fbpx

جبران باسيل “يفتح” طرابلس!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ملّ الطرابلسيون من الكلام والجولات الفولكلورية والاستغلال الوقح لمعاناتهم وضيق أحوالهم وسُبلهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


*قطع عدد من الشبان طريق عام الملولة– البداوي في الشمال بالشاحنات احتجاجاً على انقطاع الكهرباء والمياه وأشياء كثيرة أخرى عن طرابلس وضواحيها منذ أسابيع. 

*تجدد الحريق في جبل النفايات في طرابلس والنشطاء البيئيون يكررون التحذير من كارثة صحية كبيرة تُهدد المدينة. 

*سقوط ثلاثة قتلى وجريحين في عملية سطو مسلح، تكاد تكون شبه يوميّة في طرابلس….

*وأخيراً غرق مركب قبالة جزيرة أرواد يقل مهاجرين طرابلسيين هاربين من جحيم الانهيار اللبناني وموت العشرات من ركابه. 

هذا ما يرد من عاصمة الشمال يومياً. أتابع أخبارها ساعة بساعة، فما يجمعني بها أكبر من أن تحتويه أسطر. في غمرة تلك الأحداث يظهر على شاشة هاتفي إعلان مفاده أن رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل زار طرابلس، وتحديداً شارع “مينو” في الميناء متفقداً احتياجاته استعداداً لإطلاق ورشة العمل فيه، كما قال. حسناً، لم أستطع أن أكتم تلك الابتسامة الصفراء التي علت وجهي. إنها نكتة سمجة جداً يا جبران.


ماذا يعرف جبران باسيل عن طرابلس، لا بل عن شارع “مينو” تحديداً؟ كان هذا أول ما تبادر إلى ذهني. ولنقول الحق، زار باسيل طرابلس مرات عدة خلال فترة التحضير للانتخابات النيابية، وأولم إفطاراً فيها في شهر رمضان على شرف المنتسبين إلى التيار من أبناء المدينة. كما خاض معركة ضروس في مقابل حزب “القوات اللبنانية” لانتزاع المقعدين المسيحيين فيها (المقعد الأرثوذكسي والمقعد الماروني). ولعلمه سلفاً بصعوبة تحقق ذلك، طالب بنقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون. لكن باسيل، الذي يلهث لتحقيق مصالح الطرابلسيين حتماً، لم يزر يوماً باب التبانة والقبة وباب الرمل والمنكوبين والبداوي وحتى “مينو” نفسه، الذي ادعى أنه خطط للعمل فيه عام 2019 لكن الثورة “ما خلته”.
دخل باسيل مدينة الميناء وسط حراسة مجلجلة بعدد كبير من العناصر الأمنية. كان لافتاً في الصور التي نشرها على حسابه الخاص على موقع “انستغرام” انعدام الحركة في الشارع، فهو اختار صبيحة الأحد لزيارة خاطفة، فشمس الأحد عادةً ما تتأخر في السطوع، ويتأخر الناس في بدء يومهم. حمل هاتفه الخليوي موثقاً مشاهد لأحياء المدينة القديمة ومبانيها الأثرية. جولة قصيرة استمع فيها إلى الخطط المنوي تنفيذها لإعادة “ضخ الحياة” في شارع السهر الوحيد في المدينة، الموصومة والموسومة طبعاً بالإرهاب والتطرّف. والشارع المذكور هو المتنفس الأول لشباب المدينة، إلا أنه يغط في موت سريري منذ عام 2011. فعندما كان جبران باسيل وزيراً للطاقة والمياه اندلعت معارك دامية في طرابلس بين جبهتي جبل محسن وباب التبانة. اشتدت أوصال الطائفية وتعزز حضور وحظوة قادة المحاور الذين حاولوا بشتى الطرق إقفال هذا الشارع، فتعرض أصحاب المحال وأماكن السهر فيه لاعتداءات وتهديدات مباشرة بالقتل، الكثير منها موثق لدى الأجهزة الأمنية، إذ لم يحاسب أي من المسؤولين عن تنفيذها حتى اليوم. ومع اشتداد الخناق قبل تنفيذ الخطة الأمنية الشهيرة عام 2014، كان عدد لا بأس به قد أقفل أبوابه. ومن صمد من هؤلاء ها هو يلفظ أنفاسه الأخيرة الآن مع اشتداد الخناق الاقتصادي. فأين كان باسيل طوال تلك السنوات؟ لماذا لم تخطر طرابلس و”مينو” على باله عندما عمل على تطوير مدينة البترون وتحويلها إلى قبلة أساسية على الخارطة السياحية اللبنانية، وهي التي لا يفصلها عن طرابلس سوى 29 كلم. ربما في حينه لم يكن السيل قد بلغ الزبى في العلاقة مع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، وبالتالي لم يكن من داعٍ لرشّ الملح فوق جروح الطرابلسيين.
كرّس جبران باسيل مدينة طرابلس مرّة جديدة كصندوقة لتمرير الرسائل السياسية. امتطى، إلى جانب خطاب سياسي يضجّ شعبوية خفيفة، معاناة شبابها وحاجتهم الماسة إلى أي دعم ليرفع سقف التحدي مع نجيب ميقاتي الذي يقطن قصراً مطلاً على كورنيش الميناء ويبعد خطوات من شارع “مينو”. ورغم أن “جمعية العزم والسعادة”، التابعة لميقاتي، نفذت الكثير من عمليات إعادة الترميم للكثير من المباني في الميناء و”مينو”، إلا أنه ما من خطة عمل فعلية وضعت لاستنهاض المدينة من كبوتها. فكما أن باسيل يتعذر بعبارة “ما خلوني”، يحتمي ميقاتي دائماً خلف عبارة “ما خصني”. فعند كل سؤال عن مشروع أو خطة للمدينة يرد قاذفاً المسؤولية عند الوزارة الفلانية أو الاستشاري العلاني أو الطائفة الفلانية أو المرجعية العلّانية.


تلك الجولة الديكورية التي ختمها جبران باسيل بممارسة هواية الغطس في الميناء بعد زيارة جزيرة الأرانب، لم تحرّك ساكناً لدى أبناء المدينة. ملّ الطرابلسيون من الكلام والجولات الفولكلورية والاستغلال الوقح لمعاناتهم وضيق أحوالهم وسُبلهم. ربما تمنى بعضهم لو أنه يصطدم بقعر البحر بجثث من غرقوا في مراكب الموت التي تنطلق يومياً من الميناء، حيث وقف، هرباً من جهنم هذا البلد وفساد مسؤوليه. فلو أن باسيل حسن النيّة، لكان قدم إلى طرابلس حاملاً خطة حكومية متكاملة العناصر، فما تحتاجه المدينة هو دخول الدولة إليها لا دخول الزعماء. ما تحتاجه هو إعادتها إلى حضن الوطن والاعتراف بها كمساحة غنية بمقومات النهوض، عوضاً عن تجزئتها والتعامل معها “بالقطعة والمفرق” بما يخدم المصالح الشخصية الراهنة.
المشكلة الأساسية في مقاربة الملفات الطرابلسية هو عدم الإدراك الفعلي لها، فمن لا يعرف داءها لن يعرف دواءها. طرابلس المدينة الأفقر على ساحل المتوسط حيث تجاوز معدل الفقر فيها 70 في المئة، ومعدل البطالة 60 في المئة، والتسرب المدرسي 80 بالمئة من إجمالي السكان، وأشياء أخرى يحول حبّنا للمدينة وناسها من ذكرها، تنتهي النهضة فيها في “شارع يعقوب اللبان” المعروف حاليا بـ”مينو”، الذي كان يوماً ما “شارع الخراب” ولكنها حتماً لا تبدأ فيه، وهذا إن رغب البعض ألّا تتحوّل المدينة التي تتآكلها الفوضى اليوم إلى خراب يصعب ضبطه وإعادة إعمار ما كان.

إقرأوا أيضاً:

23.09.2022
زمن القراءة: 4 minutes

ملّ الطرابلسيون من الكلام والجولات الفولكلورية والاستغلال الوقح لمعاناتهم وضيق أحوالهم وسُبلهم.


*قطع عدد من الشبان طريق عام الملولة– البداوي في الشمال بالشاحنات احتجاجاً على انقطاع الكهرباء والمياه وأشياء كثيرة أخرى عن طرابلس وضواحيها منذ أسابيع. 

*تجدد الحريق في جبل النفايات في طرابلس والنشطاء البيئيون يكررون التحذير من كارثة صحية كبيرة تُهدد المدينة. 

*سقوط ثلاثة قتلى وجريحين في عملية سطو مسلح، تكاد تكون شبه يوميّة في طرابلس….

*وأخيراً غرق مركب قبالة جزيرة أرواد يقل مهاجرين طرابلسيين هاربين من جحيم الانهيار اللبناني وموت العشرات من ركابه. 

هذا ما يرد من عاصمة الشمال يومياً. أتابع أخبارها ساعة بساعة، فما يجمعني بها أكبر من أن تحتويه أسطر. في غمرة تلك الأحداث يظهر على شاشة هاتفي إعلان مفاده أن رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل زار طرابلس، وتحديداً شارع “مينو” في الميناء متفقداً احتياجاته استعداداً لإطلاق ورشة العمل فيه، كما قال. حسناً، لم أستطع أن أكتم تلك الابتسامة الصفراء التي علت وجهي. إنها نكتة سمجة جداً يا جبران.


ماذا يعرف جبران باسيل عن طرابلس، لا بل عن شارع “مينو” تحديداً؟ كان هذا أول ما تبادر إلى ذهني. ولنقول الحق، زار باسيل طرابلس مرات عدة خلال فترة التحضير للانتخابات النيابية، وأولم إفطاراً فيها في شهر رمضان على شرف المنتسبين إلى التيار من أبناء المدينة. كما خاض معركة ضروس في مقابل حزب “القوات اللبنانية” لانتزاع المقعدين المسيحيين فيها (المقعد الأرثوذكسي والمقعد الماروني). ولعلمه سلفاً بصعوبة تحقق ذلك، طالب بنقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون. لكن باسيل، الذي يلهث لتحقيق مصالح الطرابلسيين حتماً، لم يزر يوماً باب التبانة والقبة وباب الرمل والمنكوبين والبداوي وحتى “مينو” نفسه، الذي ادعى أنه خطط للعمل فيه عام 2019 لكن الثورة “ما خلته”.
دخل باسيل مدينة الميناء وسط حراسة مجلجلة بعدد كبير من العناصر الأمنية. كان لافتاً في الصور التي نشرها على حسابه الخاص على موقع “انستغرام” انعدام الحركة في الشارع، فهو اختار صبيحة الأحد لزيارة خاطفة، فشمس الأحد عادةً ما تتأخر في السطوع، ويتأخر الناس في بدء يومهم. حمل هاتفه الخليوي موثقاً مشاهد لأحياء المدينة القديمة ومبانيها الأثرية. جولة قصيرة استمع فيها إلى الخطط المنوي تنفيذها لإعادة “ضخ الحياة” في شارع السهر الوحيد في المدينة، الموصومة والموسومة طبعاً بالإرهاب والتطرّف. والشارع المذكور هو المتنفس الأول لشباب المدينة، إلا أنه يغط في موت سريري منذ عام 2011. فعندما كان جبران باسيل وزيراً للطاقة والمياه اندلعت معارك دامية في طرابلس بين جبهتي جبل محسن وباب التبانة. اشتدت أوصال الطائفية وتعزز حضور وحظوة قادة المحاور الذين حاولوا بشتى الطرق إقفال هذا الشارع، فتعرض أصحاب المحال وأماكن السهر فيه لاعتداءات وتهديدات مباشرة بالقتل، الكثير منها موثق لدى الأجهزة الأمنية، إذ لم يحاسب أي من المسؤولين عن تنفيذها حتى اليوم. ومع اشتداد الخناق قبل تنفيذ الخطة الأمنية الشهيرة عام 2014، كان عدد لا بأس به قد أقفل أبوابه. ومن صمد من هؤلاء ها هو يلفظ أنفاسه الأخيرة الآن مع اشتداد الخناق الاقتصادي. فأين كان باسيل طوال تلك السنوات؟ لماذا لم تخطر طرابلس و”مينو” على باله عندما عمل على تطوير مدينة البترون وتحويلها إلى قبلة أساسية على الخارطة السياحية اللبنانية، وهي التي لا يفصلها عن طرابلس سوى 29 كلم. ربما في حينه لم يكن السيل قد بلغ الزبى في العلاقة مع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، وبالتالي لم يكن من داعٍ لرشّ الملح فوق جروح الطرابلسيين.
كرّس جبران باسيل مدينة طرابلس مرّة جديدة كصندوقة لتمرير الرسائل السياسية. امتطى، إلى جانب خطاب سياسي يضجّ شعبوية خفيفة، معاناة شبابها وحاجتهم الماسة إلى أي دعم ليرفع سقف التحدي مع نجيب ميقاتي الذي يقطن قصراً مطلاً على كورنيش الميناء ويبعد خطوات من شارع “مينو”. ورغم أن “جمعية العزم والسعادة”، التابعة لميقاتي، نفذت الكثير من عمليات إعادة الترميم للكثير من المباني في الميناء و”مينو”، إلا أنه ما من خطة عمل فعلية وضعت لاستنهاض المدينة من كبوتها. فكما أن باسيل يتعذر بعبارة “ما خلوني”، يحتمي ميقاتي دائماً خلف عبارة “ما خصني”. فعند كل سؤال عن مشروع أو خطة للمدينة يرد قاذفاً المسؤولية عند الوزارة الفلانية أو الاستشاري العلاني أو الطائفة الفلانية أو المرجعية العلّانية.


تلك الجولة الديكورية التي ختمها جبران باسيل بممارسة هواية الغطس في الميناء بعد زيارة جزيرة الأرانب، لم تحرّك ساكناً لدى أبناء المدينة. ملّ الطرابلسيون من الكلام والجولات الفولكلورية والاستغلال الوقح لمعاناتهم وضيق أحوالهم وسُبلهم. ربما تمنى بعضهم لو أنه يصطدم بقعر البحر بجثث من غرقوا في مراكب الموت التي تنطلق يومياً من الميناء، حيث وقف، هرباً من جهنم هذا البلد وفساد مسؤوليه. فلو أن باسيل حسن النيّة، لكان قدم إلى طرابلس حاملاً خطة حكومية متكاملة العناصر، فما تحتاجه المدينة هو دخول الدولة إليها لا دخول الزعماء. ما تحتاجه هو إعادتها إلى حضن الوطن والاعتراف بها كمساحة غنية بمقومات النهوض، عوضاً عن تجزئتها والتعامل معها “بالقطعة والمفرق” بما يخدم المصالح الشخصية الراهنة.
المشكلة الأساسية في مقاربة الملفات الطرابلسية هو عدم الإدراك الفعلي لها، فمن لا يعرف داءها لن يعرف دواءها. طرابلس المدينة الأفقر على ساحل المتوسط حيث تجاوز معدل الفقر فيها 70 في المئة، ومعدل البطالة 60 في المئة، والتسرب المدرسي 80 بالمئة من إجمالي السكان، وأشياء أخرى يحول حبّنا للمدينة وناسها من ذكرها، تنتهي النهضة فيها في “شارع يعقوب اللبان” المعروف حاليا بـ”مينو”، الذي كان يوماً ما “شارع الخراب” ولكنها حتماً لا تبدأ فيه، وهذا إن رغب البعض ألّا تتحوّل المدينة التي تتآكلها الفوضى اليوم إلى خراب يصعب ضبطه وإعادة إعمار ما كان.

إقرأوا أيضاً: