fbpx

بين صورتي سلامة في “باري ماتش”
ونعيم خلف المتراس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تم نقل مهمة المصرف المركزي من كونه مؤسسة عامة مهمتها الرئيسة حماية المالية العامة وضبط عمل المصارف الخاصة، إلى كونه مؤسسة للمضاربة في الأسواق المالية مهمتها تقديم إغراءات للصناديق المالية وقنص القروض وتبديدها بالفساد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 تردنا صور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي نشرتها مجلة “باري ماتش” الفرنسية راهناً وقالت إنها تعود إلى عام 1987، إلى الزمن الذي استقدم فيه رئيس الحكومة الراحل والمغدور رفيق الحريري، سلامة إلى حاكمية مصرف لبنان، أي عام 1993. صحيح أن ست سنوات تفصل بين الواقعتين الأليمتين، أي التقاط الصور في تلك الحفلة الراقصة الجريئة، وتعيين سلامة حاكماً للمصرف المركزي خلفاً لرجل القانون إدمون نعيم، لكنها ست سنوات ممهدة لهوية لبنان المالية، ومؤسسة لاقتصاد الديون والبورصات وتخزين الفوائد. والصور التي نشرتها “باري ماتش” تحفز الذاكرة لأسباب أخرى، ذاك أنها تردنا إلى ذلك الزمن التي أطلقت فيه الحريرية الاقتصادية زمنها، فغنت لها فيروز في الوسط التجاري معلنة افتتاح زمن سوليدير، وراحت التلفزيونات تنقل لنا برامج الليل المفتوح التي حلت الراقصة المصرية دينا ضيفة دائماً في صالوناتها، في وقت كان فيه المندوب السامي السوري غازي كنعان يستيقظ باكراً ويمارس رياضته الصباحية على كورنيش المنارة.

يبقى هذا في الجانب المشهدي لما تستدعيه الذاكرة، إنما لاختيار سلامة لهذه المهمة في حينها أسباب تتعدى البعد المشهدي الذي حضر منه الرجل إلى الحاكمية. فقد تم اختيار مضارب في الأسواق المالية ليقود المركب المالي والمصرفي اللبناني. فلطالما تفاخر رياض سلامة بأنه قدم إلى الحاكمية من شركة “مريلانش” العالمية، وكان راتبه الشهري في حينها يتعدى الـ150 ألف دولار أميركي. “مريلانش” هي شركة مضاربات مالية، وسلامة كان مضارباً فيها، أو ما يسمى بلغة الأسواق “بروكر”! وفي حينها تم تعميم الـ”بروكر” بوصفه نموذجاً لجمهورية الطائف. فاستملكت “سوليدير” بموجب قانون رهيب صدر عن المجلس النيابي وسط بيروت، وصار قلب المدينة ومركزها التاريخي جمهورية يرأسها ناصر الشماع، وهو مضارب عقاري آخر.  

كي تكون حاكماً لمصرف مركزي عليك أن تكون صاحب أخلاق لا صاحب خبرة في” الأسواق المالية”

ينطوي هذا الاختيار على فهم “نيو رأسمالي” للمالية العامة. الخلفية القانونية لحاكم مصرف لبنان ليست مهمة، وكذلك الخلفية المصرفية القائمة على تجربة في العمل المصرفي توازن بين حقوق المودعين المصانة وبين ريوع المصارف. وبهذا المعنى تم نقل مهمة المصرف المركزي من كونه مؤسسة عامة مهمتها الرئيسة حماية المالية العامة وضبط عمل المصارف الخاصة، إلى كونه مؤسسة للمضاربة في الأسواق المالية مهمتها تقديم إغراءات للصناديق المالية وقنص القروض وتبديدها بالفساد، مع ما تستدرج المهمتان من صور لعل آخرها تلك التي نشرتها “باري ماتش” لسلامة، لكنها أيضاً تستدعي تلك الصورة الشهيرة للحاكم الذي سبق سلامة إلى المنصب، أي إدمون نعيم، حين كان يقيم في المصرف، ويحمي مكتبه الذي استهدف بالقنص والقصف في سنوات الحرب بأكياس الرمل.

وإذا كان الانحياز الذي يبديه “الحريريون” وجزء من الأحزاب المسيحية، وربما بطريرك الموارنة بشارة الراعي، لسلامة قائماً على أن الرجل جاء ليقود المركب المالي في زمن السلم، في وقت تولى نعيم قيادته في زمن الحرب، فإن ما نحن فيه اليوم من انهيار أوصلنا إلى شفير المجاعة لا ينفصل إطلاقاً عن تلك المعاني التي تكثفها صور سلامة في “باري ماتش”، في وقت سلم فيه نعيم مصرف لبنان إلى خلفه مع احتياطات مالية خالية من الارتكابات، ولم يفض حينها، وعلى رغم الحروب، انهيار العملة إلى انهيار المصارف على رؤوس المودعين!

“لكي تكون حاكماً لمصرف مركزي عليك أن تكون صاحب أخلاق لا صاحب خبرة في الأسواق المالية”. هذه العبارة لتوفيق كاسبار، الخبير المالي والمستشار السابق لإدمون نعيم! الخبرة تأتيك من عملك ومن مستشاريك، أما الأخلاق فيجب أن تسبقك إلى المنصب، ذاك أن صلاحياتك الواسعة تعرضك للانزلاق إلى الفساد إذا لم تكن محصناً بأخلاق تشبه تلك التي اصطحبها نعيم إلى المصرف.

رياض سلامة قدم إلى الحاكمية من تلك الصورة التي نشرتها “باري ماتش”، في وقت أقام ادمون نعيم في صورة له خلف متراس رملي في مقر المصرف في شارع الحمرا!        

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 13.09.2024

انتخابات الأردن: “الإخوان” هم الإجابة الهاشميّة عن الترانسفير 

وصول "الإخوان المسلمين"، الذين تصنفهم دول خليجية كجماعة إرهابية، إلى البرلمان، يكشف أيضاً عن طبيعة التوتر الصامت بين عمان وبين دول اتفاقات "إبراهام"، التي زادت من مخاوف الأردن الديموغرافية، بفعل عدم ربطها بين السلام وبين حق الفلسطينيين بدولة في الضفة الغربية والقدس. ولا بد والحال هذه من تذكير الدول الإبراهيمية باحتمالات السلام المجاني، و"الإخوان المسلمين"…
18.11.2021
زمن القراءة: 3 minutes

تم نقل مهمة المصرف المركزي من كونه مؤسسة عامة مهمتها الرئيسة حماية المالية العامة وضبط عمل المصارف الخاصة، إلى كونه مؤسسة للمضاربة في الأسواق المالية مهمتها تقديم إغراءات للصناديق المالية وقنص القروض وتبديدها بالفساد.

 تردنا صور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي نشرتها مجلة “باري ماتش” الفرنسية راهناً وقالت إنها تعود إلى عام 1987، إلى الزمن الذي استقدم فيه رئيس الحكومة الراحل والمغدور رفيق الحريري، سلامة إلى حاكمية مصرف لبنان، أي عام 1993. صحيح أن ست سنوات تفصل بين الواقعتين الأليمتين، أي التقاط الصور في تلك الحفلة الراقصة الجريئة، وتعيين سلامة حاكماً للمصرف المركزي خلفاً لرجل القانون إدمون نعيم، لكنها ست سنوات ممهدة لهوية لبنان المالية، ومؤسسة لاقتصاد الديون والبورصات وتخزين الفوائد. والصور التي نشرتها “باري ماتش” تحفز الذاكرة لأسباب أخرى، ذاك أنها تردنا إلى ذلك الزمن التي أطلقت فيه الحريرية الاقتصادية زمنها، فغنت لها فيروز في الوسط التجاري معلنة افتتاح زمن سوليدير، وراحت التلفزيونات تنقل لنا برامج الليل المفتوح التي حلت الراقصة المصرية دينا ضيفة دائماً في صالوناتها، في وقت كان فيه المندوب السامي السوري غازي كنعان يستيقظ باكراً ويمارس رياضته الصباحية على كورنيش المنارة.

يبقى هذا في الجانب المشهدي لما تستدعيه الذاكرة، إنما لاختيار سلامة لهذه المهمة في حينها أسباب تتعدى البعد المشهدي الذي حضر منه الرجل إلى الحاكمية. فقد تم اختيار مضارب في الأسواق المالية ليقود المركب المالي والمصرفي اللبناني. فلطالما تفاخر رياض سلامة بأنه قدم إلى الحاكمية من شركة “مريلانش” العالمية، وكان راتبه الشهري في حينها يتعدى الـ150 ألف دولار أميركي. “مريلانش” هي شركة مضاربات مالية، وسلامة كان مضارباً فيها، أو ما يسمى بلغة الأسواق “بروكر”! وفي حينها تم تعميم الـ”بروكر” بوصفه نموذجاً لجمهورية الطائف. فاستملكت “سوليدير” بموجب قانون رهيب صدر عن المجلس النيابي وسط بيروت، وصار قلب المدينة ومركزها التاريخي جمهورية يرأسها ناصر الشماع، وهو مضارب عقاري آخر.  

كي تكون حاكماً لمصرف مركزي عليك أن تكون صاحب أخلاق لا صاحب خبرة في” الأسواق المالية”

ينطوي هذا الاختيار على فهم “نيو رأسمالي” للمالية العامة. الخلفية القانونية لحاكم مصرف لبنان ليست مهمة، وكذلك الخلفية المصرفية القائمة على تجربة في العمل المصرفي توازن بين حقوق المودعين المصانة وبين ريوع المصارف. وبهذا المعنى تم نقل مهمة المصرف المركزي من كونه مؤسسة عامة مهمتها الرئيسة حماية المالية العامة وضبط عمل المصارف الخاصة، إلى كونه مؤسسة للمضاربة في الأسواق المالية مهمتها تقديم إغراءات للصناديق المالية وقنص القروض وتبديدها بالفساد، مع ما تستدرج المهمتان من صور لعل آخرها تلك التي نشرتها “باري ماتش” لسلامة، لكنها أيضاً تستدعي تلك الصورة الشهيرة للحاكم الذي سبق سلامة إلى المنصب، أي إدمون نعيم، حين كان يقيم في المصرف، ويحمي مكتبه الذي استهدف بالقنص والقصف في سنوات الحرب بأكياس الرمل.

وإذا كان الانحياز الذي يبديه “الحريريون” وجزء من الأحزاب المسيحية، وربما بطريرك الموارنة بشارة الراعي، لسلامة قائماً على أن الرجل جاء ليقود المركب المالي في زمن السلم، في وقت تولى نعيم قيادته في زمن الحرب، فإن ما نحن فيه اليوم من انهيار أوصلنا إلى شفير المجاعة لا ينفصل إطلاقاً عن تلك المعاني التي تكثفها صور سلامة في “باري ماتش”، في وقت سلم فيه نعيم مصرف لبنان إلى خلفه مع احتياطات مالية خالية من الارتكابات، ولم يفض حينها، وعلى رغم الحروب، انهيار العملة إلى انهيار المصارف على رؤوس المودعين!

“لكي تكون حاكماً لمصرف مركزي عليك أن تكون صاحب أخلاق لا صاحب خبرة في الأسواق المالية”. هذه العبارة لتوفيق كاسبار، الخبير المالي والمستشار السابق لإدمون نعيم! الخبرة تأتيك من عملك ومن مستشاريك، أما الأخلاق فيجب أن تسبقك إلى المنصب، ذاك أن صلاحياتك الواسعة تعرضك للانزلاق إلى الفساد إذا لم تكن محصناً بأخلاق تشبه تلك التي اصطحبها نعيم إلى المصرف.

رياض سلامة قدم إلى الحاكمية من تلك الصورة التي نشرتها “باري ماتش”، في وقت أقام ادمون نعيم في صورة له خلف متراس رملي في مقر المصرف في شارع الحمرا!        

إقرأوا أيضاً: