لم يكن الشاب الفلسطيني طارق أبو طه على علم بقرار الأمن العام اللبناني الجائر بمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان. فالإجراءات الأمنية كانت طبيعية في مطار دبي، حيث كان يبحث عن فرصة عمل، إلى أن صعد إلى متن الطائرة، ووقعت الحادثة التي شغلت الرأي العام اللبناني.
أبو طه (30 سنة) هو مهندس فلسطيني وُلد في لبنان، كما والده، وحصّل تعليمه وعمل في لبنان، إلا أنه أخيراً انتقل إلى دبي للبحث عن وظيفة، قبل أن تحلّ أزمة “كورونا” وتُقفل المطارات أبوابها.
انتظر أبو طه رحلته، ضمن سلسلة رحلات جوية أعدها لبنان لعودة رعاياه المغتربين بعد أسابيع من إقفال المطار في إطار خطة التعبئة العامة لمكافحة فايروس “كورونا”. إلا أن رحلته لم تكتمل بعدما رفض ضابط من المديرية العامة للأمن العام صعوده على متن الطائرة لأنه “فلسطيني أزعر”.
يقول أبو طه لـ”درج”، إنها المرة الأولى التي يشعر فيها بالمهانة والتمييز بسبب جنسيته الفلسطينية. فبعد ساعات من الانتظار بسبب حمله وثيقة سفر صادرة عن الجمهورية اللبنانية، والتي بالمناسبة لم يتعرّف إليها الضابط، اضطر أبو طه للوقوف على درج الطائرة الخارجي بينما عاصفة رملية كانت تهبّ، لأن الضابط نفسه أهانه بجنسيّته، فقال “هيدي الوثيقة للزعران… الدني كلها ما بطّلعو ع الطيارة”، وفق رواية أبو طه.
“ابني عمره ثلاث سنوات ونصف السنة، ينتظرني ويقول بابا راجع… ماذا سأقول له الآن؟”… أبو طه حالياً في فندقٍ في دبي، وينتظر أي قرار يقضي بعودته إلى كنف عائلته في لبنان.
رحلة طارق لم تكتمل بعدما رفض ضابط من المديرية العامة للأمن العام صعوده على متن الطائرة لأنه “فلسطيني أزعر”.
طارق هو واحد من عشرات الفلسطينيين الذين منعوا من العودة إلى لبنان بسبب جنسيتهم، فاضطروا إلى إلغاء رحلاتهم في اللحظات الأخيرة وفقاً لما علمه موقع “درج”. وهي ليست المرة الأولى التي ينحدر فيها لبنان نحو ممارسات عنصرية تنطوي على معاملة لا إنسانية مع لاجئين فلسطينيين.
يعيش في لبنان حوالى 174 ألف لاجئ فلسطيني، بحسب “لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني”، علاوة على 30 ألف فلسطيني – سوري لجأوا إلى لبنان. وجميعهم يواجهون قيوداً على الحق في العمل والتملك وفقاً للتقرير السنوي لـ”هيومن رايتش ووتش” لعام 2019. هذا عدا عن المواقف العنصرية اليومية التي تواجههم.
وكانت المديرية العامة للأمن العام اللبناني أصدرت تعميماً إلى طيران الشرق الأوسط (الرقم 5932/م) بتاريخ 30 نيسان/ أبريل يقضي بعدم السماح للأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئين في لبنان بالعودة إليه على متن طائرات إجلاء اللبنانيين من الخارج. ونصّ التعميم على تعديل المقصود باللبنانيين العائدين إلى عائلة اللبناني (زوج، زوجة، أولاد) من دون السماح بمرافقة الخدم والأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئة في لبنان.
إلى أن عادت المديرية وأعلنت في بيان، بعدما لاقت هذه الحادثة ردود فعل سلبية على مواقع التواصل الاجتماعي، أنها باشرت التحقيق مع الضابط حول ما ورد من معلومات عن تعاطيه بطريقة غير لائقة مع أبو طه، ليصار إلى اتخاذ الإجراءات على ضوء نتيجة التحقيق.
كما أوضحت أنها “تعمل وفقاً لقرار مجلس الوزراء القاضي بعودة اللبنانيين حصراً في هذه المرحلة، على أن يصار إلى عودة غير اللبنانيين الذين يحق لهم الدخول إلى لبنان في مراحل لاحقة”.
“لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني” قالت في بيان، “إنها تقوم بإجراء الاتصالات اللازمة على أعلى المستويات، لتعديل القرار الصادر عن اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث والأزمات، بمنع المقيمين الفلسطينيين المغتربين من العودة إلى لبنان ممن يحملون وثائق سفر صادرة عن السلطات اللبنانية المختصة”.
باتت جنسية هؤلاء هي تهمتهم وجريمتهم، ما يشّرع انتهاك حقوقهم ويحرمهم من أبسطها.
وأضافت: “هذا الإجراء التمييزي الذي برز خلال الدفعة الثانية من طائرات العودة، يتناقض مع ما سبق في عملية الإجلاء الأولى… كما أنه يتناقض مع أبسط القوانين والمواثيق الدولية والعربية المعمول بها في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم”.
هذه العنصرية التي عزز التيار العوني ركائزها في لبنان تجاه الفلسطينيين والسوريين، بلغت حداً لا يمكن السكوت عنه. فباتت جنسية هؤلاء هي تهمتهم وجريمتهم، ما يشّرع انتهاك حقوقهم ويحرمهم من أبسطها. ولعل هذه الحادثة هي فصلٌ جديد يُضاف إلى سلسلة من المواقف العنصرية التي سجّلها لبنان في الفترة الأخيرة بحقّ لاجئين.