fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

جبران – رياض سلامة:
دروس في الفساد والخيانة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا شيء أوضح من فساد جبران باسيل! إنه حقيقة جلية لا يمكن أن يخطئها أحد. لكن السؤال هو عما إذا كان هذا الوضوح مفيداً لمواجهة هذا الصهر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المعركة التي يخوضها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تكشف تشابهاً مخيفاً بين فسادي الخصمين، وجبران لا يخبئ وجهه حين يواجه بوقائع الشراكة الموثقة بينه وبين سلامة. ففي أحد الأيام من عام 2016 دخل ميشال عون إلى اجتماع الحكومة، وطلب من خارج جدول الأعمال التجديد لرياض سلامة! أصيب الحاضرون حينها بالذهول، ذاك أن سلامة كان في حينها خصمه، وسئل الرئيس عما إذا كان ما يعنيه هو تمديد ولاية الحاكم، فأجاب ليس تمديد الولاية بل تجديدها! وظهر الثمن لاحقاً عبر حصة وازنة من الهندسات المالية منحت لبنك “سيدروس”، أهداها سلامة للرئيس من ودائع اللبنانيين. ولطالما أبدى الحاكم كرماً خص به أركان المنظومة، على حساب من ائتمنوه على جنى أعمارهم. 

هذه الواقعة موثقة بكل تفاصيلها، عبر محضر اجتماع مجلس الوزراء وعبر بيانات الهندسات المالية وتواريخ توزيعها على المصارف ذات العلاقة بأركان السلطة. جبران لا ينفيها، ويقول إن من حقه أن تكون له حصة من الهندسات، مثلما كان من حق سعد الحريري عبر “بنك البحر المتوسط” ونجيب ميقاتي ونبيه بري عبر “بنك عودة”. أما اليوم، فاستهدافه سلامة عبر القاضية غادة عون، ليس من باب مكافحة الفساد، والأرجح أنه لا يهدف إلى حصد أصوات في الانتخابات، بل لأن المنصب عندما يشغر سيكون لماروني يختاره باسيل، والمهمة يجب أن تنجز قبل نهاية عهد ميشال عون، وإلا فإن بري أو ميقاتي قد يسبقانه إليها!

لم تعد مجدية مساجلة جبران باسيل بفساده، من دون أن يعني ذلك عدم جدوى مواصلة فضحه كلما سمحت فرصة. الفضح يجب أن يكون في سياق توثيقي، أما المساجلة فقد فقدت مهمتها السياسية. الرجل لا ينكر ما يقوم به، وهو لا يملك من الكرامة الوطنية ما يدفع فضيحة فساد إلى استفزاز شيء فيه. لا بل هو الآن يسعى إلى توظيف الفساد في تظهير صورة له بوصفه أعاد للمسيحيين حقهم في أن يكون زعيمهم فاسداً، ذاك أن هذا الزعيم كان في أسفل سلم الفساد، في ظل هيمنة زعماء المسلمين على مقدرات الدولة وعلى فسادها. نعم جبران أعاد للمسيحيين هذا “الحق”، وها هو الآن يوظف هذا الإنجاز في الانتخابات. هذا ما تعنيه العونية اليوم، وهذا ما تعنيه اللوائح الانتخابية التي انتظم فيها الفاسدون في تحالفات مهينة لجماعاتهم. “حزب الله” و”حركة أمل” والتيار العوني، ثلاثتهم يتصدرون لوائح السلطة غير خجلين من أن هذا الانتظام سبقه إغراقهم جماعاتهم بمشادات مذهبية بذيئة ومقززة تبادلوها، ووصف خلالها جبران نبيه بري بالبلطجي، ورد أنصار الأخير بوصفه بالـ”زمك”! أما اليوم فيجمعهما أمران، “حزب الله” والفساد!

نعم الفساد، وليس مكافحة الفساد، هو المضمون الفعلي للطاقة “الانتخابية” لجبران باسيل! هو العمق الفعلي لخطابه الذي يتوجه به إلى ناخبيه. يقول لهم أنا المسيحي القوي الذي تمكن من مضاهاة فساد نبيه بري، وأنا المسيحي القوي الذي فرض على “حزب الله” أن يسعفنه في حربه على الطائفة السنية. هذا هو تماماً ما يجعل من باسيل قوياً، وما يعطيه فرصاً لتصدر غيره، وبهذا المعنى يجب الانتقال في مواجهته من مستواه السجالي إلى مستواه التوثيقي، ذاك أن المستوى الأخير يتيح لنا بناء قصة، وشق طريق للتأريخ لكارثتنا، أما السجال في ظل انعدام بنية أخلاقية تقيم الحد على من يثبت فساده، فهو صراخ في العدم وفي الفراغ.

لا شيء أوضح من فساد جبران باسيل! إنه حقيقة جلية لا يمكن أن يخطئها أحد. لكن السؤال هو عما إذا كان هذا الوضوح مفيداً لمواجهة هذا الصهر. الأرجح أنه لن يكون مفيداً، تماماً مثلما أصابنا حين توهمنا أن اتهامه بالعنصرية سيحسب عليه، وإذ به يوظفه في صورة المدافع عن حق الجماعة في أن تنعزل وفي أن تكره وفي أن تتعالى، فأطلق عبارته الأثيرة: “أنا عنصري من أجل لبنان”، والأرجح أنه ربح السجال وأحسن توظيفه في الضيق وفي رذائل الجماعات وأوهامها.

اليوم جبران يخوض معركة جعل الفساد محموداً ومطلوباً ومنافساً. أنا فاسد لأنني قوي ولأنني أصلح لمنافسة الفاسدين من زعماء الطوائف الأخرى، وها قد فرضت عليهم ضمي إلى لوائحهم، أنا القوي صهر القوي وحليف الأقوياء. وعبادة القوي أمر لطالما حفلت به المجتمعات المهزومة والضعيفة. 

إقرأوا أيضاً:

يعرف جبران أن “القوة” تخاطب بالمسيحيين حساسية راكموها خلال سنوات “الضعف” السورية والحريرية. هو أصلاً مصاب بسيندروم القوي، وحين يملك الشجاعة لمخاطبة حليفه “البلطجي” يخرج صوته من هذا الفصام، ويظهر وكأنه يتحدى ضعفه الخاص، بعدما استبدل قويّه بـ”حزب الله”، وكأني بجبران يقول أن الحزب هو من يستحق الرهبة والخوف، أما غيره فمثله مثلي، فاسد وهو مجرد شريك في الغنيمة.

والحال أن هذه الشفافية بالعلاقة مع الفساد تجعل من أي جهد استقصائي عملاً بدهياً لا يرقى إلى مستوى الجهود التي يتطلبها العمل الاستقصائي. فالصحافي لا يحتاج إلى أكثر من العودة إلى محاضر مجلس الوزراء لكي يمسك بخيط الفساد الباسيلي.  

سلامة فاسد من دون حماية أهلية، فيما حصن باسيل فساده كما حصّن عنصريته بخطاب مذهبي ستكون الانتخابات اختباراً قاسياً لمدى اشتغاله. ومعادلة “اللهم اضرب الفاسدين بالفاسدين”، لم تعد تصلح في ظل معادلة “الفساد كفضيلة مذهبية”، فالفاسد، حين يضرب فاسداً، سيولد فاسد جديد. هذه المعادلة كرسها انتظامهم في لائحة “الأقوياء” التي تضم فاسدي المنظومة، والتي تخاطب ضعفاء هذه الجمهورية المتهالكة، وما أكثرنا نحن ضعفاء هذه الأرض. 

إقرأوا أيضاً:

25.03.2022
زمن القراءة: 4 minutes

لا شيء أوضح من فساد جبران باسيل! إنه حقيقة جلية لا يمكن أن يخطئها أحد. لكن السؤال هو عما إذا كان هذا الوضوح مفيداً لمواجهة هذا الصهر.

المعركة التي يخوضها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تكشف تشابهاً مخيفاً بين فسادي الخصمين، وجبران لا يخبئ وجهه حين يواجه بوقائع الشراكة الموثقة بينه وبين سلامة. ففي أحد الأيام من عام 2016 دخل ميشال عون إلى اجتماع الحكومة، وطلب من خارج جدول الأعمال التجديد لرياض سلامة! أصيب الحاضرون حينها بالذهول، ذاك أن سلامة كان في حينها خصمه، وسئل الرئيس عما إذا كان ما يعنيه هو تمديد ولاية الحاكم، فأجاب ليس تمديد الولاية بل تجديدها! وظهر الثمن لاحقاً عبر حصة وازنة من الهندسات المالية منحت لبنك “سيدروس”، أهداها سلامة للرئيس من ودائع اللبنانيين. ولطالما أبدى الحاكم كرماً خص به أركان المنظومة، على حساب من ائتمنوه على جنى أعمارهم. 

هذه الواقعة موثقة بكل تفاصيلها، عبر محضر اجتماع مجلس الوزراء وعبر بيانات الهندسات المالية وتواريخ توزيعها على المصارف ذات العلاقة بأركان السلطة. جبران لا ينفيها، ويقول إن من حقه أن تكون له حصة من الهندسات، مثلما كان من حق سعد الحريري عبر “بنك البحر المتوسط” ونجيب ميقاتي ونبيه بري عبر “بنك عودة”. أما اليوم، فاستهدافه سلامة عبر القاضية غادة عون، ليس من باب مكافحة الفساد، والأرجح أنه لا يهدف إلى حصد أصوات في الانتخابات، بل لأن المنصب عندما يشغر سيكون لماروني يختاره باسيل، والمهمة يجب أن تنجز قبل نهاية عهد ميشال عون، وإلا فإن بري أو ميقاتي قد يسبقانه إليها!

لم تعد مجدية مساجلة جبران باسيل بفساده، من دون أن يعني ذلك عدم جدوى مواصلة فضحه كلما سمحت فرصة. الفضح يجب أن يكون في سياق توثيقي، أما المساجلة فقد فقدت مهمتها السياسية. الرجل لا ينكر ما يقوم به، وهو لا يملك من الكرامة الوطنية ما يدفع فضيحة فساد إلى استفزاز شيء فيه. لا بل هو الآن يسعى إلى توظيف الفساد في تظهير صورة له بوصفه أعاد للمسيحيين حقهم في أن يكون زعيمهم فاسداً، ذاك أن هذا الزعيم كان في أسفل سلم الفساد، في ظل هيمنة زعماء المسلمين على مقدرات الدولة وعلى فسادها. نعم جبران أعاد للمسيحيين هذا “الحق”، وها هو الآن يوظف هذا الإنجاز في الانتخابات. هذا ما تعنيه العونية اليوم، وهذا ما تعنيه اللوائح الانتخابية التي انتظم فيها الفاسدون في تحالفات مهينة لجماعاتهم. “حزب الله” و”حركة أمل” والتيار العوني، ثلاثتهم يتصدرون لوائح السلطة غير خجلين من أن هذا الانتظام سبقه إغراقهم جماعاتهم بمشادات مذهبية بذيئة ومقززة تبادلوها، ووصف خلالها جبران نبيه بري بالبلطجي، ورد أنصار الأخير بوصفه بالـ”زمك”! أما اليوم فيجمعهما أمران، “حزب الله” والفساد!

نعم الفساد، وليس مكافحة الفساد، هو المضمون الفعلي للطاقة “الانتخابية” لجبران باسيل! هو العمق الفعلي لخطابه الذي يتوجه به إلى ناخبيه. يقول لهم أنا المسيحي القوي الذي تمكن من مضاهاة فساد نبيه بري، وأنا المسيحي القوي الذي فرض على “حزب الله” أن يسعفنه في حربه على الطائفة السنية. هذا هو تماماً ما يجعل من باسيل قوياً، وما يعطيه فرصاً لتصدر غيره، وبهذا المعنى يجب الانتقال في مواجهته من مستواه السجالي إلى مستواه التوثيقي، ذاك أن المستوى الأخير يتيح لنا بناء قصة، وشق طريق للتأريخ لكارثتنا، أما السجال في ظل انعدام بنية أخلاقية تقيم الحد على من يثبت فساده، فهو صراخ في العدم وفي الفراغ.

لا شيء أوضح من فساد جبران باسيل! إنه حقيقة جلية لا يمكن أن يخطئها أحد. لكن السؤال هو عما إذا كان هذا الوضوح مفيداً لمواجهة هذا الصهر. الأرجح أنه لن يكون مفيداً، تماماً مثلما أصابنا حين توهمنا أن اتهامه بالعنصرية سيحسب عليه، وإذ به يوظفه في صورة المدافع عن حق الجماعة في أن تنعزل وفي أن تكره وفي أن تتعالى، فأطلق عبارته الأثيرة: “أنا عنصري من أجل لبنان”، والأرجح أنه ربح السجال وأحسن توظيفه في الضيق وفي رذائل الجماعات وأوهامها.

اليوم جبران يخوض معركة جعل الفساد محموداً ومطلوباً ومنافساً. أنا فاسد لأنني قوي ولأنني أصلح لمنافسة الفاسدين من زعماء الطوائف الأخرى، وها قد فرضت عليهم ضمي إلى لوائحهم، أنا القوي صهر القوي وحليف الأقوياء. وعبادة القوي أمر لطالما حفلت به المجتمعات المهزومة والضعيفة. 

إقرأوا أيضاً:

يعرف جبران أن “القوة” تخاطب بالمسيحيين حساسية راكموها خلال سنوات “الضعف” السورية والحريرية. هو أصلاً مصاب بسيندروم القوي، وحين يملك الشجاعة لمخاطبة حليفه “البلطجي” يخرج صوته من هذا الفصام، ويظهر وكأنه يتحدى ضعفه الخاص، بعدما استبدل قويّه بـ”حزب الله”، وكأني بجبران يقول أن الحزب هو من يستحق الرهبة والخوف، أما غيره فمثله مثلي، فاسد وهو مجرد شريك في الغنيمة.

والحال أن هذه الشفافية بالعلاقة مع الفساد تجعل من أي جهد استقصائي عملاً بدهياً لا يرقى إلى مستوى الجهود التي يتطلبها العمل الاستقصائي. فالصحافي لا يحتاج إلى أكثر من العودة إلى محاضر مجلس الوزراء لكي يمسك بخيط الفساد الباسيلي.  

سلامة فاسد من دون حماية أهلية، فيما حصن باسيل فساده كما حصّن عنصريته بخطاب مذهبي ستكون الانتخابات اختباراً قاسياً لمدى اشتغاله. ومعادلة “اللهم اضرب الفاسدين بالفاسدين”، لم تعد تصلح في ظل معادلة “الفساد كفضيلة مذهبية”، فالفاسد، حين يضرب فاسداً، سيولد فاسد جديد. هذه المعادلة كرسها انتظامهم في لائحة “الأقوياء” التي تضم فاسدي المنظومة، والتي تخاطب ضعفاء هذه الجمهورية المتهالكة، وما أكثرنا نحن ضعفاء هذه الأرض. 

إقرأوا أيضاً: