fbpx

الغلاء في مصر “اختبار من ربنا” لكن “الناس هتعيش ازاي”..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في المترو، حل الوجوم وفرض تفاصيله على وجوه المصريين، وانقطعت أحاديثهم الساخطة سريعاً، في أول أيام العمل، بعد أن كانت العربات تضج بالمناقشات الساخنة التي تحمل النظام ذبح الفقراء بسكين بارد

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ثمة تشابه بين الطريقة التي تبثّ بها الإذاعة الداخلية لمترو أنفاق القاهرة الأسعار الجديدة لتذاكر المرفق العام، وحصار “الأخ الأكبر يراقبك”، تلك الصورة التي جسدها الكاتب البريطاني جورج أورويل عن الرقابة الحكومية النافذة في روايته الديستوبية “1984”.

على رغم خلو أماكن كثيرة داخل مترو الأنفاق من كاميرات المراقبة، فإن إذاعته الداخلية تكاد لم تترك راكبا لم تذكره بالواقع المستحدث، المتمثل في زيادة تعرفة ركوبه 700 في المئة في ظرف عام واحد، من أجل استمرار حصوله على خدمة جيدة، تماماً كما يحدث في وزارة الحقيقة التخيلية، التي كان يعمل فيها ونستون سميث في إحدى دول الاتحاد السوفياتي، لتنبيهه دائماً إلى أنه تحت الرقابة.

“عزيزي الراكب، نحيط علمك بزيادة أسعار خدمات الخطوط الثلاثة وفقاً لشرائح جديدة، وذلك في إطار حرصنا على راحة رواد مترو الأنفاق”، تكرر السيدة رسالتها المسجلة عبر المكبرات، بينما يصطف رجال الأمن بأقنعتهم وهرواتهم السود بجوار الماكينات، دعماً لما يبث، وردعاً لأي اعتراض على التعرفة الجديدة.

هذا الشهر أعلنت وزارة النقل زيادة تذاكر مترو الأنفاق بنسبة 250 في المئة عن سعرها الحالي، وهو جنيهان، لتبلغ التذكرة الواحدة لمسافة تسع محطات ثلاثة جنيهات، وخمسة جنيهات لمسافة 16 محطة، وسبعة جنيهات لأكثر من 16 محطة.

وتعد هذه الزيادة الثانية في أسعار المترو في عام واحد، بعد أن حافظت على سعرها البالغة قيمته جنيهاً واحداً لمدة 8 سنوات، منذ رفعها من 75 قرشًا إلى جنيه واحد عام 2006، قبل أن تضاعف الحكومة سعرها في مارس/ آذار 2017 إلى جنيهين، بزيادة قدرها 100 في المئة، لتقرر زيادتها مرة أخرى وفق القرار الأخير.

وزير النقل المصري هشام عرفات كان “مبسوطاً” وكان “ضميره مرتاحاً للغاية” وهو يعلن زيادة التعريفة، بل وكان ينتظر 11 مايو/ أيار بفارغ الصبر لاتخاذ قراره الصادم للسواد الأعظم من المصريين، مبدياً استغرابه من أن “الناس ليه مكبره موضوع الزيادة”.

عرفات برر خطوته هذه لتطبيق العدالة الاجتماعية بين رواد المرفق العام، فلا يعقل أن يتساوى من يستقل المترو محطة واحدة ومن يتخطى الـ15، وحاجته أيضاً إلى تعويض خسائر قدرها 618 مليون جنيه مصري، إلا أن هذه الإنفاقات والمبررات لم تحسن شيئا في جودة الوسيلة التي يستقلها 3 ملايين شخص يومياً، معظمهم من الموظفين والطلاب وكبار السن، كونها الوسيلة الحكومية الأرخص والأسرع.

 

ودائماً ما يحاول إعلاميو النظام تقديم القرائن على جسامة التحديات التي تواجهها مصر من أجل النهوض، لكن هناك من يضفي طابعاً دينياً لتبرئة ساحة النظام من أي مسؤولية، كما تحدثت المذيعة أماني الخياط من قبل، على أن غلاء الأسعار “اختبار من ربنا وليس من القيادة السياسية في البلد، ربنا أراد الغلاء ده بالشكل ده على شعب مصر تحديداً ليه، مش صدفة بعد، محدش يقول البسطاء مش قادرين احنا لازم نكمل ما بدأناه في 30 يونيو”.

 

في المترو، حل الوجوم وفرض تفاصيله على وجوه المصريين، وانقطعت أحاديثهم الساخطة سريعاً، في أول أيام العمل، بعد أن كانت العربات تضج بالمناقشات الساخنة التي تحمل النظام ذبح الفقراء بسكين بارد، يومي الجمعة والسبت، كما خلت أرصفة انتظار القطارات من أي مظاهر للاحتجاج، بعد أن حمل عليها بعض النشطاء لافتات تطالب بالعدول عن سياسة الغلاء، قادتهم في النهاية إلى الحبس بتهمة التحريض، كما حدث في محطتي حلوان وأنور السادات.

“تذكرة مترو بـ7 جنيه، الناس هتعيش إزاي؟” يقولها محمد يوسف، موظف أربعيني، بصوت خفيض وهو يسند برأسه إلى أحد أعمدة العربة أثناء عودته من عمله. ينتمي يوسف إلى الشريحة الثالثة التي تدفع 7 جنيهات عن 16 محطة في الرحلة الواحدة، وهو ما يعني أنه سيدفع 350 جنيهاً، أي نحو 20 في المئة من راتبه، كي يصل إلى عمله في منطقة وسط البلد.

اضطر يوسف إلى قضاء ورديتين في الشركة التي يعمل بها منذ 15 عاماً، لكن مع الزيادات الأخيرة لا يعلم حيلته للتغلب على مصاريف تعليم صغاره وحاجات بيته.

لا تتوقف معاناة الطبقة المتوسطة في مصر عند هذه المرحلة، إذ يتوقع أن تزيد أسعار الوقود وفواتير الكهرباء والمياه مرة أخرى في يوليو المقبل، ضمن اشترطات الاستمرار في الحصول على دفعات قرض صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 12 مليار دولار.

وتسير الحكومة المصرية على “روشتة” الصندوق منذ نهاية 2016، التي تضمنت رفع الدعم الحكومي تدريجياً عن أسعار الوقود والكهرباء والمياه، وتخللها كذلك تحرير سعر الصرف لمواكبتها حركة الدولار العالمية، وهي الفاتورة التي تتحملها قطاعات كبيرة من المصريين من عامين، بأنين مكتوم، اعتماداً على رسائل عبدالفتاح السيسي، الذي انتخب بغالبية ساحقة لولاية ثانية، بالصبر لجني الثمار.

وعلى رغم تراجع شعبية الرئيس الآتي من خلفية عسكرية، فإنه يمضي بثقل واضح في طريقه، مدعوماً بحلفائه الخليجيين، وإعلام تحدد أجندته الجهات الأمنية، فعادة ما تخلو الجرائد الحكومية والخاصة من أي تقارير سلبية عن صعوبة الأعباء الاقتصادية التي تخلفها قرارات الحكومة، إذ تكتفي بسرد الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرارها الأخير، من دون الإشارة إلى أي فشل يتحمله النظام.

اللافت أن المسؤولين في مصر باتوا لا يجدون فن إدارة الأزمات وتهيئة المناخ الشعبي لها، بل صاروا مؤججين له، فعرفات أعلن صراحة أن ضميره مرتاح بعد زيادة تذكرة المترو، على رغم تألم شريحة كبيرة من قراره، وكان هذا انطباع محافظ البنك المركزي طارق عامر أيضاً حين أعلن أن زوجته “مبسوطة” من قرار تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

ودائماً ما يحاول إعلاميو النظام تقديم القرائن على جسامة التحديات التي تواجهها مصر من أجل النهوض، لكن هناك من يضفي طابعاً دينياً لتبرئة ساحة النظام من أي مسؤولية، كما تحدثت المذيعة أماني الخياط من قبل، على أن غلاء الأسعار “اختبار من ربنا وليس من القيادة السياسية في البلد، ربنا أراد الغلاء ده بالشكل ده على شعب مصر تحديداً ليه، مش صدفة بعد، محدش يقول البسطاء مش قادرين احنا لازم نكمل ما بدأناه في 30 يونيو”.

الخياط ركلت الكرة في ملعب الشعب، كونه يتبع نمطاً استهلاكياً منذ 30 سنة، ما تسبب في زيادة حاجاتهم، مقارنة بأجورهم الضعيفة، مطالبة إياهم بالتوقف عن الإسراف في الطعام والإنجاب.

برأي سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية، فإن الحكومة تسير بمبدأ واحد هو”البلطجة” فهي تتخذ قرارها أولاً ثم تقمع أي شخص يفكر في الاحتجاج، وهذا يرجع إلى غياب التواصل المجتمعي والتوعية قبل إصدار القرارات.   

ويرى صادق، في تصريحات إلى  “درج” أن هذه الطريقة أفقدت الحكومة شعبيتها، والوزراء أنفسهم يتقمصون شخصية الرئيس العسكري في اتخاذ القرار باعتبار أن مصر معسكر تصدر فيها القرارات بطريقة السمع والطاعة وليست دولة.

يرفض صادق تبني نظريات ثورة الجياع التي يروج لها البعض مع اشتداد المحن الاقتصادية، موضحاً أن الإجراءات المتراكمة تنمي مشاعر عدم الرضا والاغتراب والكراهية ومعدلات الجريمة والعنف، لكنها لا ترتقي إلى ثورة جياع كونها غير ملائمة للحالة المصرية التي يسيطر الأمن على وعيها الجماعي.