fbpx

جان دورميسون: الحياة كانت جميلة رغم كل شيء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

في المسافة الفاصلة بين ليل الرابع وصباح الخامس من ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي، أغمض الكاتب الفرنسي، جان دورميسون، عيناه إلى الأبد. الأبد الذي شغله لسنوات في سؤاله عن الحياة والموت، دون أن يؤرقه لثانية واحدة من حيواته التي عمّرت تسعة عقود، قضاها الكاتب الفرنسي الأشهر للرواية المعاصرة في صناعة الفرح الذي تجسّده “متعة القراءة والكتابة” كما كان يقول.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في المسافة الفاصلة بين ليل الرابع وصباح الخامس من ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي، أغمض الكاتب الفرنسي، جان دورميسون، عيناه إلى الأبد. الأبد الذي شغله لسنوات في سؤاله عن الحياة والموت، دون أن يؤرقه لثانية واحدة من حيواته التي عمّرت تسعة عقود، قضاها الكاتب الفرنسي الأشهر للرواية المعاصرة في صناعة الفرح الذي تجسّده “متعة القراءة والكتابة” كما كان يقول.
ولد دورميسون، سنة ١٩٢٥ في عائلة بورجوازية، لأب يعمل في السلك الديبلوماسي وأم متحدّرة من سلالة “دو بيرون” الملكية الإقطاعية، وأمضى طفولته في “شاتو سان-فارغو”، قبل أن يبدأ التحضير للدخول إلى مدرسة الأساتذة العليا، ENS، في شارع “أولم”، Rue d’Ulm، بعد تحصيله إجازة في الآداب. وخلافاً لرغبة ونصيحة معلّمه “لويس ألتوسير”، توجّه دورميسون، إلى عالم الفلسفة واستطاع الحصول على شهادة ماجيستير ساعدته في التقديم على قسم العلوم الاجتماعية والفلسفة، في فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأميركية، لكنّ ظروفاً صحية وعائلية عطّلت سفره ليبقى في فرنسا ويدخل إلى المجلس الدولي للفلسفة التابع للـ “يونيسكو”.
ذاعت شهرة دورميسون الأدبية، عندما أصدر عمله “مجد الإمبراطورية”، الذي حاز على إعجاب الأكاديمية الفرنسية في العام ١٩٧٣، السنة التي بدأ العمل فيها ككاتب مقال أسبوعي في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، والسنة نفسها التي شهدت دخوله إلى الأكاديمية قبل أن يصبح عميدا لها سنة ٢٠٠٩ عقب وفاة عالم الاجتماع الفرنسي، “كلود-ليفي شتراوس”. تلك العلاقة الحميمة التي بناها مع “لوفيغارو” عزّزتها توجّهات دورميسون، التي تتوافق مع الخط التحريري لليومية الفرنسية وقربها من معسكر “اليمين الديغولي”.
على عكس عشرات الكتّاب والأدباء الذين انتموا إلى المدرسة الأدبية الأخلاقية المتشائمة في فلسفتها للحياة، فإنّ دورميسون، كان دائم التفاؤل، مغتبطاً في الحياة، يخوض معاركة الأدبية/السياسية بخفة وسخرية وعدم ايجابي لا يشبه العدم الذي أسّس له صديقه الفيلسوف والكاتب الروماني، اميل سيوران. ففي كتابه “لا شيء تقريباً عن كل شيء تقريباً”، يمكننا فهم فلسفة دورميسون، مسيرته ومساره الأدبية، وطريقة تركيبه اللغوية الجذّابة، التي تجعل من أسئلة الكاتب مسائل وقضايا وألغاز.
والباحث عن شهرة دورميسون ورصيده الكبير في عيون الفرنسيين ومحبي الأدب، أمكنه بسهولة الربط بين حضوره الدائم على المسارح والتلفزيون والبرامج الإذاعية ومعارض الكتب. وإصراره على هذا الحضور كعلامة على استمراره في العطاء والإنتاج الذي بلغ ما يقارب الأربعين مؤلف.
أصبح الرجل وجه الأكاديمية الفرنسية وصوتها المتجذر في المشهد الأدبي العالمي، وسرعان ما تحوّل إلى أيقونة حطّمت السائد في بروفايل “الفرنسي الكاثوليكي المحافظ”، بعد ما خاض معركة لإدخال الروائية، مارغريت يورسينار، إلى الأكاديمية العريقة معزّزاً خياره بقوله، “ليس لأنها إمرأة. ربما لأنها كذلك لكن قبل كل شيء لأنها تحمل أدباً موسوعياً وحسّاً إنسانياً عميقاً”.
تحوّل دورميسون، في إدارته لصحيفة “لوفيغارو”، إلى الوجه الإعلامي الأول لليمين الجمهوري في فرنسا، وكلّفته مواقفه الداعمة لفرنسا في حرب فيتنام انتقادات واسعة، جسّدها أحسن تجسيد الفنان اليساري جان فيرا، في أغنيته Un air de liberté عندما صوّب على افتتاحية دورميسون في أقدم مطبوعة فرنسية والتي حملت عنوان “لا شك أنّها حرية متصدّعة لكنها حرية”.
على أنّ الرجل الذي عاش ليقرأ ويكتب، لم يبخل على الساحة السياسية بمواقفه وفلسفته ورؤيته لكنّ معاركه السياسة كانت تخلص في معظم الأحيان إلى تكوين صداقات متينة، كالحال مع الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا ميتيران. أول اشتباك سياسي حقيقي له، عندما وقّع عريضة مع عشرات الصحافيين والكتاب المحسوبين على اليمين الجمهوري، يتهم فيها أول رئيس اشتراكي تحت الجمهورية الخامسة بأخذ البلاد إلى مكان خطير.
لكنّ الخلاف الذي تحوّل إلى صداقة متينة عمادها حب الشعر والرواية لدى الرئيس الفرنسي السابق عاد وتفجّر بعد نشر دورميسون مادة بحثية/أدبية، عرفت باسم  “تقرير جبرائيل”،  فيها يستعيد حادثة وقعت يوم التسليم والاستلام بين ميتيران والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وفيها يغمز ميتيران من باب ثقل “اللوبي اليهودي”، في فرنسا وتحكمه بمفاصل الإدارات الرسمية. ربط دورميسون تلك الحادثة بقضية السكرتير العام لشرطة نظام فيشي، “رينيه بوسكيه” ، الرجل الذي بقي صديقاً لميتيران رغم تاريخه الأسود في قتل مقاومين فرنسيين وسوق آلاف اليهود إلى معسكرات النازية. تعرّض دورميسون لانتقادات كبيرة من رئيس الحكومة آنذاك ليونيل جوسبان، ودعت ابنة ميتيران، مازارين بينجو، لمساءلة دورميسون “الذي يشوّه تاريخ والدها”.
وفي كل الأحوال، لا يمكن اختصار دورميسون الذي كرّمته دار “غاليمار” في مكتبتها الشرفية، ليخلّد اسمه جنب مالرو وكونديرا وأندريه جيد، في رواية واحدة أو لحظة أدبية يتيمة أو موقف سياسي استثنائي لأنّ شخصيات فولتير وديدرو وبودلير وشاتوبريون وهوغو وماليرب، حضرت في معاشه اليومي واجتمعت في تكوين شخصيته ومسيرته المهنية، وهو لذلك وجد أنّ “الحياة كانت جميلة رغم كل شيء”.
 
 
 [video_player link=””][/video_player]

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 13.09.2024

انتخابات الأردن: “الإخوان” هم الإجابة الهاشميّة عن الترانسفير 

وصول "الإخوان المسلمين"، الذين تصنفهم دول خليجية كجماعة إرهابية، إلى البرلمان، يكشف أيضاً عن طبيعة التوتر الصامت بين عمان وبين دول اتفاقات "إبراهام"، التي زادت من مخاوف الأردن الديموغرافية، بفعل عدم ربطها بين السلام وبين حق الفلسطينيين بدولة في الضفة الغربية والقدس. ولا بد والحال هذه من تذكير الدول الإبراهيمية باحتمالات السلام المجاني، و"الإخوان المسلمين"…
"درج"
لبنان
09.12.2017
زمن القراءة: 4 minutes

في المسافة الفاصلة بين ليل الرابع وصباح الخامس من ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي، أغمض الكاتب الفرنسي، جان دورميسون، عيناه إلى الأبد. الأبد الذي شغله لسنوات في سؤاله عن الحياة والموت، دون أن يؤرقه لثانية واحدة من حيواته التي عمّرت تسعة عقود، قضاها الكاتب الفرنسي الأشهر للرواية المعاصرة في صناعة الفرح الذي تجسّده “متعة القراءة والكتابة” كما كان يقول.

في المسافة الفاصلة بين ليل الرابع وصباح الخامس من ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي، أغمض الكاتب الفرنسي، جان دورميسون، عيناه إلى الأبد. الأبد الذي شغله لسنوات في سؤاله عن الحياة والموت، دون أن يؤرقه لثانية واحدة من حيواته التي عمّرت تسعة عقود، قضاها الكاتب الفرنسي الأشهر للرواية المعاصرة في صناعة الفرح الذي تجسّده “متعة القراءة والكتابة” كما كان يقول.
ولد دورميسون، سنة ١٩٢٥ في عائلة بورجوازية، لأب يعمل في السلك الديبلوماسي وأم متحدّرة من سلالة “دو بيرون” الملكية الإقطاعية، وأمضى طفولته في “شاتو سان-فارغو”، قبل أن يبدأ التحضير للدخول إلى مدرسة الأساتذة العليا، ENS، في شارع “أولم”، Rue d’Ulm، بعد تحصيله إجازة في الآداب. وخلافاً لرغبة ونصيحة معلّمه “لويس ألتوسير”، توجّه دورميسون، إلى عالم الفلسفة واستطاع الحصول على شهادة ماجيستير ساعدته في التقديم على قسم العلوم الاجتماعية والفلسفة، في فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأميركية، لكنّ ظروفاً صحية وعائلية عطّلت سفره ليبقى في فرنسا ويدخل إلى المجلس الدولي للفلسفة التابع للـ “يونيسكو”.
ذاعت شهرة دورميسون الأدبية، عندما أصدر عمله “مجد الإمبراطورية”، الذي حاز على إعجاب الأكاديمية الفرنسية في العام ١٩٧٣، السنة التي بدأ العمل فيها ككاتب مقال أسبوعي في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، والسنة نفسها التي شهدت دخوله إلى الأكاديمية قبل أن يصبح عميدا لها سنة ٢٠٠٩ عقب وفاة عالم الاجتماع الفرنسي، “كلود-ليفي شتراوس”. تلك العلاقة الحميمة التي بناها مع “لوفيغارو” عزّزتها توجّهات دورميسون، التي تتوافق مع الخط التحريري لليومية الفرنسية وقربها من معسكر “اليمين الديغولي”.
على عكس عشرات الكتّاب والأدباء الذين انتموا إلى المدرسة الأدبية الأخلاقية المتشائمة في فلسفتها للحياة، فإنّ دورميسون، كان دائم التفاؤل، مغتبطاً في الحياة، يخوض معاركة الأدبية/السياسية بخفة وسخرية وعدم ايجابي لا يشبه العدم الذي أسّس له صديقه الفيلسوف والكاتب الروماني، اميل سيوران. ففي كتابه “لا شيء تقريباً عن كل شيء تقريباً”، يمكننا فهم فلسفة دورميسون، مسيرته ومساره الأدبية، وطريقة تركيبه اللغوية الجذّابة، التي تجعل من أسئلة الكاتب مسائل وقضايا وألغاز.
والباحث عن شهرة دورميسون ورصيده الكبير في عيون الفرنسيين ومحبي الأدب، أمكنه بسهولة الربط بين حضوره الدائم على المسارح والتلفزيون والبرامج الإذاعية ومعارض الكتب. وإصراره على هذا الحضور كعلامة على استمراره في العطاء والإنتاج الذي بلغ ما يقارب الأربعين مؤلف.
أصبح الرجل وجه الأكاديمية الفرنسية وصوتها المتجذر في المشهد الأدبي العالمي، وسرعان ما تحوّل إلى أيقونة حطّمت السائد في بروفايل “الفرنسي الكاثوليكي المحافظ”، بعد ما خاض معركة لإدخال الروائية، مارغريت يورسينار، إلى الأكاديمية العريقة معزّزاً خياره بقوله، “ليس لأنها إمرأة. ربما لأنها كذلك لكن قبل كل شيء لأنها تحمل أدباً موسوعياً وحسّاً إنسانياً عميقاً”.
تحوّل دورميسون، في إدارته لصحيفة “لوفيغارو”، إلى الوجه الإعلامي الأول لليمين الجمهوري في فرنسا، وكلّفته مواقفه الداعمة لفرنسا في حرب فيتنام انتقادات واسعة، جسّدها أحسن تجسيد الفنان اليساري جان فيرا، في أغنيته Un air de liberté عندما صوّب على افتتاحية دورميسون في أقدم مطبوعة فرنسية والتي حملت عنوان “لا شك أنّها حرية متصدّعة لكنها حرية”.
على أنّ الرجل الذي عاش ليقرأ ويكتب، لم يبخل على الساحة السياسية بمواقفه وفلسفته ورؤيته لكنّ معاركه السياسة كانت تخلص في معظم الأحيان إلى تكوين صداقات متينة، كالحال مع الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا ميتيران. أول اشتباك سياسي حقيقي له، عندما وقّع عريضة مع عشرات الصحافيين والكتاب المحسوبين على اليمين الجمهوري، يتهم فيها أول رئيس اشتراكي تحت الجمهورية الخامسة بأخذ البلاد إلى مكان خطير.
لكنّ الخلاف الذي تحوّل إلى صداقة متينة عمادها حب الشعر والرواية لدى الرئيس الفرنسي السابق عاد وتفجّر بعد نشر دورميسون مادة بحثية/أدبية، عرفت باسم  “تقرير جبرائيل”،  فيها يستعيد حادثة وقعت يوم التسليم والاستلام بين ميتيران والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وفيها يغمز ميتيران من باب ثقل “اللوبي اليهودي”، في فرنسا وتحكمه بمفاصل الإدارات الرسمية. ربط دورميسون تلك الحادثة بقضية السكرتير العام لشرطة نظام فيشي، “رينيه بوسكيه” ، الرجل الذي بقي صديقاً لميتيران رغم تاريخه الأسود في قتل مقاومين فرنسيين وسوق آلاف اليهود إلى معسكرات النازية. تعرّض دورميسون لانتقادات كبيرة من رئيس الحكومة آنذاك ليونيل جوسبان، ودعت ابنة ميتيران، مازارين بينجو، لمساءلة دورميسون “الذي يشوّه تاريخ والدها”.
وفي كل الأحوال، لا يمكن اختصار دورميسون الذي كرّمته دار “غاليمار” في مكتبتها الشرفية، ليخلّد اسمه جنب مالرو وكونديرا وأندريه جيد، في رواية واحدة أو لحظة أدبية يتيمة أو موقف سياسي استثنائي لأنّ شخصيات فولتير وديدرو وبودلير وشاتوبريون وهوغو وماليرب، حضرت في معاشه اليومي واجتمعت في تكوين شخصيته ومسيرته المهنية، وهو لذلك وجد أنّ “الحياة كانت جميلة رغم كل شيء”.
 
 
 [video_player link=””][/video_player]