fbpx

“ذئب منفرد” مسيحي 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عبد المسيح لم يكن منفذاً مكلفاً بالمهمة طبعاً، لكن جريمته مؤلفة من عناصر تردنا إلى نقاش ليس جديداً، على رغم ما حملته الجريمة هذه المرة من عنصر جديد في هوية الذئب: مجند سابق مسيحي في جيش النظام السوري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل عبد المسيح الحنون (31 سنة)، طاعن الأطفال في حديقة مدينة آنسي الفرنسية، ذئب منفرد؟ ذاك أن التعبير لطالما سيق عند الحديث عن إرهابي مسلم سني، تولى تجنيد نفسه بنفسه، وغالباً ما كان من الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين المسلمين إلى الغرب، واستمر هذا التعريف إلى أن انحرف عنه انحرافاً طفيفاً طاعن الروائي البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي، ونعني هنا الأميركي من أصل لبناني هادي مطر. وتتوفر في هذا الأخير كل شروط ولادة الذئب المنفرد إضافة إلى أنه مسلم شيعي. فهو طور بنفسه شروط الجريمة التي نفذها، وهو أقدم عليها مدفوعاً بفتوى الخميني من دون أن يتم تجنيده.

لكننا اليوم أمام ذئب منفرد مسيحي. سوري الجنسية، ومجند سابق في الجيش السوري، قدم إلى السويد قبل 10 سنوات وحاز اللجوء السياسي فيها، وكان تزوج من سيدة سويدية من أصل سوري وأنجب منها طفلة. وعبد المسيح كان تعرض أثناء خدمته في الجيش السوري لكمين من جماعة “جهادية” وكان هو الناجي الوحيد من أفراد الوحدة التي كان يخدم فيها.

تردنا هذه الوقائع إلى نقاش قديم حول الهوية الاجتماعية والنفسية والدينية لإرهابيي الغرب! لا بل يأخذنا الأمر إلى التفكير مجدداً بتلك العناصر التي تتشكل منها شخصياتهم، وهي بمعظمها لا تفضي إلى خلاصة واحدة باستثناء أن الذئب المنفرد ليس كائناً أيديولوجياً، وكثيرون ممن تقمصوا هذه المهمة، في الغرب تحديداً، لم تربطهم بمزاعمهم الايديولوجية روابط وثيقة. واستمر ذلك إلى أن استيقظ “الذئب المسيحي” فدفع بهذه الحقيقة خطوة إلى الأمام.

في سيرة عبد المسيح الكثير من العناصر التي تدفع إلى استدعاء صور أقرانه من الذئاب المنفردة. فالسياق السياسي والديني مفترق، وكأننا حيال ذئب هنا وذئب هناك، الأول قاتل مع الجهاديين والثاني قاتل الجهاديين، في حين ظهر ذئب ثالث في نيويورك، لبناني ويحمل ملامح مختلفة عن قرينيه السوريين.

الانتقال من الإيديولوجي إلى الاجتماعي ثم إلى النفسي لتقصي هوية الذئب المنفرد صار أمراً ملحاً. الاضطرابات النفسية التي كشفتها سيرة عبد المسيح، يلوح ما هو موازٍ لها في سير من سبقوه إلى الجرائم التي نسبت إلى ذلك الإسلام الطارئ الذي ادعاه مرتكبوها. فهو لاجئ منذ أكثر من 10 سنوات، وتربطه علاقة مضطربة مع سلطات الهجرة في السويد. انفصل عن زوجته وابنته، ووالدته المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية على معرفة بأزمات نفسية حادة يعيشها! وهو حين هم لتنفيذ جريمته شرع “يصرخ باسم المسيح”. لنعود بذاكرتنا قليلاً إلى الوراء ونستعيد ما قالته والدة هادي مطر عن ابنها منفذ عملية طعن سلمان رشدي، ويمكننا أيضاً أن نذهب أبعد ونستعيد كلام والدة زكريا الموسوي الإرهابي رقم 19 في المجموعة التي نفذت عملية 11 أيلول/ سبتمبر. 

في سيرة عبد المسيح الكثير من العناصر التي تدفع إلى استدعاء صور أقرانه من الذئاب المنفردة. فالسياق السياسي والديني مفترق، وكأننا حيال ذئب هنا وذئب هناك، الأول قاتل مع الجهاديين والثاني قاتل الجهاديين، في حين ظهر ذئب ثالث في نيويورك، لبناني ويحمل ملامح مختلفة عن قرينيه السوريين.

لا شك في أننا سمعنا هذه الحكاية قبل أن ينفذ عبد المسيح جريمته. قرأناها هي نفسها في سير منفذي العمليات الإرهابية في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، مع فارق هذه المرة يتمثل في حرص ناقلي الخبر على تجنب التنميط، ذاك أن فعلة عبد المسيح لم تأخذ بعداً إرهابياً.

وحيال ذلك يحضر نقاش رافق صعود الإرهاب في أوروبا، ويتمثل في “استثنائية” الدافع إلى الجريمة، وما رافق هذه الاستثنائية من قوانين جاءت أيضاً من خارج تقاليد العدالة، فيما اعتبر بعض الباحثين أن الحد من هذا النوع من الجرائم يتمثل في إخضاعها للقانون الجاري وغير الاستثنائي، وعدم إعطاء المرتكب فرصة أن يكون مجرماً استثنائياً تنطوي جريمته على أكثر مما تنطوي عليه الجريمة العادية. وعدم التعامل مع هذا النوع من الجرائم بوصفه جرائم عادية هو من الأسباب التي أعاقت مكافحتها، لا بل في أحيان كثيرة زادت من تفشيها، فهي قدمت للمجرمين قضية.

لا ندعي هنا أن جريمة عبد المسيح أوروبية، لا بل إنه من المرجح أن اضطرابات ما قبل اللجوء كانت من عناصرها، لكن لهذا المرتكب “سيرة جنائية” تلتقي مع سير أقرانه عند حدود الاضطراب النفسي الذي تسببت به وقائع عنفية واضحة جداً في سيرته. ونحن هذه المرة حيال سيرة مجند سابق في جيش النظام السوري، مع ما يحمل ذلك من احتمالات من المرجح أن تكون هي وراء قراره مغادرة سوريا. مع ملاحظة أُشير إليها في الأخبار التي تناولته بعد تنفيذه الجريمة، وهي أن السلطات السويدية منحته حق اللجوء السياسي، إلا أنها امتنعت عن منحه الجنسية، لأنها لا تعطي الجنسية لمن سبق له أن انتمى إلى جماعة أو جهاز يمارس انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، وهو ما يطرح تساؤلاً عما إذا كان عبد المسيح مجنداً عادياً في الجيش السوري! 

عبد المسيح لم يكن منفذاً مكلفاً بالمهمة طبعاً، لكن جريمته مؤلفة من عناصر تردنا إلى نقاش ليس جديداً، على رغم ما حملته الجريمة هذه المرة من عنصر جديد في هوية الذئب: مجند سابق مسيحي في جيش النظام السوري.         

13.06.2023
زمن القراءة: 4 minutes

عبد المسيح لم يكن منفذاً مكلفاً بالمهمة طبعاً، لكن جريمته مؤلفة من عناصر تردنا إلى نقاش ليس جديداً، على رغم ما حملته الجريمة هذه المرة من عنصر جديد في هوية الذئب: مجند سابق مسيحي في جيش النظام السوري.

هل عبد المسيح الحنون (31 سنة)، طاعن الأطفال في حديقة مدينة آنسي الفرنسية، ذئب منفرد؟ ذاك أن التعبير لطالما سيق عند الحديث عن إرهابي مسلم سني، تولى تجنيد نفسه بنفسه، وغالباً ما كان من الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين المسلمين إلى الغرب، واستمر هذا التعريف إلى أن انحرف عنه انحرافاً طفيفاً طاعن الروائي البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي، ونعني هنا الأميركي من أصل لبناني هادي مطر. وتتوفر في هذا الأخير كل شروط ولادة الذئب المنفرد إضافة إلى أنه مسلم شيعي. فهو طور بنفسه شروط الجريمة التي نفذها، وهو أقدم عليها مدفوعاً بفتوى الخميني من دون أن يتم تجنيده.

لكننا اليوم أمام ذئب منفرد مسيحي. سوري الجنسية، ومجند سابق في الجيش السوري، قدم إلى السويد قبل 10 سنوات وحاز اللجوء السياسي فيها، وكان تزوج من سيدة سويدية من أصل سوري وأنجب منها طفلة. وعبد المسيح كان تعرض أثناء خدمته في الجيش السوري لكمين من جماعة “جهادية” وكان هو الناجي الوحيد من أفراد الوحدة التي كان يخدم فيها.

تردنا هذه الوقائع إلى نقاش قديم حول الهوية الاجتماعية والنفسية والدينية لإرهابيي الغرب! لا بل يأخذنا الأمر إلى التفكير مجدداً بتلك العناصر التي تتشكل منها شخصياتهم، وهي بمعظمها لا تفضي إلى خلاصة واحدة باستثناء أن الذئب المنفرد ليس كائناً أيديولوجياً، وكثيرون ممن تقمصوا هذه المهمة، في الغرب تحديداً، لم تربطهم بمزاعمهم الايديولوجية روابط وثيقة. واستمر ذلك إلى أن استيقظ “الذئب المسيحي” فدفع بهذه الحقيقة خطوة إلى الأمام.

في سيرة عبد المسيح الكثير من العناصر التي تدفع إلى استدعاء صور أقرانه من الذئاب المنفردة. فالسياق السياسي والديني مفترق، وكأننا حيال ذئب هنا وذئب هناك، الأول قاتل مع الجهاديين والثاني قاتل الجهاديين، في حين ظهر ذئب ثالث في نيويورك، لبناني ويحمل ملامح مختلفة عن قرينيه السوريين.

الانتقال من الإيديولوجي إلى الاجتماعي ثم إلى النفسي لتقصي هوية الذئب المنفرد صار أمراً ملحاً. الاضطرابات النفسية التي كشفتها سيرة عبد المسيح، يلوح ما هو موازٍ لها في سير من سبقوه إلى الجرائم التي نسبت إلى ذلك الإسلام الطارئ الذي ادعاه مرتكبوها. فهو لاجئ منذ أكثر من 10 سنوات، وتربطه علاقة مضطربة مع سلطات الهجرة في السويد. انفصل عن زوجته وابنته، ووالدته المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية على معرفة بأزمات نفسية حادة يعيشها! وهو حين هم لتنفيذ جريمته شرع “يصرخ باسم المسيح”. لنعود بذاكرتنا قليلاً إلى الوراء ونستعيد ما قالته والدة هادي مطر عن ابنها منفذ عملية طعن سلمان رشدي، ويمكننا أيضاً أن نذهب أبعد ونستعيد كلام والدة زكريا الموسوي الإرهابي رقم 19 في المجموعة التي نفذت عملية 11 أيلول/ سبتمبر. 

في سيرة عبد المسيح الكثير من العناصر التي تدفع إلى استدعاء صور أقرانه من الذئاب المنفردة. فالسياق السياسي والديني مفترق، وكأننا حيال ذئب هنا وذئب هناك، الأول قاتل مع الجهاديين والثاني قاتل الجهاديين، في حين ظهر ذئب ثالث في نيويورك، لبناني ويحمل ملامح مختلفة عن قرينيه السوريين.

لا شك في أننا سمعنا هذه الحكاية قبل أن ينفذ عبد المسيح جريمته. قرأناها هي نفسها في سير منفذي العمليات الإرهابية في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، مع فارق هذه المرة يتمثل في حرص ناقلي الخبر على تجنب التنميط، ذاك أن فعلة عبد المسيح لم تأخذ بعداً إرهابياً.

وحيال ذلك يحضر نقاش رافق صعود الإرهاب في أوروبا، ويتمثل في “استثنائية” الدافع إلى الجريمة، وما رافق هذه الاستثنائية من قوانين جاءت أيضاً من خارج تقاليد العدالة، فيما اعتبر بعض الباحثين أن الحد من هذا النوع من الجرائم يتمثل في إخضاعها للقانون الجاري وغير الاستثنائي، وعدم إعطاء المرتكب فرصة أن يكون مجرماً استثنائياً تنطوي جريمته على أكثر مما تنطوي عليه الجريمة العادية. وعدم التعامل مع هذا النوع من الجرائم بوصفه جرائم عادية هو من الأسباب التي أعاقت مكافحتها، لا بل في أحيان كثيرة زادت من تفشيها، فهي قدمت للمجرمين قضية.

لا ندعي هنا أن جريمة عبد المسيح أوروبية، لا بل إنه من المرجح أن اضطرابات ما قبل اللجوء كانت من عناصرها، لكن لهذا المرتكب “سيرة جنائية” تلتقي مع سير أقرانه عند حدود الاضطراب النفسي الذي تسببت به وقائع عنفية واضحة جداً في سيرته. ونحن هذه المرة حيال سيرة مجند سابق في جيش النظام السوري، مع ما يحمل ذلك من احتمالات من المرجح أن تكون هي وراء قراره مغادرة سوريا. مع ملاحظة أُشير إليها في الأخبار التي تناولته بعد تنفيذه الجريمة، وهي أن السلطات السويدية منحته حق اللجوء السياسي، إلا أنها امتنعت عن منحه الجنسية، لأنها لا تعطي الجنسية لمن سبق له أن انتمى إلى جماعة أو جهاز يمارس انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، وهو ما يطرح تساؤلاً عما إذا كان عبد المسيح مجنداً عادياً في الجيش السوري! 

عبد المسيح لم يكن منفذاً مكلفاً بالمهمة طبعاً، لكن جريمته مؤلفة من عناصر تردنا إلى نقاش ليس جديداً، على رغم ما حملته الجريمة هذه المرة من عنصر جديد في هوية الذئب: مجند سابق مسيحي في جيش النظام السوري.