كان النظام في سوريا في مقدمة جبهة الرفض العربي لأي سلام مع إسرائيل منذ كامب ديفيد، وساندته بعد ذلك في معاداة نهج مصر- السادات والصلح مع إسرائيل، إيران- الثورة الإسلامية الخمينية التي سمت شارعاً في طهران باسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات!
لكن هل بقي شيء من زخم سوريا المنعزلة عربياً وإيران المعزولة عالمياً لكي تعارض أي مبادرة عربية جديدة للسلام والتطبيع مع إسرائيل بشروط أقل من أي مبادرات سابقة يطرحها ولي عهد سعودي آخر، خصوصاً إذا طرحها هذه المرة ولي العهد محمد بن سلمان الذي أعاد سوريا إلى الجامعة العربية وتصالح مع إيران بوساطة صينية، ضمن صفقة بدت وكأنها تحد للأميركيين دون ان يعترضوا عليها؟
ألم تعد الأجواء ميسرة الآن في القمة العربية بعد أيام في الرياض لتعلن السعودية مبادرة ولي العهد محمد بن سلمان للسلام مع إسرائيل، بينما رئيس النظام السوري بشار الأسد أحد الحاضرين المدعوين والممتنين للمضيف السعودي، مهما طبّع وفعل ولي العهد كما يشاء مع اسرائيل، فيما بعض العرب ما زالوا يعترضون على دعوته للقمة وعودة بلاده إلى الجامعة من دون تصويت، برغم أن إبعاد سوريا أقرّ بالتصويت، خصوصاً أن من شروط عودتها تقليل الوجود الإيراني؟
أبرز الدلائل على ثمن سكوت واشنطن على المصالحة السعودية- الإيرانية وبوساطة صينية، كانت العبارة الوحيدة والغريبة التي قالها الرئيس الأميركي جو بايدن يوم العاشر من آذار/ مارس الماضي حين سألته صحفية على رد فعله على هذه الخطوة السعودية المفاجئة مع عدو لأميركا وبوساطة خصم يهدد زعامتها العالمية، فاكتفى بايدن بالقول:
“كلما كانت العلاقات بين إسرائيل والدول العربية أفضل، كان ذلك أفضل للجميع”!
هل وعدت الرياض واشنطن التي قالت إنها لم تفاجأ وكان السعوديون يطلعونها على تطورات المباحثات، بالحصول على صفقة أهم بعد تهدئة المنطقة وإسكات المعارضين التقليديين للسلام مع اسرائيل (ايران، سوريا، وحزب الله) وهي التطبيع مع إسرائيل؟ اي الجائزة الكبرى التي انتظرها الإسرائيليون وتحدثوا عنها بعد الاتفاق الإبراهيمي في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع الإمارات والبحرين ثم المغرب والسودان، وهي جائزة السلام السعودي!
لنلق نظرة سريعة على تطور الموقف السعودي من السلام مع إسرائيل بعد اللاءات العربية الثلاثة في قمة الخرطوم 1967 وقطع الملك فيصل البترول عن الولايات المتحدة وحلفاء اسرائيل في 1973:
السعودية والسلام المصري الإسرائيلي
حين وقّع الرئيس أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل في آذار 1979، اتهمت السعودية وباقي دول الجامعة العربية مصر بخيانة القضية وقطعوا علاقاتهم معها ونقلوا مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس. الطائرات الإسرائيلية مرت فوق الأجواء السعودية بعد عامين وهي في طريقها ذهاباً وإياباً لقصف المفاعل الذري العراقي عام 1981. السعودية نفت أي علم لها بهذا الاختراق. كما ساعدت السعودية مصر على العودة إلى الجامعة العربية وعودة مقرها للقاهرة باستئناف العلاقات عام 1987 مكافأة للدور المصري غير المعلن في دعم العراق عسكرياً خلال حربه ضد إيران (1980-1988).
“كلما كانت العلاقات بين إسرائيل والدول العربية أفضل، كان ذلك أفضل للجميع”!
مبادرة ولي العهد فهد للسلام 1981
في آب/ أغسطس 1981 واستجابة لدعوة وزير الخارجية الأميركي الكسندر هيج، في بداية رئاسة رونالد ريغن، لقيام شرق أوسط جديد يقوم على التعاون بين دول المنطقة، أطلق الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد السعودي آنذاك مبادرته للسلام العربي الشامل مع إسرائيل بـ8 نقاط، تشمل عودة الأراضي المحتلة منذ حرب 1967 بما فيها القدس وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية. وهو ما اعتبرته مصر واسرائيل تقويضاً لمسار السلام وفق كامب ديفيد، بينما عارضته بشدة جبهة الرفض العربية التي وقفت ضد السادات منذ زيارة القدس، خصوصاً سوريا وليبيا والجزائر والعراق، التي رفضت الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وبالتالي، تراجعت السعودية عن مبادرتها بعد عرضها على قمتين عربيتين، حين غطى الاجتياح الإسرائيلي للبنان على أي حديث عربي عن السلام.
مبادرة ولي العهد عبدالله للسلام 2002
جاءت مبادرة الأمير عبدالله ولي العهد السعودي آنذاك عبر مقال للصحفي الأميركي توماس فريدمان تلخيصا لمقابلة بينهما في الرياض في فبراير شباط 2002 وقبل شهر من القمة العربية في بيروت، والتي تعرض على إسرائيل مقابل الانسحاب من أراضي 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، التطبيع الكامل للدول العربية. ومع تحفظ سوريا والعراق على التطبيع تم تعديل الصيغة، فيما أصبح بعد سنوات مبادرة الملك عبدالله المتمثلة بأن تكون مقابل السلام الشامل، دون استخدام تعبير التطبيع!
جاءت المبادرة بينما تواجه السعودية حملة إعلامية غربية تتهمها بمسؤولية عن 11 أيلول/ سبتمبر، ولم تهدأ الحملة حتى انشغل الأميركيون والعالم بغزو العراق وتداعياته الكارثية في المنطقة.
تطبيع كوشنر: المصالحة مقابل المصلحة
بمجيء دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وفشل الربيع العربي، تعامل الرئيس الأميركي الجديد وعلى رأس فريقه للشرق الأوسط صهره الأصولي اليهودي جارد كوشنر بمعايير وقواعد جديدة، تعتمد منطق المصلحة القطرية المباشرة لأي دولة عربية مقابل التطبيع مع إسرائيل من دون استخدام ورقة التوت الفلسطينية.
نفّذ ترامب قرار نقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس واستغرب أن أحداً لم يعترض، وذلك بعد عودته من السعودية حيث لقي حفاوة وعقد صفقات بعشرات مليارات الدولارات. وألغى الاتفاق النووي مع إيران، وتفاخر بأصدقائه من المستبدين العرب من دون تدخل في شؤونهم الداخلية مع مواطنيهم، وانجز الاتفاق الإبراهيمي بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل، مع سماح السعودية للطيران الإسرائيلي باستخدام أجوائها في رحلاته الخليجية. ثم حصل المغرب على اعتراف أميركي بسيادتها على إقليم الصحراء الغربية مقابل التطبيع مع اسرائيل، كما حصل السودان مقابل التطبيع على رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الأميركية عنه.
خرج ترامب وصهره من البيت الأبيض من دون أن تتحقق في فترته الأولى الجائزة الكبرى لإسرائيل في السلام مع السعودية! لكن كوشنر واصل علاقاته مع الرياض كمستثمر فردي في شراكة تجارية بأكثر من ملياري دولار.
إقرأوا أيضاً:
مبادرة بن سلمان للسلام
قبل يوم واحد من مفاجأة العالم في آذار الماضي بالاتفاق السعودي- الإيراني بوساطة صينية، خرجت صحيفة “نيويورك تايمز”، التي نشرت قبل عقدين مبادرة ولي العهد عبدالله ضمن مقال فريدمان، لتتحدث هذه المرة عن المفاوضات التي تجريها السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل مطلبين رئيسيين من واشنطن: السماح للسعودية بإنشاء مفاعل نووي سلمي وتطويره، وحصول السعودية على أحدث الأسلحة الأميركية شأن إسرائيل دون قيود كتلك المفروضة على تسليح مصر والإمارات، عملا بمبدأ إبقاء التفوق النوعي لتسليح إسرائيل على كل العرب!
لم تشر الصحيفة الى وجود ورقة التوت الفلسطينية التي انتهت ولو كشعارات بتوقيع الاتفاقات الابراهيمية، لكنها نقلت عن متحدثين سعوديين دون غيرهم نفيهم لاستعداد بلادهم إقامة سلام بدون إقامة الدولة الفلسطينية!
بالتالي، كان لافتاً للنظر رد فعل الرئيس الأميركي جو بايدن في اليوم التالي على خبر التقارب السعودي- الإيراني بأن المهم هو تحسن العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، من دون توضيح ما يقصده بذلك.
الاحتياجات السعودية والإسرائيلية للسلام
قبل ان يترك ترامب البيت الأبيض بأيام قررت وزارة الدفاع الأميركية انضمام إسرائيل إلى عضوية القيادة العسكرية الوسطى لتشارك بقية الدول العربية ومنها السعودية في التنسيق العسكري والمناورات المشتركة وتبادل معلومات أجهزة الرادار والدفاع الاقليمية بدلاً من إبقاء اسرائيل على مدى العقود السابقة ضمن القيادة الأميركية للمنطقة الأوروبية.
وحين تخلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وبالتالي التحكم في مضيق تيران، مخرج إسرائيل الى البحر الأحمر، لم تعلن اسرائيل موقفها بضرورة ان تكون الدولة المسيطرة على المضيق موقعة على معاهدة سلام مع اسرائيل، وظلت المفاوضات سرية ورباعية تشمل مصر والولايات المتحدة لتقديم ضمانات لإسرائيل حتى توافق على نقل السيادة من مصر للسعودية حتى يحين الوقت المناسب للعلاقات الكاملة! وسرّب الاسرائيليون قبيل ترك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحكم في المرة الماضية أنه التقى في منطقة نيوم بولي العهد السعودي، وهو ما نفته الرياض.
وظل التوقع هو أن الوقت سيحين للتطبيع بعد أن يصبح الأمير محمد بن سلمان الملك رسمياً وليس كحاكم فعلي ورئيس وزراء.
لكن مع انقسام المجتمع الإسرائيلي على نفسه والتظاهرات والإضرابات التي طاولت العسكريين ضد التغييرات الدستورية التي يحاول نتنياهو بحكومته اليمينية الدينية المتطرفة تنفيذها، عاد الحديث عن إمكانية طرح مبادرة سلام لا تتحدث عن القدس عاصمة لدولة فلسطينية، وتطرح مقايضة بعض أراضي الضفة الغربية المخصصة للاستيطان مقابل تعديل الحدود الإسرائيلية في صحراء النقب، لتكون بمثابة تأكيد على هوية الدولة اليهودية الإسرائيلية دون التزام بحدود 1967 الواردة في المبادرات السابقة.
وبغض النظر عما إذا كانت قمة الرياض هي التي ستشهد مبادرة السلام القادمةً أم لا فمن المؤكد ان المصالحة المطلوبة في هذه القمم ليست بين العرب وجيرانهم المسلمين بل تعني كلمة السلام في المنطقة قبول الجميع إسرائيل بشروطها ودون سواها!
إقرأوا أيضاً: