أعلن وزير الصحة اللبناني فراس أبيض البارحة الخميس وبمساعدة رئيس الجامعة اللبنانية وعميد كلية العلوم فيها بسام بدران، عن “الشك” في وجود حالتين من المتحور “أوميكرون” الجديد من فيروس الكوفيد 19 على الأراضي اللبنانية. فما هو السيناريو المتوقع لـ”أوميكرون” في لبنان؟ وما الإجراءات المناسبة؟
إنعدام الوضوح في لبنان وراءه تقصير
لم يستطع وزير الصحة اللبناني تأكيد وجود “أوميكرون” بشكل قطعي. إذ إن الدلائل الأولية التي قادتهم إلى “الشك” في حالتين، حسب قول الوزير، كانتا قد وصلتا عبر مطار بيروت الدولي من أفريقيا، اعتمدت على فحص الـPCR، الذي وكما ذكرنا في مقالات سابقة، وإن كان إشارة قوية إلى وجود متحور معين إلى أنه ليس كافياً لقطع الشك باليقين. اليقين، في هذه الحالة، يتطلب تحليل التسلسل الجيني للفيروس في العينات موضع الشك وهذا ما يعرف علمياً بالـSequencing.
هذه التقنية المعتمدة عالمياً والأساسية لترصد وتتبع أي تحور جديد في الفيروس ليست سهلة المنال للعلماء في لبنان وغير متوفرة في الجامعة الرسمية اللبنانية. هذا ما حمل طاقم الترصد الوبائي وقتاً وجهداً إضافية، وأحياناً شخصية، لترصد المتحورات المختلفة ومتابعة تطور الفيروس على الأراضي اللبنانية معتمدين على الـPCR وامكانيات محدودة وصلت إلى اضطرارهم أحياناً لإرسال عينات خارج البلاد لتحليلها. ولكن الوزير وعد في مؤتمره الصحفي البارحة عن وصول هذه التقنية إلى الجامعة اللبنانية قريباً! يأتي هذا بعد مرور أكثر من عامين على بدء جائحة الكوفيد 19. يستحضرني هنا المثل اللبناني الذي يقول “الله يطعمنا الحجة والناس راجعة” ولكن أن تأتي متأخرةً خير من أن لا تأتي أبداً على أمل أن تصدق هذه الوعود وأن تتفتح عينا المسؤولين إلى أهمية دعم المؤسسة البحثية/العلمية الرسمية في لبنان التي تم اهمالها طويلاً وبشكل مخزي.
يأتي هذا الإعلان مع عدد حالات إصابة بالكوفيد قاربت الألفي حالة يومية في لبنان في الأيام الأخيرة ونسب تلقيح مخجلة لم تصل للـ 30% بعد ممن تلقوا جرعتين من لقاح الكوفيد 19. هذا ما دفع الوزير إلى مناشدة الجميع للمبادرة سريعاً إلى تلقي اللقاح المقصود في أي من المراكز التي خصصتها الوزارة لذلك.
دراسة ألمانية جديدة (لم تنشر بعد) كشفت نتائجها الأولية أن جرعتين من لقاح الكوفيد 19، بعد ستة أشهر، كانتا غير كافيتين لتوفير أي حماية ضد المتحور “أوميكرون”.
ما بعد “أوميكرون”، متحورات بأسماء أخرى
بعد مرور سنتين على الجائحة، ومع كل إعلان عن متحور جديد لفيروس الكوفيد 19 يخيل إلينا أننا نعيش دوامةً مع فيروس الكوفيد 19 لن تنتهي أبداً. فبعد “ألفا” و”بيتا” و”دلتا” وغيرها، الآن بات “أوميكرون” محور اهتمام العالم حتى عادت إجراءات الإغلاق وتشديد معايير الوقاية إلى عدد من دول العالم ومخاوف من موجة جديدة من هجوم الفيروس مع وصول فصل الشتاء. بعد أقل من شهر واحد على رصد “أوميكرون”، ما زال أمام العلماء الكثير من الأسئلة التي ما زالت غير واضحة الإجابة حول تأثير العدد الكبير لطفرات “أوميكرون” في بروتينه التاجي أهمها ما إذا قد جعلته، ربما، أكثر فعالية في العدوى والانتشار من سابقته.
ما يبقى مؤكداً وواضحاً من الناحية العلمية أن الفيروس سيستمر في التغير، التحور، وربما التطور ما دام تداوله في المجتمع، أي سلسلة انتقاله من شخص لآخر، والتي يحتاج إليها الفيروس للاستمرار، لم يتم اعتراضها بعد. هذا يعني ببساطة أن علينا توقع متحورات جديدة من الكوفيد 19 ما بعد بعد “أوميكرون”. ولكن ما المسار التطوري الذي سيأخذه الفيروس؟ هذا ما لا نعرفه بعد.
هناك ضرورة لتعاون مجتمعي للحد من انتشار الفيروس قدر الإمكان لكي نتفادى أي سيناريو يمكن يحملنا عبئا إضافيا ولكي نسرع في في خروجنا، جميعاً، من هذا النفق.
تتهيأ منظمة الصحة العالمية لبحث الحاجة إلى إتفاقية جديدة، أو معاهدة، للاستعداد والاستجابة السريعة لأي وباء جديد قادم وبالتالي محاربته بطرق أفضل كما جاء على لسان تيدروس أدناهوم، المدير العام للمنظمة. إذ تتوقع الأخيرة بأن الكوفيد 19 لن يكون الوباء الأخير حتماً ولذلك علينا الإستعداد جيداً والتعلم من تجربتنا مع جائحة الكوفيد 19 الحالية لكي نمضي نحو تغيير إيجابي.
إقرأوا أيضاً:
إسراع عالمي نحو جرعة ثالثة
دراسة ألمانية جديدة (لم تنشر بعد) كشفت نتائجها الأولية أن جرعتين من لقاح الكوفيد 19، بعد ستة أشهر، كانتا غير كافيتين لتوفير أي حماية ضد المتحور “أوميكرون”. بالمقابل وفرت جرعة ثالثة معززة حماية مقبولة (25%) ضد المتحور الجديد حتى بعد مرور ثلاثة أشهر منها. هذا يشير إلى أهمية جرعات معززة من اللقاح في حربنا ضد المتحور الجديد الذي ما زال لدينا الكثير لنكتشفه عنه بعد. أضف إلى ذلك إلى إحتمالية الحاجة إلى تعديل اللقاحات الحالية وتطويرها لكي تتناسب مع “أوميكرون” أو أي متحورات ناشئة أخرى قد تكون مثيرة للقلق في الوقت الحاضر أو مستقبلاً.
يأتي هذا بعد حملات كانت قد بدأت بالفعل أواخر الصيف الحالي في عدد من الدول، خاصةً تلك ذات نسب التلقيح العالية، لتقديم جرعة ثالثة إضافية لمن كانوا قد تلقوا بالفعل جرعتين من اللقاح. إعتراضات من منظمة الصحة العالمية على هذه السياسة التي تراها “غير عادلة” كان بارزاً. حيث دعت إلى توفير جرعات من اللقاحات للدول الأكثر فقراً والتي ما زالت قيد إنتظار جرعات أولى من اللقاح لتغطية الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة بكوفيد من سكانها، في حين بدأت الدول الغنية تخزن جرعات إضافية حتى بعد أن أتم معظم سكانها بالفعل جرعة أو أكثر من اللقاح.
بدوره، بدأ لبنان حملة جديدة مؤخراً لتقديم جرعة ثالثة من لقاح الكوفيد 19 للفئات الأكثر تأثراً بمخاطر الإصابة. ولكن ما هو أهم والمطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى وخاصةً مع وصول “أوميكرون” حملات توعية مجتمعية لزيادة عدد متلقي اللقاح، كما الدعوة للإلتزام بإجراءت الوقاية من ارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي وتجنب أماكن الإختلاط المكتظة والمغلقة قدر الإمكان. هذا طبعاً ليس بالأمر السهل في بلد غارق في الأزمات حتى لم يعد الكوفيد هماً أساسياً للمواطن ولكننا لا قدرة لدينا لتحمل محنة إضافية بمقدورنا اجتنابها، فلنأخذ كل الوقاية الممكنة.
إقرأوا أيضاً: