fbpx

“أسرار أبو ظبي” : ألف أوروبي مسجّلون كـ”إخوان مسلمين” لدى أجهزة الأمن الإماراتيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

تكشف سلسلة تحقيقات Abu Dhabi Secrets التي نبدأ بنشرها اليوم عن نشاط شركة الاستخبارات السويسريّة ALP، استناداً إلى وثائق سرية حصلنا عليها عبر اختراق لـ Alp Services، وصلت الى Mediapart التي شاركتها مع أعضاء الـ European Investigative Collaborations وشركاء آخرين، من بينهم موقع “درج”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنا نشرنا في “درج” عام 2018 قصة انسحاب الفرنسية من أصل سوري، منال ابتسام، من برنامج “ذا فويس” في نسخته الفرنسيّة، إثر حملة تعرضت لها على وسائل التواصل الاجتماعيّ تستهدف حجابها. 

لم نكن حينها نعلم من يقف وراء هذه الحملة. 

اليوم، اكتشفنا أن اسم منال أُدرج حينها على لائحة “أهداف” أعدتها شركة Alp السويسرية لمصلحة الإمارات العربية المتحدة، “أهداف” ينبغي القضاء على أنشطتها في أوروبا، بسبب مزاعم عن ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين. 

كليمان فايول ويان فيليبين وأنتون روجيه وأنطوان  هاراري (Mediapart)

Clément Fayol, Yann Philippin, Antton Rouget Antoine Harari (Mediapart) 

استناداً إلى وثائق سرية حصلت عليها Mediapart من خلال اختراق Alp Services، أُجريت سلسلة تحقيقات “أسرار أبو ظبي” بواسطة أعضاء شبكة الإعلام الأوروبية للتحقيقات (EIC)، ووسائل الإعلام السويسرية Heidi News وRSI Television وDomani (إيطاليا) وموقع “درج” (لبنان).

أرسلت وكالة الخدمات السويسرية  ALP Services أسماء أكثر من 1000 أوروبي، من بينهم  أكثر من  200 فرنسي، إلى استخبارات أبو ظبي، مع تصنيفهم، في كثير من الأحيان على نحو مضلل، بأنهم إسلاميون مقربون من تنظيم  الإخوان المسلمين. بين ضحايا هذه الإجراءات العبثية، أسماء مثل بينوا هامون، سامية غالي، والـCNRS وهي الهيئة العامة التي تشرف على البحث العلمي في فرنسا. 

“شبكة مافوية عابرة للقارات”، هذا العنوان المروّع لخريطة تم إرسالها إلى أجهزة الاستخبارات في دولة الإمارات العربية المتحدة، يستعرض المستند مئات الأفراد المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا، مرتبطين ببعضهم البعض بأسهم، ومن المفترض أنهم يشكلون شبكة من الإسلاميين المتطرفين. 

هذه الخريطة المرعبة من عمل شركة الاستخبارات الخاصة السويسرية Alp Services. وكانت  Mediapart وثم New Yorker قد كشفتا سابقاً عن بعض الحيل التي قامت بها هذه الوكالة نيابةً عن أبو ظبي، ولكننا اليوم أمام صدمة أكبر.

تكشف سلسلة تحقيقات Abu Dhabi Secrets التي نبدأ بنشرها اليوم عن نشاط شركة الاستخبارات السويسريّة، استناداً إلى وثائق سرية حصلنا عليها عبر اختراق لـ Alp Services، وصلت الى Mediapart التي شاركتها مع أعضاء الـ European Investigative Collaborations وشركاء آخرين، من بينهم موقع “درج”. 

توضح الوثائق التي حصلنا عليها أنه بين عامي 2017 و2020، قدمت Alp Services أسماء ومعلومات عن أكثر من 1000 شخص وأكثر من 400 منظمة، يفترض أنها على ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، في ثمانية عشر بلداً أوروبياً، حوت الأسماء أكثر من 200 فرد و120 منظمة في فرنسا. 

هذا التصنيف وُضع خارج أي إطار قانوني، وعدد كبير من الأسماء التي تضمّنها لا علاقة لها بالإسلام المتطرف، من بين هؤلاء مثلاً، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية بينوا هامون (Benoît Hamon) ، ومساعد رئيس بلدية مرسيليا وعضوة مجلس الشيوخ السابقة سامية غالي (Samia Ghal) ، والكاتبة والمخرجة روخايا ديالو (Rokhaya Diallo)، وصحافي من Mediapart، بالإضافة إلى Bondy Blog وحزب La France insoumise الذي يرأسه جان لوك ميلونشون (Jean-Luc Mélenchon)، وحتى الـ CNRS، وهي الهيئة العامة التي تشرف على البحث العلمي في فرنسا. 

بعض الأسماء تم وضعها إلى جانب إرهابيين محكوم عليهم بتهمة الارتباط بتنظيم “القاعدة”. وفي بعض الأحيان،  تم ذكر أرقام هواتفهم وتفاصيل شخصية.  كل من ذُكر اسمه اعتُبر مقرباً أو داعماً لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة كتنظيم إرهابي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية ذات النظام الاستبدادي الذي يضطهد أي معارض.

تراوحت ردود فعل ضحايا هذا التصنيف بين الذهول والغضب والخوف.  علق بينوا هامون قائلاً “إنه أمر مريع”، بينما قالت سامية غالي غاضبةً :”لن أمرر هذه القضية، يجب أن تقوم العدالة والسلطات الفرنسية بالتحقيق، ويجب أن تشرح الأمر لنا”، بينما قال أحد الباحثين في الـ CNRS  فضل عدم ذكر اسمه: “سأفكر ملياً قبل السفر إلى الإمارات”.

الرجل الذي قاد هذه العملية يدعى ماريو بريرو (Mario Brero)، يبلغ من العمر 71 عاماً، وهو خبير في التحقيقات الخاصة، ورئيس وكالة Alp Services التي أسسها في جنيف منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

رفض بريرو الرد على أسئلتنا بشأن الموضوع، ورأى محامياه، كريستيان لوشر (Christian Lüscher ) ويوان لامبيرت (Yoann Lambert)، أن وثائقنا “مزورة جزئياً”، وأن “معظم الحقائق التي تشكل أساس أسئلتنا تستند إلى افتراضات خاطئة و/أو وهمية”.  كما عبروا عن أسفهم لاستخدامنا “بيانات مسروقة”، وهددوا بمقاضاتنا في سويسرا للمطالبة بتعويض مالي عن “الضرر” الذي قد يلحق بهم. 

أرسلت وكالة الخدمات السويسرية  ALP Services أسماء أكثر من 1000 أوروبي، من بينهم  أكثر من  200 فرنسي، إلى استخبارات أبو ظبي، مع تصنيفهم، في كثير من الأحيان على نحو مضلل، بأنهم إسلاميون مقربون من تنظيم  الإخوان المسلمين.

كيف بدأت القصة؟

بدأ كل شيء في 7 آب/ أغسطس 2017 في فندق فخم في أبو ظبي، حيث حلّ ماريو بريرو وأحد مساعديه في ضيافة عميل مخابرات إماراتي اسمه “مطر”.

أرسل بريرو، رئيس ALP حين وصل رسالة نصيّة إلى مطر، جاء فيها :”عزيزي مطر، نحن في أبو ظبي، في أجنحة Fairmont الرائعة. شكراً لك على حسن الضيافة. نحن تحت تصرفك تماماً”. بالنسبة الى الرجل، يفضل البقاء بعيداً من الأضواء، فإن مبريرو بدا غير حذر على الإطلاق، إذ التقط صوراً يظهر فيها وهو يتناول مشروباً على حافة المسبح، كما التقط صورة لوكيله، رجل في الأربعينات من العمر، بلحية محددة بدقة، ويرتدي الدشداشة الخليجية.

أثناء عشاء في مطعم الفندق تلك الليلة، قدّم بريرو لمطر الخطة التي وضعتها وكالته قبل أسبوعين، عملية واسعة النطاق تهدف إلى “رسم خريطة” ثم “تشويه سمعة” أعداء الإمارات، “عن طريق نشر معلومات مُسيئة بطريقة سرية وواسعة النطاق”.

تخلل العام 2017 الكثير من الرحلات إلى أبو ظبي، عرّف خلالها مطر المحققين السويسريين إلى رئيسه، علي سعيد النيادي، صاحب القرار الحقيقيّ، مهمة الرجل المعلنة، قيادة فريق محليّ مسؤول عن إدارة الأزمات والكوارث الطبيعيّة، لكن في الواقع، مجموعته مرتبطة مباشرة بالمجلس الأعلى للأمن الوطني، الجناح المسلح للعمليات الخاصة الإماراتيّة.

عمل بريرو على إقناع رجال المخابرات الإماراتيين، قائلاً إن Alp Services تعمل لصالح “شخصيات ثرية وحكومات وزعماء دول وشركات متعددة الجنسيات ومكاتب محاماة”، واعداً بالاستعانة بشبكة من الصحافيين والاستشاريين والمحققين.

حجج بريرو كانت فعّالة: تم توقيع أول عقد في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ووفقاً للوثائق التي اطلعنا عليها، حصلت Alp Services على ما لا يقل عن 5.7 مليون يورو بين 2017 و2020، تم دفعها عبر مركز أبحاث إماراتي  يُدعى “الأرياف”، الذي يستخدم كغطاء لأجهزة المخابرات  الإماراتية.

سُميت العمليات “أرنيكا” أو “كروكوس”، نسبة إلى زهور جبال سويسرا الشهيرة. أما الأهداف فهي قطر وجماعة الإخوان المسلمين، هاجسا أبو ظبي الأساسيان، اللذان أجاد بريرو استغلال مشاعر عميله تجاههما، من خلال عروض مهام ملونة بالنظريات المبسطة للقضاء على شبكات الإخوان، التي يقترح “كشفها” و”تدميرها”، عبر التأثير على الرأي العام وعلى صناع القرار من السياسيين. 

تأسست منظمة الإخوان المسلمين عام 1928 في مصر على يد حسن البنا، رداً على الاستعمار البريطاني، ودعت  إلى إسلام سياسي وخطاب معادٍ للغرب، وعودة الى القيم والأخلاقيات تقليدية، تتعلق  بدور المرأة وفرض ارتداء  الحجاب، لكن الإمارات لا تكره الإخوان المسلمين لأسباب أيديولوجيّة.

 أدى تولي رؤساء منتخبين من الجماعة في تونس ومصر بعد الثورات العربية عام 2011، إلى خوف بعض الأمراء في الخليج من أن يطاح بهم. وزاد الدعم الذي قدمته قطر للإخوان من التوتر، وتصاعد الصراع فبلغ ذروته بين عامي 2017 و2021، عندما فرض تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات حصاراً على قطر.

هذا السياق الجيوسياسي، على الرغم من أنه يبدو بعيداً، فقد استُهدف بسببه مئات الأوروبيين الذين أصبحوا ضحايا لثأر أبو ظبي. لهذه الغاية، أنجزت ALP عشرات التقارير التي كرستها لأشخاص وشبكة علاقات في كل بلد. العرض المقدم يتماهى مع رغبات العميل: بقع دماء، وخريطة ملونة لأوروبا تحمل شعار الإخوان المسلمين وإشارات إلى “المافيا”.

بعد الاطلاع على اللائحة الكاملة، صار بإمكان أبو ظبي أن تطلب خدمات إضافية لمهاجمة الأهداف التي تختارها، مقابل 20,000 إلى 50,000 يورو لكل فرد، عبر استخدام وسائل عدوانيّة، مثل الحملات الصحافيّة، والمقالات التي يتم نشرها عبر حسابات مزيفة، وتعديل صفحات ويكيبيديا، وحتى عمليات تهدف إلى إقناع المصارف بإغلاق حسابات. هذا ما حدث لحازم ندى، وهو رجل أعمال مقيم في سويسرا ورئيس شركة تجارة النفط، الذي أفلس بسبب عملية خاصة من شركة ALP.

