يتعرض السجناء المصريون بخاصة المعتقلون منهم على خلفية قضايا سياسية، لسوء معاملة جسدية ونفسية، تتسبب في حالات كثيرة بإصابة سجناء بأمراض مزمنة، كالفيروس الكبدي الوبائي والسرطان والجرب. ويواجه آخرون خطر الموت، نتيجة انعدام الرعاية الصحية، ومنهم من يلاقي حتفة بالفعل، لكن ما لم يحدث في تاريخ مصر والسجون المصرية، أن يلقى رئيس دولة سابق حتفه في السجن، بسبب الإهمال الطبي… على الأقل.
في قاعة المحكمة وعلى خلفية القضية المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي، التخابر مع حركة حماس واقتحام سجن وادي النطرون، طلب مرسي من القاضي تحديد جلسة خاصة للمحاكمة لأن اعترافاته ستتضمن إفشاء أسرار خاصة بالدولة. رفض قاضي التحقيقات، وقرر تأجيل الجلسة وأمر بصرف المتهمين إلى سجونهم، إلا أن مرسي سقط مغشياً عليه، جاحظ العينين، بلا نبض، عاجزاً عن التنفس.
بعد انتشار خبر الوفاة، انتشرت دوريات الأمن والعناصر كاملة الجاهزية، تجوب الشوارع على أهبة استعدادها لأي موجة غضب قد تندلع. ومن أجل تدارك ردود الفعل، يبدو أن الاجهزة الأمنية فرضت على أسرة الراحل دفن جثمانه فجر اليوم في مدافن الوفاء والأمل في مدينة نصر في القاهرة بحضور نجله ومحاميه. وعلى رغم أن السائد أن المتوفى يدفن عادة في مسقط رأسه، لكن السفر بجثمان الراحل إلى محافظة الشرقية، قد يحدث توتراً وصداماً أمنياً غير محسوب العواقب.
جاءت تغطية الصحف الرسمية المصرية الثلاث لخبر وفاة مرسي محيرة، فبدلاً من أن يأخذ الحدث وملابساته الصفحة الأولى باعتبار الراحل رئيساً سابقاً للبلاد، قامت جريدة الأهرام بنشر خبر سريع في صفحة الحوادث، من أربعة أسطر وسط أخبار على شاكلة زوج يلقي زوجته من الطبقة الثالث!
كما نشرت جريدتا “الأخبار” و”الجمهورية” الخبر في صفحة المنوعات في صياغة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أسطر، واتفقت الصحف الثلاثة على عدم منح الراحل لقب الرئيس المعزول واكتفت بتعريفه بـ”محمد مرسي العياط”.
كانت ردود فعل الشارع كالتالي “الراجل مات وهو في السجن”، وهنا يحمل الموت صفعتين، الرحيل بذاته من جهة ومكان حدوثه من جهة ثانية، السجن!
فالموت في السجن قد يوازي أو يفوق الموت في المنفى، بعيداً من الأهل ومن دون وداع أحد، إنه موت مرفق بسلب الحرية والإرادة وفرصة النجاة.
مشهد وقوف مرسي في قفص الاتهام وهو في حالة إعياء واضحة قبل وفاته، يذكر بمشهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وهو في قفص الاتهام، ويحظى بكامل التبجيل من الحراس. يرتدي نظارته الشمسية السوداء، آتياً في كل مرة من مستشفى المعادي العسكري، حيث أمضى خمس سنوات، تحت الرعاية الصحية الفائقة منذ عام 2012 حتى 2017، وهو يعد من أغلى المستشفيات التابعة للجيش. وقد تلقى فيه أفضل خدمة ممكنة ورعاية صحية دؤوبة. بين محاكمة مرسي ومحاكمة مبارك، فجوة كبيرة، بين سجينين استحق كلاهما الرعاية الصحية، إلا أن الأول حظي بأفضلها، وحرم الثاني منها نهائياً حتى لقي حتفه.
على رغم أن خبر موت مرسي أحدث الصدمة على نطاق واسع، إلا أن متابعي وضعه منذ بداية العام الماضي، يدركون أن هذه النهاية كانت حتمية ومتوقعة. فقد حذر تقرير نشرته “الاندبندنت” البريطانية في نيسان/ أبريل عام 2018، من أن الرئيس المعزول قد يواجه موتاً مبكراً، إذا لم يلق الرعاية الصحية الضرورية داخل السجن الأسوأ سمعة، سجن العقرب في معتقل وادي النطرون، وذلك بعدما ساءت حالته الصحية، وأصيب بالعمى في عينه اليسرى بسبب مرض السكري، الذي يودي به إلى الإغماء وفقدان الوعي.
لفت التقرير إلى أن مرسي كان يمضي في حبس انفرادي 23 ساعة في اليوم، وسمح له بالتريض لمدة ساعة واحدة، ومُنع من التحدث أو التواصل مع أي شخص، عدا حراس سجنه. ولم يُسمح لعائلته بزيارته سوى مرتين على مدار 6 أعوام. واعتبر التقرير أن الحبس الانفرادي في حد ذاته يعد نوعاً من التعذيب، على رغم أن الحالة تستدعي الرأفة بسبب سوء الوضع الصحي المتردي.
ولفت تقرير crispin blunt، الذي نشر في آذار/ مارس 2018، بعنوان “مرسي ليس سجيناً عادياً”، إلى أن السلطات المصرية رفضت طلب بول ويليام بلانت، عضو لجنة الصحة في البرلمان البريطاني، لمقابلة مرسي في حبسه، وذلك للإطلاع على وضعه الصحي. يؤكد ذلك صحة ما تم تداوله عن تردي وضع مرسي الصحي. وأشار التقرير إلى أنه تعرض مرتين لغيبوبة السكري نتيجة تناوله طعام السجن، على رغم أنه يفترض أن يتناول طعاماً صحياً يتلاءم مع حالته الصحية.
عرف الشارع المصري الرئيس المعزول محمد مرسي لأول مرة بعد مكالمة هاتفية له مع قناة “الجزيرة”، ثم مع راديو “بي بي سي” عام 2011. كان الراحل هرب لتوه من سجن وادي النطرون مع 34 من أعضاء الاخوان المعتقلين، منهم سبعة من مكتب الإرشاد بعد اقتحام السجن عام 2011 في فترة الانفلات الأمني، وهي القضية التي اتهم فيها مرسي بعد عزله، أي التدبير لاقتحام السجن وتهريب السجناء. بعد هذه المكالمة لم يظهر مرسي مجدداً على الساحة حتى عاد اسمه مجدداً للظهور، بعدما تم طرحه للترشح للرئاسة منافساً للمرشح أحمد شفيق، ليصبح رئيساً للجمهورية ويصبح محمد سعد الكتاتني رفيق سجنه في وادي النطرون، رئيساً لمجلس الشعب!
كانت أبرز قرارات محمد مرسي في فترة حكمه هي سحب الصلاحيات التي كان يتمتع بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة شؤون البلاد، إلا أن فترة حكمه أيضاً شهدت تدهوراً في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن احتكار جماعة الإخوان صناعة الدستور، والتحريض ضد الشيعة في خطبة “نصرة سوريا”، ما أودى بحياة أربعة من الشيعة في مذبحة على يد جيرانهم وانتشار التهم المجانية المتعلقة بازدراء الأديان وفرض الإعلان الدستوري بالقوة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.
بعد عام من حكم مرسي تم عزله، وكان الانقلاب على حكمه وألقي القبض عليه عام 2013، مع أبرز قيادات الجماعة وهم محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق لجماعة الاخوان المسلمين والذي لقي حتفه في السجن عام 2017، محمد بديع المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين، خيرت الشاطر نائب المرشد العام للاخوان، الذي تتحمل عائلته تكاليف علاجه داخل السجن. إضافة إلى محمد سعد الكتاتني رئيس “حزب الحرية والعدالة” الذراع السياسية للجماعة، كما تولى رئاسة مجلس الشعب السابق، أحمد أبو بركة المستشار القانوني لـ”حزب الحرية والعدالة”، مراد محمد علي المستشار الإعلامي للحز ذاته، أحمد عارف المتحدث باسم جماعة الاخوان، عصام سلطان نائب رئيس “حزب الوسط”.
وقُبض في العام 2013 أيضاً على حازم صلاح أبو اسماعيل مؤسس “حزب الراية”، صفوت حجازي أحد أبرز المطلين على أنصار مرسي من خلال منصة رابعة، حمدي حسن المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للاخوان، رشاد بيومي النائب الأول لمرشد الإخوان، حسن البرنس أحد قيادات حزب الحرية والعدالة وشغل منصب نائب محافظ الاسكندرية، فتحي شهاب الدين، رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس شورى الجماعة المنحل، المقبوض عليهم أيضاً، والذين لم ترد أسماؤهم في التقرير، جاءوا من قيادات الصف الثاني والثالث وقيادات المكاتب الإدارية في المحافظات وقيادات المناطق والشُعب.
رحل محمد مرسي في سجنه وفي هذا السجن يقبع سجناء سياسيون كثر ولا شيء يضمن أنهم لن يلقوا مصير الموت البطيء نفسه..