في بلد مزّقته الحروب والأزمات بدا مفاجئاً أن يكون للدراما المحلية هذا الحضور القوي خلال شهر رمضان. فعلى غير ما هو معتاد، تحوّلت الدراما اليمنية إلى عنوان رئيسي في النقاشات والتعليقات، وهي تنوعت بالمجمل بين الانتقادات اللاذعة وبين التفاعلات مع المسلسلات الجديدة، التي بدأت تُعرض مع بداية شهر الصيام، وأخُرى توقفت قسرياً بسبب توجيهات صارمة لسلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتي قضت بمنع الممثلين والمخرجين والمؤسسات المنتجة بمناطق سيطرتهم، من إنتاج أي أعمال للقنوات المحسوبة على “الشرعية” وهو التعبير الذي يطلق على الحكومة المعترف بها دولياً في عدن.
يقول الناقد قائد غيلان، “السياسة تؤثر بشكل كبير على الدراما فعلا هذه السنة، فهناك مجموعة من الأعمال لم يتم إنتاجها بسبب بعض القرارات، وأيضا الكثير من المواضيع لا يستطيع المنتج أو المخرج مناقشتها أو التطرق لها لأنها مواضيع سياسية قد تجعله ينحاز لطرف دون آخر أو قد يحسب على طرف دون آخر بمجرد أن يتناول مثل هذه المواضيع”.
القناة الفضائية اليمنية الرسمية بنسختها في صنعاء، هي الأخرى، لم تغب عن ساحة المسلسلات هذا العام، وأنتجت مسلسلاً يحمل عنوان “الإمام الهادي”، وهو مؤسس المذهب الزيدي الذي ينتمي إليه أنصار الله الحوثيون، ولا يبتعد المسلسل كثيراً عن البرامج ذات البعد المذهبي والتعبوي لدى الجماعة.
إقرأوا أيضاً:
تطور شكلي
خلال الأسابيع الماضية، جذبت الأعمال الدرامية للقنوات اليمنية، اهتماماً ملحوظاً حاز على مساحة تعليقات اليمنيين والناقدين، سواءً بسبب الكم غير المعتاد من المسلسلات والبرامج الرمضانية أو بسبب المحتوى، الذي واجه نقداً في الأوساط الإعلامية والفنية من زوايا متعددة ابتداءً من الفكرة مروراً بالمضمون والوسائل والأساليب، خصوصاً مع الضجة التي رافقت مشاهد كان يفترض أن تكون ساخرة لكنها قدمت مضموناً عنصرياً بحق ذوي البشرة السوداء. تلك الانتقادات دفعت إحدى القنوات ،وهي قناة “المهرية”، الى توقيف احد برامجها بسبب انتقادات الجمهور.
في حديث خاص لـ”درج”، يرى الناقد والقاص والأستاذ الجامعي اليمني الدكتور قائد غيلان أن “هنالك تطوراً من حيث الشكل”، وبالذات التصوير في بعض المسلسلات، لكنه ليس تطوراً فعلياً لجهة المحتوى، إذ ما “يزال الاستعجال يحكم الإنتاج الدرامي في اليمن”، ويفتقر لبحث حقيقي عن المبدع.
ظروف اليمن الصعبة جعلت من الانتاج هذا العام انتاجاًَ متسرعاً لجهة الفكرة والانتاج، وعن هذا يقول غيلان : “القنوات التجارية او الأهلية إن صحت التسمية، ترمي برأي الجمهور عرض الحائط وتعرض ما تريد، ليس في الدراما فقط بل وفي كل البرامج”.
الدراما والفن وكل مجالات الإبداع تحتاج الى مساحة واسعة من الحرية ومن القدرة على التفاعل مع قضايا المجتمع ليتم تقديمها عبر مسلسلات او برامج او اسكتشات. وهنا المشكلة وهي أن من يحكم اليمن اليمن لا يرى الحرية والإبداع قيمة بحدّ ذاتها. بحسب غيلان فإن الفن ينظر له بوصفه : “واجهة مكملة تجمل السلطة، لهذا ليس حاضرا إلا في المواسم، رمضان والأعياد الوطنية، عندما يصبح الفن ثقافة سوف يصبح من المفكر فيه طوال العام وليس فقط في المناسبات”.
المخرج الفني دارس قائد وهو متابع للمسار الفني والدرامي في اليمن يقول إنه تفاجأ هذا العام بـ”العدد الكبير للأعمال التلفزيونية التي تم انتاجها، رغم أن ثلاثة أعمال توقف إنتاجها، حيث بثت أعمال فنية جديدة في قنوات “السعيدة” و”يمن شباب” و”المهرية” و”حضرموت” و”الغد المشرق”، وقنوات أخرى، أعمال تباينت التقييمات بشأنها.
أشواق علي ممثلة شاركت في أحد المسلسلات هذا العام ” الجمرة 2″ ، وهي تعتبر أن وفرة الاعمال الدرامية هذا العام يعكس توجهاً لدى القنوات نحو الانتاج الدرامي خلال العامين الاخيرين نتيجة الاقبال الكبير والمشاهدات العالية، وهو ما يمثل بنظرها “توجهاً مُفرحاً”.
وترى علي أن هناك وجوهاً جديدة ظهرت وتطوراً أيضاً من حيث نوعية القصص المقدمة وطريقة التصوير والعمل المتجه نحو التأثر بالأعمال الدرامية العربية الخفيفة كما شاهدنا في مسلسل رحلة ذهاب” لـسالي حمادة، وكابتشينو وغيره.. كما أن هناك ما تعتبره إنتاجاً ضخماً وكبيراً في مسلسل مثل مسلسل الجمرة وايضا مسلسل ليالي الجحملية.
رغم الضغوط الكبرى على العاملين في حقل الدراما سياسياًَ وانتاجياً الى أن كثيرين يرون أن مستوى الانتاج تحسن مقارنة بالأعوام السابقة. زين العابدين أبلان، وهو ممثل شارك في مسلسل “خلف الشمس”، يقول إنها المرة الأولى تقريباً، يتم إنتاج عشرة مسلسلات رمضانية في اليمن وفيها تنوع لمختلف المحافظات. كما يقول إنه “تحسنت محتوى الصورة وحركة الكاميرا افضل من الأعوام الماضية”.
وبشأن تجربته في المشاركة بالمسلسل يقول إنها كانت “صعبة جداً”، وإنه “كان معي دور أمين فوصلت على أساس دور أمين ولكن المخرج أصر امسك دور معافى ولهجة جديدة”، ويشير إلى أن المسلسل ما يزال يتم تصويره إلى اليوم.
منع أعمال درامية
في مقابل ظهور العديد من الأعمال الجديد والمتنوعة، توقفت مسلسلات أخرى، كانت في طريقها إلى الشاشة. ويكشف قائد وهو مخرج مسلسل “دار ما دار” الذي بُث في رمضان العام الماضي، عن سبب غيابه هذه السنة ويقول لـ”درج”، أن السبب كان صدور قرار (من قبل سلطات أنصار الله في صنعاء)، بـ”منع التعامل مع قنوات الشرعية وعدم إنتاج أجزاء ثانية لأجزاء سابقة وعدم التعامل أيضاً مع رعاه أو الجهات الداعمة للأعمال التلفزيونية”، موضحاً أن القرار كان “من عدة بنود وفيه ثلاثة منها تقريباً تنطبق على مسلسلنا لأنه كان في يمن شباب وجزءاً ثانياً”.
ويضيف “كنا بدأنا بكتابة السيناريو الجزء الثاني نزولاً عند رغبة الجمهور وكميات الطلبات الكثيرة التي وصلتنا”، كما “كنا متحمسين بشكل كبير جداً لإنتاج جزء ثاني أقوى من الجزء الأول كانت ظروف إنتاجه جداً سيئة”. وهو ما توقف مع صدور القرار.
ويكشف قائد لـ”درج” عن أن الكثير من الممثلين والكثير من الفنيين هذا العام كانوا بدون عمل، حيث أنه من بين نحو 400 ممثل لا يعمل منهم سوى “نسبة بسيطة جداً بحكم الأعمال التي توقفت”، إلى جانب أن معظم الأعمال التي خرجت هذا العام، تم تصويرها خارج اليمن، بما أضاع على الممثلين في الداخل فرص المشاركة فيها. ونظراً للتأثيرات السيئة على الممثلين يقول قائد “كنت أتوقع أن تتغير هذه القرارات وأن يكون هناك إحساس بهؤلاء المجموعة الذين راح عليهم الموسم، خصوصاً أن ليس لديهم سوى رمضان كموسم عمل، وبقية السنة الأعمال تكون محدودة جداً”.
إقرأوا أيضاً: