fbpx

تونس: حلّ البرلمان ثم ماذا بعد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يبدو المشهد وردياً في تونس بعد حل البرلمان وإن كان قراراً منتظراً منذ مدة، لأن عدم إعلان الرئيس عن عودته إلى المسار الديموقراطي وتنظيم انتخابات مبكرة، سيؤدي حتماً إلى تأجيج الأزمة أكثر فأكثر، في ظل وضع اقتصادي واجتماعي على حافة الانفجار.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في خطوة طال انتظارها أكثر من سبعة أشهر، أعلن الرئيس قيس سعيد أخيراً عن حل البرلمان في خطاب ناري جاء على إثر عقد جلسة استثنائية للبرلمان المجمد تم خلالها التصويت على إلغاء كل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية منذ تاريخ 25 تموز/ يوليو. خطوة اعتبرها كثر من المراقبين بمثابة رد الفعل المتوتر ومحاولة لتطبيق نص الدستور الذي خرقه الرئيس مرات ومرات في السابق بحسب أهوائه.

استيقظ التونسيون يوم الأربعاء 30 آذار/ مارس على عقد جلسة برلمانية عن بعد كان دعا إليها رئيس البرلمان المُجمّد ورئيس “حركة النهضة”، راشد الغنوشي قبل يومين من ذلك، في تحد صارخ للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيّد منذ 25 تموز الماضي بتجميد مجلس نواب الشعب.

شاركت في هذه الجلسة الافتراضية كتل برلمانية عدة منها “كتلة النهضة” و”كتلة قلب تونس” و”كتلة ائتلاف الكرامة” و”كتلة التيار الديموقراطي” وغيرها، في إشارة إلى تململ الطبقة السياسية من حكم سعيّد الذي أقصاها من القرارات الخاصة بالدولة، ورغبتها الجدية في إزاحته من الحكم. شارك فيها 120 نائباً، بحسب تصريحات نائب رئيس البرلمان، طارق الفتيتي الذي ترأسها.

تم بث هذه الجلسة مباشرة على قناة “الجزيرة” القطرية وعبثاً حاول الرئيس سعيّد إيقافها عبر قطع استعمال تطبيقي “زووم” و”تيمز” خلال اليوم، ولكنه لم ينجح في منعها. وتم التصويت أخيراً على إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس منذ 25 تموز 2021 واعتبارها غير دستورية بمجموع 116 صوتاً (يضم البرلمان 217 نائباً)، دون رفض أو تحفظ من أي نائب.  

في خطوة طال انتظارها أكثر من سبعة أشهر، أعلن الرئيس قيس سعيد أخيراً عن حل البرلمان في خطاب ناري جاء على إثر عقد جلسة استثنائية للبرلمان المجمد تم خلالها التصويت على إلغاء كل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية منذ تاريخ 25 تموز/ يوليو.

في مساء اليوم ذاته، أطل علينا الرئيس خلال اجتماع مجلس الأمن القومي وهو يُرعد ويُزبد ويكيل الاتهامات لمن اعتبرهم “المتآمرين على أمن الدولة” ليُعلن حل البرلمان “حفاظاً على الدولة ومؤسساتها”، مستنداً إلى الفصل 72 من الدستور التونسي الذي ينص على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”.

قرار الرئيس جاء كرد فعل غاضب، وليس استجابة لمطلب شعبي بحل البرلمان، كما أن الفصل 80 من الدستور الذي كان استند إليه لتجميد مجلس نواب الشعب وقتها واقالة رئيس الحكومة، كان يقضي بحل هذا البرلمان وهو ما رفض سعيّد القيام به، كي لا يجد نفسه مُجبراً على تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة كما ينص الدستور، في خرق واضح له. وعبثاً طالب خبراء القانون الدستوري، والطبقة السياسية والمنظمات الوطنية بتطبيق الفصل 80 بحذافيره ولكن رئيس الدولة بقي ثابتاً على موقفه، لا بل أصدر في 22 أيلول/ سبتمبر الأمر الرئاسي 117، ليقوم بإلغاء معظم أبواب الدستور باستثناء التوطئة وباب الحقوق والحريات.

وللمفارقة، فهو اليوم يستند لحل البرلمان إلى الفصل 72 من الدستور الوارد في باب “السلطة التنفيذية” وهو كان قد ألغاه بموجب الأمر الرئاسي 117. هذا ما يثبت إلى أي درجة يتخبط رئيس الجمهورية في اتخاذ قراراته بين احترام القانون والدستور حينما يخدم ذلك مصالحه والالتفاف عليهما حين يتعارضان مع مشروعه السياسي لبسط هيمنته التامة على كل مفاصل الدولة. 

سعيّد يقع في الفخ

بدا وكأن الرئيس سعيد وقع في الفخ الذي نصبه له الغنوشي، الذي حاول من خلال إصراره على تنظيم الجلسة الافتراضية للبرلمان، أن يُجبر رئيس الدولة على حل المجلس النيابي وبالتالي الدعوة إلى انتخابات تشريعية في غضون ثلاثة أشهر، تأمل من خلالها “حركة النهضة” استعادة وجودها على الساحة السياسية والعودة إلى منظومة الحكم من جديد وكسر العزلة التي وضعها فيها قيس سعيّد. ويبدو أنه نجح في مناورته باعتبار أنه استطاع جر الأخير إلى أخذ القرار الذي كان يرفض اتخاذه مُفضّلاً إعطاء نفسه فرصة سنة كاملة لإعادة تنظيم أوراق اللعبة والتأسيس لنظام “رئاسوي” جديد يكون هو فيه الحاكم بأمره، قبل تنظيم انتخابات تشريعية اختار لها تاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022. 

مناورة الغنوشي قلبت حسابات رئيس الدولة وأدخلته في حالة ارتباك كبيرة وهو الذي رسم خارطة طريق واضحة تؤسس لإرساء حكمه المستبد للسنوات المقبلة، بداية من تنظيم الاستشارة الإلكترونية، إلى تنظيم الاستفتاء على القانون الانتخابي الجديد الذي سيكرس النظام الرئاسي، إلى خلق الشركات الأهلية التي يديرها الشعب لتأسيس النظام القاعدي الغالي على قلب قيس سعيّد، وصولاً إلى تنظيم انتخابات تشريعية في آخر هذه السنة لتفتح له الطريق للاستيلاء تماماً على السلطة بشكل قانوني وليس عبر الإجراءات الاستثنائية.

لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل إن رئيس البرلمان المنحل استطاع أن يؤلّب ضد سعيّد الرأي العام الدولي والقوى الأجنبية، إذ ورد في بيان نشرته السفارة الأميركية البارحة، أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس “أعرب عن انشغال بلاده بشأن القرار الأحادي الجانب الذي اتخذه رئيس الدولة بشأن حل البرلمان وأنه تم إبلاغ المسؤولين التونسيين بضرورة أن تكتسي أي عملية إصلاح سياسي الشفافية وأن تشمل الجميع”. كذلك عبرّت الخارجية الأميركية عن عميق قلقها من قرارات سعيّد فتح تحقيقات جزائية ضد البرلمانيين الذين شاركوا في الجلسة البرلمانية الافتراضية. 

رئيس الدولة بدا وحيداً أمام ساحة سياسية داخلية غير راضية عن آدائه المرتبك والهزيل وساحة خارجية لا تنفك تنتقد قراراته وتضغط عليه للعودة إلى المسار الديموقراطي. يأتي هذا كله وتونس تُواصل حالياً التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لاستكمال العجز الكبير في ميزانيتها، مع غياب ضمانات حقيقية للحصول عليه وسط التخبط السياسي الحالي. 

إقرأوا أيضاً:

نحو تنظيم انتخابات مبكرة؟

ردود الفعل على قرار حل البرلمان من قبل الطبقة السياسية الوطنية جاءت تقريباً متشابهة، فإن أثنت على القرار، إلا أنها اعتبرته جاء متأخراً، كما طالبت باستتباعه بالقرارات اللازمة لتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، فقد عبّر “اتحاد الشغل” في بيان عن رضاه النسبي عن قرار الرئيس وان اعتبره جاء “كرد فعل”، كما أنه أتى متأخراً، ودعا إلى تنظيم حوار وطني حقيقي يجمع القوى السياسية والوطنية للخروج بالبلاد من الأزمة الحالية، إضافة إلى تنظيم انتخابات مبكرة لإنهاء الوضع الاستثنائي.

في السياق نفسه، جاء أيضاً رد “الحزب الدستوري الحر” (وريث نظام بن علي)، إذ أكدت رئيسته عبير موسي ضرورة انهاء العمل بالفصل 80 والذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، علماً أنها كانت دعت إلى ذلك منذ بداية الإجراءات الاستثنائية.

ويمكن اعتبار عبير موسي أكثر المستفيدين من قرار حل البرلمان لأنه في صورة تنظيم انتخابات تشريعية، فإن حزبها هو الأقرب إلى الفوز بها بما أن استطلاعات الرأي تضعها في أعلى القائمة، حيث ورد في آخر استطلاع رأي لشهر آذار/ مارس قامت به مؤسسة “امرود كنسيلتينغ” أن حزبها يحتل 34 في المئة من نسب التصويت، في حين تحتل “حركة النهضة” 16 في المئة من نيات التصويت.

ولكن قيس سعيد الذي تراجعت شعبيته لا ينوي إعطاء هذه الفرصة لمنافسيه السياسيين للعودة إلى المشهد السياسي ومشاركته في الحكم، حيث أعلن في ساعة متأخرة مساء الخميس 31 آذار/ مارس أنه لن يتم تنظيم انتخابات مبكرة في غضون ثلاثة أشهر كما ينص على ذلك الدستور، ليفتح بذلك الباب أمام المزيد من التأزم والاضطراب في الساحة السياسية الداخلية والمزيد من الضغط الدولي. 

في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي عدنان بلحاج عمر أن “قيس سعيد يرغب في ربح الوقت من خلال المماطلة في تنظيم الإنتخابات ليصل بسرعة إلى تاريخ 25 يوليو/تموز 2022 الموعد الذي حدّده للإستفتاء على القانون الإنتخابي الجديد، ويحصل بذلك على التأييد الشعبي اللازم لمشروعه في الحكم. ولكن هذا التوجه سيجد حتماً صداً كبيراً أولاً على الساحة السياسية الداخلية والخارجية وثانياً وهو الأهم، من الشعب الذي يعاني منذ أشهر من أزمة اقتصادية خانقة مع الارتفاع المهول في الأسعار وفقدان المواد الغذائية الأساسية. سيواجه سعيد في الأشهر المقبلة رفضاً شعبياً لحكمه”. ويضيف، “أوضح دليل على ذلك، غياب الملامح الاحتفالية في شوارع البلاد بعد إعلان الرئيس قرار حل البرلمان، على خلاف ما حصل في 25 تموز 2021”. 

من جهة ثانية، لا ينفك راشد الغنوشي يستثمر في أخطاء الرئيس من خلال الإعلان عن رفضه قرارات هذا الأخير، كما أنه ينوي استثمار قرارات سعيّد بالتتبع العدلي لأعضاء البرلمان، سياسياً، لمزيد من الضغط على الرئيس خارجياً. وكان قد صرّح أنه تم استدعاؤه للتحقيق يوم الجمعة 1 نيسان/ أبريل إضافة إلى نواب آخرين.

لا يبدو المشهد وردياً في تونس بعد حل البرلمان وإن كان قراراً منتظراً منذ مدة، لأن عدم إعلان الرئيس عن عودته إلى المسار الديموقراطي وتنظيم انتخابات مبكرة، سيؤدي حتماً إلى تأجيج الأزمة أكثر فأكثر، في ظل وضع اقتصادي واجتماعي على حافة الانفجار.

إقرأوا أيضاً:

طارق اسماعيل - كاتب لبناني | 02.12.2024

من يرد عنا تهديدات أدرعي؟ 

يفترض واقع الحال مباشرة الجيش مهمته القديمة والمستحدثة، كضامن وحيد لأمن الجنوبيين، ولو بحد أدنى متاحاً يستدعي بالضرورة تفعيل دور مديرية التوجيه فيه، كي لا يبقى الجنوبيون أسرى لاستعلاء ذميم يمارسه عليهم أفيخاي أدرعي.
01.04.2022
زمن القراءة: 6 minutes

لا يبدو المشهد وردياً في تونس بعد حل البرلمان وإن كان قراراً منتظراً منذ مدة، لأن عدم إعلان الرئيس عن عودته إلى المسار الديموقراطي وتنظيم انتخابات مبكرة، سيؤدي حتماً إلى تأجيج الأزمة أكثر فأكثر، في ظل وضع اقتصادي واجتماعي على حافة الانفجار.

في خطوة طال انتظارها أكثر من سبعة أشهر، أعلن الرئيس قيس سعيد أخيراً عن حل البرلمان في خطاب ناري جاء على إثر عقد جلسة استثنائية للبرلمان المجمد تم خلالها التصويت على إلغاء كل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية منذ تاريخ 25 تموز/ يوليو. خطوة اعتبرها كثر من المراقبين بمثابة رد الفعل المتوتر ومحاولة لتطبيق نص الدستور الذي خرقه الرئيس مرات ومرات في السابق بحسب أهوائه.

استيقظ التونسيون يوم الأربعاء 30 آذار/ مارس على عقد جلسة برلمانية عن بعد كان دعا إليها رئيس البرلمان المُجمّد ورئيس “حركة النهضة”، راشد الغنوشي قبل يومين من ذلك، في تحد صارخ للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيّد منذ 25 تموز الماضي بتجميد مجلس نواب الشعب.

شاركت في هذه الجلسة الافتراضية كتل برلمانية عدة منها “كتلة النهضة” و”كتلة قلب تونس” و”كتلة ائتلاف الكرامة” و”كتلة التيار الديموقراطي” وغيرها، في إشارة إلى تململ الطبقة السياسية من حكم سعيّد الذي أقصاها من القرارات الخاصة بالدولة، ورغبتها الجدية في إزاحته من الحكم. شارك فيها 120 نائباً، بحسب تصريحات نائب رئيس البرلمان، طارق الفتيتي الذي ترأسها.

تم بث هذه الجلسة مباشرة على قناة “الجزيرة” القطرية وعبثاً حاول الرئيس سعيّد إيقافها عبر قطع استعمال تطبيقي “زووم” و”تيمز” خلال اليوم، ولكنه لم ينجح في منعها. وتم التصويت أخيراً على إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس منذ 25 تموز 2021 واعتبارها غير دستورية بمجموع 116 صوتاً (يضم البرلمان 217 نائباً)، دون رفض أو تحفظ من أي نائب.  

في خطوة طال انتظارها أكثر من سبعة أشهر، أعلن الرئيس قيس سعيد أخيراً عن حل البرلمان في خطاب ناري جاء على إثر عقد جلسة استثنائية للبرلمان المجمد تم خلالها التصويت على إلغاء كل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية منذ تاريخ 25 تموز/ يوليو.

في مساء اليوم ذاته، أطل علينا الرئيس خلال اجتماع مجلس الأمن القومي وهو يُرعد ويُزبد ويكيل الاتهامات لمن اعتبرهم “المتآمرين على أمن الدولة” ليُعلن حل البرلمان “حفاظاً على الدولة ومؤسساتها”، مستنداً إلى الفصل 72 من الدستور التونسي الذي ينص على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”.

قرار الرئيس جاء كرد فعل غاضب، وليس استجابة لمطلب شعبي بحل البرلمان، كما أن الفصل 80 من الدستور الذي كان استند إليه لتجميد مجلس نواب الشعب وقتها واقالة رئيس الحكومة، كان يقضي بحل هذا البرلمان وهو ما رفض سعيّد القيام به، كي لا يجد نفسه مُجبراً على تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة كما ينص الدستور، في خرق واضح له. وعبثاً طالب خبراء القانون الدستوري، والطبقة السياسية والمنظمات الوطنية بتطبيق الفصل 80 بحذافيره ولكن رئيس الدولة بقي ثابتاً على موقفه، لا بل أصدر في 22 أيلول/ سبتمبر الأمر الرئاسي 117، ليقوم بإلغاء معظم أبواب الدستور باستثناء التوطئة وباب الحقوق والحريات.

وللمفارقة، فهو اليوم يستند لحل البرلمان إلى الفصل 72 من الدستور الوارد في باب “السلطة التنفيذية” وهو كان قد ألغاه بموجب الأمر الرئاسي 117. هذا ما يثبت إلى أي درجة يتخبط رئيس الجمهورية في اتخاذ قراراته بين احترام القانون والدستور حينما يخدم ذلك مصالحه والالتفاف عليهما حين يتعارضان مع مشروعه السياسي لبسط هيمنته التامة على كل مفاصل الدولة. 

سعيّد يقع في الفخ

بدا وكأن الرئيس سعيد وقع في الفخ الذي نصبه له الغنوشي، الذي حاول من خلال إصراره على تنظيم الجلسة الافتراضية للبرلمان، أن يُجبر رئيس الدولة على حل المجلس النيابي وبالتالي الدعوة إلى انتخابات تشريعية في غضون ثلاثة أشهر، تأمل من خلالها “حركة النهضة” استعادة وجودها على الساحة السياسية والعودة إلى منظومة الحكم من جديد وكسر العزلة التي وضعها فيها قيس سعيّد. ويبدو أنه نجح في مناورته باعتبار أنه استطاع جر الأخير إلى أخذ القرار الذي كان يرفض اتخاذه مُفضّلاً إعطاء نفسه فرصة سنة كاملة لإعادة تنظيم أوراق اللعبة والتأسيس لنظام “رئاسوي” جديد يكون هو فيه الحاكم بأمره، قبل تنظيم انتخابات تشريعية اختار لها تاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022. 

مناورة الغنوشي قلبت حسابات رئيس الدولة وأدخلته في حالة ارتباك كبيرة وهو الذي رسم خارطة طريق واضحة تؤسس لإرساء حكمه المستبد للسنوات المقبلة، بداية من تنظيم الاستشارة الإلكترونية، إلى تنظيم الاستفتاء على القانون الانتخابي الجديد الذي سيكرس النظام الرئاسي، إلى خلق الشركات الأهلية التي يديرها الشعب لتأسيس النظام القاعدي الغالي على قلب قيس سعيّد، وصولاً إلى تنظيم انتخابات تشريعية في آخر هذه السنة لتفتح له الطريق للاستيلاء تماماً على السلطة بشكل قانوني وليس عبر الإجراءات الاستثنائية.

لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل إن رئيس البرلمان المنحل استطاع أن يؤلّب ضد سعيّد الرأي العام الدولي والقوى الأجنبية، إذ ورد في بيان نشرته السفارة الأميركية البارحة، أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس “أعرب عن انشغال بلاده بشأن القرار الأحادي الجانب الذي اتخذه رئيس الدولة بشأن حل البرلمان وأنه تم إبلاغ المسؤولين التونسيين بضرورة أن تكتسي أي عملية إصلاح سياسي الشفافية وأن تشمل الجميع”. كذلك عبرّت الخارجية الأميركية عن عميق قلقها من قرارات سعيّد فتح تحقيقات جزائية ضد البرلمانيين الذين شاركوا في الجلسة البرلمانية الافتراضية. 

رئيس الدولة بدا وحيداً أمام ساحة سياسية داخلية غير راضية عن آدائه المرتبك والهزيل وساحة خارجية لا تنفك تنتقد قراراته وتضغط عليه للعودة إلى المسار الديموقراطي. يأتي هذا كله وتونس تُواصل حالياً التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لاستكمال العجز الكبير في ميزانيتها، مع غياب ضمانات حقيقية للحصول عليه وسط التخبط السياسي الحالي. 

إقرأوا أيضاً:

نحو تنظيم انتخابات مبكرة؟

ردود الفعل على قرار حل البرلمان من قبل الطبقة السياسية الوطنية جاءت تقريباً متشابهة، فإن أثنت على القرار، إلا أنها اعتبرته جاء متأخراً، كما طالبت باستتباعه بالقرارات اللازمة لتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، فقد عبّر “اتحاد الشغل” في بيان عن رضاه النسبي عن قرار الرئيس وان اعتبره جاء “كرد فعل”، كما أنه أتى متأخراً، ودعا إلى تنظيم حوار وطني حقيقي يجمع القوى السياسية والوطنية للخروج بالبلاد من الأزمة الحالية، إضافة إلى تنظيم انتخابات مبكرة لإنهاء الوضع الاستثنائي.

في السياق نفسه، جاء أيضاً رد “الحزب الدستوري الحر” (وريث نظام بن علي)، إذ أكدت رئيسته عبير موسي ضرورة انهاء العمل بالفصل 80 والذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، علماً أنها كانت دعت إلى ذلك منذ بداية الإجراءات الاستثنائية.

ويمكن اعتبار عبير موسي أكثر المستفيدين من قرار حل البرلمان لأنه في صورة تنظيم انتخابات تشريعية، فإن حزبها هو الأقرب إلى الفوز بها بما أن استطلاعات الرأي تضعها في أعلى القائمة، حيث ورد في آخر استطلاع رأي لشهر آذار/ مارس قامت به مؤسسة “امرود كنسيلتينغ” أن حزبها يحتل 34 في المئة من نسب التصويت، في حين تحتل “حركة النهضة” 16 في المئة من نيات التصويت.

ولكن قيس سعيد الذي تراجعت شعبيته لا ينوي إعطاء هذه الفرصة لمنافسيه السياسيين للعودة إلى المشهد السياسي ومشاركته في الحكم، حيث أعلن في ساعة متأخرة مساء الخميس 31 آذار/ مارس أنه لن يتم تنظيم انتخابات مبكرة في غضون ثلاثة أشهر كما ينص على ذلك الدستور، ليفتح بذلك الباب أمام المزيد من التأزم والاضطراب في الساحة السياسية الداخلية والمزيد من الضغط الدولي. 

في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي عدنان بلحاج عمر أن “قيس سعيد يرغب في ربح الوقت من خلال المماطلة في تنظيم الإنتخابات ليصل بسرعة إلى تاريخ 25 يوليو/تموز 2022 الموعد الذي حدّده للإستفتاء على القانون الإنتخابي الجديد، ويحصل بذلك على التأييد الشعبي اللازم لمشروعه في الحكم. ولكن هذا التوجه سيجد حتماً صداً كبيراً أولاً على الساحة السياسية الداخلية والخارجية وثانياً وهو الأهم، من الشعب الذي يعاني منذ أشهر من أزمة اقتصادية خانقة مع الارتفاع المهول في الأسعار وفقدان المواد الغذائية الأساسية. سيواجه سعيد في الأشهر المقبلة رفضاً شعبياً لحكمه”. ويضيف، “أوضح دليل على ذلك، غياب الملامح الاحتفالية في شوارع البلاد بعد إعلان الرئيس قرار حل البرلمان، على خلاف ما حصل في 25 تموز 2021”. 

من جهة ثانية، لا ينفك راشد الغنوشي يستثمر في أخطاء الرئيس من خلال الإعلان عن رفضه قرارات هذا الأخير، كما أنه ينوي استثمار قرارات سعيّد بالتتبع العدلي لأعضاء البرلمان، سياسياً، لمزيد من الضغط على الرئيس خارجياً. وكان قد صرّح أنه تم استدعاؤه للتحقيق يوم الجمعة 1 نيسان/ أبريل إضافة إلى نواب آخرين.

لا يبدو المشهد وردياً في تونس بعد حل البرلمان وإن كان قراراً منتظراً منذ مدة، لأن عدم إعلان الرئيس عن عودته إلى المسار الديموقراطي وتنظيم انتخابات مبكرة، سيؤدي حتماً إلى تأجيج الأزمة أكثر فأكثر، في ظل وضع اقتصادي واجتماعي على حافة الانفجار.

إقرأوا أيضاً: