fbpx

جيل سوريا الضائع بين البلاد والمخيمات… من ينقذه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في محافظة إدلب السوريّة، حيث تدمَّر القرى وتُستهدَف المستشفيات بلا رحمة من طرف القوات السورية والقوات الروسية، تظهر علامات الصدمة النفسية على الأطفال الذين اضطروا إلى النزوح مرات عدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في محافظة إدلب السوريّة، حيث تدمَّر القرى وتُستهدَف المستشفيات بلا رحمة من طرف القوات السورية والقوات الروسية، تظهر علامات الصدمة النفسية على الأطفال الذين اضطروا إلى النزوح مرات عدة. يبكون ويصرخون وهم يرون عالمهم ينهار أمام أعينهم مرة أخرى.

يضم مخيم الهول في الشمال الشرقي 43500 طفل لم يتعدّوا سن العاشرة، يعيش 480 منهم من دون أهل. فبعدما ولدوا في ظل عنف بالغ وصدمات تحت حكم “داعش”، يفتقر الأطفال الآن إلى أبسط شروط الرعاية الصحية والتعليم، وستستمر معاناتهم جراء ظروفهم المعيشية السيئة حتى تقرر بلدانهم إن كانوا سيعودون إليها أم لا.

في منطقة سنجار الواقعة في الشمال الغربي، أُعلِن أن الأطفالَ المولودين نتيجة الاغتصاب الممنهج للنساء اليزيديات، الذي تقوم به “داعش”، غير مرحَّبٍ بهم في المجتمع بموجب قرار ديني. وفي الجنوب، في مخيم الركبان الواقع قرب الحدود الأردنية، يعيش 27 ألف سوريٍّ مشرَّد، معظمهم من الأطفال، ويعانون المرضَ والجوعَ، ويعيشون معزولين عن العالم. كما بدأ آلاف الأطفال في بلدة عرسال اللبنانيّة يفقدون منازلهم، لأن الحكومة تنفذ مرسوماً عسكريّاً يقضي بهدم المباني التي لها ارتفاع مخُالِف قدره متر واحد (ثلاثة أقدام)، لتجنب إنشاء مجتمعات لاجئين دائمة وتكرار التجربة الفلسطينية في لبنان.

يضم مخيم الهول في الشمال الشرقي 43500 طفل لم يتعدّوا سن العاشرة، يعيش 480 منهم من دون أهل.

في حربٍ شنيعة مزّقَت دولةً وزعزعَت منطقة كاملة، قد تكون الطفولة المدمَّرة والمستقبل المجهول الذي ينتظر الأطفال الأبرياء هما أكثر نتائج هذه الحرب كارثيةً. إلّا أنه -بعكس عواقب الحرب الأخرى – يمكننا التخفيف من حدة هذه العاقبة، إذا حشد المجتمع الدولي الإرادة للتحرك.

سببت الحرب السورية إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في وقتنا الحالي. كانت إحصاءات عام 2019 صاعقة: سُجِّل 5.6 مليون لاجئ ونزح 6.2 مليون سوري داخل سوريا وغادر 700 ألف طفل مدارسهم في المنطقة. جاءت موجات النزوح الضخمة مرافقةً للبراميل المتفجرة وحالاتِ التعذيب والاغتصاب والإعدامات الجماعية والهجمات الكيماوية، التي سرقت حَيَوات أطفال نيام.

يصعب على أي شخص تحمل هذه الفظائع الشنيعة، ناهيك بالطفل الذي لم تَنمُ لديه بعدُ ميكانيزمات المرونة الضرورية للتغلب على صدمات الحرب. تقول جويل باسول المتحدثة باسم فرع منظمة “أنقذوا الأطفال” في الشرق الأوسط: “عندما يكون عمرك 5 أو 6 سنوات وتجد نفسك مشرَّداً في الشارع، فستراودك هذه الذكريات إلى الأبد”. على عكس البالغين، سيصبح الأطفال المتأثرين بالحرب مسؤولين عن تشكيل مستقبل بلدانهم. من خلال حرمانهم من فرص التطور والتعلّم والتنشئة في بيئة سليمة، فإننا نحرم أمة كاملة من فرصة إعادة تجميع أشلائها الممزقة بعد رحيل نظام الأسد. عام 2015، قال لي طفل يبلغ من العمر 16 سنة في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن، عندما سألته ما الذي تريد أن يعرفه الجمهور في الغرب: “تتوقع منا العودة إلى بلدنا وإعادة إعماره، لكنك لا تعطينا أي وسيلة من الوسائل التي سنحتاجُها في ذلك. هذا ليس عدلاً”.

يواجه الأطفال المتأثرون بالصراع السوري عدداً هائلاً من التحديات التي تمكن مواجهة معظمها أو إزالتها إذا كانت جميع الدول المعنية قادرة على حشد الإرادة السياسية للقيام بدورها.

في لبنان، وعلى رغم الترحيب المبدئي، رأى مسؤولو البلاد في السوريين أكباشَ فداء يبرِّرون بها فشلهم؛ فقد ألقوا عليهم باللوم في كل شيء، بدءاً من ركود الاقتصاد وصولاً إلى الجريمة. غير أنّ أفعال الحكومة اللبنانية الأخيرة تجاوزَت الترهيب المجرَّد إلى إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا، على رغم الأخطار المُحدِقة بهم. على الحكومة اللبنانية أن تتراجع عن خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، وأن تصرفَ النظر عن محاولة إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا بالقوة، خصوصاً الأطفال منهم. عدم التزامها ذلك سيُفاقم من المشكلات التي تدّعي أن اللاجئين يتسبّبون بها؛ ومنها بث الفرقة بين السوريين والسكان اللبنانيين، ما يهدِّد باندلاع صراعات وتبادُل الهجمات بين الطرفين ونشر التطرف في كلتَي الطرفين، ما سيُدخل البلاد في دائرة مفرغة من الشيطنة والكراهية.

في حربٍ شنيعة مزّقَت دولةً وزعزعَت منطقة كاملة، قد تكون الطفولة المدمَّرة والمستقبل المجهول الذي ينتظر الأطفال الأبرياء هما أكثر نتائج هذه الحرب كارثيةً.

أما في الركبان، فلدَى حكومات الأردن وروسيا والولايات المتحدة فرصة فريدة لجعل الحياة هناك أسهل. يتحمل نظام الأسد المسؤولية الكبرى بمنعه المهجَّرين داخليّاً من العودة إلى منازلهم بأمان، في حين لا يسمح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المخيم أيضاً. روسيا هي الأخرى تتحمل القدر ذاته من المسؤولية، لرفضها الضغطَ على النظام السوري لتغيير موقفه. وقد اختارت الولايات المتحدة -التي تحتفظ بقوات لها في قاعدة التنف- عدمَ التورّط أو المساعدة في توصيل المساعدات الإنسانية إلى المخيم.

سمح الأردنيون -الذين يستضيفون أكثرَ من مليون لاجئ سوري- بوصول المساعدات إلى المخيم، وذلك بعد مقتل 6 جنود أردنيين وإصابة 14 آخرين في هجومٍ إرهابيٍّ متعمَّد. لكن برفضه السماحَ للمساعدات بالوصول إلى المخيم، يُساهِم الأردن -تمامًا مثل روسيا والولايات المتحدة- في زيادة معاناة اللاجئين أثناء انتظارهم حلاً دائماً. ولذا عليه السماح بوصول المساعدات إلى المخيم وتقديم الدعم النفسي لأطفال الركبان إلى حين الوصول إلى حل سياسي مع النظام.

في الهول، تُشكِّل لا مبالاةُ الدول الغربية بمواطنيها المحتجَزين هناك مشكلةً عويصة. تُطالب “قوات سورية الديموقراطية” -المسؤولة عن احتجاز هؤلاء الأفراد القُصَّر في الهول- البلدانَ الغربية باستعادة مواطنيها أو وضع خطة للتعامل معهم. وفي موقفها الحالي، لا تمتلك “قوات سورية الديموقراطية” الشرعية القانونية ولا القدرة المادية على الاستمرار في احتجاز الناس في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.

يكتسب اقتراحٌ سويديٌّ جديد، يدعو إلى عقد محكمة دولية في سوريا، شعبيةً متزايدة، لكن الطريق نحو المحكمة سيكون شاقّاً ومملوءاً بالتعقيدات، ولن يلبّي الحاجات المباشرة لأطفال المخيم المصابين بصدماتٍ نفسية. على الاتحاد الأوروبي إرسال بعثةَ تقصٍّ للحقائق إلى مخيم الهول في أسرع وقت ممكن، للحديث مع إدارة المخيم عن احتياجات الأطفال طويلة الأمد وكيفية تلبيتها. وينبغي أن يشمل الحلُّ إعادةَ الأطفال الأوروبيين إلى بلدان والديهم.

أخيراً، على البلدان أن تزيد من أرقام اللاجئين المستوطنين فيها، خصوصاً من السوريين الأصغر سنّاً والأضعف. تقدِّر اليونيسيف أنّ في سوريا وحدها حوالى 48 ألف طفل من أبناء المنتمين لتنظيم الدولة، من بينهم 2500 طفل أجنبي من دون جنسية. وصف أشخاص ممن لديهم القدرة على الوصول إلى المخيم الظروفَ المعيشيّةَ فيه بالحرجة والمهدِّدة للحياة. معظم المساعدات الخارجية تقتصر على جلب المواد الضرورية للنجاة، وليس هنالك أي موارد مخصصة لمواجهة احتمال انتشار التطرف بين سكان المخيم. هناك احتمال كبير بأن من يحملون أفكاراً متطرفة سيجدون فرصة سانحة لنشر أيديولوجيّتهم بين الأطفال عديمي الحيلة، ما سيُدخلهم في دائرةٍ مفرغة؛ فكلما طال أمدُ تجاهل الحكومات لهم، صعبت عملية إدماجهم في بلدانهم.

تقدِّر اليونيسيف أنّ في سوريا وحدها حوالى 48 ألف طفل من أبناء المنتمين لتنظيم الدولة، من بينهم 2500 طفل أجنبي من دون جنسية.

على رغم كل ذلك، وبسبب ضغوط السياسة المحلية المُلِحَّة، استمرت الحكومات الغربية في عدم الوفاء الكامل بالتزاماتها في قضية إعادة التوطين. يجب أن يتغير هذا الأمر، بدءاً باليتامى، وخصوصاً مَن لديهم عائلات في أوروبا مستعدة لاستقبالهم.

لا يجوز أن يواصل المجتمع الدولي تجاهله مسؤولياته تجاه ضحايا الحرب من الصغار؛ وما زال بالإمكان إنقاذ الجيل السوري المفقود.

ياسمين الجمل، زميلة رفيعة المستوى في المجلس الأطلسيّ The Atlantic Council ومستشارة سابقة في شؤون الشرق الأوسط لدى وزارة الدفاع الأميركيّة، حيث عملت على قضايا مرتبطة بسوريا وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ورد الفعل الأميركي على الربيع العربي. وهي مؤلفة كتاب “معضلة التهجير: هل على أوروبا إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم؟”.

هذا المقال نشر في موقع Atlantic Council ولقراءة الموضوع الأصلي يمكن زيارة الرابط التالي.

في تركيا أيضا السوريون تلاحقهم العنصرية ..