ثمّة لائحة جاهزة لضحايا التكفير يرفعها من يظنّ نفسه مدافعاً عن التنوير وحرية الكلمة في كل مرّة يرفض فيها الأزهر تكفير تنظيم “داعش” الارهابي.
تبدأ لائحة الضحايا مع الإمام محمد عبده ويليه الشيخ علي عبد الرازق فطه حسين وخالد محمد خالد ثم فرج فودة ونجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد، وصولاً إلى يوسف زيدان واسلام البحيري. هذا في مصر وحدها فيما تشمل اللائحة أسماء أخرى في المشرق والمغرب، وقد تزيد أو تنقص الأسماء بحسب مواقف التكفيريين. بيد أن في هذين الزيادة والنقصان تكمن المسألة برمتها.
الحقيقة البسيطة هي أن ما من بيان أو قرار واحد صدر عن الأزهر ينطوي على تكفير صريح لأي من الأشخاص الواردة اسماؤهم أعلاه. كل الاضطهاد الذي تعرض له هؤلاء وغيرهم لم يأت بقرار مكتوب من الأزهر. بل جاء من الطبيعة الفضفاضة للافتاء في الإسلام وغياب الحدود الدقيقة الفاصلة بين المفتي وموضوع الفتوى ومن مناخ عام قد يكون الأزهر رعاه أو حرّض عليه لكنه لم يصل إلى مرحلة تبنيه رسمياً. جاء الاضطهاد والظلم والأحكام المخففة بحق قتلة مثقفين وكتّاب ومصادرة الكتب وأحكام التفرقة بين الزوج وزوجته وغيرها مما يشبهها من أحكام، من اضطراب العلاقة بين الدين والسياسة وبين هذين وبين المجتمع والدولة.
سيولة الموقف من الثقافة والمثقفين على ضفة الإسلاميين، السياسيين منهم والاجتماعيين- إذا جاز التعبير-، تجعل لائحة من يتعرض للمساءلة أمام الرأي العام بتهم الردّة والكفر قابلة للتعديل الاستنسابي. هناك من يرفض إدراج علي عبد الرازق في اللائحة ويرى أن ما جرى له في يقع في سياق سعي الملك فؤاد الأول الطامح إلى وراثة الخلافة بعدما ألغاها مصطفى كمال أتاتورك. يرى البعض الآخر أن أكثرية القضايا محقة باستثناء محاولة إسلامي متشدد اغتيال نجيب محفوظ لأن المجرم صرح في المحكمة أنه لم يقرأ شيئا للروائي المصري وكأنه لو قرأ “أولاد حارتنا” لغير رأيه وعاد عن غيّه. وهناك من يعفو عن الجميع باستثناء سلمان رشدي مثلا وهو الذي صدرت فتوى واضحة بقتله من الإمام الخميني، وكان الموقف من الفتوى تلك بمثابة الفضيحة المدوية في أوساط المثقفين العرب والمسلمين الذين لم يعترض منهم عليها سوى العدد الضئيل. عليه يجوز التساؤل عن المعايير التي يعتمدها المحتجون على محاكمة هذا الكاتب وتأييد اضطهاد آخر، والمطالبة بتكفير “داعش” ورفض توجيه التهمة ذاتها إلى ناشطين مدنيين، تماما مثل التساؤل عن معايير تكفير الإسلاميين لمخالفيهم في الرأي والعقيدة.
بداهة ان ما يفعله “داعش” يصب في خانة الارهاب والجريمة ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهي تختلف جذرياً عن التعرض اللفظي للذات الالهية أو للمقدسات التي يُزعم أن كتاباً ومثقفين قد ارتكبوها. لكن يتعين هنا التفرقة بين اللجوء إلى السلطة الدينية لاستصدار لعنة رسمية على تنظيم ارهابي تكون بمثابة تفويض إلهي للبشر بتنفيذ إرادة الخالق في خلقه، بحسب تفسيرات هؤلاء الخلق، وبين محاكمتهم أمام قضاء يتبني القوانين الوضعية البشرية، ما يعيدنا الى متاهة المصدر الإلهي للتشريع وموقع القانون المدني في الحياة العامة.
بكلمات ثانية، هناك من يريد اللعب في ملعب “داعش” من حيث يدري أو لا يدري: التنظيم الإرهابي كفّر عموم المسلمين الذين لا ينتمون إليه ولم يبايعوا خليفته ودولته، عليه ينبغي على المسلمين الرد بالمثل وتكفير التنظيم. نوع من المباهلة والمُلاعنة لكن عبر وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة.
لا ترمي السطور أعلاه الى تبرئة الأزهر من أي تهمة تساق ضده وهي كثيرة. ولا تهدف الى إسباغ صفات تقدمية او منحازة إلى حرية الرأي والتعبير عليه، هو ذاته لا يدّعيها. بل تقصد القول إن المنطق الذي يعمل الأزهر بموجبه منذ مئات الأعوام يختلف عن منطق المثقفين أو السياسيين الذين يطالبونه بتكفير “داعش” وينتفضون لرفضه النزول عند طلبهم فيشهرون لائحة من اضطهده التدين الرسمي او الشعبي او السياسي (ولكل من أشكال التدين هذه ادواته ومؤسساته وحصته من السلطة). هذا ناهيك عن وجود مؤسستين مختلفتين تعنيان بالشأن الديني في مصر، على سبيل المثال، هما الأزهر ودار الافتاء ولكل منهما مهمات وأدوار.
أمر مشابه في الاختلاف بين منطق السلطة ومنطق المؤسسة الأزهرية والدينية عموماً، برز منذ عامين تقريبا عندما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تجديد الخطاب الديني بما يُبعد عن الدين شبهة الحض ّعلى العنف والإرهاب ويحرم، بالتالي، جماعات العنف الجهادي القدرة على استغلال الدين. وقعت يومها أزمة بين المفتي وبين أجهزة الدولة المصري بسبب امتناع المفتي عن الاستجابة إلى دعوة السيسي بالسرعة التي كان يأملها الأخير.
ولدينا نموذج من التاريخ الإسلامي القديم عن العلاقة الإشكالية بين الدين والدولة هي محنة أحمد ابن حنبل. وبغض النظر عما يمكن أن يقال عن ابن حنبل ومنهجه وما نسب إلى اتباعه، لم يكن موقف السلطة القائمة حينذاك أكثر من محاولة استخراج التأييد والمساندة السياسية من فقيه له رأي مختلف عن رأي المأمون العباسي الذي أراد توظيف مسألة خلق القرآن توظيفاً دنيوياً.[video_player link=””][/video_player]
الأزهر وتكفير التكفيريين
ثمّة لائحة جاهزة لضحايا التكفير يرفعها من يظنّ نفسه مدافعاً عن التنوير وحرية الكلمة في كل مرّة يرفض فيها الأزهر تكفير تنظيم “داعش” الارهابي. تبدأ لائحة الضحايا مع الإمام محمد عبده ويليه الشيخ علي عبد الرازق فطه حسين وخالد محمد خالد ثم فرج فودة ونجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد، وصولاً إلى يوسف زيدان واسلام البحيري.
بيروت في دائرة الاستهداف: المدنيون لن يعيقوا شهيّة القتل
الحرب على لبنان: أزمة جهود الإغاثة على وسائل التواصل الاجتماعي!
من هو هاشم صفي الدين خليفة حسن نصر الله المُحتمل ؟
ثمّة لائحة جاهزة لضحايا التكفير يرفعها من يظنّ نفسه مدافعاً عن التنوير وحرية الكلمة في كل مرّة يرفض فيها الأزهر تكفير تنظيم “داعش” الارهابي. تبدأ لائحة الضحايا مع الإمام محمد عبده ويليه الشيخ علي عبد الرازق فطه حسين وخالد محمد خالد ثم فرج فودة ونجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد، وصولاً إلى يوسف زيدان واسلام البحيري.
ثمّة لائحة جاهزة لضحايا التكفير يرفعها من يظنّ نفسه مدافعاً عن التنوير وحرية الكلمة في كل مرّة يرفض فيها الأزهر تكفير تنظيم “داعش” الارهابي.
تبدأ لائحة الضحايا مع الإمام محمد عبده ويليه الشيخ علي عبد الرازق فطه حسين وخالد محمد خالد ثم فرج فودة ونجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد، وصولاً إلى يوسف زيدان واسلام البحيري. هذا في مصر وحدها فيما تشمل اللائحة أسماء أخرى في المشرق والمغرب، وقد تزيد أو تنقص الأسماء بحسب مواقف التكفيريين. بيد أن في هذين الزيادة والنقصان تكمن المسألة برمتها.
الحقيقة البسيطة هي أن ما من بيان أو قرار واحد صدر عن الأزهر ينطوي على تكفير صريح لأي من الأشخاص الواردة اسماؤهم أعلاه. كل الاضطهاد الذي تعرض له هؤلاء وغيرهم لم يأت بقرار مكتوب من الأزهر. بل جاء من الطبيعة الفضفاضة للافتاء في الإسلام وغياب الحدود الدقيقة الفاصلة بين المفتي وموضوع الفتوى ومن مناخ عام قد يكون الأزهر رعاه أو حرّض عليه لكنه لم يصل إلى مرحلة تبنيه رسمياً. جاء الاضطهاد والظلم والأحكام المخففة بحق قتلة مثقفين وكتّاب ومصادرة الكتب وأحكام التفرقة بين الزوج وزوجته وغيرها مما يشبهها من أحكام، من اضطراب العلاقة بين الدين والسياسة وبين هذين وبين المجتمع والدولة.