فرنسا واحدة من الدول التي كانت الوكالة السويسرية الأكثر نشاطاً فيها،  تحتوي خريطة بعنوان “الإخوان المسلمون في فرنسا ديسمبر 2020” وحدها على 191 اسماً و125 منظمة. ومع ذلك، يكفي تكبير الرسم البياني قليلاً لاكتشاف ركاكة المعلومات التي تحتويها الخريطة. 

في الواقع، هي تجميع عشوائي لأسماء ومنظمات من دون أي علاقة منطقية واضحة، تم ربطها ببعضها البعض بطريقة مصطنعة وبشخصيات عامة. 

مثلاً، ربطت شخصيات دينية وناشطون في جمعيات دينية بناشطين معادين للعنصرية مثل روكايا ديالو (Rokhaya Diallo)، أو بثلاثة مسؤولين في جمعية Coexister التي تهتم بالشباب والتسامح وحوار الأديان، والتي حصلت في عام 2016 على الجائزة العلمانية للجمهورية الفرنسية.

توجد أيضاً نائبة عمدة مرسيليا والعضوة السابقة في الحزب الاشتراكي سامية غالي، بالإضافة إلى طه  بوعفص (Taha Bouhafs)، وهو صحافي وناشط في حركة “La France Insoumise “. يوجد أيضاً اسم  حكيم القراوي (Hakim El Karoui)، المعروف بأسم Monsieur Islam من معهد مونتاني، الى جانب منال إبتسام (Mennel Ibtissem)، المرشحة السابقة في برنامج “The Voice”.

ومن بين الأسماء، اثنان من الباحثين في المدرسة العليا للدراسات الاجتماعية (EHESS) المرموقة، وثلاثة من المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، وأعضاء المركز الوطني للبحوث العلمية، في مجملهم مدرجون أيضاً في هذه الخريطة.

في ما يتعلق بوسائل الإعلام، يشمل الأعضاء المزعومون في التنظيم الغامض صحافية من Mediapart ومدوّنة Bondy ومنصة Orient XXI مع مؤسسها آلان غريش (Alain Gresh)، الذي كان رئيس تحرير مجلة “Le Monde Diplomatique”. 

يعلق غريش قائلاً: “الإمارات هي واحدة من أسوأ الدكتاتوريات، وليس من المستغرب أن يكونوا زبائن لمن يملكون رؤية مؤامراتية عن الإسلام، وأن يكون أصحاب هذه الرؤيا المؤامراتية قد نجحوا باختراق كل شيء، بما في ذلك الأعلام”. 

إنه الـ Je Suis Partout (أنا في كل مكان) الخاص في عصرنا الحديث، يقول غريش مستعيداً تجربة الجريدة الفرنسية التي ارتبطت بالأنظمة الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية (الجريدة صدرت بين 1939 و1944).

من بين السياسيين، يظهر اسم  المرشح السابق للحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية بنوا هامون، كما حزب La France Insoumise بزعامة جان لوك ميلونشون، الذي يقدّم على أنه من الـ”داعمين سياسياً” لجماعة الإخوان المسلمين من خلال عرض تقديمي يصف الشبكة الأوروبية المزعومة بأنها “نوع من العصابات الإجرامية”.

في بلجيكا، تم تضمين اسم وزيرة المناخ زكية خطابي (Zakia Khattabi) في خريطة الإسلاميين المحليين. حزبها Écolo اعتبر العملية “مشينة”، مضيفاً أن “المعلومات غير منطقية وسخيفة، الى درجة أنها لا تستحق أي تعليق أو اهتمام”.

في المملكة المتحدة، تم إدراج  الزعيم السابق لحزب العمال جيريمي كوربن (Jeremy Corbyn)   في التقرير بصفته من الداعمين للإخوان المسلمين، بينما وضعت Alp Services شخصيات سويدية ودنماركية على الخريطة ذاتها.  

كيف استطاعت Alp Services تنفيذ عمل بهذا السوء؟ 

ماريو بريرو قدم حلماً لعميله، إذ كانت المعلومات تُعرض على أنها سرية جداً، في حين أن 80 في المئة منها كانت من مصادر عامة، كما يشير مصدر سابق من الوكالة.

الواضح أن Alp اختارت الأسماء بناءً على إشاعات أو مواقف جدلية بسيطة، إذ  

يشترك المستهدفون الذين تواصلت معهم Mediapart في أنه تم التعرض لهم في وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام بتهمة التماهي مع الإسلام المتطرف. 

على سبيل المثال، كان بونوا هامون موضع انتقاد من  مانويل فالس (Manuel Valls) خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي في عام 2017، إذ يروي قائلاً: “منذ ترشحي للرئاسة، لم يعد بإمكاني نشر أي رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن أتعرض لهجومات مبنية على تخيلات واتهامات سخيفة عن تواطئ مع الإسلاميين”. 

تكاد النائبة الفرنسية سامية غالي تختنق على الهاتف عندما علمت أنه تم ربطها بجماعة الإخوان المسلمين: “إنها العكس تماماً لكل ما أنا عليه ولكل قناعاتي”، لكن  بعد التفكير، تتذكر أنها انتُقدت مرة  من قبل مدير سابق للمدارس في مرسيليا، بسبب حضورها افتتاح مدرسة ابن خلدون الخاصة، تقول: “ربما يكون ذلك السبب، ولكن هذا أمر غير معقول”، وتضيف: “المدرسة معترف بها من الدولة، وأنا نشأت في رعاية الراهبات، وبناتي يدرسن في المدارس الكاثوليكية الخاصة. لا أفهم لماذا لا أذهب بصفتي نائبة لحضور افتتاح مؤسسة تعترف بها وزارة التربية الوطنية”.

ظهر اسم منال ابتسام في الوثائق، بوصفها “رمزاً” للأيديولوجيا الإخوانيّة في فرنسا، وبسبب الحملة التي اشتعلت إثر مشاركتها في برنامج The voice في نسخته الفرنسيّة عام 2018، وغنّت وهي ترتدي حجاباً -لم تعد تضعه الآن-، ثم اضطرت إلى ترك البرنامج، بعد نشر تغريدات قديمة لها تحوي إشارات مؤامراتيّة في ما يخص اعتداءات “نيس” و”سانت إتيان دو روفيه”. ردت حينها “أنا أحب فرنسا”، وأضافت أنها تدين العنف وأنها كتبت التغريدات تحت تأثير “الغضب” لتنقد “الدمج بين الإرهاب والدين”.

تواصلت ميديا بارت مع المغنية،  التي أبدت غضبها من وجود اسمها ضمن قائمة للإخوان المسلمين أعدتها قوى أجنبيّة، تقول “هذا كلام فارغ، لم أفعل أو أقم أبداً بشيء يمكن أن يجعل أحدهم يظن بأني ذات انتماء ديني أو سياسيّ”.

يعتقد موقع “بوندي بلوغ”، وهو وسيلة إعلام مواطنة تغطي الأحياء الشعبية، أنه يمكن “تحديد مصدر هذه الروائح الكريهة”، إذ تقول سارة أيشو (Sarah Ichou)، رئيسة تحرير الموقع: “اتهمنا جيل كيبيل في عام 2016 بشكل غير عادل ومن دون أساس أننا أدوات بيد فصيل إخواني. حصل ذلك بعدما دعوناه الى حلقة نقاش في برنامجنا”، وتضيف أنه في تلك الفترة، كان كيبيل يشن هجوماً على من أسماهم اليساريين الإسلاميين في مقابلة مع مجلة الـL’Obs.

ظهر أيضاً على “الخريطة” التي أرسلت للإمارات، اسم عالم الاجتماع والسياسة فانسانت غاسير (Vincent Geisser)  الباحث في الـCNRS، هو مؤلف كتاب “الإسلاموفوبيا الجديدة”، وتم استهدافه علناً من قبل كارولين فوريست  (Caroline Fourest ) ومحمد سيفاوي (Mohamed Sifaoui،) الحاضر  في قلب فضيحة صندوق ماريان، ناهيك بأنهما ناشطان  لأجل “الصراع العلمانيّ”.

تواصلنا مع غاسير  الذي علّق قائلاً، “إن تدخل سلطة استبداديّة في لعبة كهذه من التجسس والمراقبة، أمر لا يثير المفاجأة، لكن أن تتمكن أجهزتها الاستخباراتيّة من إقامة صلات وعلاقات في أوروبا وسويسرا من أجل عملياتها، فهذه فضيحة حقيقيّة”.

تحتوي تقارير أخرى على أسماء منظمات أو أفراد محددين وعلى معلومات أكثر دقة وعمقاً. ولكن  جدية أو خيالية المعلومات، لا تنفي أن ما قامت به شركة Alp Services هو غير قانوني.

يعتبر “التعاون مع قوى أجنبية” والتجسس لمصلحتها جرائم في فرنسا، أما في سويسرا، حيث مقر Alp Services، فيجب إبلاغ وزارة الشؤون الخارجية عن أي نشاط يتم تنفيذه نيابة عن دولة أجنبية. وعندما سئلت الوزارة عن وكالة ماريو بريرو، أكدت أنها “لم تتلق أي إعلان يذكر أن دولة أجنبية كانت الوكيل أو المستفيد النهائي من خدماتها”.

وأعلنت شخصيات عدة عن رغبتها في تقديم شكوى. تقول سامية غالي التي تم استهدافها عندما كانت لا تزال عضوة في مجلس الشيوخ، “سأتصل بمحاميي وسأستجوب الحكومة التي يفترض أن تحمي مواطنيها. لن يتوقف الأمر هنا”. 

أما طه بوحفص فقال:”لن أدعهم يفعلون ذلك بي. إذا لم نقدم دعاوى قضائية في كل مرة يتم فيها إهانتنا، ستضاف هذه المعلومات الى صفحات ويكيبيديا. تلك الهجمات تشوه سمعتنا وتسبب لنا ضرراً مهنياً”.

عندما نبهنا الأشخاص المعنيين الى وجود أسمائهم في تقارير أو خرائط Alp حول شبكات الإخوان المسلمين، أبدى عدد منهم رغبته في عدم نشر اسمه، بمن فيهم الصحافي الذي يعمل معنا. “هذا أمر خطر للغاية. حتى إذا أكد مقالك سخافة العملية، سيستمرون في القول إنه لا يوجد دخان من دون نار”، يوضح واحد من الضحايا.

هذه الرغبة بعدم ذكر الأسماء تنسحب على الصحافي الذي يعمل في ميديا بارت، الموصوف بأنه “يتواصل” مع الأخوان المسلمين، يقول مدير ميديا بارت إدوي بلينل Edwy Plenel : “الصحافي وغيره من الصحافيين المذكورة أسماؤهم ضمن عملية التجسس غير القانونية والعبثية التي قام بها  جواسيس متنكرون يعملون لصالح الإمارات العربيّة المتحدة، ميديا بارت بالتأكيد ستقدم شكوى”، ويضيف :”في ظل السياق الفرنسي السياسي والإعلامي، الذي يصعد فيه اليمين المتطرف من دون تسامح مع الآخر، بالقول والفعل، اتهام كهذا تشهيري لصحافيّ لا يضر فقط بسمعته بل يهدد أمنه الشخصيّ”.

يخشى آخرون الإجراءات المحتملة التي قد تتخذها السلطات الإماراتية بشأنهم. فقد تم تسجيلهم كأشخاص قريبين من منظمة تعتبر إرهابية في البلاد. فكيف يمكن أن تستخدم دولة الإمارات العربية المتحدة هذه المعلومات؟ وما هي المخاطر التي يواجهونها إذا ذهبوا في إجازة أو لأغراض العمل إلى دبي؟

لم ترد حكومة الإمارات والعميل مطر ورئيسه علي سعيد النيادي على أسئلتنا. 

في الإمارات، تعتبر الآراء النقدية محظورة ويعاقب عليها بالسجن. التظاهرات محظورة، وتواصل السلطة احتجاز 41 معارضاً سياسياً على الأقل بعد تمضية فترة عقوبتهم، بحجة أنهم “اعتنقوا أفكاراً متطرفة”. 

في عام 2021، كشف تحقيق لمنظمة Forbidden Stories كيف تراقب الحكومة الإماراتية معارضيها باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس، القادر على اختراق الهواتف المحمولة.

 قررت Mediapart وشركاؤها نشر أسماء الأشخاص الذين أعطونا موافقتهم على القيام بذلك.

"درج"
لبنان
07.07.2023
زمن القراءة: 12 minutes

تكشف سلسلة تحقيقات Abu Dhabi Secrets التي نبدأ بنشرها اليوم عن نشاط شركة الاستخبارات السويسريّة ALP، استناداً إلى وثائق سرية حصلنا عليها عبر اختراق لـ Alp Services، وصلت الى Mediapart التي شاركتها مع أعضاء الـ European Investigative Collaborations وشركاء آخرين، من بينهم موقع “درج”.

كنا نشرنا في “درج” عام 2018 قصة انسحاب الفرنسية من أصل سوري، منال ابتسام، من برنامج “ذا فويس” في نسخته الفرنسيّة، إثر حملة تعرضت لها على وسائل التواصل الاجتماعيّ تستهدف حجابها. 

لم نكن حينها نعلم من يقف وراء هذه الحملة. 

اليوم، اكتشفنا أن اسم منال أُدرج حينها على لائحة “أهداف” أعدتها شركة Alp السويسرية لمصلحة الإمارات العربية المتحدة، “أهداف” ينبغي القضاء على أنشطتها في أوروبا، بسبب مزاعم عن ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين. 

كليمان فايول ويان فيليبين وأنتون روجيه وأنطوان  هاراري (Mediapart)

Clément Fayol, Yann Philippin, Antton Rouget Antoine Harari (Mediapart) 

استناداً إلى وثائق سرية حصلت عليها Mediapart من خلال اختراق Alp Services، أُجريت سلسلة تحقيقات “أسرار أبو ظبي” بواسطة أعضاء شبكة الإعلام الأوروبية للتحقيقات (EIC)، ووسائل الإعلام السويسرية Heidi News وRSI Television وDomani (إيطاليا) وموقع “درج” (لبنان).

أرسلت وكالة الخدمات السويسرية  ALP Services أسماء أكثر من 1000 أوروبي، من بينهم  أكثر من  200 فرنسي، إلى استخبارات أبو ظبي، مع تصنيفهم، في كثير من الأحيان على نحو مضلل، بأنهم إسلاميون مقربون من تنظيم  الإخوان المسلمين. بين ضحايا هذه الإجراءات العبثية، أسماء مثل بينوا هامون، سامية غالي، والـCNRS وهي الهيئة العامة التي تشرف على البحث العلمي في فرنسا. 

“شبكة مافوية عابرة للقارات”، هذا العنوان المروّع لخريطة تم إرسالها إلى أجهزة الاستخبارات في دولة الإمارات العربية المتحدة، يستعرض المستند مئات الأفراد المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا، مرتبطين ببعضهم البعض بأسهم، ومن المفترض أنهم يشكلون شبكة من الإسلاميين المتطرفين. 

هذه الخريطة المرعبة من عمل شركة الاستخبارات الخاصة السويسرية Alp Services. وكانت  Mediapart وثم New Yorker قد كشفتا سابقاً عن بعض الحيل التي قامت بها هذه الوكالة نيابةً عن أبو ظبي، ولكننا اليوم أمام صدمة أكبر.

تكشف سلسلة تحقيقات Abu Dhabi Secrets التي نبدأ بنشرها اليوم عن نشاط شركة الاستخبارات السويسريّة، استناداً إلى وثائق سرية حصلنا عليها عبر اختراق لـ Alp Services، وصلت الى Mediapart التي شاركتها مع أعضاء الـ European Investigative Collaborations وشركاء آخرين، من بينهم موقع “درج”. 

توضح الوثائق التي حصلنا عليها أنه بين عامي 2017 و2020، قدمت Alp Services أسماء ومعلومات عن أكثر من 1000 شخص وأكثر من 400 منظمة، يفترض أنها على ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، في ثمانية عشر بلداً أوروبياً، حوت الأسماء أكثر من 200 فرد و120 منظمة في فرنسا. 

هذا التصنيف وُضع خارج أي إطار قانوني، وعدد كبير من الأسماء التي تضمّنها لا علاقة لها بالإسلام المتطرف، من بين هؤلاء مثلاً، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية بينوا هامون (Benoît Hamon) ، ومساعد رئيس بلدية مرسيليا وعضوة مجلس الشيوخ السابقة سامية غالي (Samia Ghal) ، والكاتبة والمخرجة روخايا ديالو (Rokhaya Diallo)، وصحافي من Mediapart، بالإضافة إلى Bondy Blog وحزب La France insoumise الذي يرأسه جان لوك ميلونشون (Jean-Luc Mélenchon)، وحتى الـ CNRS، وهي الهيئة العامة التي تشرف على البحث العلمي في فرنسا. 

بعض الأسماء تم وضعها إلى جانب إرهابيين محكوم عليهم بتهمة الارتباط بتنظيم “القاعدة”. وفي بعض الأحيان،  تم ذكر أرقام هواتفهم وتفاصيل شخصية.  كل من ذُكر اسمه اعتُبر مقرباً أو داعماً لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة كتنظيم إرهابي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية ذات النظام الاستبدادي الذي يضطهد أي معارض.

تراوحت ردود فعل ضحايا هذا التصنيف بين الذهول والغضب والخوف.  علق بينوا هامون قائلاً “إنه أمر مريع”، بينما قالت سامية غالي غاضبةً :”لن أمرر هذه القضية، يجب أن تقوم العدالة والسلطات الفرنسية بالتحقيق، ويجب أن تشرح الأمر لنا”، بينما قال أحد الباحثين في الـ CNRS  فضل عدم ذكر اسمه: “سأفكر ملياً قبل السفر إلى الإمارات”.

الرجل الذي قاد هذه العملية يدعى ماريو بريرو (Mario Brero)، يبلغ من العمر 71 عاماً، وهو خبير في التحقيقات الخاصة، ورئيس وكالة Alp Services التي أسسها في جنيف منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

رفض بريرو الرد على أسئلتنا بشأن الموضوع، ورأى محامياه، كريستيان لوشر (Christian Lüscher ) ويوان لامبيرت (Yoann Lambert)، أن وثائقنا “مزورة جزئياً”، وأن “معظم الحقائق التي تشكل أساس أسئلتنا تستند إلى افتراضات خاطئة و/أو وهمية”.  كما عبروا عن أسفهم لاستخدامنا “بيانات مسروقة”، وهددوا بمقاضاتنا في سويسرا للمطالبة بتعويض مالي عن “الضرر” الذي قد يلحق بهم. 

أرسلت وكالة الخدمات السويسرية  ALP Services أسماء أكثر من 1000 أوروبي، من بينهم  أكثر من  200 فرنسي، إلى استخبارات أبو ظبي، مع تصنيفهم، في كثير من الأحيان على نحو مضلل، بأنهم إسلاميون مقربون من تنظيم  الإخوان المسلمين.

كيف بدأت القصة؟

بدأ كل شيء في 7 آب/ أغسطس 2017 في فندق فخم في أبو ظبي، حيث حلّ ماريو بريرو وأحد مساعديه في ضيافة عميل مخابرات إماراتي اسمه “مطر”.

أرسل بريرو، رئيس ALP حين وصل رسالة نصيّة إلى مطر، جاء فيها :”عزيزي مطر، نحن في أبو ظبي، في أجنحة Fairmont الرائعة. شكراً لك على حسن الضيافة. نحن تحت تصرفك تماماً”. بالنسبة الى الرجل، يفضل البقاء بعيداً من الأضواء، فإن مبريرو بدا غير حذر على الإطلاق، إذ التقط صوراً يظهر فيها وهو يتناول مشروباً على حافة المسبح، كما التقط صورة لوكيله، رجل في الأربعينات من العمر، بلحية محددة بدقة، ويرتدي الدشداشة الخليجية.

أثناء عشاء في مطعم الفندق تلك الليلة، قدّم بريرو لمطر الخطة التي وضعتها وكالته قبل أسبوعين، عملية واسعة النطاق تهدف إلى “رسم خريطة” ثم “تشويه سمعة” أعداء الإمارات، “عن طريق نشر معلومات مُسيئة بطريقة سرية وواسعة النطاق”.

تخلل العام 2017 الكثير من الرحلات إلى أبو ظبي، عرّف خلالها مطر المحققين السويسريين إلى رئيسه، علي سعيد النيادي، صاحب القرار الحقيقيّ، مهمة الرجل المعلنة، قيادة فريق محليّ مسؤول عن إدارة الأزمات والكوارث الطبيعيّة، لكن في الواقع، مجموعته مرتبطة مباشرة بالمجلس الأعلى للأمن الوطني، الجناح المسلح للعمليات الخاصة الإماراتيّة.

عمل بريرو على إقناع رجال المخابرات الإماراتيين، قائلاً إن Alp Services تعمل لصالح “شخصيات ثرية وحكومات وزعماء دول وشركات متعددة الجنسيات ومكاتب محاماة”، واعداً بالاستعانة بشبكة من الصحافيين والاستشاريين والمحققين.

حجج بريرو كانت فعّالة: تم توقيع أول عقد في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ووفقاً للوثائق التي اطلعنا عليها، حصلت Alp Services على ما لا يقل عن 5.7 مليون يورو بين 2017 و2020، تم دفعها عبر مركز أبحاث إماراتي  يُدعى “الأرياف”، الذي يستخدم كغطاء لأجهزة المخابرات  الإماراتية.

سُميت العمليات “أرنيكا” أو “كروكوس”، نسبة إلى زهور جبال سويسرا الشهيرة. أما الأهداف فهي قطر وجماعة الإخوان المسلمين، هاجسا أبو ظبي الأساسيان، اللذان أجاد بريرو استغلال مشاعر عميله تجاههما، من خلال عروض مهام ملونة بالنظريات المبسطة للقضاء على شبكات الإخوان، التي يقترح “كشفها” و”تدميرها”، عبر التأثير على الرأي العام وعلى صناع القرار من السياسيين. 

تأسست منظمة الإخوان المسلمين عام 1928 في مصر على يد حسن البنا، رداً على الاستعمار البريطاني، ودعت  إلى إسلام سياسي وخطاب معادٍ للغرب، وعودة الى القيم والأخلاقيات تقليدية، تتعلق  بدور المرأة وفرض ارتداء  الحجاب، لكن الإمارات لا تكره الإخوان المسلمين لأسباب أيديولوجيّة.

 أدى تولي رؤساء منتخبين من الجماعة في تونس ومصر بعد الثورات العربية عام 2011، إلى خوف بعض الأمراء في الخليج من أن يطاح بهم. وزاد الدعم الذي قدمته قطر للإخوان من التوتر، وتصاعد الصراع فبلغ ذروته بين عامي 2017 و2021، عندما فرض تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات حصاراً على قطر.

هذا السياق الجيوسياسي، على الرغم من أنه يبدو بعيداً، فقد استُهدف بسببه مئات الأوروبيين الذين أصبحوا ضحايا لثأر أبو ظبي. لهذه الغاية، أنجزت ALP عشرات التقارير التي كرستها لأشخاص وشبكة علاقات في كل بلد. العرض المقدم يتماهى مع رغبات العميل: بقع دماء، وخريطة ملونة لأوروبا تحمل شعار الإخوان المسلمين وإشارات إلى “المافيا”.

بعد الاطلاع على اللائحة الكاملة، صار بإمكان أبو ظبي أن تطلب خدمات إضافية لمهاجمة الأهداف التي تختارها، مقابل 20,000 إلى 50,000 يورو لكل فرد، عبر استخدام وسائل عدوانيّة، مثل الحملات الصحافيّة، والمقالات التي يتم نشرها عبر حسابات مزيفة، وتعديل صفحات ويكيبيديا، وحتى عمليات تهدف إلى إقناع المصارف بإغلاق حسابات. هذا ما حدث لحازم ندى، وهو رجل أعمال مقيم في سويسرا ورئيس شركة تجارة النفط، الذي أفلس بسبب عملية خاصة من شركة ALP.

فرنسا واحدة من الدول التي كانت الوكالة السويسرية الأكثر نشاطاً فيها،  تحتوي خريطة بعنوان “الإخوان المسلمون في فرنسا ديسمبر 2020” وحدها على 191 اسماً و125 منظمة. ومع ذلك، يكفي تكبير الرسم البياني قليلاً لاكتشاف ركاكة المعلومات التي تحتويها الخريطة. 

في الواقع، هي تجميع عشوائي لأسماء ومنظمات من دون أي علاقة منطقية واضحة، تم ربطها ببعضها البعض بطريقة مصطنعة وبشخصيات عامة. 

مثلاً، ربطت شخصيات دينية وناشطون في جمعيات دينية بناشطين معادين للعنصرية مثل روكايا ديالو (Rokhaya Diallo)، أو بثلاثة مسؤولين في جمعية Coexister التي تهتم بالشباب والتسامح وحوار الأديان، والتي حصلت في عام 2016 على الجائزة العلمانية للجمهورية الفرنسية.

توجد أيضاً نائبة عمدة مرسيليا والعضوة السابقة في الحزب الاشتراكي سامية غالي، بالإضافة إلى طه  بوعفص (Taha Bouhafs)، وهو صحافي وناشط في حركة “La France Insoumise “. يوجد أيضاً اسم  حكيم القراوي (Hakim El Karoui)، المعروف بأسم Monsieur Islam من معهد مونتاني، الى جانب منال إبتسام (Mennel Ibtissem)، المرشحة السابقة في برنامج “The Voice”.

ومن بين الأسماء، اثنان من الباحثين في المدرسة العليا للدراسات الاجتماعية (EHESS) المرموقة، وثلاثة من المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، وأعضاء المركز الوطني للبحوث العلمية، في مجملهم مدرجون أيضاً في هذه الخريطة.

في ما يتعلق بوسائل الإعلام، يشمل الأعضاء المزعومون في التنظيم الغامض صحافية من Mediapart ومدوّنة Bondy ومنصة Orient XXI مع مؤسسها آلان غريش (Alain Gresh)، الذي كان رئيس تحرير مجلة “Le Monde Diplomatique”. 

يعلق غريش قائلاً: “الإمارات هي واحدة من أسوأ الدكتاتوريات، وليس من المستغرب أن يكونوا زبائن لمن يملكون رؤية مؤامراتية عن الإسلام، وأن يكون أصحاب هذه الرؤيا المؤامراتية قد نجحوا باختراق كل شيء، بما في ذلك الأعلام”. 

إنه الـ Je Suis Partout (أنا في كل مكان) الخاص في عصرنا الحديث، يقول غريش مستعيداً تجربة الجريدة الفرنسية التي ارتبطت بالأنظمة الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية (الجريدة صدرت بين 1939 و1944).

من بين السياسيين، يظهر اسم  المرشح السابق للحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية بنوا هامون، كما حزب La France Insoumise بزعامة جان لوك ميلونشون، الذي يقدّم على أنه من الـ”داعمين سياسياً” لجماعة الإخوان المسلمين من خلال عرض تقديمي يصف الشبكة الأوروبية المزعومة بأنها “نوع من العصابات الإجرامية”.

في بلجيكا، تم تضمين اسم وزيرة المناخ زكية خطابي (Zakia Khattabi) في خريطة الإسلاميين المحليين. حزبها Écolo اعتبر العملية “مشينة”، مضيفاً أن “المعلومات غير منطقية وسخيفة، الى درجة أنها لا تستحق أي تعليق أو اهتمام”.

في المملكة المتحدة، تم إدراج  الزعيم السابق لحزب العمال جيريمي كوربن (Jeremy Corbyn)   في التقرير بصفته من الداعمين للإخوان المسلمين، بينما وضعت Alp Services شخصيات سويدية ودنماركية على الخريطة ذاتها.  

كيف استطاعت Alp Services تنفيذ عمل بهذا السوء؟ 

ماريو بريرو قدم حلماً لعميله، إذ كانت المعلومات تُعرض على أنها سرية جداً، في حين أن 80 في المئة منها كانت من مصادر عامة، كما يشير مصدر سابق من الوكالة.

الواضح أن Alp اختارت الأسماء بناءً على إشاعات أو مواقف جدلية بسيطة، إذ  

يشترك المستهدفون الذين تواصلت معهم Mediapart في أنه تم التعرض لهم في وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام بتهمة التماهي مع الإسلام المتطرف. 

على سبيل المثال، كان بونوا هامون موضع انتقاد من  مانويل فالس (Manuel Valls) خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي في عام 2017، إذ يروي قائلاً: “منذ ترشحي للرئاسة، لم يعد بإمكاني نشر أي رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن أتعرض لهجومات مبنية على تخيلات واتهامات سخيفة عن تواطئ مع الإسلاميين”. 

تكاد النائبة الفرنسية سامية غالي تختنق على الهاتف عندما علمت أنه تم ربطها بجماعة الإخوان المسلمين: “إنها العكس تماماً لكل ما أنا عليه ولكل قناعاتي”، لكن  بعد التفكير، تتذكر أنها انتُقدت مرة  من قبل مدير سابق للمدارس في مرسيليا، بسبب حضورها افتتاح مدرسة ابن خلدون الخاصة، تقول: “ربما يكون ذلك السبب، ولكن هذا أمر غير معقول”، وتضيف: “المدرسة معترف بها من الدولة، وأنا نشأت في رعاية الراهبات، وبناتي يدرسن في المدارس الكاثوليكية الخاصة. لا أفهم لماذا لا أذهب بصفتي نائبة لحضور افتتاح مؤسسة تعترف بها وزارة التربية الوطنية”.

ظهر اسم منال ابتسام في الوثائق، بوصفها “رمزاً” للأيديولوجيا الإخوانيّة في فرنسا، وبسبب الحملة التي اشتعلت إثر مشاركتها في برنامج The voice في نسخته الفرنسيّة عام 2018، وغنّت وهي ترتدي حجاباً -لم تعد تضعه الآن-، ثم اضطرت إلى ترك البرنامج، بعد نشر تغريدات قديمة لها تحوي إشارات مؤامراتيّة في ما يخص اعتداءات “نيس” و”سانت إتيان دو روفيه”. ردت حينها “أنا أحب فرنسا”، وأضافت أنها تدين العنف وأنها كتبت التغريدات تحت تأثير “الغضب” لتنقد “الدمج بين الإرهاب والدين”.

تواصلت ميديا بارت مع المغنية،  التي أبدت غضبها من وجود اسمها ضمن قائمة للإخوان المسلمين أعدتها قوى أجنبيّة، تقول “هذا كلام فارغ، لم أفعل أو أقم أبداً بشيء يمكن أن يجعل أحدهم يظن بأني ذات انتماء ديني أو سياسيّ”.

يعتقد موقع “بوندي بلوغ”، وهو وسيلة إعلام مواطنة تغطي الأحياء الشعبية، أنه يمكن “تحديد مصدر هذه الروائح الكريهة”، إذ تقول سارة أيشو (Sarah Ichou)، رئيسة تحرير الموقع: “اتهمنا جيل كيبيل في عام 2016 بشكل غير عادل ومن دون أساس أننا أدوات بيد فصيل إخواني. حصل ذلك بعدما دعوناه الى حلقة نقاش في برنامجنا”، وتضيف أنه في تلك الفترة، كان كيبيل يشن هجوماً على من أسماهم اليساريين الإسلاميين في مقابلة مع مجلة الـL’Obs.

ظهر أيضاً على “الخريطة” التي أرسلت للإمارات، اسم عالم الاجتماع والسياسة فانسانت غاسير (Vincent Geisser)  الباحث في الـCNRS، هو مؤلف كتاب “الإسلاموفوبيا الجديدة”، وتم استهدافه علناً من قبل كارولين فوريست  (Caroline Fourest ) ومحمد سيفاوي (Mohamed Sifaoui،) الحاضر  في قلب فضيحة صندوق ماريان، ناهيك بأنهما ناشطان  لأجل “الصراع العلمانيّ”.

تواصلنا مع غاسير  الذي علّق قائلاً، “إن تدخل سلطة استبداديّة في لعبة كهذه من التجسس والمراقبة، أمر لا يثير المفاجأة، لكن أن تتمكن أجهزتها الاستخباراتيّة من إقامة صلات وعلاقات في أوروبا وسويسرا من أجل عملياتها، فهذه فضيحة حقيقيّة”.

تحتوي تقارير أخرى على أسماء منظمات أو أفراد محددين وعلى معلومات أكثر دقة وعمقاً. ولكن  جدية أو خيالية المعلومات، لا تنفي أن ما قامت به شركة Alp Services هو غير قانوني.

يعتبر “التعاون مع قوى أجنبية” والتجسس لمصلحتها جرائم في فرنسا، أما في سويسرا، حيث مقر Alp Services، فيجب إبلاغ وزارة الشؤون الخارجية عن أي نشاط يتم تنفيذه نيابة عن دولة أجنبية. وعندما سئلت الوزارة عن وكالة ماريو بريرو، أكدت أنها “لم تتلق أي إعلان يذكر أن دولة أجنبية كانت الوكيل أو المستفيد النهائي من خدماتها”.

وأعلنت شخصيات عدة عن رغبتها في تقديم شكوى. تقول سامية غالي التي تم استهدافها عندما كانت لا تزال عضوة في مجلس الشيوخ، “سأتصل بمحاميي وسأستجوب الحكومة التي يفترض أن تحمي مواطنيها. لن يتوقف الأمر هنا”. 

أما طه بوحفص فقال:”لن أدعهم يفعلون ذلك بي. إذا لم نقدم دعاوى قضائية في كل مرة يتم فيها إهانتنا، ستضاف هذه المعلومات الى صفحات ويكيبيديا. تلك الهجمات تشوه سمعتنا وتسبب لنا ضرراً مهنياً”.

عندما نبهنا الأشخاص المعنيين الى وجود أسمائهم في تقارير أو خرائط Alp حول شبكات الإخوان المسلمين، أبدى عدد منهم رغبته في عدم نشر اسمه، بمن فيهم الصحافي الذي يعمل معنا. “هذا أمر خطر للغاية. حتى إذا أكد مقالك سخافة العملية، سيستمرون في القول إنه لا يوجد دخان من دون نار”، يوضح واحد من الضحايا.

هذه الرغبة بعدم ذكر الأسماء تنسحب على الصحافي الذي يعمل في ميديا بارت، الموصوف بأنه “يتواصل” مع الأخوان المسلمين، يقول مدير ميديا بارت إدوي بلينل Edwy Plenel : “الصحافي وغيره من الصحافيين المذكورة أسماؤهم ضمن عملية التجسس غير القانونية والعبثية التي قام بها  جواسيس متنكرون يعملون لصالح الإمارات العربيّة المتحدة، ميديا بارت بالتأكيد ستقدم شكوى”، ويضيف :”في ظل السياق الفرنسي السياسي والإعلامي، الذي يصعد فيه اليمين المتطرف من دون تسامح مع الآخر، بالقول والفعل، اتهام كهذا تشهيري لصحافيّ لا يضر فقط بسمعته بل يهدد أمنه الشخصيّ”.

يخشى آخرون الإجراءات المحتملة التي قد تتخذها السلطات الإماراتية بشأنهم. فقد تم تسجيلهم كأشخاص قريبين من منظمة تعتبر إرهابية في البلاد. فكيف يمكن أن تستخدم دولة الإمارات العربية المتحدة هذه المعلومات؟ وما هي المخاطر التي يواجهونها إذا ذهبوا في إجازة أو لأغراض العمل إلى دبي؟

لم ترد حكومة الإمارات والعميل مطر ورئيسه علي سعيد النيادي على أسئلتنا. 

في الإمارات، تعتبر الآراء النقدية محظورة ويعاقب عليها بالسجن. التظاهرات محظورة، وتواصل السلطة احتجاز 41 معارضاً سياسياً على الأقل بعد تمضية فترة عقوبتهم، بحجة أنهم “اعتنقوا أفكاراً متطرفة”. 

في عام 2021، كشف تحقيق لمنظمة Forbidden Stories كيف تراقب الحكومة الإماراتية معارضيها باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس، القادر على اختراق الهواتف المحمولة.

 قررت Mediapart وشركاؤها نشر أسماء الأشخاص الذين أعطونا موافقتهم على القيام بذلك.