fbpx

الانتخابات التونسية: ترشحات متناقضة و”النهضة” تراهن على العودة…””

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعكس عدد الترشحات غير الجدية التي تلقتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، حجم “التقزيم” الذي طاولَ منصب رئيس الجمهورية في تونس، لكنه يعكس أيضاً حيوية لا نراها في عواصم عربية كثيرة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعكس عدد الترشحات غير الجدية التي تلقتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، حجم “التقزيم” الذي طاولَ منصب رئيس الجمهورية في تونس. تقزيم رآه البعض مفتعلاً عن سبق إصرار وترصد، نظراً إلى محدودية صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور التونسي ما بعد الثورة. إذ يقتصر موقعه على القيادة العامة للقوات المسلحة إلى جانب مهمات أخرى “بروتوكولية” عكس ما يضطلع به رئيس الحكومة من سلطة ونفوذ في الدستور ذاته.

ومع رحيل الرئيس الباجي قايد السبسي، أجبرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في تونس. انتخابات أغلقت أبواب الترشح لسباقها يوم الجمعة 9 آب/ أغسطس 2019. الهيئة قالت إنَّها تلقت 97 ترشحاً، ألغت منها 60 ملفاً لعدم جدّية المرشحين وعدم استجابة ملفهم للشروط المطلوبة. 

المرشحون الذين تقدموا، معظمهم لم يجمع 10 آلاف تزكية شعبية مطلوبة أو 10 تزكيات من نواب البرلمان، أو لم يدفع 10 آلاف دينار مطلوبة لخزينة الدولة.

وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي نسيم الكافي أن العدد الكبير لمرشحي الرئاسة يمثل ظاهرة ديموقراطية صحية، وإن غلبت على خطابات بعضهم الشعبوية والشطحات الاتصالية غير المدروسة. يقول: “الانقسام داخل الأحزاب نفسها وفشلها في اختيار شخصية قادرة على جمع الناس حولها، هو أحد أسباب هذا التشتت، فلقد تغلب الطموح الأحادي الجانب على الجميع”.

26 متنافساً

عدد الترشحات المقبولة أولياً للانتخابات الرئاسية والتي تعدّ جدّية أي مستوفية الشروط، لا يتجاوز 26 ترشحاً، وفق ما أعلنته “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” في ندوة صحافية.

هذا العدد الذي يضمّ رؤساء حكومات سابقين بعد الثورة ووزراء تقلّدوا حقائب مختلفة في الحكومات المتعاقبة ورجال أعمال تحوم حول بعضهم شبهات فساد وتبييض أموال، وآخرين عرفوا بولائهم للرئيس السابق زين العابدين بن علي. علاوة على بعض رموز المعارضة اليسارية وثلة من المستقلين.

المهدي جمعة، رئيس الحكومة في عهد الائتلاف الحكومي “الترويكا”، قدَّم أوراق ترشحه عن حزب “البديل”، لينافس أكثر من 6 مرشحين من “حركة نداء تونس” الحزب الذي أسسه السبسي وانقسم إلى شظايا وكل مرشح يمثل شظية بعينها، على رغم تكوينهم أحزاباً جديدة. ولعلَّ أبرزهم رجل الأعمال إلياس الفخفاخ ووزيرة السياحة السابقة سلمى اللومي ووزير التعليم العالي السابق ناجي جلول.

قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري الشهير الذي عرف بنزاهته والتفاف طلبته حوله، تقدم أيضاً بترشحه للانتخابات الرئاسية، على رغم ما قيل حول سرقة تزكياته الشعبية لمصلحة مرشح آخر. الأمين العام لـ”حزب التيار الديموقراطي” محمد عبو، زوج النائب “الأكثر إزعاجاً” للحكومة سامية عبو، انخرط في السباق الرئاسي بعد جمع أكثر من 10 آلاف تزكية شعبية.

