ضد عرب إسرائيل الذين “يريدون تدميرنا جميعا”، وحاول نتنياهو تمرير قانون لتركيب كاميرات مراقبة في لجان التصويت، في المناطق عالية الكثافة السكانية العربية في إسرائيل.

ويصير الوضع أسوأ لدى الفلسطينيين الخاضعين لاحتلال الدولة الإسرائيلية، أو حصارها المحكم دون أي مميزات نسبية قد تمنحها الجنسية الإسرائيلية لغير اليهود، فلا فارق يٌذكر بين نتنياهو وجانتس حيث يهوي الاثنان بمعاولهما على الاحتمالات الضئيلة الباقية، لقيام دولة فلسطينية فعلية، مقابل تكريس قانوني لنظام فصل عنصري. 

لا مكان لأي كيان غير اسرائيلي : نبذة تاريخية عن المستوطنات الإسرائيلية