fbpx

رحلة عادل إمام… من اليساري إلى الشاويش

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان عادل إمام عدواً ظاهرياً للسلطة على مدار حياته، ورفض أن يكون جزءاً منها، رغم الكثير من الوئام معها للهروب من مقصّ الرقيب وتمرير بعض الأعمال، إلا أنه في النهاية لم يكن رجل كل الأنظمة، فالطريقة التي يلعب بها السياسة لم تكن ملائمة سوى لنظام مبارك، الذي شهد زعامته، باعتباره أداة لتطويع الجماهير، بينما رفضها الآخرون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ظلت علاقة عادل إمام بالسلطات واحدة من أبرز العلاقات الغامضة في تاريخ الفن المصري. لم ينتقد فنان الحكومات المتعاقبة بالقدر الذي فعله عادل إمام، ولم يحدث فنان ضجيجاً في مقاومته الرقابة السياسية والدينية كما فعل، كما مثّلت معظم أفلامه رحلة الفرد في مواجهة السلطة، حتى تبدو ملخصاً للسيرة الإنسانية والشخصية لعادل إمام، الذي بدأ حياته يسارياً غاضباً وتقلّب بين الأحزاب والتيارات السياسية حتى وجد ضالته في ألّا ينتمي لفكرة أو تيار، إنما أن يخوض رحلة رجل عادي في مواجهة السلطة والمجتمع.

وحتى اليوم، تطاوله اللعنات باعتباره “فنان السلطة المزيف” لإيمانه بالإصلاح من الداخل وتنسيقه المستمر معها وانحيازه ضد التيارات الإسلامية المتشدّدة (والمسلحة) دون النظر إلى الأفلام التي عرّى بها الفساد والجهات الأمنية وأصحاب المناصب السيادية وثقافة التعتيم وطمس الحقائق، وهي الأعمال التي لم يكن يجرؤ على تقديمها، أو “تمريرها” من الرقابة سواه.

تطرح مسيرة عادل إمام جدلية الفن والسلطة بشكل مختلف، من كان يستعطف من؟ ومن كان يهادن من؟

وتتوقف إجابة السؤال على اكتشاف ما إذا كان عادل إمام صنيعة السلطة، أم نجماً صنعه المصريون فحاولت السلطة أن تستفيد من شعبيته فهادنته وقدمت له تنازلات كي يعينَها في قضايا غير مقدّر لها أن تُحسم بالسياسة، وهو ما حصل بالفعل طوال مسيرته الفنية، ومسيرة الأنظمة التي أقام معها علاقات.

“الشاويش إمام”… الخوف من السلطة بدأ مبكراً

بدأت علاقة عادل إمام بالسلطة مبكراً، لم يكن يفصل بين سلطة “الأب” والنظام السياسي الذي يكرهه ممثلاً في صورة والده. بالنسبة إليه، كانا واحداً، لا يوجد خط فاصل بينهما، فوالده كان “شاويش شرطة” صارماً تقليدياً يعمل في مصلحة السجون برتبة “صول” يعامله بقسوة شديدة، وكلما رآه يضربه بـ”صفعات وشلاليت” ويحاول إخراجه من المدرسة حتى يتعلّم “صنعة” تنفعه مع الزمن، حتى فكر في مغادرة منزله للأبد، وأعدّ خطة “الهروب الكبير”، إلا أن خوفه من والده منعه من تنفيذها.

كان الخوف هو الرقم الصعب في علاقة عادل إمام بالسلطة، الشعور الذي دفعه إلى مناورتها والتحرش بها، من دون معاداتها بشكل مباشر. كانت تتمثل أمامه في والده الغليظ، الذي لا يجرؤ على خصومته أو مهاجمته علناً، ولا يرضى مهادنته، ويقول، في حوار لـ”الجريدة” الكويتية (نشر عام 2007)، إنه “غرق طوال عمره في عالم السياسة من دون أن يشترك مباشرةً”، وهي الإشارة الثانية إلى مهابته السلطة.

