تقرأ ردود فعل الجمهور حيال مسرحية “خليها بيناتنا” والتعليقات الايجابية التي تشجّع على حضورها. تظن أنك أمام عمل لا بد أن يكون رائعاً. لا يوجد أي تعليق سلبي أو نقدي لهذا العمل المسرحي. يبدو كأنه عمل كامل متكامل لا إشكاليات فيه.
لذلك حين ذهبت لمشاهدة العرض كنت على يقين أنه سيعجبني.
المسرحية تتناول قصة امرأة اسمها سما، تؤدي دورها سيرينا الشامي، تقدم خدمات جنسية لأشخاص محددين تندرج عليهم الصفات التالية: أن يكونوا منبوذين من المجتمع، ليس لديهم حياة اجتماعية، يعانون من أمراض وعقد نفسية أو من “اعاقات جسدية”، والشرط الأساسي أن يكونوا يائسين من الحياة ولم يسبق لهم ممارسة الجنس.
تبحث سما عن هؤلاء الأشخاص الذين تنطبق عليهم هذه المعايير في الأماكن العامة، ثم تأخذهم إلى منزلها.
قبل أن تمارس الجنس معه، على الشخص المختار أن يوقّع عقدا ينص على أن هذه الخدمة الجنسية تقدم لمرة واحدة فقط ومن بعدها يمنع التواصل بأي شكل من الأشكال معها.
تلتقي ميشال، الذي يؤدي دوره فؤاد يمين، في أحد البارات، وتجد أن لديه المواصفات المطلوبة ما يجعلها تستدرجه إلى منزلها، لعرض الخدمة عليه.
لا يفهم فؤاد نوع عملها فيسألها “انو بتشتغلي شرموطة؟”، فتجيب سيرينا أنها تقدم خدماتها من دون أن تتلقى أجراً مالياً، ما يعني أنها ليست “شرموطة”. وتشبّه عملها بعمل الجمعيات الخيرية، فهي تقدم خدمة إلى المجتمع، ترّحب وتساعد الأشخاص الذين تم نبذهم.
معظمنا نعاني من أمراض نفسية، ولكننا لا نغتصب أحداً. وإذا كان الاغتصاب نتيجة للكبت، فلماذا يحصل الاغتصاب الزوجي؟
نجد هنا تنميطاً لعاملة الجنس، إلغاء صفة “شرموطة” عن الشخصية، ليس من منطلق أن العمل الجنسي هو عمل أيضا، بل كونها لا تتقاضى أجرا مقابل خدماتها الجنسية.
نكتشف لاحقا أن ميشال، أتى للانتقام لأخيه المُقعد الذي استدرجته سما سابقاً، لكنها لم تمارس الجنس معه لأنه لم يكن “يائسا بما فيه الكفاية”. أغرم الأخ بها ولأنها أبت التواصل معه تسبّب ذلك في انتحاره.
في نهاية العرض، تُطرح قضية العنف الجنسي الذي يمارس على النساء من قبل أحد أقاربهن. تحكي سما عن خالها، الذي كان يغتصبها، ثم تبرّر أنّ الاغتصاب نتيجة النبذ الاجتماعي الذي تعرّض له بعد تلقيه ضربة على رأسه منعته من عيش حياته بشكل “طبيعي” وبناء علاقات اجتماعية. تصف سما خالها بالمريض النفسي. وبطريقة غير مباشرة يجري التبرير للمغتصب، فلولا نبذه من المجتمع لم يكن ليكون مغتصباً.
الاغتصاب الذي تعرضت له سما، جعلها تبحث عن أشخاص يشبهون خالها لتمارس الجنس معهم كي لا يغتصبوا الفتيات الصغيرات.
العرض يرسّخ الصورة النمطية للمغتصبين. الاغتصاب ناتج عن الكبت، والمغتصب
هو مريض نفسي. ولا يكتفي العرض بترسيخ هذه الصورة والتبرير للمغتصبين، بل يجعل من شرائح مختلفة كأصحاب “الإعاقات” والمرضى النفسيين والمعزولين اجتماعياً ومن ليس لديهم علاقات جنسية، مشروع مغتصبين.
معظمنا نعاني من أمراض نفسية، ولكننا لا نغتصب أحداً. وإذا كان الاغتصاب نتيجة للكبت، فلماذا يحصل الاغتصاب الزوجي؟ ولماذا هناك الكثير من المغتصبين متزوجين أو سبق لهم أن مارسوا الجنس؟
إن كان لا بد من طرح مسألة العنف الجنسي في المسرح، يفترض بالنص وبالممثل أن يعي أهمية هذا الموضوع وأبعاده.
ما معنى أن يتم طرح هذه القضية في عرض ذو طابع كوميدي؟ وهل من المقبول أن يتم الحديث عنه في خمس دقائق من عرض مدته حوالي الساعة؟
فؤاد وسيرينا تخرجا من قسم المسرح في الجامعة اللبنانية. معظمنا قرأ شهادات التحرش التي تم نشرها عن أساتذة المسرح، ومن المؤكد أنهما قرآ بنفسهما بعضاً منها. لذلك عليهما مسؤولية أن لا يربطا مسألة العنف الجنسي بالأسباب التي تكلّما عليها.
جميعنا نعلم أن هؤلاء الأساتذة المتحرشين ليست لديهم مشاكل في العلاقات الاجتماعية وبالتأكيد لا يعانون من كبت، ولا من “إعاقات”.
المضحك المبكي أن بعض هؤلاء الأساتذة حضروا العرض واشادوا به على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
لدى نهاية العرض، تساءلت عن شعور المغتصبين والمتحرشين الذين حضروا العرض. هل شعروا أن انتهاكاتهم مبررة؟ هل كانوا راضين عن أنفسهم؟
لن أتساءل عن شعور اللواتي تعرضن لهذه الانتهاكات، فأنا منهن. شعرت أن هذا العرض غير منصف لي ولمعاناتي بل على العكس تماماً، جعلني أنا والمعتدي متساويين، فبحسب العرض، الطرفان ضحيتان.
إقرأوا أيضاً: