fbpx

السودان يحرّر نساءه من الختان… انعطافة قانونية من أجلهنّ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رغم أن السودان يعيش حالياً عهداً جديداً برز فيه دور المرأة، لا سيما مشهد الكنداكات اللواتي شاركن في التظاهرات المطالبة بإسقاط حكومة البشير، إلا أن هذه التعديلات ما زالت غير كافية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حين وقفت آلاء صالح وسط جموع المتظاهرين بوشاحها الأبيض تغني “حبوبتي كنداكة”، شخصت أنظار السودانيين ومعهم العالم إلى مشهد بالغ الحيوية تولت تظهيره نساء السودان. 

بعد عام وبضعة أشهر من خروج كنداكات السودان للتظاهر وطلب الحرية، بدأت بعض جهدهن تثمر. 

بالأمس، طوى السودان صفحة جديدة من قوانينه المجحفة بحقّ المرأة، بعد تعديله بنوداً كانت ظالمة على مدى سنوات. فقد جرّمت الحكومة السودانية ختان الإناث، مع تحديد عقوبات للمخالفين تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات وفرض غرامة مالية، إضافة إلى إقرار حق المرأة باصطحاب أطفالها في حال السفر خارج البلاد. وكانت الحكومة ألغت نهاية عام 2019 قانون “النظام العام والآداب العامة”، الذي يتيح جلد نساء أو سجنهن بسبب ارتدائهن ملابس “فاضحة” أو استهلاكهن الكحول مثلاً.

 أتت هذه التعديلات القانونية ضمن سلسلة تعديلات جديدة أعلنت عنها الحكومة الانتقالية في السودان في تراجع واضح عن سياسات انتهجها إسلاميون حكموا البلاد لنحو أربعة عقود، والتي تتضمن إلغاء تجريم الردة، والسماح لغير المسلمين بتناول المشروبات الكحولية. 

يطبّق السودان أحكام الشريعة الإسلامية منذ عام 1983، أي منذ حكم جعفر النميري. حتى أن عمر البشير عمل على نهجه منذ توليه الحكم في عام 1989، إلى أن تولت السلطة الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالبشير العام الماضي، وتعهّدها قيادة السودان إلى الديموقراطية وإنهاء التمييز. والأخير غالباً ما استهدف الأقلية المسيحية، التي تتركز في العاصمة الخرطوم ومنطقة جبال النوبة، والمرأة السودانية، إذ عانت 87 في المئة منهن من تشويه أعضائهن التناسلية أو الختان، وفقاً لإحصاءات للأمم المتحدة. 

“هذا أمر نحتاجه في السودان، لأن هناك من يعتقد أنه قادر على فرض أفكاره أو توجهاته الفكرية على الناس، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر في الدولة التي نعيش فيها”، قال وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري، مؤكداً أن هدف التعديلات هو “مواءمة القوانين مع الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية.
ولكن على رغم أن السودان يعيش حالياً عهداً جديداً برز فيه دور المرأة، لا سيما مشهد الكنداكات اللواتي شاركن في التظاهرات المطالبة بإسقاط حكومة البشير، إلا أن هذه التعديلات ما زالت غير كافية. إذ إن التعديل المتعلق بشرب الخمر مثلاً، يسمح لغير المسلم/ة بتناوله، بينما يحظر ذلك على المسلمين والمسلمات. هذا عدا عن عدم إلغاء عقوبة الجلد بالكامل، فهي تستثني جرائم الحدية والقصاص. 

 من الشارع إلى البرلمان

اقترف نظام البشير أبشع أنواع العنف والقمع تجاه المرأة على مدى 30 عاماً، إذ ضيّق الخناق عليها وحاصرها داخل منظومة مجتمعية صارمة، منعتها من ممارسة حياتها، لا سيما الحياة السياسية والحقوقية بشكل اعتيادي. 

فأتى دورها في التظاهرات التي أطاحت به لافتاً وغاضباً، وهناك تقديرات تشير إلى أن أكثر من 70 في المئة من المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع منذ كانون الأول/ ديسمبر من النساء.

وعليه، استطاعت المرأة السودانية تحصيل جزء من حقوقها، تحديداً في الحياة السياسية. إذ عُيّنت أربع نساء في الحكومة الانتقالية، وهنّ أسماء عبد الله، وزيرة للخارجية، وهو أرفع منصب ديبلوماسي في البلاد، ولاء البوشي وزيرة للشباب والرياضة، انتصار صغيرون وزيرة للتعليم العالي، لينا الشيخ وزيرة للتنمية الاجتماعية والعمل. 

وما التعديلات القانونية التي أتت لمصلحة المرأة أخيراً، سوى انعطافة في قضية تمكين المرأة في السودان، وانتصار لنضالها المتواصل لنيل مكانة اجتماعية وسياسية.

معتقدات بالية وقوانين رجعية

لا تزال مجتمعات عدة تمارس الختان بحق نساء، وهو “أي عملية تلحق أضراراً للأعضاء التناسلية الأنثوية لأسباب غير طبية”، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. إذ يُعتقد في بعض الثقافات بأن هذه الممارسة وسيلة لـ”تهيئة المرأة للزواج”، وزيادة المتعة الجنسية للذكور.

ويقول تقرير لليونيسيف، الذي شمل 29 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط، إن الختان لا يزال يُمارس على نطاق واسع في تلك الدول، على رغم أن 24 من هذه الدول لديها قوانين أو قرارات تحظر الختان.

لذلك، فإن الأرقام المنشورة حول الموضوع ما هي إلا تقدرات. تشير إحصاءات الأمم المتحدة مثلاً، إلى أن 200 مليون فتاة وسيدة على قيد الحياة خضعن لشكل من أشكال ختان الإناث.

وعلى رغم أن هذه الممارسة تنتشر في دول آسيوية وفي أميركا اللاتينية، إلا أنها تتركز بشكل رئيس في 30 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط. لا سيما مصر، التي تبلغ نسبة الختان فيها إلى 91 في المئة وفقاً لتقرير اليونيسيف. مع العلم أنها أصدت قانوناً عام 2008، تجرّم فيه الختان، كما أدانت طبيباً في محافظة الدقهلية بالسجن مع أشغال شاقة لمدة عامين بتهمة إجراء عمليات ختان. إلا أن هذه الظاهرة بقيت منتشرة سرّاً، وتحديداً في القرى والضواحي. 

كما ذكر التقرير أن دولة اليمن، بلغت نسبة ختان الإناث فيها 19 في المئة، يليها العراق، 8 في المئة. 

هذا عدا عن قوانين أخرى مجحفة، أغلبها نابع من معتقدات اجتماعية ودينية. منها مثلاً التدخل في حرية لباس المرأة ومحاسبتها عليه. إذ يُلزم المجتمع السعودي نساء بارتداء عباءة في الأماكن العامة في معظم المدن تماشياً مع التفسير المحافظ للشريعة الإسلامية، وعدا ذلك يعتبر “لبساً فاضحاً”.  

إذاً، الخطوة التي اتخذها السودان تعتبر ثورية في مجتمع يحتاج الى خلع عباءة التقاليد البالية، ولكن ذلك يأتي بينما ترزح مئات النساء العربيات تحت قمعٍ مجتمعيٍ وديني، وقضاءٍ رجعي يتفادى مواجهة السلطة الدينية والمجتمعية.  

"درج" | 06.12.2024

سوريا: سباق بين الغبطة واحتمالات الخيبة

جميعنا مأخوذون بالمشهد، نظام بشار الأسد يتداعى تحت أنظارنا، سؤال ما بعد السقوط، أو ما بعد انعقاد الخريطة على واقع مختلف، شرط سياسي لا بد منه، لكنه لا يستوي في بعده العاطفي مع السؤال السياسي. الكلام عن تأجيل السياسة إلى ما بعد انكشاف سير المعركة، يشبه طلب تأجيل نقد حماس إلى ما بعد نهاية الحرب…
16.07.2020
زمن القراءة: 4 minutes

رغم أن السودان يعيش حالياً عهداً جديداً برز فيه دور المرأة، لا سيما مشهد الكنداكات اللواتي شاركن في التظاهرات المطالبة بإسقاط حكومة البشير، إلا أن هذه التعديلات ما زالت غير كافية…

حين وقفت آلاء صالح وسط جموع المتظاهرين بوشاحها الأبيض تغني “حبوبتي كنداكة”، شخصت أنظار السودانيين ومعهم العالم إلى مشهد بالغ الحيوية تولت تظهيره نساء السودان. 

بعد عام وبضعة أشهر من خروج كنداكات السودان للتظاهر وطلب الحرية، بدأت بعض جهدهن تثمر. 

بالأمس، طوى السودان صفحة جديدة من قوانينه المجحفة بحقّ المرأة، بعد تعديله بنوداً كانت ظالمة على مدى سنوات. فقد جرّمت الحكومة السودانية ختان الإناث، مع تحديد عقوبات للمخالفين تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات وفرض غرامة مالية، إضافة إلى إقرار حق المرأة باصطحاب أطفالها في حال السفر خارج البلاد. وكانت الحكومة ألغت نهاية عام 2019 قانون “النظام العام والآداب العامة”، الذي يتيح جلد نساء أو سجنهن بسبب ارتدائهن ملابس “فاضحة” أو استهلاكهن الكحول مثلاً.

 أتت هذه التعديلات القانونية ضمن سلسلة تعديلات جديدة أعلنت عنها الحكومة الانتقالية في السودان في تراجع واضح عن سياسات انتهجها إسلاميون حكموا البلاد لنحو أربعة عقود، والتي تتضمن إلغاء تجريم الردة، والسماح لغير المسلمين بتناول المشروبات الكحولية. 

يطبّق السودان أحكام الشريعة الإسلامية منذ عام 1983، أي منذ حكم جعفر النميري. حتى أن عمر البشير عمل على نهجه منذ توليه الحكم في عام 1989، إلى أن تولت السلطة الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالبشير العام الماضي، وتعهّدها قيادة السودان إلى الديموقراطية وإنهاء التمييز. والأخير غالباً ما استهدف الأقلية المسيحية، التي تتركز في العاصمة الخرطوم ومنطقة جبال النوبة، والمرأة السودانية، إذ عانت 87 في المئة منهن من تشويه أعضائهن التناسلية أو الختان، وفقاً لإحصاءات للأمم المتحدة. 

“هذا أمر نحتاجه في السودان، لأن هناك من يعتقد أنه قادر على فرض أفكاره أو توجهاته الفكرية على الناس، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر في الدولة التي نعيش فيها”، قال وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري، مؤكداً أن هدف التعديلات هو “مواءمة القوانين مع الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية.
ولكن على رغم أن السودان يعيش حالياً عهداً جديداً برز فيه دور المرأة، لا سيما مشهد الكنداكات اللواتي شاركن في التظاهرات المطالبة بإسقاط حكومة البشير، إلا أن هذه التعديلات ما زالت غير كافية. إذ إن التعديل المتعلق بشرب الخمر مثلاً، يسمح لغير المسلم/ة بتناوله، بينما يحظر ذلك على المسلمين والمسلمات. هذا عدا عن عدم إلغاء عقوبة الجلد بالكامل، فهي تستثني جرائم الحدية والقصاص. 

 من الشارع إلى البرلمان

اقترف نظام البشير أبشع أنواع العنف والقمع تجاه المرأة على مدى 30 عاماً، إذ ضيّق الخناق عليها وحاصرها داخل منظومة مجتمعية صارمة، منعتها من ممارسة حياتها، لا سيما الحياة السياسية والحقوقية بشكل اعتيادي. 

فأتى دورها في التظاهرات التي أطاحت به لافتاً وغاضباً، وهناك تقديرات تشير إلى أن أكثر من 70 في المئة من المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع منذ كانون الأول/ ديسمبر من النساء.

وعليه، استطاعت المرأة السودانية تحصيل جزء من حقوقها، تحديداً في الحياة السياسية. إذ عُيّنت أربع نساء في الحكومة الانتقالية، وهنّ أسماء عبد الله، وزيرة للخارجية، وهو أرفع منصب ديبلوماسي في البلاد، ولاء البوشي وزيرة للشباب والرياضة، انتصار صغيرون وزيرة للتعليم العالي، لينا الشيخ وزيرة للتنمية الاجتماعية والعمل. 

وما التعديلات القانونية التي أتت لمصلحة المرأة أخيراً، سوى انعطافة في قضية تمكين المرأة في السودان، وانتصار لنضالها المتواصل لنيل مكانة اجتماعية وسياسية.

معتقدات بالية وقوانين رجعية

لا تزال مجتمعات عدة تمارس الختان بحق نساء، وهو “أي عملية تلحق أضراراً للأعضاء التناسلية الأنثوية لأسباب غير طبية”، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. إذ يُعتقد في بعض الثقافات بأن هذه الممارسة وسيلة لـ”تهيئة المرأة للزواج”، وزيادة المتعة الجنسية للذكور.

ويقول تقرير لليونيسيف، الذي شمل 29 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط، إن الختان لا يزال يُمارس على نطاق واسع في تلك الدول، على رغم أن 24 من هذه الدول لديها قوانين أو قرارات تحظر الختان.

لذلك، فإن الأرقام المنشورة حول الموضوع ما هي إلا تقدرات. تشير إحصاءات الأمم المتحدة مثلاً، إلى أن 200 مليون فتاة وسيدة على قيد الحياة خضعن لشكل من أشكال ختان الإناث.

وعلى رغم أن هذه الممارسة تنتشر في دول آسيوية وفي أميركا اللاتينية، إلا أنها تتركز بشكل رئيس في 30 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط. لا سيما مصر، التي تبلغ نسبة الختان فيها إلى 91 في المئة وفقاً لتقرير اليونيسيف. مع العلم أنها أصدت قانوناً عام 2008، تجرّم فيه الختان، كما أدانت طبيباً في محافظة الدقهلية بالسجن مع أشغال شاقة لمدة عامين بتهمة إجراء عمليات ختان. إلا أن هذه الظاهرة بقيت منتشرة سرّاً، وتحديداً في القرى والضواحي. 

كما ذكر التقرير أن دولة اليمن، بلغت نسبة ختان الإناث فيها 19 في المئة، يليها العراق، 8 في المئة. 

هذا عدا عن قوانين أخرى مجحفة، أغلبها نابع من معتقدات اجتماعية ودينية. منها مثلاً التدخل في حرية لباس المرأة ومحاسبتها عليه. إذ يُلزم المجتمع السعودي نساء بارتداء عباءة في الأماكن العامة في معظم المدن تماشياً مع التفسير المحافظ للشريعة الإسلامية، وعدا ذلك يعتبر “لبساً فاضحاً”.  

إذاً، الخطوة التي اتخذها السودان تعتبر ثورية في مجتمع يحتاج الى خلع عباءة التقاليد البالية، ولكن ذلك يأتي بينما ترزح مئات النساء العربيات تحت قمعٍ مجتمعيٍ وديني، وقضاءٍ رجعي يتفادى مواجهة السلطة الدينية والمجتمعية.