fbpx

ثورة السودان: إلى “حبوبتي كنداكة” دُر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثلاثون عاماً مرّت، وما زال الرئيس السوداني عمر البشير يتبوّأ سدّة الرئاسة ليزيد الفقير فقراً والمهمّش تهميشاً. أكثر من ألفي عامٍ مرّت، وما زالت دماء ملكات أو “كنداكات” الحضارة الكوشيّة النوبيّة ساريةً في عروق “حفيداتهنّ”، ومن بينهنّ المتظاهِرة بلباسها الأبيض التي يصحّ القول إنّها غدت بغضون يومَين أيقونةَ الحراك السوداني الحالي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
الصورة من حساب لانا هارون @lana_hago على تويتر

ثلاثون عاماً مرّت، والرئيس السوداني عمر البشير في سدّة الرئاسة يزيد الفقير فقراً والمهمّش تهميشاً. أكثر من ألفي عامٍ مرّت، ودماء ملكات أو “كنداكات” الحضارة الكوشيّة النوبيّة لا تزال ساريةً في عروق “حفيداتهنّ”، ومن بينهنّ المتظاهِرة بلباسها الأبيض التي يصحّ القول إنّها غدت بغضون يومَين أيقونةَ الحراك السوداني الحالي.

“حبوبتي كنداكة”. بهذه العبارة صدحت حنجرة الصبيّة السودانيّة التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بهتافاتها الثوريّة ومخاطبتها المتظاهرين بثقةٍ ورشاقةٍ تحييان صورة “جدّاتها” النوبيّات اللواتي أذَقنَ المحتلّين التوسّعيّين طعم العلقم. من على أسطح السيّارات في الشوارع، لا الرّابيات وقصور النوبيّات، خاطبت الصبيّة شعباً سئمَ حكماً رزح تحت ظلمه ثلاثين عاماً، لتُنعش فيه الأمل وشجاعة الاستمرار بعد تاريخ 6 نيسان/أبريل المفصلي، الذي اختاره منظّمو التحرّكات الشعبيّة يوماً يعيدون فيه النبض إلى الشارع وينطلقون باتجاه مقرّ قيادة الجيش، كونه  يصادف ذكرى الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السوداني جعفر النميري، العسكري أيضاً، عام 1985.

تألُّق المتظاهِرة وعزمُها أعادا إلى الذاكرة جسارة “كنداكات” الحضارة النوبيّة التي تُعدّ من أكثر الحضارات التي استطاعت خلالها نساء زوجات ملوك، وبعض المستقلاّت، أن يستلمن الحكم ويقُدنَ المعارك، ومنهنّ “أماني ريناس” التي سادت على مملكة “نبتة” السودانيّة، وأخضعت مدينة “أسوان” لمملكتها مُلحِقةً الهزائم المذلّة بالجيوش الرومانيّة.

حجابُهنّ الأبيض الناعم وأقراطهنّ القمريّة أو الملوّنة ليست “إكزوتيكيّة” كما حَسُنَ لبعضهم تصويرها. أسماؤهنّ، وإن كُشِفت، لن تغيّر في المشهد أكثر ممّا غيّر فيه حضورهنّ القويّ والمتعنّت الذي تجاوز عبء المكوث في الحيّز الرمزيّ والفولكلوريّ المُلقى عادةً على المؤنَّث.

قد ينشغل العالم برحلة البحث عن اسم “الكنداكة” التي تنتشر صورها وفيديوهاتها على آلاف الحسابات، إنّما يغفل عن واقع أن السودان يعجّ “بكنداكات” مثلها، مرئيّات، أو خفيّات، أو مناضلات في العتمة، يصارعن منذ عقود من أجل البقاء و”الحريّة، والسلام، والعدالة”؛ ومنهنّ فنّانات مثل هدى عربي ونانسي عجاج وعلويّة كوبر، وقياديّات كـ”أسماء محمود” الأمينة العامة للحزب الجمهوري و”سارة نقد الله” الأمينة العامة لحزب الأمّة القومي الذي يرأسه الصادق المهدي، المعارض والرئيس الأسبق المشارك في المواكب الشعبية الحاليّة.

 

https://www.youtube.com/watch?v=W739QGu_1DU

السودان اليوم أمام مشهدين. مشهد الصبيّة التي تعتلي السيّارات لتردّد الهتافات الثوريّة، ومشهد القوّات المسلّحة المتناحرة على خلفيّة محاولات جهاز أمن النظام فضَّ اعتصامٍ ينفّذه آلاف السودانيّين منذ يوم السبت 6 نيسان/أبريل أمام مقرّ قيادة الجيش وإقامة الرئيس، حيث تتوالى أخبار وفيديوهات لعناصر وضبّاط في الجيش يعلنون فيها ولاءهم للشعب والثورة، متحدّين، بحسب شهود عيان، مساعي شرطة مكافحة الشغب لتفرقة المتظاهرين وفضّ الاعتصام بالقوّة، في محاولةٍ منهم لحماية المحتجّين من آليّات جهاز أمن النظام وشاحناتهم والرصاص الحيّ والغاز المسيل للدموع.

وكان مشاركون في التحرّكات الأخيرة قد وضعوا الجيش أمام خيارين: إمّا أن يختاروا الشعب، أم يختاروا الديكتاتور، “يا جيشنا قرار، إما الكيزان إما الأحرار”.

ولكن القرار أوّلاً وأخيراً يعود للشعب السوداني الذي لم تثنه حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس عمر البشير في 22 شباط/فبراير الماضي والتي ساهمت في خفوت وتيرة التحرّكات خلال الأسابيع الماضية، عن ضخّ الحياة مجدّداً في الحراك الشعبي الذي اندلع في كانون الأوّل/ديسمبر 2018 احتجاجاً على ارتفاع سعر الخبر ونقص الوقود والنقد الأجنبي، والدعوة إلى التظاهر والاعتصام المفتوح حتى استقالة الرئيس البشير، أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم على بعد أمتارٍ من مقرَّي إقامة الرئيس ووزير الدفاع.

بمعنى آخر، للشعب السوداني أن يقرّر بين المطالبة بتنحّي الرئيس حتى لو أفضى ذلك إلى حلول حكم عسكري جديد مكانه، والمطالبة بتنحّي البشير وتشكيل حكومة جديدة من خارج السطوة العسكريّة التي يرجّح التاريخ أنّها تعود وتنتج أدوات القمع والبطش نفسها.

إلى أن تتّضح الصورة، تبقى الأنظار شاخصة نحو ساحة الاعتصام المفتوح الذي خسر منذ السبت الماضي 7 من شبّانه على الأقلّ بحسب الأرقام الرسميّة بسبب عنف الشرطة (علماً أن العدد مرجّح بشدّة للارتفاع وفق مصادر طبّية سودانيّة)، من بينهم طلّاب وعاملون في القطاع الصحّي، يُضاف إليهم الجندي سامي شيخ الدين الذي قُتل وهو يدافع عن المتظاهرين.

إلى ذلك، عزّزت القوى الأمنيّة حملات الاعتقال التي طالت 2496 شخصاً، وفق ما ورد في تصريحٍ لوزير الداخليّة بشارة جمعة يوم الاثنين 8 نيسان/أبريل أمام البرلمان السوداني.

 

إلى عمر البشير: “تسقط بس”