عادت العلاقات السعودية- التايلندية بعد قطيعة دامت أكثر من ربع قرن، والسبب يكمن في “الماسة الزرقاء”، المسمى الذي أُطلق اختصاراً للأزمة بين البلدين والتي شكل محوريها الرئيسيين، عامل تايلندي وابن الملك فهد بن عبدالعزيز الأمير فيصل بن فهد.
قد تبدو قضية “الماسة الزرقاء” مثيرة من عنوانها، لكنها باختصار عملية سرقة بواب القصر مجوهرات ثمينة بينها ماسة زرقاء نادرة يتجاوز سعرها 20 مليون دولار، أي ضعف ما سرق من كيم كارداشيان في باريس، داخل أحد قصور أفراد الأسرة الحاكمة في الرياض والفرار بها إلى بلده تايلند.
هذه باختصار الحكاية التي تسببت في قطيعة ديبلوماسية لعقود بين البلدين، قامت السعودية على إثرها بتطويع عمل السفارة السعودية في بانكوك بموظفيها كافة وإرسال فرق متابعة للأمر بحيث يتجاوز دور البعثة المهمات الديبلوماسية ليصبح ورقة ضغط. تصاعد الأمر إلى أن قُتل 5 منهم في عمليات إطلاق نار واختطاف، كما دفع ثمنها المواطن السعودي الذي منع من زيارة تايلند أو استقدام العمالة منها، إذ بلغ الأمر أن يتم التحقيق مع أي مواطن على جواز سفره ختم لزيارة تايلند.
خلال العقود السابقة من الحكم السعودي، دفع مواطنون ثمن رد فعل الاسرة الحاكمة على تصرفات أبنائها، ففي جريمة أواخر السبعينات عُرفت باسم “موت أميرة”، فرضت السعودية منع النساء من السفر من دون موافقة ولي الأمر، إذ حاولت إحدى الأميرات الفرار مع حبيبها من السعودية لتتزوجه إذ كان ذلك مستحيلاً في السعودية، لكن ألقي القبض عليهما وتم إعدامهما بذريعة “الزنا”.
شاع الأمر مع صدور فيلم “موت أميرة” الذي أثار غضباً سعودياً كبيراً آنذاك، ومنع الفيلم والعاملون فيه من دخول السعودية وتمت معاقبة كل من له علاقة بإنتاج الفيلم.
بالعودة الى القضية مع تايلاند، يبدو قرار بن سلمان وكأن ولي العهد ينهي مثل هذه القرارات المجحفة بحق المواطنين، بعدما رفع القيود عن سفر المواطنات وأنهى القطيعة التايلندية- السعودية، إلا أن هذه الأخيرة قد تذكرنا كثيراً بمقاطعة قطر التي اُسدل عليها الستار العام الماضي بعد قطيعة 3 سنوات فقط.
في جريمة أواخر السبعينات عُرفت باسم “موت أميرة”، فرضت السعودية منع النساء من السفر من دون موافقة ولي الأمر، إذ حاولت إحدى الأميرات الفرار مع حبيبها من السعودية لتتزوجه إذ كان ذلك مستحيلاً في السعودية، لكن ألقي القبض عليهما وتم إعدامهما بذريعة “الزنا”.
لقد تناولت عناوين الصحافة والإعلام السعودية مطلع التسعينات بالخط العريض أثر توتر العلاقات السعودية- التايلندية، حجم الخسائر التي ستُلحقها وألحقتها فعلاً بالاقتصاد التايلندي، كما ربطت الأمر بمقتل الديبلوماسيين على أنه عمل لا تقبله البلاد للمواطنين السعوديين وأمانهم في الخارج، وكأن من قُتل من موظفي السفارة لم يكن مقحماً ومجبراً على العمل من أجل إعادة مجوهرات ابن الملك. واليوم نقرأ مقالات الرأي السعودية بعد نحو 3 عقود مرت على الأزمة بين البلدين، تتغنى بانتصار سعودي من أجل المواطن! أما عناوين الصحف فوصفتها بمبادرة ودعوة من بن سلمان التي ستعود بمنافع اقتصادية وسياسية كبيرة للبلدين. وكأن الصحف نفسها لم تكتب قبل 30 عاما أن “تايلند وحدها الخاسرة”!
وتماماً مثل حملات مواقع التواصل التي نتابعها اليوم، وُضع المواطنون السعوديون تحت اختبار الوطنية آنذاك بتضامنهم مع بلدهم في تلك الأزمة، فقرأوا من خلال الصحف التقليدية والقنوات المحلية ما يكفي عن القضية وعن تايلند العصية، ليتقبلوا ويقتنعوا تماماً بنسيان هذه البلاد من خرائط الجغرافيا ويمنع عليهم توظيف عمالة تايلاندية كان يبلغ عددها حينها نحو 200 ألف عامل وعاملة تايلندية في السعودية، كما تم تداول حكاية مقتل الديبلوماسيين كقصة أبطال بحثوا عن الحقيقة من أجل وطنهم، لا من أجل ابن الملك!
ما اشبه اليوم بالبارحة.
انتهت الحكاية ولكل عهد ابن ملك.
إقرأوا أيضاً: