fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

خبز وحشيش وقمر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تارةً، نتمسك بالعلم والحسابات الفلكية، وطوراً نتمسك بالرؤية الشرعية العينية. فكيف تمّ إثبات دخول الشهر هذه السنة يا ترى؟ لم يشرح لنا أحد ولن نطالب أحداً بالشرح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت جدتي تختار ليالي منتصف الشهر القمري للسهر على تيرّاس بيت الصيفية. يُسمح للأطفال حينها بالبقاء بعد الوقت المحدد للنوم ، لمشاهدة على “البدر”. كانت المكسرات والفواكه وبعض الحلويات تحضّر على طاولة في الخارج كي لا يضطر أحد لإضاءة مصباح كهربائي ويزعج “ضوء القمر”، الذي كان يتكفّل بإنارة وادي الزبداني بالكامل.

الإمعان في الأفق في تلك الليلة يمكّن الناظر من تمييز سكة القطار من بعيد، كونها غير مرئية في وضح النهار بسبب أبخرة الشجر، وحتى الجبل الشامخ خلف الوادي كان يبدو قطنياً تحت ضوء القمر. كيف لا نكبر وفي داخلنا ارتباط بهذا الكوكب الدرّي في مجتمع يبدأ شهره المقدّس بظهوره، ويعلن العيد بظهوره، ويقام الحج وينتهي حسب توقيته؟ 

عندما نشر نزار قباني قصيدته “خبز وحشيش وقمر”، لم تعجبني نبرة التهكّم على “طقوس القمر”، وكنت وما زلت أراجع القصيدة وأفكّر أن شاعرنا المفضّل كتبها في لحظة غضب.

“في ليالي الشرق لما

يبلغ البدر تمامه

يتعرى الشرق من كل كرامة

ونضال

…………

الملايين التي لا تلتقي بالخبز

إلّا بالخيال

والتي تسكن في الليل بيوتاً من سعال

أبداً ما عرفت شكل الدواء

تتردى جثثاً تحت الضياء”.

هل هناك سرّ وراء ربط الجهل والتخلّف بالإعجاب بالقمر؟ لم أتمكّن يوماً من التقاط هذا السرّ.

هذه السنة، كان شهر رمضان تسعة وعشرين يوماً. مرّت ثلاث سنوات متتالية ونحن نصوم في سوريا ثلاثين يوماً فقط لمناصرة حلفائنا.

حتى هذه السنة،  وللمرة الأولى، تعتمد الحكومات في المنطقة تاريخاً موّحداً لدخول شهري رمضان وشوال، من دون إبداء الأسباب الحقيقية. نحن كشعب يتبع أولياء أمره من دون أي تفكير، لم نشعر بالحاجة الى التساؤل حول أمور لا نفهم فيها. 

وهذا قدر مثل سطوع البدر في ليلة منتصف الشهر القمري. أن تكون حكومتا إيران والسعودية قد اتفقتا على إنهاء خلافاتهما، فهذا خير للجميع، وإن اختلفتا فهذا لا يعنينا كشعوب نقدّر القمر. وهكذا يصبح القمر واحداً والقدر واحداً، نصوم معاً ونعلن عيد الفطر معاً.

هذه السنة، كان شهر رمضان تسعة وعشرين يوماً. مرّت ثلاث سنوات متتالية ونحن نصوم في سوريا ثلاثين يوماً فقط لمناصرة حلفائنا. أنا لا أعترض على حكم القمر، لكن الحجج التي يسوقها المسؤولون كلّ مرّة كانت غير مفهومة. 

تارةً، نتمسك بالعلم والحسابات الفلكية، وطوراً نتمسك بالرؤية الشرعية العينية. فكيف تمّ إثبات دخول الشهر هذه السنة يا ترى؟ لم يشرح لنا أحد ولن نطالب أحداً بالشرح. كيف نبدأ فجأة من دون سابق إنذار بالاحتفال بالعيد بقرار سياسي حكيم لم يبشّرنا أحد باتّخاذه؟ 

وإذا استمرّ الوفاق حتى موسم الحج، سيكون توقيت عيد الأضحى موحّداً، وستُذبح الخراف في الوقت نفسه في كل بلدان الشرق الأوسط السعيد.

رأيت أقماراً مختلفة.

وما زال اكتشاف قمر بحجم معين في سماء ما، يثير دهشتي وإعجابي.

في ليال صيفية، ضمّني قمر عملاق بأحلام فضية.

وفي ليال شتوية، رأيته معلّقاً في قبة السماء يرتجف من الوحشة والصقيع. 

وأحياناً، يبتسم في سماء ربيعية بزرقة اللازورد أو يتدارى خلف دانتيل من الغيوم.

لكن قمر الصيف هو أجمل الأقمار على الإطلاق. وقمر الوفاق أيضاً، وإن كان وقحاً وغير موثوق بأخلاقه.

محمد السكاف- فراس دالاتي- عمّار المأمون | 25.01.2025

ممثلون وممثلات سوريون بدون “الرئيس”!… عن مظلوميّة “أيتام” القصر الجمهوري المشبوهة !

في خضم المواقف المتعددة للفنانين والممثلين والإعلاميين السوريين، برز مصطلح "أيتام القصر الجمهوريّ" كوصف لمجموعة ممن لم يستطيعوا حتى الآن تقبّل واقع وجود سوريا بلا الأسد وأسرته التي أغرقت عليهم "الخدمات" مقابل الولاء الأعمى!
30.04.2023
زمن القراءة: 3 minutes

تارةً، نتمسك بالعلم والحسابات الفلكية، وطوراً نتمسك بالرؤية الشرعية العينية. فكيف تمّ إثبات دخول الشهر هذه السنة يا ترى؟ لم يشرح لنا أحد ولن نطالب أحداً بالشرح.

كانت جدتي تختار ليالي منتصف الشهر القمري للسهر على تيرّاس بيت الصيفية. يُسمح للأطفال حينها بالبقاء بعد الوقت المحدد للنوم ، لمشاهدة على “البدر”. كانت المكسرات والفواكه وبعض الحلويات تحضّر على طاولة في الخارج كي لا يضطر أحد لإضاءة مصباح كهربائي ويزعج “ضوء القمر”، الذي كان يتكفّل بإنارة وادي الزبداني بالكامل.

الإمعان في الأفق في تلك الليلة يمكّن الناظر من تمييز سكة القطار من بعيد، كونها غير مرئية في وضح النهار بسبب أبخرة الشجر، وحتى الجبل الشامخ خلف الوادي كان يبدو قطنياً تحت ضوء القمر. كيف لا نكبر وفي داخلنا ارتباط بهذا الكوكب الدرّي في مجتمع يبدأ شهره المقدّس بظهوره، ويعلن العيد بظهوره، ويقام الحج وينتهي حسب توقيته؟ 

عندما نشر نزار قباني قصيدته “خبز وحشيش وقمر”، لم تعجبني نبرة التهكّم على “طقوس القمر”، وكنت وما زلت أراجع القصيدة وأفكّر أن شاعرنا المفضّل كتبها في لحظة غضب.

“في ليالي الشرق لما

يبلغ البدر تمامه

يتعرى الشرق من كل كرامة

ونضال

…………

الملايين التي لا تلتقي بالخبز

إلّا بالخيال

والتي تسكن في الليل بيوتاً من سعال

أبداً ما عرفت شكل الدواء

تتردى جثثاً تحت الضياء”.

هل هناك سرّ وراء ربط الجهل والتخلّف بالإعجاب بالقمر؟ لم أتمكّن يوماً من التقاط هذا السرّ.

هذه السنة، كان شهر رمضان تسعة وعشرين يوماً. مرّت ثلاث سنوات متتالية ونحن نصوم في سوريا ثلاثين يوماً فقط لمناصرة حلفائنا.

حتى هذه السنة،  وللمرة الأولى، تعتمد الحكومات في المنطقة تاريخاً موّحداً لدخول شهري رمضان وشوال، من دون إبداء الأسباب الحقيقية. نحن كشعب يتبع أولياء أمره من دون أي تفكير، لم نشعر بالحاجة الى التساؤل حول أمور لا نفهم فيها. 

وهذا قدر مثل سطوع البدر في ليلة منتصف الشهر القمري. أن تكون حكومتا إيران والسعودية قد اتفقتا على إنهاء خلافاتهما، فهذا خير للجميع، وإن اختلفتا فهذا لا يعنينا كشعوب نقدّر القمر. وهكذا يصبح القمر واحداً والقدر واحداً، نصوم معاً ونعلن عيد الفطر معاً.

هذه السنة، كان شهر رمضان تسعة وعشرين يوماً. مرّت ثلاث سنوات متتالية ونحن نصوم في سوريا ثلاثين يوماً فقط لمناصرة حلفائنا. أنا لا أعترض على حكم القمر، لكن الحجج التي يسوقها المسؤولون كلّ مرّة كانت غير مفهومة. 

تارةً، نتمسك بالعلم والحسابات الفلكية، وطوراً نتمسك بالرؤية الشرعية العينية. فكيف تمّ إثبات دخول الشهر هذه السنة يا ترى؟ لم يشرح لنا أحد ولن نطالب أحداً بالشرح. كيف نبدأ فجأة من دون سابق إنذار بالاحتفال بالعيد بقرار سياسي حكيم لم يبشّرنا أحد باتّخاذه؟ 

وإذا استمرّ الوفاق حتى موسم الحج، سيكون توقيت عيد الأضحى موحّداً، وستُذبح الخراف في الوقت نفسه في كل بلدان الشرق الأوسط السعيد.

رأيت أقماراً مختلفة.

وما زال اكتشاف قمر بحجم معين في سماء ما، يثير دهشتي وإعجابي.

في ليال صيفية، ضمّني قمر عملاق بأحلام فضية.

وفي ليال شتوية، رأيته معلّقاً في قبة السماء يرتجف من الوحشة والصقيع. 

وأحياناً، يبتسم في سماء ربيعية بزرقة اللازورد أو يتدارى خلف دانتيل من الغيوم.

لكن قمر الصيف هو أجمل الأقمار على الإطلاق. وقمر الوفاق أيضاً، وإن كان وقحاً وغير موثوق بأخلاقه.