مرشح “النهضة” عبد الفتاح مورو

المعارضة أيضاً بيسارها المتفكك قدمت مرشَّحين إثنين ألا وهما الناطق الرسمي باسم “ائتلاف الجبهة الشعبية” حمَّة الهمامي والمنجي الرحوي أحد مؤسسي الحزب المنشق عن “الجبهة الشعبية”. وهو حزب عرف بعلاقته الجيدة مع الحكومة واتهمته الجبهة بسرقة اسمها وتاريخها بـ”تواطؤ مسبق مع الحكومة لتفكيكها وسرقة ناخبيها”.

الإسلاميون هم أيضاً لديهم أكثر من مرشح بعد خروج بعض القياديين البارزين عن سرب “حركة النهضة”، كرئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي الذي رشَّح نفسه بشكل مستقل، أمام عبد الفتاح مورو، 71 سنة، نائب رئيس “حركة النهضة” ونائب رئيس مجلس نواب الشعب. وهي المرة الأولى التي تقدّم فيها الحركة مرشحاً من داخلها للرئاسة منذ ثورة 2011، حيث اكتفت عام 2014 بدعم مرشح من خارجها في انتخابات الرئاسة، ألا وهو رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي.

المنصف المرزوقي اليوم هو أيضاً مرشح للرئاسة عن حزب “حراك تونس الإرادة”، ويواجه محسن مرزوق الذي تقدَّم بترشحه عن حزب “مشروع تونس”. مرزوق كان أحد مؤسسي “حركة نداء تونس” ومن أشد المقربين من السبسي، طاولته تهم إعلامية مفادها “خدمة المصالح الإماراتية في تونس”. لكن هذا الجدل ربما أقفل قبيل الانتخابات.

كل هؤلاء السياسيين، وإن حامت حولهم معلومات تؤكد علاقاتهم الوطيدة مع كل من قطر والإمارات وخدمة مصالحهم في تونس. إلا أن مراقبين للشأن التونسي يرون أن لا خوف منهم في حال وصلوا إلى سدة الحكم، وهو أمر إلى حد ما مستبعد بسبب تراجع حظوتهم لدى الشارع التونسي، لا سيما أولئك الذينَ اعتلوا السلطة في سنوات خلت ولم يفوا بوعودهم الانتخابية. 

في المقابل، يرى ناشطون في المجتمع المدني في ترشح مؤسس قناة “نسمة” ورجل الأعمال نبيل القروي أمراً “خطيراً” لا سيما بعد عدم تمكن السبسي من توقيع التعديلات الخاصة بالقانون الانتخابي، والتي كانت ستمنعه من الترشح.

القروي الذي وجَّه له القضاء التونسي هو وشقيقه غازي القروي تهماً بتبييض الأموال وقام بتجميد أمواله ومنع السفر عنه، يراه مراقبون متحايلاً على القانون إذ استغل الجمعيات الخيرية وقناته التلفزيونية منذ أكثر من سنة ونصف السنة، خدمةً لمصالحه الانتخابية في مخالفة واضحة للمرسوم 116 المنظم لقطاع الإعلام السمعي البصري في تونس، والذي يحجر استغلال مالك قناة تلفزيونية لغايات انتخابية.

نبيل القروي

يرى محللون أن القروي غرق في طريق الشعبوية واستغلال الفقراء و”المتاجرة” بمطالبهم، ناهيك بالتسجيلات المسربة له وهو يخطط لتشويه سمعة بعض ناشطي منظمة “أنا يقظ” التونسية، التي كانت كشفت في وقت سابق من خلال تحقيق استقصائي حجم تهربه الضريبي. 

لكن على رغم هذا كله، فالقروي لا يسير وحيداً في نهج الشعبوبة، فالمرشحة الرئاسية المعروفة بولائها الشديد لزين العابدين بن علي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، هي الأخرى تخطو خطاها “المزلزلة” في هذا الطريق. 

موسى التي لا تجد حرجاً في إعلان عدائها الشديد للثورة التونسية، والتي لولاها لربما لم تتمكن من تقديم ترشحها للرئاسة، معتبرة أنها انقلاب على نظام بن علي ستصححه في حال وصولها إلى السلطة. ترفع وبشدة شعار الإقصاء التام للإسلاميين. تقول في هذا السياق: “لا حوار مع القتلة والدمويين ولا مكان لهم بيننا”.

القروي ليس المرشح الرئاسي الوحيد الذي تحوم حوله شبهات فساد وتبييض أموال، إذ قدم رجل الأعمال الفار من العدالة سليم الرياحي ترشحه بالوكالة على رغم وجوده خارج تونس. الرياحي محكوم عليه بأكثر من خمس سنوات سجناً لأجل شيكات من دون رصيد، علاوة على قضايا أخرى.

وفي سابقة هي الأولى في العالم العربي، قدم المحامي التونسي وأحد مؤسسي جمعية “شمس” المدافعة عن المثليين منير بعتور ترشحه للانتخابات الرئاسية، وسط انتقاد شرس من رافضي التعددية الاجتماعية ومن معارضي الحريات الفردية.

بين الزبيدي والشاهد

ولعلَّ أبرز المرشحين في السباق الرئاسي المثير للجدل، والذين يتوقع أن تصمد أسماؤهم وسط المنافسة، هما رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد ووزير دفاعه المستقيل إبَّان تقديمه ترشحه للرئاسة، عبد الكريم الزبيدي.

شخصيتان تجاذبتا الأحقيَّة في “خلافة” الباجي قائد السبسي، وتبادلتا الرسائل شبه المشفرة حول الاستقالة قبل الترشح، إلى أن وصل الأمر للحديث عن استقالة حكومة بأكملها في حال تقدم الشاهد باستقالته. 

الشاهد قالها صراحةً أمام هيئة الانتخابات بعد تقديمه ترشحه للرئاسية وهدد باستقالة حكومة بأكملها، “ما زال خطر الإرهاب يتهدد بلادنا وتنتظرنا استحقاقات انتخابية وعودة مدرسية، لن أهرب من مسؤولياتي، وإن استقلت أنا، يعني أن كل الحكومة ستستقيل”.

أما الزبيدي فقد أعلن استقالته على إثر خروجه من مقر الهيئة وبعد تقديم ترشحه للانتخابات، وسط أداء اتصاليّ انتقده بعض الصحفيين والمراقبين واعتبروه خجولا ولربما لا يليقُ بشخص يتوسم في نفسه قيادة البلاد.

بدا الزبيدي يومها كأنه يلقي بياناً عسكريّاً وليس تصريحاً إعلامياً. على الجميع أن ينصت من دون مقاطعة، الحسناء التي كانت على يمينه يومها أشارت بإصبعها للصحافيين حتى يصمتوا، هي والشخص الذي كان على يساره. ما أثار حفيظتهم واعتبروه إهانة لهم. الزبيدي قال في كلمته إنه تقدم باستقالته لرئيس الجمهورية الموقت محمد الناصر، في حين وجب تقديمها لرئيس الحكومة يوسف الشاهد. مناوشات بين رئيس الحكومة ووزير دفاعها المستقل خرجت للملأ بسبب الصراع على الانتخابات. لا سيما بعدما أعلنت النهضة مرشحاً منها وبالتالي تكون قد أخذت قاعدتها الانتخابية، بعيداً من الطرفين المتنازعين. 

لكن يبقى السؤال من ستساند “حركة النهضة” في حال خروج مرشحها مورو من الدور الأول وبقاء الشاهد والزبيدي للدور الثاني؟ هل ستتحفظ هذه المرة؟ أو لربما ينجح عصفورها في العبور إلى الدور الثاني بأعجوبة؟

يتحدث الكافي لـ”درج” عن التوقعات الأولية في هذا السياق، مشيراً إلى أن “مرشح النهضة ستكون لديه حظوظ وافرة، بسبب “الانضباطية” في سلوك التصويت التي تنتهجها قواعد الحركة. أما بالنسبة إلى الدور الثاني فمرشحا منظومة الحكم الحالية، كالزبيدي والشاهد سيكون الفارق بينهما ضئيل”.

يذكر أن “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”، حددت فترة الحملة الانتخابية من 2 إلى 13 أيلول/ سبتمبر، وبعد يوم الصمت الانتخابي، يدلي الناخبون بأصواتهم في 15 أيلول.

نبيل قروي .. شعبويٌ يشق طريقاً نحو الرئاسة في تونس