fbpx

جريمة “تجفيف” الأهوار العراقية: ابحث عن فساد الدولة وإهمالها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الجفاف أدى الى هجرة أعداد كبيرة جداً من صيادي الأهوار، خصوصاً مربي المواشي والجاموس، وتراجع الثروة الحيوانية بشكل كبير”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يبق من أهوار محافظة ذي قار (جنوب العراق) الشاسعة إلا مساحات صغيرة تهرب إليها قطعان الجاموس من حرارة الصيف، فيما يعاني المزارع عدنان الكرطاني أحد سكان قضاء الفهود في المحافظة، من قلة المياه التي كانت في السابق وفيرة، وكانت المنطقة الملاذ الآمن للثروتين الحيوانية والزراعية.

الكرطاني يروي لـ”درج” بحرقة والدموع في عينيه: “مات في حظيرتي 12 من حيوان الجاموس بسبب جفاف الأهوار… مات مصدر رزقي الوحيد”.

هجرة جماعية

تلحظ الصحافية من محافظة ذي قار نور صادق وجود هجرة مزدوجة إذ تقول إن “قضاء الجبايش في المحافظة الذي يتمتع بأهوار عدة شهد في الآونة الأخيرة هجرة كثيرين، تركوا محافظتي بابل وواسط، إلى هجرة أخرى داخلية باتجاه مقتربات مدخل نهر الفرات في القضاء نفسه”.

وتكمل صادق لـ”درج”: “البطحاء والشطرة شهدتا أيضاً هجرة سكانهما، ما أثر مباشرة بشكل سلبي في الحياة في القضاءين”. 

وتعزو أسباب تلك الهجرة المزدوجة إلى شح المياه وأثره على هؤلاء السكان الذين يعتمدون بنسبة 100 في المئة عليها لتغذية ثرواتهم الحيوانية والزراعية.

صادق تكشف أن نسبة المساحات الخضراء والمراعي في مناطق الاهوار تقلصت تزامناً مع شح المياه إلى 70 في المئة في العام الحالي عن عام 2019، نتيجة الجفاف القاهر الذي ضرب مناطق الاهوار في الوسط والجنوب، أما نسبة المراعي في الاهوار فقد تقلصت بنسبة 65 في المنطقة وهي نسب خطيرة تؤدي إلى انقراضها بشكل نهائي”.

والأهوار مستنقعات تتغذى على نهري دجلة والفرات، أكبر المسطحات المائية في العراق والشرق الاوسط وهي مناطق خصبة لزراعة الأرزّ وصيد الأسماك، وموطن لأنواع متعددة من الطيور، وتعتبر محطة راحة لآلاف الطيور البرية المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا. وتعد موطناً للتنوع البيولوجي، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” إلى ضمها إلى قائمة التراث العالمي عام 2016.

منطقة منكوبة

يرجع مدير بيئة محافظة ذي قار كريم هاني محمد، المشكلة التي تعاني منها الأهوار إلى “تراجع منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، نتيجة قلة الاطلاقات المائية”، مضيفاً لـ”درج”: “هناك مساحات كثيرة أصبحت جافة تماماً، وهناك مسطحات أخرى مرشحة للجفاف، وهو ما ينعكس على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأهالي هذه المناطق”.

ويكشف محمد أن جفاف الأهوار دفع كثيرين إلى “الانتقال إلى محافظات مجاورة”، مشيراً إلى أن هؤلاء السكان عادة ما يعتاشون على “صيد الأسماك وتربية الجاموس” اللتين تتطلبان وجود وفرة مائية.

كما يبدي مخاوفه من استمرار حالة الجفاف التي ستؤثر في “التنوع البيولوجي” في الأهوار، بخاصة في ظل التغيرات المناخية”.

