fbpx

إيران: ماذا وراء انفجار زاهدان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يرتبط اسم مدينة زاهدان، عاصمة إقليم سيستان بلوشستان في جنوب شرق إيران، التي شهدت مؤخراً، تفجيرا انتحاريا، أسفر عن مقتل 20 جندياً من الحرس الثوري، باسم قائد تنظيم “جند الله” عبد المالك ريغي، الذي خطفته أجهزة استخبارات عالمية، سنة 2010 ثم سلمته لطهران، التي أعدمته في العام نفسه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يرتبط اسم مدينة زاهدان، عاصمة إقليم سيستان بلوشستان في جنوب شرق إيران، التي شهدت مؤخراً، تفجيرا انتحاريا، أسفر عن مقتل 20 جندياً من الحرس الثوري، باسم قائد تنظيم “جند الله” عبد المالك ريغي، الذي خطفته أجهزة استخبارات عالمية، سنة 2010 ثم سلمته لطهران، التي أعدمته في العام نفسه.

عبدالملك ريغي قبل اعدامه بلحظات – 2010

فرغم مضي تسعة أعوام على إعدام ريغي، ثم حل تنظيمه لاحقا، إلا أن الظروف والوقائع التي أنتجت دورة العنف المسلح، في زاهدان ومدن أخرى في الإقليم لم تمض بعد، حيث تسود قناعة أن الكفاح المسلح الذي تزعمه وقاده ريغي، ثم استمر من بعده، لم يقدر على انتزاع اعتراف ولو بسيط من الحكومة المركزية بالحقوق الإنسانية للأكثرية السنية البلوشية في الإقليم، التي تعاني ضروبا مختلفة من الفقر والبطالة والنبذ والإجحاف وحملات الإبادة الثقافية والاضطهاد الديني.

أما العاصمة زاهدان التي شهدت التفجير الدموي مؤخرا، فأكثر وصف يصور ما يجري فيها حقيقة، أنها تعيش على فوهة بركان. فالمدينة، تشهد مناوشات شبه يومية بين سكانها، الذين يتقاسمون مساحتها، بناء على خارطة عرقية (بلوش وفرس) – مذهبية (سنّة وشيعة)، ويعيشون خلف متاريس غير مرئية، بحيث يمكن تشبيه الانشطار الديموغرافي الطائفي الذي تعيشه، إلى حد بعيد، بما مر على بيروت أيام الحرب الأهلية، أو ربما مازال موجودا في بيروت، نتيجة الحرب الأهلية.

وعلاوة على تقسيم الأحياء والشوارع  والأسواق والمدارس ودور العبادة بين البلوش السنّة والفرس الشيعة، فإن هذا التقسيم يخضع أيضا لقانون التوزيع القومي والعرقي ضمن المذهب الواحد، هذا بغض النظر عن تشعب  الاتجاهات السياسية.

وتشكل هذه التعقيدات، إضافة إلى سياسة القبضة الحديدية الأمنية، التي تمارسها حكومة طهران، من خلال تنظيم الحرس الثوري، الوقود الذي تتغذى منه الفتنة الأهلية في المدينة.

يشكل البلوش السنّة 80% من سكان زاهدان، أما الباقي أي 20% فهم من الفرس الشيعة، غالبيتهم مستوطنون، استقدمهم تنظيم الحرس الثوري وأسكنهم في المدينة، ليؤمن بيئة حاضنة له.

من يتجول في أحياء زاهدان، يمكنه أن يلحظ بلا مساعدة من أحد، الفروق الطبقية والاجتماعية بين الطائفتين أو القوميتين. أقلية شيعية فارسية برجوازية، تعيش حياة مرفهة، وأكثرية سنية بلوشية بالكاد تجد قوت يومها.

أحياء الأقلية، بيوت آمنة، وشوارع منظمة، نظيفة، وسوق تجاري حديث، محلاته مزدحمة بكل أنواع البضائع الوطنية والأجنبية، وشركات تجارية ومستشفيات ومدارس وجامعات وخرّيجون يرتادون بسياراتهم الحديثة النوادي والحسينيات والمراكز الحزبية ويحتكرون الوظائف الحكومية ويكنزون الثروات.

أحياء الأكثرية، عبارة عن تركيبة مرعبة من الفقراء والأميين والمتعصبين دينيا.

الوضع التعليمي الحكومي فيها، سيئ للغاية، مباني المدارس عبارة عن خرابات مهجورة، لا طلاب ولا معلمين. الحكومة المركزية تتعاطى دائما بإيجابية مع المعلمين الذين يرفضون الالتحاق بمدارسها، مما رفع فيها نسبة الأمية، وجعل الأهالي يتوجهون إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس الدينية، التي زاد عدد بشكل مخيف في الآونة الأخيرة. وتنتشر فيها المراكز والمؤسسات التعليمية الدينية، التي تملك برامج دعوية وأنشطة دينية على مدار العام. وبينما تذهب الفتيات إلى “الكتاتيب” التي يتلقين فيها العلوم الدينية لمدة خمس سنوات ويتخرجن منها “حرائر”، يقبل الشبان على الدراسة في جامعة “دار العلوم” الدينية أيضا، التي تعتمد على تبرعات أهلية، والتي لها الدور الأكبر في تأسيس الوعي الديني وتأجيج العصب المذهبي، وهي تخرّج سنويا، عددا كبيرا من المفتين والدعاة ورجال الدين.

وبناء على هذا الستاتيكو، إذا صحت مقولة، أن الفقر يشكل أرضية خصبة للعنف، فذلك يتجسّد في زاهدان بشكل واضح.

شاركت الأقلية البلوشية السنية في زاهدان بالثورة الإسلامية، شأنها شأن كل الأقليات في إيران، لكن بعد أربعين عاما على انتصار الثورة، يمكن القول إنها أفقر المدن الإيرانية على الإطلاق. ولم يأت فقرها بالتأكيد، من شح في الموارد ولا من قلة في الثروات الوطنية ولا من كسل، إنما بسبب سياسة الإهمال المتعمد والإنماء غير المتوازن، التي تنتهجها الحكومة المركزية مع مناطق الأطراف، التي تسكنها الأقليات، لحساب مناطق الوسط التي تسكنها القومية الفارسية الشيعية.

فزاهدان بموقعها الجغرافي الحساس، تغرق الخزينة الإيرانية بالعملة الصعبة، وذلك بسبب شراكتها الحدودية الطويلة مع باكستان وأفغانستان، مما جعلها ممرا إجباريا لمافيات الاتجار بالمخدرات وتهريب السلاح والبضائع على أنواعها، التي تديرها منظمات إقليمية وعالمية، لكن الأمر دفع بتنظيم الحرس الثوري إلى استباحتها، عبر تكثيف مراكزه الأمنية فيها، وحشدها بأعداد ضخمة من عناصره، وتوطين عدد غير قليل من الشيعة الفرس فيها، إضافة إلى استغلال فقرائها، ماديا، بتحويلهم إلى مخبرين لديه.

لكن غاية الحرس، كما يؤكد أهل زاهدان، ليس ضبط الحدود، أو فرض النظام، أو وضع حد لتجارة الممنوعات، إنما حصر هذه التجارات به، لتأمين دخل إضافي لخزائنه.

في مطلع القرن الماضي، كانت زاهدان، صورة مناقضة لما هي عليه الآن. يروي سكانها أن اسمها كان “دوزآب” أي الأرض التي تخبئ الماء، لكثرة ما تحتويه من الينابيع، لذلك كانت أول المدن في المملكة (إيران) التي أنشأت قنوات ري، أدخلت المياه إلى البيوت. كما أقيمت فيها أول نقطة جمارك حدودية في تاريخ البلاد، ومنها خرج أول قطار يسير على الفحم الحجري من إيران صوب باكستان ثم إلى بلاد آسيا.

زاهدان أيضا، هي أول المدن الإيرانية، التي قاومت الاحتلال  الإنكليزي، بإعلان المقاومة الشعبية المسلحة، مازال الأطفال يرددون أغاني وأشعارا من الموروث الشعبي، تحكي عن بطولات مقاوميها في ذلك الزمان.

ظل النفس المقاوم مرافقا لأهلها، بعد طرد الاحتلال، وخلال أزمنة الحكم الملكي التي مرت عليها، فشاركت في الانتفاضات التي حدثت في إيران، وصولا حتى الثورة الإسلامية. الثورة التي ظلمتها، بعدما فضّلت إقامة نظام ذي هوية واحدة، عوضا عن دولة وطنية تحضن كل الأقليات، ووسمت كل من يطالب بحقه بالإرهاب. لذلك قد يكون من الطبيعي أن يرتفع فيها منسوب الإرهاب، التوصيف المجحف أحيانا بحق الأقليات، التي يجبرها الاضطهاد على ممارسة العنف.

 

إقرأ أيضاً:

أربعون عاماً على ثورة المشنقة

رسالة من سجينة إيرانية : بدأت أنسى ملامحي