سيولة الموقف من الثقافة والمثقفين على ضفة الإسلاميين، السياسيين منهم والاجتماعيين- إذا جاز التعبير-، تجعل لائحة من يتعرض للمساءلة أمام الرأي العام بتهم الردّة والكفر قابلة للتعديل الاستنسابي. هناك من يرفض إدراج علي عبد الرازق في اللائحة ويرى أن ما جرى له في يقع في سياق سعي الملك فؤاد الأول الطامح إلى وراثة الخلافة بعدما ألغاها مصطفى كمال أتاتورك. يرى البعض الآخر أن أكثرية القضايا محقة باستثناء محاولة إسلامي متشدد اغتيال نجيب محفوظ لأن المجرم صرح في المحكمة أنه لم يقرأ شيئا للروائي المصري وكأنه لو قرأ “أولاد حارتنا” لغير رأيه وعاد عن غيّه. وهناك من يعفو عن الجميع باستثناء سلمان رشدي مثلا وهو الذي صدرت فتوى واضحة بقتله من الإمام الخميني، وكان الموقف من الفتوى تلك بمثابة الفضيحة المدوية في أوساط المثقفين العرب والمسلمين الذين لم يعترض منهم عليها سوى العدد الضئيل. عليه يجوز التساؤل عن المعايير التي يعتمدها المحتجون على محاكمة هذا الكاتب وتأييد اضطهاد آخر، والمطالبة بتكفير “داعش” ورفض توجيه التهمة ذاتها إلى ناشطين مدنيين، تماما مثل التساؤل عن معايير تكفير الإسلاميين لمخالفيهم في الرأي والعقيدة.
بداهة ان ما يفعله “داعش” يصب في خانة الارهاب والجريمة ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهي تختلف جذرياً عن التعرض اللفظي للذات الالهية أو للمقدسات التي يُزعم أن كتاباً ومثقفين قد ارتكبوها. لكن يتعين هنا التفرقة بين اللجوء إلى السلطة الدينية لاستصدار لعنة رسمية على تنظيم ارهابي تكون بمثابة تفويض إلهي للبشر بتنفيذ إرادة الخالق في خلقه، بحسب تفسيرات هؤلاء الخلق، وبين محاكمتهم أمام قضاء يتبني القوانين الوضعية البشرية، ما يعيدنا الى متاهة المصدر الإلهي للتشريع وموقع القانون المدني في الحياة العامة.
بكلمات ثانية، هناك من يريد اللعب في ملعب “داعش” من حيث يدري أو لا يدري: التنظيم الإرهابي كفّر عموم المسلمين الذين لا ينتمون إليه ولم يبايعوا خليفته ودولته، عليه ينبغي على المسلمين الرد بالمثل وتكفير التنظيم. نوع من المباهلة والمُلاعنة لكن عبر وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة.
لا ترمي السطور أعلاه الى تبرئة الأزهر من أي تهمة تساق ضده وهي كثيرة. ولا تهدف الى إسباغ صفات تقدمية او منحازة إلى حرية الرأي والتعبير عليه، هو ذاته لا يدّعيها. بل تقصد القول إن المنطق الذي يعمل الأزهر بموجبه منذ مئات الأعوام يختلف عن منطق المثقفين أو السياسيين الذين يطالبونه بتكفير “داعش” وينتفضون لرفضه النزول عند طلبهم فيشهرون لائحة من اضطهده التدين الرسمي او الشعبي او السياسي (ولكل من أشكال التدين هذه ادواته ومؤسساته وحصته من السلطة). هذا ناهيك عن وجود مؤسستين مختلفتين تعنيان بالشأن الديني في مصر، على سبيل المثال، هما الأزهر ودار الافتاء ولكل منهما مهمات وأدوار.
أمر مشابه في الاختلاف بين منطق السلطة ومنطق المؤسسة الأزهرية والدينية عموماً، برز منذ عامين تقريبا عندما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تجديد الخطاب الديني بما يُبعد عن الدين شبهة الحض ّعلى العنف والإرهاب ويحرم، بالتالي، جماعات العنف الجهادي القدرة على استغلال الدين. وقعت يومها أزمة بين المفتي وبين أجهزة الدولة المصري بسبب امتناع المفتي عن الاستجابة إلى دعوة السيسي بالسرعة التي كان يأملها الأخير.
ولدينا نموذج من التاريخ الإسلامي القديم عن العلاقة الإشكالية بين الدين والدولة هي محنة أحمد ابن حنبل. وبغض النظر عما يمكن أن يقال عن ابن حنبل ومنهجه وما نسب إلى اتباعه، لم يكن موقف السلطة القائمة حينذاك أكثر من محاولة استخراج التأييد والمساندة السياسية من فقيه له رأي مختلف عن رأي المأمون العباسي الذي أراد توظيف مسألة خلق القرآن توظيفاً دنيوياً.[video_player link=””][/video_player]