fbpx

تفاهات التلفزيون كنز ترامب ونتانياهو وبيرلسكوني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بإمكان جولة في دربٍ من دروب ذاكرة موقع جامعة تل أبيب، بعنوان “الصحافة اليهوديّة التاريخية”، أن تكون مؤلمةً، بخاصة للصحافيّين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بإمكان جولة في دربٍ من دروب ذاكرة موقع جامعة تل أبيب، بعنوان “الصحافة اليهوديّة التاريخية”، أن تكون مؤلمةً، بخاصة للصحافيّين. على سبيل المثال، تحتوي نسخة 6 تمّوز/ يوليو 1979 الضخمة من صحيفة “معاريف” اليوميّة على 167 صفحة، مُشبعَة بإعلانات مصوّرة كبيرة، وبقدرٍ هائل من الإعلانات المبوّبة، وتنويهات عن حفلات الترفيه، التي تتخلّل صفحاتٍ من التحليلات المطوّلة والمفصّلة للأحداث الجارية. بعد سنواتٍ من البث التلفزيونيّ المتخم بالإعلانات التجاريّة، وبعد ظهور “فيسبوك” و”غوغل”، لم تعُد “معاريف” اليوم –مثل معظم الصحف الإسرائيليّة– إذ لا تحوي سوى القشور مقارنة بما كانت عليه في الماضي.

كان الدليل التلفزيونيّ الأسبوعيّ في إسرائيل عندما كانت فيه قناة واحدة فقط، قصيراً وجذّاباً. وكان الدليل يحوي برامجَ تعليميّة للمشاهدين الصغار، وكانت تلك البرامج تبثّ حصراً على مدار اليوم. في ساعات المساء، المعروفة اليوم بـ”وقت الذروة”، كانت الحصّة الرئيسيّة في القناة الأولى، التي تملكها الدولة، تشمل برامجَ عن الطبيعة، ومسلسلات دراما بريطانيّة راقية، وأفلاماً فرنسيّة رفيعة، وبرامجَ أصيلة تتناوَل الأحداث الراهنة ونشرة الأخبار المسائيّة الرئيسيّة.

كان الأمر نخبويّاً واحتكاريّاً، وبالنسبة إلى بعض النقّاد، كان الأمر مملّاً على النحو البلشفيّ. غير أنّه مقارنةً بالعصر الحالي الذي ينغمر فيه “وقت الذروة” في إسرائيل ببرامج من عيّنة Survivor VIP وThe Voice وMaster Chef، كانت القناة الأولى القديمة والملامة اليوم أشبه ما تكون بجامعة أوكسفورد.

الإيطاليّون فوق سنّ 55، الذين شاهدوا Mediaset بانتظام تأثّروا بشكل أساسيّ بالنشرات الإخباريّة في الشبكة، والتي كانت تميل بشدّة إلى جانت بيرلوسكوني.

إلّا أنّ الشوق إلى محتوى كثيف ومؤثر أو الأسف على السقوط المتواصل الذي يشهده المحتوى التليفزيونيّ ليسا مجرّد حنين إلى الماضي؛ فقد أثبتت دراسة جديدة نشرتها المجلّة الاقتصاديّة الأميركيّة (أميركان إيكونوميك ريفيو American Economic Review)، واقتبست منها مجلة “ذي أتلانتيك”، أنّ البث التلفزيونيّ المثقل ببرامج تلفزيون الواقع وبرامج الترفيه الخفيفة له أثر مباشر على تفضيلات التصويت الانتخابي، بما يزيد من دعم المرشّحين الشعبويّين وأحزابهم.

تقدّم الدراسة، التي أُجريت في إيطاليا، دليلاً علميّاً على وجود ارتباط بين متابعة الشبكة التلفزيونيّة الترفيهيّة Mediaset، الموالية لرئيس الوزراء الإيطاليّ سليفيو بيرلوسكوني، وبين دعمه ودعم حزبه “فورزا إيطاليا” Forza Italia، في الانتخابات الإيطاليّة المتعاقبة. إضافة إلى ذلك، ومع تفسّخ هذا الحزب قبل عقدٍ مضَى، وجّه مدمنو هذه الشبكة دعمَهم إلى حركة النجوم الخمس، وهي حزب إيطاليّ بعيد من أيديولوجيا بيرلوسكوني، وإن كان ما زال يُحاكي شعاراته الشعبويّة القصيرة والجذّابة. ووجدَت الدراسة أنّ البرامج التلفزيونيّة الضحلة، لا تدفع الناخبين إلى القيادات الصحيحة بالضرورة، وإنّما إلى القيادات الكاريزمية والأحزاب السياسيّة التي تنجح في تأطير مواقفها واختزالها في شعاراتٍ موجزة ومقتضبَة لا تتطلّب اختبارَها أو نقدها وتمييزها أو أيّ قدرة على تمييز الحقائق عن الخيال.

وجدَت الدراسة أيضاً أنّ المجموعتَين العمريّتَين اللتَين كانتا أكثر عرضةً للتأثر بمحتوى Mediaset الداعي إلى التهرّب الاختزاليّ من الواقع –وهو أكثر من مجرّد غمزة أو إيماءة إلى المواد الإباحيّة الخفيفة– هما كبار السنّ والمراهقون.

فالإيطاليّون فوق سنّ 55، الذين شاهدوا Mediaset بانتظام تأثّروا بشكل أساسيّ بالنشرات الإخباريّة في الشبكة، والتي كانت تميل بشدّة إلى جانت بيرلوسكوني. أكّدتَ نتائج الدراسة ما وصلت إليه دراسات موازية في الولايات المتّحدة، مفصلة تأثيرات شبكة “فوكس نيوز” في مُدمني مشاهدتها.

تتعلّق النتائج الأكثر إثارةً للقلق، وتمتدّ عواقبها إلى أبعد من المجال السياسيّ، بتأثير Mediaset، في المشاهدين الإيطاليّين الأصغر سنّاً. كشفت الدراسة أنّ أولئك الذين يشاهدون Mediaset، باستمرار خلال مرحلتَي الطفولة والمراهَقة لديهم مهارات إدراكيّة أدنى من أقرانِهم الذين لا يشاهدونها. فكما يشير تقرير الدراسة، جعلهم التعرّض للبرامج التلفزيونيّة الترفيهيّة “أكثر ضحالةً من الناحية المعرفيّة والثقافيّة، وفي النهاية أكثر عرضةً لقبول الخطاب الشعبويّ”.

انجلَت هيمنة نتانياهو على المشهد السياسيّ الإسرائيليّ على مدار العقد المنصرم – بما يشمل أربعة انتصارات انتخابيّة صريحة، مع احتمال، أو بالأحرى ترجيح، فوزه بولاية خامسة في 17 أيلول/ سبتمبر

لا مفرّ من عقد مقارنة بالحالة الإسرائيليّة (والحالة الأميركيّة أيضاً). انتُخِب بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء للمرّة الأولى بعد ثلاثة أعوام من نهاية احتكار القناة الأولى للبث التلفزيونيّ، وإنشاء القناة الثانية التجاريّة التي يملكها القطاع الخاص. انجلَت هيمنة نتانياهو على المشهد السياسيّ الإسرائيليّ على مدار العقد المنصرم – بما يشمل أربعة انتصارات انتخابيّة صريحة، مع احتمال، أو بالأحرى ترجيح، فوزه بولاية خامسة في 17 أيلول/ سبتمبر – بالتوازي مع الاستيلاء التامّ لبرامج الترفيه وتلفزيون الواقع على وقت الذروة في التلفزة الإسرائيليّة وعلى قلوب وعقول كثر من الإسرائيليّين. مثل دونالد ترامب وبيرلوسكوني، يُعدّ نتانياهو أستاذاً في صياغة الشعارات القصيرة الجذّابة المناقضة للحقائق.

هل هو “إعلامٌ معادٍ”؟ بالكاد يمكننا قولُ هذا. إذ إنه ليس سوى شعارٍ من شعارات نتانياهو الأساسيّة الناكرة الحقائق. أمّا في الواقع فالإعلام – بخاصة التلفزيون – هو أحد أخلص أصدقاء الرجل؛ ومن دونه لَربّما كان غادر المشهدَ السياسيّ منذ أمدٍ بعيد. وبقدر ما يتعلّق الأمر به، فإنّ النفايات الإعلاميّة هي كنزه الثمين.

هذا المقال مترجَم عن Haaretz.com ولقراءة المادة الأصلية زوروا الرابط التالي

دفن “النكبة”: كيف أخفَت إسرائيل أدلّة طرد العرب عام 1948؟

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!