تحذير حكومي

ومع استمرار هذا الموت البطيء للأهوار، تُطلق وزارة الموارد المائية تحذيراتها من استمرار تأثير الجفاف في الأهوار، وتخاطب وزارتي البيئة والزراعة للحفاظ على الثروة الحيوانية، في تقاذف للمسؤولية من دون أي تحرك فعلي لتدارك المصيبة البيئية التي تستفحل.

ويوضح مدير “مركز انعاش الأهوار والاراضي الرطبة” في الوزارة حسين الكناني لـ”درج” أن “وزارة الموارد المائية باشرت بتنفيذ أعمال خطة من أجل الحيلولة دون هجرة سكان الأهوار المحليين، وخصوصاً الصيادين ومربي المواشي والجاموس، للحفاظ على الثروة الحيوانية التي تراجعت بسبب الجفاف”، مبيناً أن “الخطة تتضمن تعميق وتوسيع مغذيات يمين نهر الفرات ويساره، كي تكون بمساحة جديدة أطول وأكبر من السابق”.

وتابع أن “تلك المغذيات ستصبح أنهاراً كبيرة تتغذى من أيمن وأيسر الفرات لتغطي وبنسبة كبيرة من المياه لما يحتاجه سكان الأهوار الأصليين والمحليين المتمثلين بالصيادين الذين تكون لهم حرية الحركة خلال ممارسة مهنتهم داخل هذه المغذيات”.

وأضاف أن “الجفاف أدى الى هجرة أعداد كبيرة جداً من صيادي الأهوار، خصوصاً مربي المواشي والجاموس، وتراجع الثروة الحيوانية بشكل كبير”، موضحاً أن “مربي المواشي تحول استيطانهم من الأماكن التي شحت فيها المياه إلى ضفاف الأنهار والمغذيات”.

ودعا الكناني، وزارتي البيئة والزراعة، إلى “العمل على مواجهة أزمة الجفاف ودعم مربي الجاموس والمواشي ومدها بالأعلاف الموجودة واللقاحات البيطرية، حفاظاً على الثروة الحيوانية”، موضحاً أن “لهذه الثروة دوراً كبيراً ومردوداً إيجابياً في إنعاش الأهوار والحركة الاقتصادية”.

حلول يجب تنفيذها

يفيد خبراء الزراعة و المياه في العراق بوجود جملة من الحلول على الجهات المختصة تنفيذها لإنعاش مناطق الأهوار لتحافظ على وجودها في لائحة التراث العالمي ومنعها من الضياع.

لا حلول في المستقبل القريب، وأهوارهم، تجفّ أسوة ببقية مقدّرات البلاد التي تم تجفيفها بفعل الفساد والهدر والإهمال.

بصدد ذلك يقول الخبير في شؤون الزراعة والمياه علاء البدران لـ”درج” إن سيناريوهات اغمار الاهوار تعتمد على معطيات حسب وفرة المياه واستخدام البدائل وما يحصل حاليا هو إهمال متعمد وتجاوز على حصص الاهوار من المياه.

ويشير إلى أن “المستهلك الأول للمياه هو قطاع الزراعة إذن على الجهات الحكومية حل مشكلة منظومات الإرواء التي ما زالت تستخدم الطريقة السومرية ما قبل 7000 سنة أو أكثر والتحول نحو الانظمة الحديثة التي تمكّن من تأمين حصة مياه عادلة للأهوار ومطابقة المعايير التي قبلت بها في لائحة التراث العالمي”.

هناك صعوبة كبيرة في عملية إعادة الأمور إلى نصابها، كنسبة المساحات الخضراء أو المراعي إلى الأهوار من جديد نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها البلد منذ أكثر من 18 عاماً، والأزمة السياسية التي انفرجت على حكومة لا يأمل منها العراقيون الكثير، ما يضع في حساباتهم أنه لا حلول في المستقبل القريب، وأن أهوارهم، تجفّ أسوة ببقية مقدّرات البلاد التي تم تجفيفها بفعل الفساد والهدر والإهمال.

07.11.2022
زمن القراءة: 4 minutes

“الجفاف أدى الى هجرة أعداد كبيرة جداً من صيادي الأهوار، خصوصاً مربي المواشي والجاموس، وتراجع الثروة الحيوانية بشكل كبير”.

لم يبق من أهوار محافظة ذي قار (جنوب العراق) الشاسعة إلا مساحات صغيرة تهرب إليها قطعان الجاموس من حرارة الصيف، فيما يعاني المزارع عدنان الكرطاني أحد سكان قضاء الفهود في المحافظة، من قلة المياه التي كانت في السابق وفيرة، وكانت المنطقة الملاذ الآمن للثروتين الحيوانية والزراعية.

الكرطاني يروي لـ”درج” بحرقة والدموع في عينيه: “مات في حظيرتي 12 من حيوان الجاموس بسبب جفاف الأهوار… مات مصدر رزقي الوحيد”.

هجرة جماعية

تلحظ الصحافية من محافظة ذي قار نور صادق وجود هجرة مزدوجة إذ تقول إن “قضاء الجبايش في المحافظة الذي يتمتع بأهوار عدة شهد في الآونة الأخيرة هجرة كثيرين، تركوا محافظتي بابل وواسط، إلى هجرة أخرى داخلية باتجاه مقتربات مدخل نهر الفرات في القضاء نفسه”.

وتكمل صادق لـ”درج”: “البطحاء والشطرة شهدتا أيضاً هجرة سكانهما، ما أثر مباشرة بشكل سلبي في الحياة في القضاءين”. 

وتعزو أسباب تلك الهجرة المزدوجة إلى شح المياه وأثره على هؤلاء السكان الذين يعتمدون بنسبة 100 في المئة عليها لتغذية ثرواتهم الحيوانية والزراعية.

صادق تكشف أن نسبة المساحات الخضراء والمراعي في مناطق الاهوار تقلصت تزامناً مع شح المياه إلى 70 في المئة في العام الحالي عن عام 2019، نتيجة الجفاف القاهر الذي ضرب مناطق الاهوار في الوسط والجنوب، أما نسبة المراعي في الاهوار فقد تقلصت بنسبة 65 في المنطقة وهي نسب خطيرة تؤدي إلى انقراضها بشكل نهائي”.

والأهوار مستنقعات تتغذى على نهري دجلة والفرات، أكبر المسطحات المائية في العراق والشرق الاوسط وهي مناطق خصبة لزراعة الأرزّ وصيد الأسماك، وموطن لأنواع متعددة من الطيور، وتعتبر محطة راحة لآلاف الطيور البرية المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا. وتعد موطناً للتنوع البيولوجي، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” إلى ضمها إلى قائمة التراث العالمي عام 2016.

منطقة منكوبة

يرجع مدير بيئة محافظة ذي قار كريم هاني محمد، المشكلة التي تعاني منها الأهوار إلى “تراجع منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، نتيجة قلة الاطلاقات المائية”، مضيفاً لـ”درج”: “هناك مساحات كثيرة أصبحت جافة تماماً، وهناك مسطحات أخرى مرشحة للجفاف، وهو ما ينعكس على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأهالي هذه المناطق”.

ويكشف محمد أن جفاف الأهوار دفع كثيرين إلى “الانتقال إلى محافظات مجاورة”، مشيراً إلى أن هؤلاء السكان عادة ما يعتاشون على “صيد الأسماك وتربية الجاموس” اللتين تتطلبان وجود وفرة مائية.

كما يبدي مخاوفه من استمرار حالة الجفاف التي ستؤثر في “التنوع البيولوجي” في الأهوار، بخاصة في ظل التغيرات المناخية”.

تحذير حكومي

ومع استمرار هذا الموت البطيء للأهوار، تُطلق وزارة الموارد المائية تحذيراتها من استمرار تأثير الجفاف في الأهوار، وتخاطب وزارتي البيئة والزراعة للحفاظ على الثروة الحيوانية، في تقاذف للمسؤولية من دون أي تحرك فعلي لتدارك المصيبة البيئية التي تستفحل.

ويوضح مدير “مركز انعاش الأهوار والاراضي الرطبة” في الوزارة حسين الكناني لـ”درج” أن “وزارة الموارد المائية باشرت بتنفيذ أعمال خطة من أجل الحيلولة دون هجرة سكان الأهوار المحليين، وخصوصاً الصيادين ومربي المواشي والجاموس، للحفاظ على الثروة الحيوانية التي تراجعت بسبب الجفاف”، مبيناً أن “الخطة تتضمن تعميق وتوسيع مغذيات يمين نهر الفرات ويساره، كي تكون بمساحة جديدة أطول وأكبر من السابق”.

وتابع أن “تلك المغذيات ستصبح أنهاراً كبيرة تتغذى من أيمن وأيسر الفرات لتغطي وبنسبة كبيرة من المياه لما يحتاجه سكان الأهوار الأصليين والمحليين المتمثلين بالصيادين الذين تكون لهم حرية الحركة خلال ممارسة مهنتهم داخل هذه المغذيات”.

وأضاف أن “الجفاف أدى الى هجرة أعداد كبيرة جداً من صيادي الأهوار، خصوصاً مربي المواشي والجاموس، وتراجع الثروة الحيوانية بشكل كبير”، موضحاً أن “مربي المواشي تحول استيطانهم من الأماكن التي شحت فيها المياه إلى ضفاف الأنهار والمغذيات”.

ودعا الكناني، وزارتي البيئة والزراعة، إلى “العمل على مواجهة أزمة الجفاف ودعم مربي الجاموس والمواشي ومدها بالأعلاف الموجودة واللقاحات البيطرية، حفاظاً على الثروة الحيوانية”، موضحاً أن “لهذه الثروة دوراً كبيراً ومردوداً إيجابياً في إنعاش الأهوار والحركة الاقتصادية”.

حلول يجب تنفيذها

يفيد خبراء الزراعة و المياه في العراق بوجود جملة من الحلول على الجهات المختصة تنفيذها لإنعاش مناطق الأهوار لتحافظ على وجودها في لائحة التراث العالمي ومنعها من الضياع.

لا حلول في المستقبل القريب، وأهوارهم، تجفّ أسوة ببقية مقدّرات البلاد التي تم تجفيفها بفعل الفساد والهدر والإهمال.

بصدد ذلك يقول الخبير في شؤون الزراعة والمياه علاء البدران لـ”درج” إن سيناريوهات اغمار الاهوار تعتمد على معطيات حسب وفرة المياه واستخدام البدائل وما يحصل حاليا هو إهمال متعمد وتجاوز على حصص الاهوار من المياه.

ويشير إلى أن “المستهلك الأول للمياه هو قطاع الزراعة إذن على الجهات الحكومية حل مشكلة منظومات الإرواء التي ما زالت تستخدم الطريقة السومرية ما قبل 7000 سنة أو أكثر والتحول نحو الانظمة الحديثة التي تمكّن من تأمين حصة مياه عادلة للأهوار ومطابقة المعايير التي قبلت بها في لائحة التراث العالمي”.

هناك صعوبة كبيرة في عملية إعادة الأمور إلى نصابها، كنسبة المساحات الخضراء أو المراعي إلى الأهوار من جديد نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها البلد منذ أكثر من 18 عاماً، والأزمة السياسية التي انفرجت على حكومة لا يأمل منها العراقيون الكثير، ما يضع في حساباتهم أنه لا حلول في المستقبل القريب، وأن أهوارهم، تجفّ أسوة ببقية مقدّرات البلاد التي تم تجفيفها بفعل الفساد والهدر والإهمال.

07.11.2022
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية