هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
على رغم الادعاءات المصريّة والسعوديّة بعمق العلاقة والتحالف بين الدولتين، الّا أنّ الأحداث وراء الكواليس تبيّن غير ذلك، خصوصاً التسريبات الأخيرة التي تكشف شراء المملكة العربية السعوديّة برنامج Pegasus الإسرائيليّ من شركة NSO الخاصة، لمحاولة التنصّت على أرقام وزراء مصريين بداية من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وصولاً إلى المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة المصريّة السفير أحمد حافظ، ومروراً بوزراء العدل والاتصالات والمال والخارجيّة.
كشفت تسريبات في سياق مشروع “بيغاسوس”، هو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحفياً من 17 مؤسسة صحافيّة منها موقع “درج” في 10 دول، أنّ السلطات السعوديّة حاولت التنصّت على الكثير من الأرقام المصريّة التابعة لوزراء في الحكومة. وتنسّق المشروع منظّمة Forbidden Stories مع مساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab.
لم تحدّد التسريبات والوثائق ضمن مشروع “بيغاسوس” (“The Pegasus Project”) عمّا إذا نجحت هذه المحاولات، أو ما هدف المراقبة أو “الاستهداف”، وبالتالي لا يمكن التأكّد من أسباب التنصت على الوزراء في مصر، إلّا أنّ الفترة الزمنيّة التي تمّ استهدافهم بها لها دلالاتها، فمعظم الوزراء تمّت مراقبتهم في الجزء الأخير من آذار/ مارس 2019، أي الفترة التي انشغلت بها دول العالم العربي بالقمّة العربية في تونس.
وتضمّنت التسريبات أرقاماً وأسماء لقيادات مصريّة الّا أنّ فريق التحقيق لم يتمكّن من التأكّد من كلّ الأسماء والأرقام خصوصاً أنّ الأمنيين يغيّرون أرقامهم بشكلٍ مستمرّ.
ولكن تمكّنا من التحقّق من بضع هذه الأرقام، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ ورود هذه الأرقام بالتسريبات يؤكّد محاولة استهدافهم، ولكن قد لا يعني بالضرورة التمكّن من اختراق الهواتف. وعلى هذا الأساس، من الواضح أنّ السلطات في المملكة العربيّة السعوديّة حاولت اختراق هواتف كلّ من:
– مصطفى مدبولي: وهو رئيس الوزراء المصري منذ عام 2018. قام بمهمات القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء بين عامي 2017 و2018. وشغل سابقاً منصب وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانيّة (2014 – 2019) وذلك لحيازته دكتوراه في الهندسة المعماريّة عام 1997.
هذا فضلاً عن تولّيه مراكز مرموقة ومهمّة أبرزها: رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني في وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانيّة بين 2009 و2011.
– محمد معيط: وزير الماليّة منذ عام 2018. شغل بين 2016 و2018 منصب نائب وزير الماليّة لشؤون الخزانة العامة. حاصل على دكتوراه في العلوم الاكتوارية منذ عام 2003.
– حسام عبد الرحيم: وزير العدل أيضاً منذ عام 2018. تدرّج في الكثير من المناصب في مسيرته. شغل منصب رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى منذ عام 2014 ولمدّة عام. كما كان رئيساً لمحكمة القيم وعضواً في اللجنة العليا للانتخابات خلال عملية الإشراف على الاستفتاء الشعبي على دستور 2014. حاصل على إجازة في الحقوق عام 1966.
ويلعب القضاء دوراً مهمّاً كأحد أبرز أركان الدولة العميقة في مصر للحفاظ على النظام القائم ودحض أي تغيير محتمل.
ومن ينسى أنّ القضاء كان مشكلة أساسيّة اصطدم بها الإخوان المسلمون في ولايتهم القصيرة. فأصدر الإخوان عندها مرسوماً لخفض سن التقاعد عند القضاء من 70 إلى 60 عاماً ممّا كان من شأنه عزل حوالى 3000 – 3500 قاضٍ من مناصبهم في خطوة وصفت بأنها محاولة من جماعة الاخوان لعزل القضاة الأطول خدمة وهم أكثر الموالين لحكم الرئيس السابق حسني مبارك. إضافة إلى ذلك، تضمنت التعديلات تقييد الخطاب السياسي للقضاة والحق في الإضراب، وأثارت هذه التعديلات غضباً عارماً بين القضاة الذين خرجوا إلى الشوارع في أواخر أيّار/ مايو 2013 أي قبل انقلاب 3 تمّوز/ يوليو 2013 بقيادة المشير عبد الفتّاح السيسي.
– ياسر القاضي: وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق. شغل مناصب إداريّة مرموقة في مسيرته التي تمتدّ لنحو 30 عاماً في قطاع تكنولوجيا المعلومات. من أبرز المراكز التي تبوأها:
أ- المدير الإقليمي لشركة “أتش بي” العالمية في أفريقيا والشرق الأوسط (وشغل منصب المدير التنفيذي للشركة في مصر).
ب- الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ايتيدا) التابعة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ت- المدير الإداري لأول مشغّل اتصالات في مصر “أوراسكوم آي آي إس” (1994 – 1999).
ث- المدير العام لشركة “الجريسي” في المملكة العربية السعودية والكويت (1991 – 1994).
لم يكن القاضي وزيراً عندما تمّ استهدافه من قبل المملكة ببرنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي، ما يطرح علامات استفهام حول الهدف وراء استهدافه.
– سامح شكري: وزير الخارجية منذ عام 2014 أي في أول حكومة بعد رئاسة السيسي. شغل شكري سابقاً مناصب ديبلوماسيّة عدة أبرزها سفير مصر في الولايات المتّحدة الأميركيّة (2008- 2012).
هذا إضافة إلى استهداف السفير أحمد حافظ بالبرنامج الالكتروني نفسه، وهو المتحدث باسم وزارة الخارجية المصريّة.
ومن خارج الحكومة، خضع للمراقبة السعودية أيضاً السياسي المصري موسى مصطفى موسى وهو يشغل منصب رئيس “حزب الغد” منذ عام 2005. والجدير ذكره أنّ موسى كان المرشّح الوحيد الذي قدّم ترشّحه في الدقيقة الأخيرة لمواجهة الرئيس السيسي في، “انتخابات” الرئاسة المصريّة عام 2018.
إقرأوا أيضاً:
القمّة العربيّة في تونس
عُقدت القمّة العربيّة بنسختها الثلاثين في تونس في 31 آذار 2019، ومن المرجّح أنّها السبب الرئيسي وراء استهداف المملكة العربية السعودية لمعظم الوزراء المصريين في تلك الفترة تحديداً.
وبرزت مواقف كثيرة خلال القمّة أبرزها مغادرة أمير قطر تميم بن حمد القمّة وتونس من دون الإدلاء بكلمته وذلك بعد حضوره الجلسة الافتتاحيّة التي تضمّنت كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربيّة المصري أحمد أبو الغيط الذي انتقد “تدخّلات الجيران”، تحديداً تركيا وإيران، في شؤون العرب الداخليّة، معتبراً أنّ هذا ساهم في مفاقمة الأزمات الإقليميّة وخلق مشكلات جديدة. وبناءً على ذلك، شدّد على رفض “هذه التدخلات وما تحمله من أطماع ومخططات”. وعلى رغم ترجيح مغادرة بن حمد ردّاً على كلام أبو الغيط، الّا أنّ الجهات القطريّة الرسميّة لم تصدر أي موقف رسمي يفسّر سبب مغادرة بن حمد.
إنّما، عُقدت على مستوى رؤساء الدول وحضرها الرئيس السيسي ولكن لم يتمكّن فريق التحقيق من التأكّد عمّا إذا كانت هناك محاولة للتنصّت على الرئيس السيسي نفسه.
ولذلك يبقى السؤال الأبرز لماذا تمّت محاولة التنصت على الوزراء المصريين، على رغم عدم حضورهم أو تعاطيهم المباشر بالقمة العربيّة؟ فهل من أسباب داخليّة مصريّة تهمّ المملكة دفعتها إلى استهدافهم؟
أحداث داخليّة
داخليّاً، برزت تطوّرات وأحداث في تلك الفترة أبرزها:
1- عقد قمّة ثلاثيّة بين الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في 24 آذار 2019.
2- اجتمع وزراء خارجيّة مصر والأردن والعراق لمناقشة الوضع الأمني في المنطقة على هامش القمّة العربيّة في 29 آذار 2019.
3- صادق السيسي على القانون رقم 8 لسنة 2019 (في 30 آذار 2019)، يُعرف بقانون الرمال السوداء والذي يعطي ترخيصاً “لوزير الكهرباء والطاقة المتجددة في التعاقد مع هيئة المواد النووية والشركة المصرية للرمال السوداء، بشأن البحث عن استكشاف وتعدين وتركيز المعادن الاقتصادية والمنتجات الثانوية من ركاز الرمال السوداء…”.
4- أصدر مصطفى مدبولي مجموعة من القرارات التي تحكم صندوق مصر السيادي الجديد، وهو مجموعة أصول بقيمة 200 مليار جنيه مصري (11.2 مليار دولار عندها) مملوكة بالكامل للحكومة المصرية، تم تأسيسه كأداة للمساهمة في تنمية الاقتصاد المستدام في البلاد.
5- بدأت التحضيرات للاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر الذي أجري بين 20 إلى 22 نيسان/ أبريل 2019 وعلى أساسه أُقرّت “تعديلات دستورية ترسّخ قمعا طويل الأمد”، بحسبHuman Rights Watch، إذ إنّها تسمح بانتخاب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين بينما كان الدستور القديم ينصّ على انتخابه مرّة واحدة ولمدّة أربع سنوات.
فهل شكل أحد هذه الأحداث دافعاً لمحاولة تنصّت المملكة إلكترونيّاً على وزراء حليفتها؟
كواليس العلاقات السعودية- المصرية!
مرّت العلاقات السعودية- المصرية تاريخيّاً بالكثير من التقلّبات بين التحالف، التعاون، الفتور، التنافس، الصراع العلني. كلّ هذا التأرجح في العلاقة ساهم في استمرار نوع من الشكّ المتبادل بين الطرفين حتى في ذروة تحالفهما.
في هذا الإطار، كتب الباحث والأستاذ الجامعي المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط غريغوري أفتانديليان، في مقال له في المركز العربي واشنطن دي سي، في 9 شباط/ فبراير 2021، أنّ مصر والمملكة العربية السعودية حليفتان استراتيجيتان في الشرق الأوسط، إذ تربطهما مصالح مشتركة وتصورات متشابهة للتهديدات. فالمملكة تقدّر القوة العسكرية الكبيرة لمصر، والتي تساعد في حماية جزء من المياه الاستراتيجية المهمّة بالنسبة إلى الطرفين ألا وهي: البحر الأحمر. أمّا مصر فتعتبر السعودية أهم ممول اقتصادي لها ومكاناً لتأمين فرص للعمالة المصرية. يشترك الاثنان أيضاً في مقاومة الانفتاح السياسي والتدخل في شؤونهما الداخلية، بحسب أفتانديليان.
وعلى رغم التحالف القوي بين الدولتين، خصوصاً بعد وصول الرئيس عبد الفتّاح السيسي إلى سدّة الرئاسة عام 2014، إلّا أنّ المملكة العربية السعوديّة تتبع سياسية اللاثقة بالحلفاء والأعداء على حدّ سواء.
فخلف كواليس هذا التحالف هناك مصالح سياسية متباينة أحياناً، وفق أفتانديليان الذي يرى أنّ مصر مستاءة من كونها الحليف الأفقر ممّا يضطرّها إلى تجنّب الانتقاد والتبعيّة لسياسات المملكة في معظم الأحيان. أمّا المملكة فتتخوّف من مطامح مصر لاستعادة دورها التاريخي في قيادة المنطقة العربيّة، على رغم انتقال القوة في المنطقة في العقود الأخيرة إلى دول الخليج.
واشتعل الشارع المصري عام 2016 بسبب قضية جزيرتي تيران وصنافير عقب موافقة مجلس النواب المصري على منح السيادة على الجزيرتين لمصلحة السعودية، في إطار اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. كما حصل نزاع قضائي بين المحكمة الإداريّة العليا التي قضى حكمها بإبطال الاتفاقية وبين محكمة الأمور المستعجلة التي أبطلت حكم الإدارة العليا، فيما تدخّلت المحكمة الدستوريّة العليا للفصل بين المحكمتين وبإقرار عدم جواز مخالفة الاتفاقية بين الدولتين.
هل يمنع القانون الدولي التجسّس؟
تختلف آراء خبراء القانون الدولي في ما إذا كان القانون الدولي يجرّم التنصّت. وتبرز ثلاثة آراء أساسيّة في هذا السياق:
1- الرأي السائد وهو أنّه ما من قاعدة عامة تحظر التجسّس بموجب القانون الدولي، حتى في أوقات السلم. وبالتالي يتمّ تقييم ذلك حالة بحالة.
2- الرأي الآخر هو أنّ التجسس محظور بموجب القانون الدولي العام وذلك لأنّ هذه الأنشطة تشكل انتهاكاً للسيادة ولمبدأ عدم التدخل.
3- الرأي الثالث يعتبر أنّ التجسّس يقع في منطقة رمادية من القانون الدولي، إذ إنّه ليس مجرّماً أو ممنوعاً وليس مبرّراً بشكل صريح وواضح.
ويعتبر بعض الخبراء أنّ الضبابيّة التي تحيط بالتجسّس السبب في ذلك هو أن الدول ليست لديها مصلحة في تنظيم التجسس، لأن القيام بذلك سيعيق قدرتها على حماية أمنها القومي.
ويرى بعض الخبراء الآخرين أنّ بعض الدول ترى في التنصّت وسيلة وفرصة لتعزيز تحالفاتها وتطوير التعاون مع دول أخرى. وهذا ما يبرّر أنّ الدول سواء كجناة أو كضحايا، نادراً ما تميل إلى النقاش أو الحديث علناً بشأن هذه المسألة ولماذا تتجاهل دول كثيرة شكوكاً وحتى إثباتات حول التنصّت عليها من دول أخرى.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
إقرأوا أيضاً: