fbpx

الوشم في إيران نقشٌ على الأجساد المحظورة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

للوشم تاريخ غارق في القِدم. منذ فترة أظهر التصوير المقطعي على جثتين اكتشفتا في مصر منذ مئة عام تقريباً في مقبرة غير عميقة، وشوماً على الجسدين. الجثتان لرجل وامرأة وتعودان إلى 3351 وحتى 3017 قبل الميلاد. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للوشم تاريخ غارق في القِدم. منذ فترة أظهر التصوير المقطعي على جثتين اكتشفتا في مصر منذ مئة عام تقريباً في مقبرة غير عميقة، وشوماً على الجسدين. الجثتان لرجل وامرأة وتعودان إلى 3351 وحتى 3017 قبل الميلاد.

على ذراع الرجل وشم لبقرة وحشية أو الـ”نو” مع ذيل طويل وقرون إلى جانب تصوير لخروف، وعلى كتف المرأة اليمنى، أربعة تصاميم شبيهة برسم حرف S.

في الوقت الراهن، صار الوشم شائعاً مرة أخرى في العالم، فستعقد كوبنهاغن مؤتمراً حول الوشم الآمن. وفي فرنسا، أنشئت نقابة للوشّامين لإسداء النصائح حول الطرائق الآمنة لمحبي الوشم والوشّامين، مع ضرورة مراجعة هؤلاء هذه النقابة للحصول على تصاريح رسمية لممارسة العمل.

في إيران، يتم تداول قصة لجلال الدين الرومي، عن نقش وشم الأسد من دون بطن وأذن وذيل. وفي ما يلي ملخص لما رواه في مثنوياته، “كان أهل قزوين قد تعوّدوا أن ينقشوا بطريق الوشم صوراً لبعض الحيوانات على أجسادهم، وفي أحد الأيام توجَّه قزويني إلى حجّام لينقش له صورة الأسد على جسده لكي يتخذ من تلك الصورة عنواناً لشجاعته وجرأته التي يتظاهر بها أمام الناس، وسأله الحجّام أيَّ مناظر الأسد تريد أن أنقشه؟ قال: أريد صورةَ أسدٍ غضوب بادي الأنياب، علماً أن برج الأسد هو طالعي الذي ولدت فيه. قال الحجّام: وأين تريد أن يكون موضع الصورة من جسمك؟ قال: اجعل النقش في ساعدي الأيمن ليظهر أمام الجميع، فأخذ الحجام إبرة الوشم وبدأ يرسم الصورة المطلوبة، فأحسّ القزويني ألماً موجعاً من وخز الإبرة وصاح في وجه الحجّام قائلاً: أيَّ صورة ترسم الآن؟

قال: أنقش صورة الأسد كما طلبت. فسأل القزويني: ما الذي بدأت ترسمه من أعضاء جسم الأسد؟ قال له: إنني بدأتُ بذيله.

القزويني: اترك يا عزيزي ذيل الأسد، وابدأ بغيره من أعضاء جسمه، لأن ذيله قد أجهدني، ولا ضير على الأسد أن يكون بغير ذيل.

وأخذ الحجَّام يصوِّر عضواً آخر غير الذيل، فصرخ القزويني متألماً، وقال: ما الذي تنقشه الآن من أعضاء الأسد اللعين؟ قال: إنني أصوِّر أذنيه.

قال القزويني: أريد أسداً بلا أذنين، فإنّ ذلك لا يعيبه، ومضى الحجَّام للمرة الثالثة يواصل الوشم، فتململ القزويني، وقال: ما هذا الذي ترسمه أيّها الحجّام؟ قال: أرسمُ بطن الأسد.

القزويني، وهو يتلوَّى جزعاً: إنّ أسدي هذا ليس في حاجة إلى بطن، وليست به ضرورة إلى الطعام. وحين طالت بهذا الحجَّام حيرته من هذا القزويني المصارع، رمى بإبرة الوشم على الأرض، وقال غاضباً للقزويني: أيها الشيء العجيب! لا أعلم أنّ الله تعالى خلق أسداً بغير ذيل وبغير رأس، وبغير بطن، ولم يشاهد أحدٌ مثل هذا الأسد، لا في الحقيقة ولا في الرسوم، وما دمتَ لا تحتمل وخز الإبرة فكيف تدعي شجاعة الأسود؟”. وحتى أنّه ترد في بعض المصادر الفنية التي تعود إلى العصر الإخميني، أعمال تضم وشوماً.

إيران المعاصرة والوشوم

في إيران المعاصرة، لفت إقبال الإيرانيين على الوشوم انتباه علماء الاجتماع، فالوشم كان حتى سنوات سابقة ممنوعاً في إيران، وكانت عقوبة من يتم اكتشاف معدّات الوشم بحوزته غرامة مالية، وقدرها ثلاثة ملايين تومان، إضافة إلى السجن ثلاث سنوات، ولم يُسمح للمحال التي تبيع أدوات الوشوم ومعداتها في شارع منوجهري في طهران بعرضها في الواجهات. في هذه الأيام، تحظى الوشوم بعشاق كثيرين، وهناك محلات خاصة بدقّ الوشم، تكون عادة في الطبقات السفلية “القبو”، والزبائن قليلون. وفي هذه الاستديوات معدّات بغالبيتها ممنوعة.

لقد اضطر أصحاب هذه المحلات في السابق بسبب الحظر، إلى امتلاك خطي هاتف، أحدها شخصي وآخر للعمل، كما لم يجرؤوا على الإفصاح عن عملهم، أما الآن وبمساعدة صفحات “إنستغرام”، فإنّهم يستطيعون استهداف جمهور كامل ويعرضون نماذج من أعمالهم وتكلفة كلّ عمل أيضا، وكذلك تثبيت المواعيد.

كانت عقوبة من يتم اكتشاف معدّات الوشم بحوزته غرامة مالية، وقدرها ثلاثة ملايين تومان، إضافة إلى السجن ثلاث سنوات

وعلى رغم تعلّق الجيل الجديد بالوشوم، فإنّ السلطات الرسمية تحاول أن تحصر محبّي الوشم ومن يشِمون أجسادهم بالأوباش والزعران والبلطجية والعاهرين، وحين تُلقي السلطات الرسمية القبض على المجرمين تعرض القنوات الرسمية الوشوم على أجسادهم وتشدد عليها وتعرضها على المشاهدين، لتقول لهم إنّ هناك علاقة طردية بين الوشم والجريمة.

أحياناً وحين ينقش بعض اللاعبين وشوماً على أجسادهم في المسابقات والبطولات، فإنّ ذلك يثير حفيظة المسؤولين الرسميين، وعلى رغم من ذلك كلّه فلا توجد هناك مؤشرات على تراجع الوشوم لدى الشباب.

“سهيل” هي من أكثر صفحات “إنستغرام” متابعة للوشم في إيران، يقدّم الوشم كتجربة خاصة وشخصية: إنّ نقش الوشم في أي جزء تريده من الجسد، من دون أي قيود هو تجربة خارج الإطار والمألوف.

آبي وشّام شاب، تعلّم الوشوم منذ سنوات قليلة، ولديه الكثير من الزبائن، يقول إنّ الشباب والصبايا يختارون تصاميم غاية في التفاوت، ويرغب الرجال غالباً في اختيار تصاميم تُظهر القوة، بينما تفضّل الفتيات تصاميم أنثوية أكثر وأنيقة.

في السنوات الأخيرة، انتشرت الوشوم على الساعد بين المرفق والرسغ بين الفتيات المراهقات، والتي كانت حكراً على الرجال، لكنّها تتسم بالأناقة والرهافة الأنثوية، بألوان زاهية أنثوية مع مسحة خفيفة من الصلابة الرجولية.

إنّ السلطات الرسمية تحاول أن تحصر محبّي الوشم ومن يشِمون أجسادهم بالأوباش والزعران والبلطجية والعاهرين

مريم وشّامة تستقبل زبائنها في منزلها. زبائن مريم هنّ من النساء ويعتقدن أو يعتقد أزواجهنّ أنّ الوشم يزيد من الجاذبية الجنسية. زبوناتها ينقشن وشوماً على أجسادهنّ بأسماء أزواجهن أو بكتابة شطر شعريّ من الغزل أو جمل فلسفية.

تقول مريم إنّ مشكلات البرود الجنسي بين الزوجين ازدادت، فتلجأ زوجات كثيرات إلى البحث عن جاذبية أكثر في أجسادهن في أماكن خاصة، لا يراها إلا شريكها الجنسيّ. لكن النساء لا يفعلن ذلك دوماً برغبتهن. تقول زهرا الحاصلة على إجازة الدكتوراه في علم الأديان إنّ زوجها كان يقول لها دوماً إنّ وجهها يبدو شاحباً وأصرّ عليها أن تشِم خطاً حول شفتيها.

لبّت زهرا طلب زوجها ووشمت شفتيها بخط، لكنّها فضلت نقشه بلون أقرب إلى الطبيعي، الآن تحسّ بأنّها أصغر سناً، لكنّ زوجها لا يزال يبدي امتعاضاً.

في سنوات سابقة، كان الوشم شائعاً في إيران، لكن بين الطبقات الدنيا في المجتمع، كالمجرمين الذي أمضوا سنوات في السجن أو العاهرات وبائعات الهوى، حتى أنّه كان منتشراً بين الأفراد المتديّنين من الذين يعتقدون بالقوة فيشِمون أنفسهم.

يقول آبي من خلال تجربته في الوشم في السنوات الأخيرة على أجساد المتديّنين: “يعتقد الكثير من المتديّنين أنّه وبعد الموت فإنّ الغاسل (غاسل الموتى) يفرك مكان الوشم جيداً حتى يطهر، فالذهاب إلى الحياة الباقية ودار الآخرة غير مستحسن مع آثار الوشم بحسب العرف الإسلامي، يُضاف إلى ذلك أنّ في الإسلام واليهودية، على عكس المسيحية، الوشوم ليست مستحبة”.

لكن آبي يشِم على ذراع الأشخاص المتديّنين بكلمة “خدا” التي تعني الله وعلى الظهر عبارة “يا علي”، أما النساء المتديّنات فيملن أكثر إلى وشم الحاجب والشفاه وتحت الرموش وخط مفرق الرأس وخط العيون في صالونات تجميل النساء، لدى مصفّفات الشعر اللاتي حصلن على رخصة، ويقمن بشراء عدّة الوشم والتي تكون عادة باهظة الثمن في السوق الرسمية، لأنّه لا يمكن الحصول عليها من السوق السوداء.

تقول مريم إنّ مشكلات البرود الجنسي بين الزوجين ازدادت، فتلجأ زوجات كثيرات إلى البحث عن جاذبية أكثر في أجسادهن في أماكن خاصة، لا يراها إلا شريكها الجنسيّ.

وازداد إقبال الإيرانيات على الوشم بشكل غير مسبوق، فقد قامت السلطات الرسمية في إيران في السنوات الأربعين الأخيرة، بجهود كبيرة لفرض الرقابة على أجساد النساء، لكنّ كثيرات وبعيداً من الدعاية الرسمية اكتسبن استقلالية ومعرفة أكبر بأجسادهنّ، ويجدن أنّ من حقهنّ أن يفعلن بأجسادهنّ ما يرينه مناسباً.

كان الحظر على الجسد مقولة الجمهورية الإسلامية الأثيرة حيال النساء. الحظر الذي بدأ مباشرة بعد الثورة الإسلامية والذي بدأ مع فرض الحجاب على النساء منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.

الآن صار الوشم على أجساد النساء من وسائل العصيان الصامت. يظهر وشم الساعد والذراع لدى الشابات أنّ أجساد النساء تقف ضدّ الأوامر، والنهي الذي يقف في وجه النساء ورغباتهن.

واعتبر موريس مورلو المفكر الفرنسي المعروف أنّ الجسد أداة إدراك عالمية، وبهذا المعنى وحين يصير الجسد محظوراً وحين يتعذّر على الإنسان التحكّم بجسده وحقّ الاختيار فيه، يبحث عن طرائق أخرى، هذا المكان الذي هو جسده، يستبدل نفسه برسالة مفادها: “ربما يمكنك حرماني من الحدّ الأدنى من الحرية الإنسانية، لكن النقش الذي وشمته بإرادتي على جسدي، لا يستطيع أي أحد محوه”.

ترجمة عباس علي موسى

هذا المقال مترجم عن موقع آسو، ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

عن جريمة قتل عمدة طهران لزوجته