fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

السويد إذ تسير عكس التيار في مقاربة “كوفيد-19″… هل نجحت؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كما فعلت خلال أزمة الهجرة عام 2015، انتهجت البلاد الاسكندنافية موقفاً متمايزاً عن جيرانها الأوروبيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تنفجر أزمة عالمية وتتركز في أوروبا خصوصاً. تعمل معظم البلدان تقريباً بانسجام تام باستثناء السويد. يثير النهج الفردي للدولة الاسكندنافية عناوين الصحف العالمية متسائلة عن سبب بروزها في الزحمة.

يمكن أن يكون هذا وصفاً للاستجابة السويدية سيئة السمعة لفايروس “كورونا”، وكيف تجنبت الإغلاق الكلي بشكل رسمي الذي فرضته الدول الأوروبية الأخرى. لكنه أيضاً سرد مشابه لما حدث خلال أزمة الهجرة عام 2015 عندما قبلت السويد طلبات لجوء أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى حجم سكانها.

يقول نيكولاس آيلوت، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة سودرتورن: “من المدهش أن السويد اتخذت مساراً مختلفًاً تماماً عن الآخرين في أزمتين دوليتين في السنوات الخمس الماضية. إنها حالة حقيقية تمثل استثنائية السويد”.

إن كون هذه الدولة الإسكندنافية الغنية البالغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة قد برزت خلال الأزمتين العالميتين الكبيرتين الماضيتين أمر مذهل. لكن هل هناك شيء يربط ردود أفعالها على أزمة اللاجئين وفايروس “كوفيد-“، ما يجعلها رجل أوروبا الغريب؟

طرح الخبراء مجموعة من الأسباب ولكن جوهرها هو الشعور بأن السويد، على رغم حجمها، “قوة أخلاقية عظمى” تسعى إلى التصرف بعقلانية، في حين أنها تدرك أن سلوك الدول الأخرى يعتمد على حسابات أو عواطف سياسية. هذا الوضع متجذر بعمق في حيادية السويد منذ فترة طويلة – فهي لم تخض حرباً لأكثر من قرنين من الزمن – لكن علماء السياسة يقولون إنه يمكن أن يؤدي إلى بطء رد فعلها.

“عشنا في سلام لسنوات. لم تشهد السويد أزمات كبيرة عبر التاريخ، لذلك كنا في عالمنا الرومانسي الصغير حيث كل شيء على ما يرام”، كما تقول جيني ماديستام، أستاذة العلوم السياسية في جامعة سودرتورن. “نحن ساذجون إلى حد ما في اعتقادنا أن الأزمات الكبيرة لن تضربنا لنا – يقول الناس إن السويد بلد خيّر وسيخرج معافى من مثل هذه الأزمات”.

يقول عالم الأوبئة الحكومي أندرس تيغنيل إنه ملتزم بالأدلة العلمية. ©هنريك مونتغومري/ وكالة الأنباء السويدية/ وكالة الصحافة الفرنسية 

يقول بيتر وولودارسكي، محرر صحيفة “داغنز نيهيتر” الليبرالية، إنه في الحالتين لم يكن موقف السويد مبنياً على خطة شاملة، بل ارتجلت شرحاً لسياستها. في حالة “كوفيد-19″، تجنبت القيود الرسمية واعتمدت على المسؤولية الفردية لتحقيق تغييرات سلوكية. من الافتقار لإغلاق رسمي إلى استخدام محدود للغاية لأقنعة الوجه، أصرّ المسؤول الرسمي عن الاستجابة للفايروس في السويد – عالم الأوبئة أندرس تيغنيل – على أنه يتبع الدليل العلمي، فيما تتخذ دول أخرى قراراتها لأسباب سياسية.

“إنها تناسب صورتنا في هذه الأمة عن كونها مختلفة و”متفوقة”، يقول وولودارسكي، المشكك في نهج تيغنيل. “نقول لأنفسنا أن لدينا أفكاراً في السويد أفضل من الآخرين. نحن أمة علمانية للغاية يُنظر فيها إلى العقلانية كقيمة عليا. وإذا أردنا أن نجادل في أمر ما، نقول إن العقلانية في صالحنا، على رغم أنه ليس صحيحاً أن العلم في صفنا بوضوح”.

مؤشر صرامة الاستجابة الحكومية لمرض كوفيد-19 في أكسفورد عام 2020

بواعث قلق مبالغ فيها

هناك انبهار عالمي شبه لا متناهٍ بمنهج تعامل السويد مع الوباء. وفيما فرضت دولة تلو أخرى نوعاً من قيود الحجر على سكانها نادراً ما نراه خارج زمن الحرب، صارت السويد رمزاً للجدل القائم حول كيفية تحقيق عدوى القطيع. وغرد مؤسس شركة “تسلا” إيلون مسك: “كانت السويد على حق”، ما يعكس دعماً قوياً من بعض التحرريين الأميركيين لنهجها.

“من المدهش أن السويد اتخذت مساراً مختلفًاً تماماً عن الآخرين في أزمتين دوليتين في السنوات الخمس الماضية. إنها حالة حقيقية تمثل استثنائية السويد”.

لم يكن هدف السويد أبداً قمعَ الفايروس بشكل كامل ولكن ضمان أن نظام الرعاية الصحية فيها يمكنه أن يتكيف مع الأزمة من دون إهمال صحة السكان بمفهومها الأوسع. ربما لم يُفرض الحجر بطريقة قانونية، لكن مزيجاً من ثقافة التوافق إلى جانب ثقة قوية بالسلطات مؤداه أن معظم الناس اختاروا العمل من المنزل وتجنب الاتصال الاجتماعي القريب.

بدت دول أخرى تحاول أن تحاكي السويد، لا سيما المملكة المتحدة في بداية انتشار الوباء، لكنها رضخت لضغوط مكثفة من العامة وسط ارتفاع عدد الضحايا. في السويد، توفي 5900 شخص بسبب فايروس “كورونا”، ما يجعل معدل الوفيات للفرد أعلى بنحو 10 أضعاف من فنلندا والنرويج المجاورتين.

مخزون من أقنعة الوجه في وحدة للعناية المركزة. عندما ضرب “كورونا”، كان على السويد أن تزاحم للحصول على معدات واقية. ©يوناثان ناكستراند/ وكالة الأنباء الفرنسية عبر غيتي

وكُتم نسبياً النقد المحلي تجاه مقاربتها الجائحة، إذ حظيت وكالة الصحة العامة السويدية وتيغنيل بدعم قوي. على رغم تراجع ذلك الدعم بشكل طفيف في الأشهر الأخيرة، إلا أن معظم الانتقادات لا تزال تأتي من خارج البلاد.

ويقول يوناس لودفيغسون، أستاذ علم الأوبئة السريرية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم، إن السويد “تتمتع بثقة عالية بالنفس حين يتعلق الأمر بكيفية تنظيم المجتمع بما يخدم مصلحة كل فرد على أحسن وجه، إذ يؤمن السياسيون والمواطنون بعمق بالسلطات الحكومية. كانت هناك تقريباً ثقة على غرار [ما تمتعت به المستشارة الألمانية أنجيلا] ​​ميركل مفادها (نعم، يمكننا القيام بذلك)”.

في عامي 2014 و2015، برزت السويد مرة أخرى. فمع وصول أعداد كبيرة من طالبي اللجوء إلى أوروبا، حاولت معظم الدول أن تغلق حدودها. واستضافت بعض البلدان، كألمانيا، أعداداً كبيرة، لكن السويد استقبلت النصيب الأكبر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي موزعاً على حصة الفرد. وحثّ رئيس حكومة اليمين- الوسط آنذاك، السويدي فريدريك رينفلت، السويديين على “فتح قلوبهم” للاجئين قُبيل الانتخابات الوطنية عام 2014. واستُبدلت إدارته بحكومة اليسار- الوسط، التي احتفظت بالسياسة ذاتها طوال عام 2015، على رغم اتخاذ بلدان أخرى إجراءات صارمة.

عدد القرارات الإيجابية بمنح اللجوء لطالبيه للمرة الأولى موزعاً على كل 100 ألف مقيم

ووسط ضغوط داخلية شديدة من “حزب ديموقراطيي السويد” المعادي للمهاجرين، إلى جانب مراقبة دولية دقيقة، استسلمت السويد في نهاية المطاف، فارضة قيودها الخاصة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، إذ أقرّ رئيس الوزراء ستيفان لوفين بأن “الوضع غير مقبول”. وانخفض عدد طلبات اللجوء إلى 22000 عام 2019 بالمقارنة مع الذروة، إذ بلغ عدد طالبي اللجوء حينها 163000 عام 2015.

لاجئون في فانيشبوري. انخفض عدد طلبات اللجوء إلى 22000 عام 2019 بالمقارنة مع الذروة حين بلغ عدد طالبي اللجوء 163000 عام 2015. ©ديفيد راسموس/غيتي

وصرح تينيل لصحيفة “فاينانشيال تايمز” في آب/ أغسطس أن المخاوف بشأن الأزمتين قد تكون مبالغة. “لم تكن الهجرة أزمة في الواقع. لقد استوعبنا أولئك الأشخاص، وبالطبع لسنا أفضل دولة في العالم في ملف دمجهم في مجتمعنا، وبالطبع ما زالوا يمثلون مشكلة. لكنها ليست مشكلة كبيرة. استمر الاقتصاد بالعمل بحيوية. ولم يتغير وضع الإسكان كثيراً.”

ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن أزمة “كورونا” ستكون مشابهة، أجاب: “أنا واضح تماماً بشأن ذلك. سيستمر دوري لمدة 5 أو 6 أشهر أخرى وسيتلاشى بعد ذلك، أنا متأكد”.

“القوة الأخلاقية العظمى”

بالنسبة إلى آخرين، هناك تفسيرات أعمق. يجادل وولودارسكي بأن جزءاً من الإجابة يعود إلى ما وصفه بموقف السويد “المريب” في الحرب العالمية الثانية. ويُحاجج بأن السويد تمسكت بوضعها المحايد في الحرب، على رغم أنها ساعدت في بعض الأحيان ألمانيا النازية وكذلك الحلفاء، “لأسباب براغماتية، لا بسبب أيديولوجيا”. ومع ذلك، حين شُكِّكَ في مساعدة ألمانيا من قبل المؤرخين وبعض السويديين، “أُضفيت على الحياد صبغة أخلاقية” يقول وولودارسكي.

ويضيف: “كان علينا توضيح سبب اختيار السويد هذا المسار: لقد كنا مختلفين عن بلدان أخرى. عندما تفكر في أزمة اللاجئين وفايروس كورونا، فإن اللحظات التي برزت فيها السويد ليست جديدة بالنسبة إلينا. الناس فخورون بذلك”.

ويعود بروز السويد إلى قيمها. وتقيس رابطة مسح القيم العالمية بما إذا كانت الدول تحبذ القيم التقليدية من دين وأسرة على العلمانية- العقلانية منها؛ وما إذا كانت تميل إلى قيم البقاء التي تشدد على الأمن الاقتصادي والمادي أو إلى أنماط التعبير عن الذات التي تسلط الضوء على قضايا مثل حماية البيئة والتسامح مع الأجانب والمثليين جنسياً. وتسجل السويد أعلى درجة في قيم التعبير عن الذات وتقارب الدرجة الأعلى في القيم العلمانية-العقلانية. يقول لودفيغسون: “إننا في الواقع متطرفون بطرائق كثيرة”.

ويرى البعض مزيجاً من التاريخ والقيم في الأزمتين الأخيرتين. يقول يوهان سترانج، الأستاذ المساعد في دراسات دول الشمال في جامعة هلسنكي في فنلندا، إن عقدة ذنب السويد حيال الحرب العالمية الثانية “تُرجِم إلى فكرة أن تصبح قوة أخلاقية عظمى”. وهذا بدوره يعني أن السياسة السويدية غالباً ما تدور حول مناقشات أيديولوجية بدلاً من أمور عملية في جيران مثل فنلندا.

ويضيف: “لدى السويديين تلك المُثل وذاك الإحساس بأنهم سابقون للزمن، وفي طليعة التنمية البشرية. يحتاجون إلى حل كل قضية من أجل البشرية جمعاء”.

يمي أوكيسون، زعيم “حزب ديموقراطيي السويد” المناهض للهجرة، عام 2018 ©يوناثان ناكستراند/ وكالة الصحافة الفرنسية عبر “غيتي”

وتقول ماديستام إن مفارقة تكمن في جوهر القيم السويدية: “فمن ناحية، لدينا دولة قوية جداً ودائماً ما ترعى الفرد، ولكن في الوقت نفسه، لدى هذه الدولة القوية جداً فكرة أنه يجب أن نكون مستقلين ونتحمل مسؤولية فردية عن حياتنا”.

بالنسبة إلى فايروس “كورونا”، لم يترجم ذلك إلى حجر وطني بل بالضغط على كل فرد لتحمل المسؤولية والتباعد الجسماني. وتضيف: “الخيار متروك لك. إنها حريتك في اختيار الطريقة التي تتصرف بها”.

عامل آخر، كما يقول النقاد، هو أن ستوكهولم غالباً ما تبدو بطيئة في الاستجابة للأزمات. كانت السويد الأكثر تضرراً من بين الدول الأوروبية من جراء التسونامي الآسيوي عام 2004 الذي قتل ما يقرب من 550 سويدياً، معظمهم في تايلاند. لكن الحكومة تعرضت لانتقادات شديدة في تقرير مستقل ومن قبل عائلات الضحايا نظراً إلى بطء استجابتها.

وبالمثل، في كل من عامي 2015 و 2020 ومع اندفاع دول أخرى لفرض القيود، بدا أن السويد استغرقت وقتاً أطول في الاستجابة.

يقول لودفيغسون إن البطء هو ببساطة “الثمن الذي تدفعه مقابل عدم المبالغة في رد الفعل”. ويضيف: “في أحيان كثيرة، يكون هذا شيئاً جيداً. لا تمكنك المبالغة في رد الفعل على كل شيء. ولكنه يعني أيضاً أنك بطيء بعض الشيء في الاستجابة حين تتوجب عليك”.

ويجادل آخرون بأن تاريخ السويد كواحدة من أكثر دول العالم سلاماً، فقد اشتركت آخر مرة بشكل فعلي في حرب عام 1814، ما يعني أنها غالباً فقيرة في الاستعداد للأزمات.

في عامي 2014 و2015، استقبلت السويد النصيب الأكبر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي موزعاً على حصة الفرد. ولكن بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، قال رئيس الوزراء ستيفان لوفين بأن “الوضع غير مقبول”. ©بونتوس لوندال/وكالة الأنباء السويدية/وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي

عندما بدأت جائحة فيروس كورونا، كانت فنلندا قادرة على الاستفادة من إمدادات الطوارئ من المعدات الطبية ولجأت لقوانين معدّة لمواجهة وباء محتمل، بينما وجب على السويد أن تتزاحم مع دول أخرى للحصول على أقنعة وأن تعطي حكومتها السلطة التي تحتاجها. وحين سؤاله عما إذا كان انقضاء زمن طويل من غير الحرب قد أثّر في شخصية السويد بشكل ما، أجاب تيغنيل: “على الأقل بالنسبة إلى الموقف من أهمية التأهب الدائم. هناك شيء ما قد تأثر”.

وقلل عالم الأوبئة الحكومي من احتمال تعرض السويد لضربة قاصمة من مرض “كوفيد-19″، مدعياً في أوائل آذار/ مارس أن تفشي المرض قد بلغ ذروته بالفعل. وبينما سارعت دول أخرى مثل النرويج والدنمارك لحماية دور رعاية المسنين، فرضت السويد فقط حظراً على الزيارات في نيسان (أبريل) عندما اجتاح الفيروس بالفعل إلى العديد من المؤسسات. عام 2015، وحين حذرت البلديات السويدية المنهكة من أن الخدمات الحيوية معرضة للخطر، وبعد مدة طويلة من استجابة بلدان أخرى، فرضت الحكومة السويدية قيوداً على الهجرة.

عانت السويد من ألم اقتصادي أقل من غيرها من دول الاتحاد الأوروبي ولكن على حساب كلفة بشرية عالية

عقول مستقلة

إن السلطة الكبرى، بموجب الدستور السويدي، الممنوحة للوكالات المستقلة، والتي تعمل على مسافة قريبة من الحكومة، تساعد أيضاً على تفسير القرارات المتخذة في عامي 2015 و2020. فإذا كان لوكالة الهجرة من نفوذ عام 2015، فإن نظيرتها في مجال الصحة العامة كانت كذلك أكثر مركزية في مقاربة السويد لفايروس “كورونا”. تقول ماديستام: “نتيجة ذلك أن الوكالات قوية جداً وتقرر بنفسها كيفية التعامل مع الأزمات”. وهذا يعني أن صانعي القرار معزولون أكثر عن الضغط العام أو السياسي مقارنة بدول أخرى حيث يصدر السياسيون القرارات.

لكن ذلك أدى إلى انتقادات شديدة للحكومة من جانب نواب المعارضة، الذين يطالبون بمزيد من القيادة السياسية في الأزمة. وقال ماتياس كارلسون، الزعيم البرلماني لـ”حزب ديموقراطيي السويد”، لصحيفة “فاينانشيال تايمز” في آب/ أغسطس إن تيغنيل كان “خبيراً في الفايروسات لكنه ليس سياسياً”، مضيفاً: “أرادت الحكومة أن تختبئ خلفه حتى لا يتمكن أحد من إلقاء اللوم عليها”.

ويقول آيلوت “إن المساحة التي يمنحها الدستور السويدي لوكالات الخدمة الحكومية المستقلة خلقت مشكلات حول المساءلة الديموقراطية”.

يمكن أن ينجح هذا النهج لأن لدى السويديين ثقة أعلى بالسلطات بالمقارنة مع مواطني معظم الدول الأوروبية. لكن حتى تلك الثقة في خطر. يقول لودفيغسون: “أخشى بالتأكيد أن تصبح السويد مجتمعاً أكثر استقطاباً وأقل ثقة مما كانت عليه قبل 20 أو 30 عاماً. في الحقيقة، إنه أمر يقلقني جداً جداً”.

الرابط الآخر بين عامي 2015 و2020 هو حكومة لوفين. فقد كان رئيس الوزراء نقابياً قبل أن يصبح رئيس “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” عام 2012. “لا تهمه السياسات، لا يبدو أنه يريد أن يصبح قيادياً… ما يعني أن صنع السياسة السويدية لا يتوافق مع الرأي العام السويدي والأوروبي في بعض الأحيان”، يقول آيلوت.

يجادل وولودارسكي بأن السويد يمكنها في النهاية تغيير مسارها بشأن “كورونا”، لكن من غير المرجح أن تعترف بأنها ارتكبت خطأ ما، كما حدث عام 2015 مع أزمة الهجرة. ومع ارتفاع الإصابات مرة أخرى، تدرس وكالة الصحة العامة السويدية إمكان اتخاذ تدابير محلية مثل إصدار تحذيرات تحث على تجنب النقل العام ومراكز التسوق، وكذلك الاتصال الاجتماعي مع أفراد الأسر الأخرى، ما يجعل نهجها أقرب إلى البلدان الأخرى ولكنه سيبقى بعيداً من القيود القانونية.

“إنه أمر معتاد بالنسبة إلى السويديين”، يقول وولودارسكي. “نتظاهر بأننا عقلانيون دائماً، لكننا ننقلب. السويد بارعة في تغيير الأشياء. نحن مرنون جداً وبراغماتيون للغاية”.

  • ترجمة وتحرير محمد فارس
01.11.2020
زمن القراءة: 10 minutes

كما فعلت خلال أزمة الهجرة عام 2015، انتهجت البلاد الاسكندنافية موقفاً متمايزاً عن جيرانها الأوروبيين.

تنفجر أزمة عالمية وتتركز في أوروبا خصوصاً. تعمل معظم البلدان تقريباً بانسجام تام باستثناء السويد. يثير النهج الفردي للدولة الاسكندنافية عناوين الصحف العالمية متسائلة عن سبب بروزها في الزحمة.

يمكن أن يكون هذا وصفاً للاستجابة السويدية سيئة السمعة لفايروس “كورونا”، وكيف تجنبت الإغلاق الكلي بشكل رسمي الذي فرضته الدول الأوروبية الأخرى. لكنه أيضاً سرد مشابه لما حدث خلال أزمة الهجرة عام 2015 عندما قبلت السويد طلبات لجوء أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى حجم سكانها.

يقول نيكولاس آيلوت، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة سودرتورن: “من المدهش أن السويد اتخذت مساراً مختلفًاً تماماً عن الآخرين في أزمتين دوليتين في السنوات الخمس الماضية. إنها حالة حقيقية تمثل استثنائية السويد”.

إن كون هذه الدولة الإسكندنافية الغنية البالغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة قد برزت خلال الأزمتين العالميتين الكبيرتين الماضيتين أمر مذهل. لكن هل هناك شيء يربط ردود أفعالها على أزمة اللاجئين وفايروس “كوفيد-“، ما يجعلها رجل أوروبا الغريب؟

طرح الخبراء مجموعة من الأسباب ولكن جوهرها هو الشعور بأن السويد، على رغم حجمها، “قوة أخلاقية عظمى” تسعى إلى التصرف بعقلانية، في حين أنها تدرك أن سلوك الدول الأخرى يعتمد على حسابات أو عواطف سياسية. هذا الوضع متجذر بعمق في حيادية السويد منذ فترة طويلة – فهي لم تخض حرباً لأكثر من قرنين من الزمن – لكن علماء السياسة يقولون إنه يمكن أن يؤدي إلى بطء رد فعلها.

“عشنا في سلام لسنوات. لم تشهد السويد أزمات كبيرة عبر التاريخ، لذلك كنا في عالمنا الرومانسي الصغير حيث كل شيء على ما يرام”، كما تقول جيني ماديستام، أستاذة العلوم السياسية في جامعة سودرتورن. “نحن ساذجون إلى حد ما في اعتقادنا أن الأزمات الكبيرة لن تضربنا لنا – يقول الناس إن السويد بلد خيّر وسيخرج معافى من مثل هذه الأزمات”.

يقول عالم الأوبئة الحكومي أندرس تيغنيل إنه ملتزم بالأدلة العلمية. ©هنريك مونتغومري/ وكالة الأنباء السويدية/ وكالة الصحافة الفرنسية 

يقول بيتر وولودارسكي، محرر صحيفة “داغنز نيهيتر” الليبرالية، إنه في الحالتين لم يكن موقف السويد مبنياً على خطة شاملة، بل ارتجلت شرحاً لسياستها. في حالة “كوفيد-19″، تجنبت القيود الرسمية واعتمدت على المسؤولية الفردية لتحقيق تغييرات سلوكية. من الافتقار لإغلاق رسمي إلى استخدام محدود للغاية لأقنعة الوجه، أصرّ المسؤول الرسمي عن الاستجابة للفايروس في السويد – عالم الأوبئة أندرس تيغنيل – على أنه يتبع الدليل العلمي، فيما تتخذ دول أخرى قراراتها لأسباب سياسية.

“إنها تناسب صورتنا في هذه الأمة عن كونها مختلفة و”متفوقة”، يقول وولودارسكي، المشكك في نهج تيغنيل. “نقول لأنفسنا أن لدينا أفكاراً في السويد أفضل من الآخرين. نحن أمة علمانية للغاية يُنظر فيها إلى العقلانية كقيمة عليا. وإذا أردنا أن نجادل في أمر ما، نقول إن العقلانية في صالحنا، على رغم أنه ليس صحيحاً أن العلم في صفنا بوضوح”.

مؤشر صرامة الاستجابة الحكومية لمرض كوفيد-19 في أكسفورد عام 2020

بواعث قلق مبالغ فيها

هناك انبهار عالمي شبه لا متناهٍ بمنهج تعامل السويد مع الوباء. وفيما فرضت دولة تلو أخرى نوعاً من قيود الحجر على سكانها نادراً ما نراه خارج زمن الحرب، صارت السويد رمزاً للجدل القائم حول كيفية تحقيق عدوى القطيع. وغرد مؤسس شركة “تسلا” إيلون مسك: “كانت السويد على حق”، ما يعكس دعماً قوياً من بعض التحرريين الأميركيين لنهجها.

“من المدهش أن السويد اتخذت مساراً مختلفًاً تماماً عن الآخرين في أزمتين دوليتين في السنوات الخمس الماضية. إنها حالة حقيقية تمثل استثنائية السويد”.

لم يكن هدف السويد أبداً قمعَ الفايروس بشكل كامل ولكن ضمان أن نظام الرعاية الصحية فيها يمكنه أن يتكيف مع الأزمة من دون إهمال صحة السكان بمفهومها الأوسع. ربما لم يُفرض الحجر بطريقة قانونية، لكن مزيجاً من ثقافة التوافق إلى جانب ثقة قوية بالسلطات مؤداه أن معظم الناس اختاروا العمل من المنزل وتجنب الاتصال الاجتماعي القريب.

بدت دول أخرى تحاول أن تحاكي السويد، لا سيما المملكة المتحدة في بداية انتشار الوباء، لكنها رضخت لضغوط مكثفة من العامة وسط ارتفاع عدد الضحايا. في السويد، توفي 5900 شخص بسبب فايروس “كورونا”، ما يجعل معدل الوفيات للفرد أعلى بنحو 10 أضعاف من فنلندا والنرويج المجاورتين.

مخزون من أقنعة الوجه في وحدة للعناية المركزة. عندما ضرب “كورونا”، كان على السويد أن تزاحم للحصول على معدات واقية. ©يوناثان ناكستراند/ وكالة الأنباء الفرنسية عبر غيتي

وكُتم نسبياً النقد المحلي تجاه مقاربتها الجائحة، إذ حظيت وكالة الصحة العامة السويدية وتيغنيل بدعم قوي. على رغم تراجع ذلك الدعم بشكل طفيف في الأشهر الأخيرة، إلا أن معظم الانتقادات لا تزال تأتي من خارج البلاد.

ويقول يوناس لودفيغسون، أستاذ علم الأوبئة السريرية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم، إن السويد “تتمتع بثقة عالية بالنفس حين يتعلق الأمر بكيفية تنظيم المجتمع بما يخدم مصلحة كل فرد على أحسن وجه، إذ يؤمن السياسيون والمواطنون بعمق بالسلطات الحكومية. كانت هناك تقريباً ثقة على غرار [ما تمتعت به المستشارة الألمانية أنجيلا] ​​ميركل مفادها (نعم، يمكننا القيام بذلك)”.

في عامي 2014 و2015، برزت السويد مرة أخرى. فمع وصول أعداد كبيرة من طالبي اللجوء إلى أوروبا، حاولت معظم الدول أن تغلق حدودها. واستضافت بعض البلدان، كألمانيا، أعداداً كبيرة، لكن السويد استقبلت النصيب الأكبر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي موزعاً على حصة الفرد. وحثّ رئيس حكومة اليمين- الوسط آنذاك، السويدي فريدريك رينفلت، السويديين على “فتح قلوبهم” للاجئين قُبيل الانتخابات الوطنية عام 2014. واستُبدلت إدارته بحكومة اليسار- الوسط، التي احتفظت بالسياسة ذاتها طوال عام 2015، على رغم اتخاذ بلدان أخرى إجراءات صارمة.

عدد القرارات الإيجابية بمنح اللجوء لطالبيه للمرة الأولى موزعاً على كل 100 ألف مقيم

ووسط ضغوط داخلية شديدة من “حزب ديموقراطيي السويد” المعادي للمهاجرين، إلى جانب مراقبة دولية دقيقة، استسلمت السويد في نهاية المطاف، فارضة قيودها الخاصة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، إذ أقرّ رئيس الوزراء ستيفان لوفين بأن “الوضع غير مقبول”. وانخفض عدد طلبات اللجوء إلى 22000 عام 2019 بالمقارنة مع الذروة، إذ بلغ عدد طالبي اللجوء حينها 163000 عام 2015.

لاجئون في فانيشبوري. انخفض عدد طلبات اللجوء إلى 22000 عام 2019 بالمقارنة مع الذروة حين بلغ عدد طالبي اللجوء 163000 عام 2015. ©ديفيد راسموس/غيتي

وصرح تينيل لصحيفة “فاينانشيال تايمز” في آب/ أغسطس أن المخاوف بشأن الأزمتين قد تكون مبالغة. “لم تكن الهجرة أزمة في الواقع. لقد استوعبنا أولئك الأشخاص، وبالطبع لسنا أفضل دولة في العالم في ملف دمجهم في مجتمعنا، وبالطبع ما زالوا يمثلون مشكلة. لكنها ليست مشكلة كبيرة. استمر الاقتصاد بالعمل بحيوية. ولم يتغير وضع الإسكان كثيراً.”

ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن أزمة “كورونا” ستكون مشابهة، أجاب: “أنا واضح تماماً بشأن ذلك. سيستمر دوري لمدة 5 أو 6 أشهر أخرى وسيتلاشى بعد ذلك، أنا متأكد”.

“القوة الأخلاقية العظمى”

بالنسبة إلى آخرين، هناك تفسيرات أعمق. يجادل وولودارسكي بأن جزءاً من الإجابة يعود إلى ما وصفه بموقف السويد “المريب” في الحرب العالمية الثانية. ويُحاجج بأن السويد تمسكت بوضعها المحايد في الحرب، على رغم أنها ساعدت في بعض الأحيان ألمانيا النازية وكذلك الحلفاء، “لأسباب براغماتية، لا بسبب أيديولوجيا”. ومع ذلك، حين شُكِّكَ في مساعدة ألمانيا من قبل المؤرخين وبعض السويديين، “أُضفيت على الحياد صبغة أخلاقية” يقول وولودارسكي.

ويضيف: “كان علينا توضيح سبب اختيار السويد هذا المسار: لقد كنا مختلفين عن بلدان أخرى. عندما تفكر في أزمة اللاجئين وفايروس كورونا، فإن اللحظات التي برزت فيها السويد ليست جديدة بالنسبة إلينا. الناس فخورون بذلك”.

ويعود بروز السويد إلى قيمها. وتقيس رابطة مسح القيم العالمية بما إذا كانت الدول تحبذ القيم التقليدية من دين وأسرة على العلمانية- العقلانية منها؛ وما إذا كانت تميل إلى قيم البقاء التي تشدد على الأمن الاقتصادي والمادي أو إلى أنماط التعبير عن الذات التي تسلط الضوء على قضايا مثل حماية البيئة والتسامح مع الأجانب والمثليين جنسياً. وتسجل السويد أعلى درجة في قيم التعبير عن الذات وتقارب الدرجة الأعلى في القيم العلمانية-العقلانية. يقول لودفيغسون: “إننا في الواقع متطرفون بطرائق كثيرة”.

ويرى البعض مزيجاً من التاريخ والقيم في الأزمتين الأخيرتين. يقول يوهان سترانج، الأستاذ المساعد في دراسات دول الشمال في جامعة هلسنكي في فنلندا، إن عقدة ذنب السويد حيال الحرب العالمية الثانية “تُرجِم إلى فكرة أن تصبح قوة أخلاقية عظمى”. وهذا بدوره يعني أن السياسة السويدية غالباً ما تدور حول مناقشات أيديولوجية بدلاً من أمور عملية في جيران مثل فنلندا.

ويضيف: “لدى السويديين تلك المُثل وذاك الإحساس بأنهم سابقون للزمن، وفي طليعة التنمية البشرية. يحتاجون إلى حل كل قضية من أجل البشرية جمعاء”.

يمي أوكيسون، زعيم “حزب ديموقراطيي السويد” المناهض للهجرة، عام 2018 ©يوناثان ناكستراند/ وكالة الصحافة الفرنسية عبر “غيتي”

وتقول ماديستام إن مفارقة تكمن في جوهر القيم السويدية: “فمن ناحية، لدينا دولة قوية جداً ودائماً ما ترعى الفرد، ولكن في الوقت نفسه، لدى هذه الدولة القوية جداً فكرة أنه يجب أن نكون مستقلين ونتحمل مسؤولية فردية عن حياتنا”.

بالنسبة إلى فايروس “كورونا”، لم يترجم ذلك إلى حجر وطني بل بالضغط على كل فرد لتحمل المسؤولية والتباعد الجسماني. وتضيف: “الخيار متروك لك. إنها حريتك في اختيار الطريقة التي تتصرف بها”.

عامل آخر، كما يقول النقاد، هو أن ستوكهولم غالباً ما تبدو بطيئة في الاستجابة للأزمات. كانت السويد الأكثر تضرراً من بين الدول الأوروبية من جراء التسونامي الآسيوي عام 2004 الذي قتل ما يقرب من 550 سويدياً، معظمهم في تايلاند. لكن الحكومة تعرضت لانتقادات شديدة في تقرير مستقل ومن قبل عائلات الضحايا نظراً إلى بطء استجابتها.

وبالمثل، في كل من عامي 2015 و 2020 ومع اندفاع دول أخرى لفرض القيود، بدا أن السويد استغرقت وقتاً أطول في الاستجابة.

يقول لودفيغسون إن البطء هو ببساطة “الثمن الذي تدفعه مقابل عدم المبالغة في رد الفعل”. ويضيف: “في أحيان كثيرة، يكون هذا شيئاً جيداً. لا تمكنك المبالغة في رد الفعل على كل شيء. ولكنه يعني أيضاً أنك بطيء بعض الشيء في الاستجابة حين تتوجب عليك”.

ويجادل آخرون بأن تاريخ السويد كواحدة من أكثر دول العالم سلاماً، فقد اشتركت آخر مرة بشكل فعلي في حرب عام 1814، ما يعني أنها غالباً فقيرة في الاستعداد للأزمات.

في عامي 2014 و2015، استقبلت السويد النصيب الأكبر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي موزعاً على حصة الفرد. ولكن بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، قال رئيس الوزراء ستيفان لوفين بأن “الوضع غير مقبول”. ©بونتوس لوندال/وكالة الأنباء السويدية/وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي

عندما بدأت جائحة فيروس كورونا، كانت فنلندا قادرة على الاستفادة من إمدادات الطوارئ من المعدات الطبية ولجأت لقوانين معدّة لمواجهة وباء محتمل، بينما وجب على السويد أن تتزاحم مع دول أخرى للحصول على أقنعة وأن تعطي حكومتها السلطة التي تحتاجها. وحين سؤاله عما إذا كان انقضاء زمن طويل من غير الحرب قد أثّر في شخصية السويد بشكل ما، أجاب تيغنيل: “على الأقل بالنسبة إلى الموقف من أهمية التأهب الدائم. هناك شيء ما قد تأثر”.

وقلل عالم الأوبئة الحكومي من احتمال تعرض السويد لضربة قاصمة من مرض “كوفيد-19″، مدعياً في أوائل آذار/ مارس أن تفشي المرض قد بلغ ذروته بالفعل. وبينما سارعت دول أخرى مثل النرويج والدنمارك لحماية دور رعاية المسنين، فرضت السويد فقط حظراً على الزيارات في نيسان (أبريل) عندما اجتاح الفيروس بالفعل إلى العديد من المؤسسات. عام 2015، وحين حذرت البلديات السويدية المنهكة من أن الخدمات الحيوية معرضة للخطر، وبعد مدة طويلة من استجابة بلدان أخرى، فرضت الحكومة السويدية قيوداً على الهجرة.

عانت السويد من ألم اقتصادي أقل من غيرها من دول الاتحاد الأوروبي ولكن على حساب كلفة بشرية عالية

عقول مستقلة

إن السلطة الكبرى، بموجب الدستور السويدي، الممنوحة للوكالات المستقلة، والتي تعمل على مسافة قريبة من الحكومة، تساعد أيضاً على تفسير القرارات المتخذة في عامي 2015 و2020. فإذا كان لوكالة الهجرة من نفوذ عام 2015، فإن نظيرتها في مجال الصحة العامة كانت كذلك أكثر مركزية في مقاربة السويد لفايروس “كورونا”. تقول ماديستام: “نتيجة ذلك أن الوكالات قوية جداً وتقرر بنفسها كيفية التعامل مع الأزمات”. وهذا يعني أن صانعي القرار معزولون أكثر عن الضغط العام أو السياسي مقارنة بدول أخرى حيث يصدر السياسيون القرارات.

لكن ذلك أدى إلى انتقادات شديدة للحكومة من جانب نواب المعارضة، الذين يطالبون بمزيد من القيادة السياسية في الأزمة. وقال ماتياس كارلسون، الزعيم البرلماني لـ”حزب ديموقراطيي السويد”، لصحيفة “فاينانشيال تايمز” في آب/ أغسطس إن تيغنيل كان “خبيراً في الفايروسات لكنه ليس سياسياً”، مضيفاً: “أرادت الحكومة أن تختبئ خلفه حتى لا يتمكن أحد من إلقاء اللوم عليها”.

ويقول آيلوت “إن المساحة التي يمنحها الدستور السويدي لوكالات الخدمة الحكومية المستقلة خلقت مشكلات حول المساءلة الديموقراطية”.

يمكن أن ينجح هذا النهج لأن لدى السويديين ثقة أعلى بالسلطات بالمقارنة مع مواطني معظم الدول الأوروبية. لكن حتى تلك الثقة في خطر. يقول لودفيغسون: “أخشى بالتأكيد أن تصبح السويد مجتمعاً أكثر استقطاباً وأقل ثقة مما كانت عليه قبل 20 أو 30 عاماً. في الحقيقة، إنه أمر يقلقني جداً جداً”.

الرابط الآخر بين عامي 2015 و2020 هو حكومة لوفين. فقد كان رئيس الوزراء نقابياً قبل أن يصبح رئيس “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” عام 2012. “لا تهمه السياسات، لا يبدو أنه يريد أن يصبح قيادياً… ما يعني أن صنع السياسة السويدية لا يتوافق مع الرأي العام السويدي والأوروبي في بعض الأحيان”، يقول آيلوت.

يجادل وولودارسكي بأن السويد يمكنها في النهاية تغيير مسارها بشأن “كورونا”، لكن من غير المرجح أن تعترف بأنها ارتكبت خطأ ما، كما حدث عام 2015 مع أزمة الهجرة. ومع ارتفاع الإصابات مرة أخرى، تدرس وكالة الصحة العامة السويدية إمكان اتخاذ تدابير محلية مثل إصدار تحذيرات تحث على تجنب النقل العام ومراكز التسوق، وكذلك الاتصال الاجتماعي مع أفراد الأسر الأخرى، ما يجعل نهجها أقرب إلى البلدان الأخرى ولكنه سيبقى بعيداً من القيود القانونية.

“إنه أمر معتاد بالنسبة إلى السويديين”، يقول وولودارسكي. “نتظاهر بأننا عقلانيون دائماً، لكننا ننقلب. السويد بارعة في تغيير الأشياء. نحن مرنون جداً وبراغماتيون للغاية”.

  • ترجمة وتحرير محمد فارس