انضمّ عادل إمام إلى حزب شيوعي سري في صغره، حين كان طالباً بالمرحلة الثانوية، من خلال صديق له دعاه إلى حضور اجتماع لخلية من خلايا الحزب، ولم يكن يفهم ما الذي تعنيه كلمة شيوعية، لكنه كان مدفوعاً بشعور وطني ويعترف: “كنت أريد أن أفعل أي شيء لمصلحة الغالبية الفقيرة في مصر، وهذا ما كانت تنادي به التيارات اليسارية وما زالت”.

ولم يكن عادل منخرطاً في السياسة أو العمل الحزبي، ظلّ هامشياً، كما انضم إليها بالمصادفة وبطريقة عبثية، خرج منها أيضاً بطريقة عبثية، وكان مألوفاً أن يختارَ كل عضو في هذه التنظيمات اسماً حركياً لنفسه يتعامل به مع زملائه الآخرين، كي لا يعرف أحد اسمه الأصلي لظروف التأمين، حتى إذا ألقي القبض على أحد الأعضاء لا يفشي أسرار الآخرين. وفي التنظيم، اختاروا اسماً حركياً لعادل، هو اسمه الأصلي “عادل”، وشعر بالإهانة لأن تلك اللفتة تعني أنه عضو غير مهم، فاشتعل غضبه وغادر الحزب، وصار غاضباً من السلطة ومن المعارضة أيضاً، وشكّل ذلك الملمح جانباً من تاريخه الفني والسياسي، فكان كما يسخر من السلطة ورجال الأعمال، يظهر وجهاً قبيحاً لليسار والمعارضة والإسلاميين.

“كنت أريد أن أفعل أي شيء لمصلحة الغالبية الفقيرة في مصر، وهذا ما كانت تنادي به التيارات اليسارية وما زالت”.

شروط السلطة: اضرب في الحاشية.. ولا تقترب من الرئيس

يتقدم عادل إمام نحو عامه الثالث والثمانين، حاملاً على كاهله إرثاً ثقيلاً من العلاقات والتشابكات والاشتباكات والأفلام التي تحوّلت إلى إرث فني مصري، وشاهد على التاريخ منذ عصر جمال عبد الناصر حتى اليوم، إلا أنه امتلك علاقة خاصة بالرئيس الأسبق، حسني مبارك.

بكى عادل إمام حين سقط مبارك، وكان يرى أنه ليس فرعوناً كما وصفه البعض، بل رجل طيب له أخطاؤه كما أن له جوانبه الإيجابية، وحين سؤال من الإعلامي عمرو الليثي عن دعمه لجمال مبارك رئيساً خلفاً لوالده، قال: “الأستاذ جمال من حقه الترشح للرئاسة كمواطن مصري، وأنا كمواطن مصري من حقي أن أمنحه صوتي، أليست هذه الديمقراطية؟”.

كانت كلمة سر عادل إمام، هي مبارك، صديقه ويحبّه ويتحمّل منه أي شيء، ويرى أنه شريكه في الزعامة، عادل زعيم فني ومبارك زعيم سياسي، وكان مبارك طوال تاريخه يحبّ أن يكون كبير الفنانين صديقه لرؤيته أن الفن من أدوات الحكم، كما فعل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي أقام له جنازة عسكرية.

وكان عادل إمام صديقاً وفياً لمبارك يعرف تماماً ما يريده منه، ويدرك وصفة السلطة للبقاء، ووصفة الفنان أو الكاتب أو المثقف للاستمرار: انتقد الحكومة كما تريد، عارض رجال الأعمال، اضرب في الحاشية، ولكن لا تقترب من الرئيس.

لم ينتقد عادل إمام الرئيس نقداً صريحاً أو بالتلميح لمرة واحدة… ففي النهاية، كان يستقوي بعلاقته بمبارك على الرقابة إذا رغبت في حذف أحد مشاهده، سواء لأنه يحمل رأياً سياسياً أو لأنه يتضمّن مشهداً جريئاً، وهي الخلطة الجماهيرية التي أدمنها ليتصدّر شباك التذاكر باستمرار. وحين رفض حبيب العادلي فيلم “عريس من جهة أمنية” لصناعته كوميديا عن ضابط في جهاز أمن الدولة صاحب اليد العليا في مصر، وكان معروفاً أن العادلي هو “حارس المُلك” بالنسبة إلى مبارك، لجأ عادل إلى الرئيس فمرّ الفيلم.

بطل بمواجهة الإرهاب؟

أبقى عادل إمام في أفلامه الرئيس حكماً بين السلطات، ولم يظهره رجلاً فاسداً، وذلك لأن الرئيس هو الذي يضمن له بقاءه، وحين اتهمه البعض بأنه فنان السلطة، جاء رده: “الذين يتهمونني بالتواطؤ مع السلطة، عليهم أن يشاهدوا مسرحية (الزعيم). أنا لا يمكنني أن أكون مشاكساً ضد طرف يخطئ، ثم أسكت عن طرف آخر يرتكب الخطايا، أنا واحد من أبناء الشعب، أعبر عن البسطاء ورأيهم وفكرهم”.

كانت تلك الفلسفة “السياسية” لعادل إمام في أفلامه، واحد من الشعب يقول ما يقوله الناس على المقاهي، ويعاني معاناتهم، ويحمل في صدره غضبهم من النظام والحكومة ورجال الأعمال، ويحاول كشف الفساد ومواجهته، لكنه في الوقت نفسه، يحافظ على الدفء الذي يجمعه برموز السلطة ورجالها، فلا ينتقد اسماً منهم، ولا يعرض حياة أحدهم، ولا يقترب من شخص الرئيس بالنقد. بل يعامله كصديق، كي يضمن المرور الآن من كل السلطات الرقابية والمشكلات الأمنية.

وللاحتفاظ بالدفء بينه وبين الناس، رفض الانضمام للحزب الوطني والتعيين بمجلس الشعب خلال عهد مبارك، حتى لو كان تعيينه رمزياً، كي يبقى صوتهم في السينما والمتحدث باسمهم.

وفي الطريق إلى ذلك، كانت أفلامه تعبيراً صريحاً عن فكرة “الفرد في مواجهة السلطة، ويمكن أن ينتصر”. في فيلم “الغول” يقتل رجل أعمال، ويقول له في النهاية: “أنت ضيعت حياتي بالقانون بتاعك، ودلوقتي جه وقت القانون بتاعي”. وفي “سلام يا صاحبي”، يأخذ بثأر صديقه بقانونه الخاص، ويذهب إلى قبره ليهديه تلك النهاية. يشعر الناس في ذلك الوقت بالانتصار الكامل، لقد هزموا الغول وقتلوه وأدى ذلك الدور نيابة عنهم عادل إمام، وحان الوقت ليعودوا إلى الأسرّة مرتاحي البال.

هل كان عادل إمام مخلصاً للناس؟

يجيب الناقد الفني أحمد يوسف، على ذلك السؤال في كتابه “سياسة عادل إمام.. رسائل من الوالي“، بأنّ “أصحاب السياسة الرسمية، والمثقفين الذين يسيرون في ركابها، اكتشفوا الدور الذي يقوم به هذا النجم والتأثير الذي يمارسه على جمهوره، فتحوَل موقفهم تجاهه من النقيض إلى النقيض، فكأنهم أدركوا أنه يمكن توظيف نجوميته لمصلحتهم، ليجعلوه ينطق بأفكارهم ومفاهيمهم المغلوطة، أو المسطحة بفرض حسن النيات، عن قضايا حيوية، مثل الإرهاب أو الديمقراطية أو علاقة الشعب بالسلطة”.

قدم عادل إمام الإرهابي وطيور الظلام وعمارة يعقوبيان، ولم تكن أفلاماً كوميدية، لكن الأكثر شعبية والأقدر على توصيل رسائل الدولة من وراء تلك الأفلام كان عادل إمام فأوكلت بطولتها إليه، وكانت ضمن معركة الدولة والتيار الإسلامي في التسعينيات وما بعدها، وذهب إمام إلى أسيوط “معقل الإخوان” لعرض إحدى مسرحياته حين مُنعت فرقة مسرحية من تقديم أعمالها، وتم تهديده بالقتل في ذلك الوقت، وكان ذلك موقفاً بطولياً لا يُنسى عزّز موقفه لدى الدولة، ومنحه المزيد من القدرة على رفع سقف النقد في السينما. ويرى القيادي الأمني الأسبق، فؤاد علام، أنّ عادل إمام “كان مجرد دُمية بيد أجهزة الأمن تقول لها أن تفعل شيئاً، فيفعله من دون تفكير”. ويضيف لـ”درج”: “لم يكن أي شيء بقرار شخصي منه، إنما تعليمات يتلقاها، وذهابه إلى أسيوط كان مؤمناً بالكامل، بحيث لا يستطيع أحد أن يتعرض له أو لفرقته المسرحية بأذى. كان كل شيء محسوباً”.

عادل إمام كان معارضاً؟

يرى الناقد طارق الشناوي، الذي ربطته علاقة ندية مع الزعيم، أن عادل إمام قدم أفلاماً معارضة أو ناقدة للأوضاع السياسية والاقتصادية في عهد مبارك بأمر من الدولة، وذلك حتى لا يُحسب عليها بالكامل، ويمنحه ذلك صدقية حين يقدم أفلاماً تنتقد التيارات الإسلامية “بما في ذلك الإرهابية” التي ناصبت الدولة العداء في ذلك الوقت.

ويقول لـ”درج”: “عادل لم يكن معارضاً ليوم واحد في حياته، حتى يقدم أفلاماً جريئة قد تهدد مستقبله الفني، لكن كل شيء كان متفقاً عليه ومحسوباً لرغبة السلطة في خلق هامش حرية للتنفيس عن الناس، ولولا ذلك لمنعت أفلامه، ولأن عادل إمام يعلم ذلك، كان يعرف حدوده في الأفلام التي يقدمها، ينتقد أوضاعاً خاطئة أو فساداً نعرفه جميعاً، لكنه لا يقترب من الفساد الذي لا نعرفه، أو الذي نعرفه ولا تريد السلطة الحديث عنه، ومن ذلك أنه كان مؤيداً لمشروع توريث جمال مبارك”.

وفي تسجيل صوتي شهير للفنانة نجلاء فتحي، قالت لعادل إمام: “بقالك 40 سنة بتخدم الحكومة، وهذا سر موقفك المخزي من ثورة 25 يناير، مكنش مطلوب منك إنك تمسح جوخ ليهم، إنت نجم كبير، هما اللي يمسحوا جوخ بيك، كان لازم يكون لك موقف أو لا موقف، يا تقف مع الشعب يا تسكت وتقفل عليك بابك”.

وأضافت: “من يفهم في الدراما والفن سيعلم أن أفلام عادل إمام لم تكن تظهر الفساد بقدر ما كانت تدعو إلى الفساد ومناصرة الفساد، وهو يتبع مبدأ اللف والدوران. زمان كنت مهتم بالمواطن الغلبان، وقدمت دور الغلبان اللي بيتضرب على قفاه، لكن من أول الثمانينيات ولحد الآخر، بقالك 40 سنة بتشرّب الشعب اللي الحكومة عايزاه”.

انحاز الزعيم إلى الناس أحياناً في نهايات عهد مبارك، وفي المقابل، هاجم حركة “كفاية” التي كانت مهمتها إسقاط حكم مبارك.

تستفيد الأنظمة السياسية دوماً من الشخصيات الجماهيرية والنجوم الشعبيين، وتستثمرها في خدمة قضاياها، وهي من الأمور المعروفة في الشرق الأوسط، ومصر تحديداً، فكم من المرات طُرحت أسماء شعبية غامضة كعمر سليمان كمرشحين رئاسيين في حملات غريبة خلال عهد مبارك، فقط لقياس مدى شعبيته، فضلاً عن استخدام فنانين وكتاب للترويج لقضية ما، كما استُخدم الفنان محمود عبد العزيز في الدعاية لجهاز المخابرات بمسلسل رأفت الهجان.

ومن المعروف عن نظام مبارك، أنه لم يبقِ أحد الفنانين أو المثقفين بعيدين تماماً منه، بل نشأ في عهده ما يعرف بـ”الحظيرة” التي يدخلها جميع الفاعلين في المجال العام مُحبين أو كارهين، وسواء كانوا ناقدين للسلطة أو مُتحمّسين لها، فكانوا جزءاً من خطة النظام للدفاع عن نفسه، إما بأن يكونوا جزءاً من هامش الحرية والتنفيس لتجنب الكبت الشعبي والثورة، وكان جزءاً من ذلك أفلام أنتجت وصحف صدرت وقنوات رفعت سقف النقد، فلم يكن عادل إمام طرفاً في صراع، بل رجلاً يعمل تحت جناح السلطة التي تمنحه تصريحاً بعرض عمله من مراحله الأولى كـ”سيناريو” قبل التصوير، ويؤدي دوراً قدرته له.

وحافظ عادل إمام على تلك الفلسفة مع من خلفوا مبارك، محمد مرسي والسيسي، فرغم عداءه التاريخي للجماعات الإسلامية، تزوّجت ابنته واحداً منهم، نجل القيادي الإخواني الشهير، نبيل مقبل، ووصف اللقاء بين الفنانين ومرسي، خلال رئاسته، بالمثمر والمطمئن، وأكد أنّ الفنانين طرحوا مخاوفهم على الرئيس ووعدهم بعودة المسرح والسينما والقصة لدورها الريادي.

عوالم خفية… السلطة لا تتحمل “وصفة” الزعيم

حاول عادل إمام، في مسلسلاته التي قدمها في عهد السيسي، أن يمارس هوايته المفضلة في انتقاد الحاشية والحكومة، والحفاظ على هيبة الرئيس كما فعل مع سابقيه، فكان الرد حاداً وحاسماً ومُنع عادل إمام من التمثيل بقرار سيادي بسبب مشهد انتقد فيه بعض الأوضاع، فضلاً عن رفضه خطة الدولة وضع ضوابط للتحكم بالمسلسلات ووصفها بـ”الكلام الفارع”، برغم أنه كان قد أعد مسلسل “فالانتينو” لعام 2019، وخرج عادل إمام من السباق الرمضاني للمرة الأولى منذ اتجاهه إلى الدراما، وأغلقت أبواب الإعلام المصري في وجهه طوال ذلك العام، فصار اسمه ممنوعاً من الذكر وصورته محظورة حتى مُنعت المقالات التي تتناول تاريخه وأعماله.

ولأن صيغة عادل إمام “صديق الرئيس، الذي ينتقد الجميع إلا الرئيس” لم تعد مجدية مع النظام القائم في مصر، لم يكتفِ بتغييبه عن الساحة وعدم الاحتفاء به ومنعه أحياناً خوفاً من شعبيته الكبيرة.. ففي افتتاح أحد المشروعات القومية، انتقد السيسي فيلمه الشهير “الإرهاب والكباب” (الذي عرض عام 1992)، برغم عدم وجود أي مناسبة لذلك، وقال: “الفيلم جعل البلد خصماً، بدلاً من أن تكون السلبيات الموجودة في المجتمع هي الخصم، وعندما تحولت البلد إلى خصم هدّوها في 25 يناير 2011”.

وفي علاقة عادل إمام بالنظام القائم، يتجلّى مسلسل “عوالم خفية” ليلخّص ما أراد أن يفعله عادل إمام، لكن الأبواب سُدّت في وجهه لاختلاف طباع رجال المرحلة عن رجال المراحل السابقة، وقدرتهم على تطويع الفن لخدمة السياسة. تدور قصة المسلسل حول الصحفي هلال كامل، الذي يعمل بصحيفة معارضة، تقع بين يديه مذكرات فنانة قيل إنها انتحرت في مدينة الإسكندرية عام 2010. يفك رموز المذكرات ليكتشف قضايا فساد وزراء حتى يحل اللغز.

يقدم عادل للنظام الدعاية التي اعتاد تقديمها، لكنها لم تعد مقبولة، فليس مقبولاً أن تظهر وزيراً فاسداً أو تلقي الضوء على المشكلات التي يعاني منها الشعب، حتى لو كانت بقية المسلسل تحفل بتلميع صورة جهاز الأمن الوطني، الذي كان يتواصل معه “هلال” حين يستشعر مؤامرات خارجية على مصر، ومديحاً لرئيس الوزراء البشوش الذي يستدعي الصحافي ويشكره على كشفه الفساد، الذي يعود إلى عصور سابقة وليس إلى العصر الحالي.

كان عادل إمام عدواً ظاهرياً للسلطة على مدار حياته، ورفض أن يكون جزءاً منها، رغم الكثير من الوئام معها للهروب من مقصّ الرقيب وتمرير بعض الأعمال، إلا أنه في النهاية لم يكن رجل كل الأنظمة، فالطريقة التي يلعب بها السياسة لم تكن ملائمة سوى لنظام مبارك، الذي شهد زعامته، باعتباره أداة لتطويع الجماهير، بينما رفضها الآخرون.

01.06.2023
زمن القراءة: 10 minutes

كان عادل إمام عدواً ظاهرياً للسلطة على مدار حياته، ورفض أن يكون جزءاً منها، رغم الكثير من الوئام معها للهروب من مقصّ الرقيب وتمرير بعض الأعمال، إلا أنه في النهاية لم يكن رجل كل الأنظمة، فالطريقة التي يلعب بها السياسة لم تكن ملائمة سوى لنظام مبارك، الذي شهد زعامته، باعتباره أداة لتطويع الجماهير، بينما رفضها الآخرون.

ظلت علاقة عادل إمام بالسلطات واحدة من أبرز العلاقات الغامضة في تاريخ الفن المصري. لم ينتقد فنان الحكومات المتعاقبة بالقدر الذي فعله عادل إمام، ولم يحدث فنان ضجيجاً في مقاومته الرقابة السياسية والدينية كما فعل، كما مثّلت معظم أفلامه رحلة الفرد في مواجهة السلطة، حتى تبدو ملخصاً للسيرة الإنسانية والشخصية لعادل إمام، الذي بدأ حياته يسارياً غاضباً وتقلّب بين الأحزاب والتيارات السياسية حتى وجد ضالته في ألّا ينتمي لفكرة أو تيار، إنما أن يخوض رحلة رجل عادي في مواجهة السلطة والمجتمع.

وحتى اليوم، تطاوله اللعنات باعتباره “فنان السلطة المزيف” لإيمانه بالإصلاح من الداخل وتنسيقه المستمر معها وانحيازه ضد التيارات الإسلامية المتشدّدة (والمسلحة) دون النظر إلى الأفلام التي عرّى بها الفساد والجهات الأمنية وأصحاب المناصب السيادية وثقافة التعتيم وطمس الحقائق، وهي الأعمال التي لم يكن يجرؤ على تقديمها، أو “تمريرها” من الرقابة سواه.

تطرح مسيرة عادل إمام جدلية الفن والسلطة بشكل مختلف، من كان يستعطف من؟ ومن كان يهادن من؟

وتتوقف إجابة السؤال على اكتشاف ما إذا كان عادل إمام صنيعة السلطة، أم نجماً صنعه المصريون فحاولت السلطة أن تستفيد من شعبيته فهادنته وقدمت له تنازلات كي يعينَها في قضايا غير مقدّر لها أن تُحسم بالسياسة، وهو ما حصل بالفعل طوال مسيرته الفنية، ومسيرة الأنظمة التي أقام معها علاقات.

“الشاويش إمام”… الخوف من السلطة بدأ مبكراً

بدأت علاقة عادل إمام بالسلطة مبكراً، لم يكن يفصل بين سلطة “الأب” والنظام السياسي الذي يكرهه ممثلاً في صورة والده. بالنسبة إليه، كانا واحداً، لا يوجد خط فاصل بينهما، فوالده كان “شاويش شرطة” صارماً تقليدياً يعمل في مصلحة السجون برتبة “صول” يعامله بقسوة شديدة، وكلما رآه يضربه بـ”صفعات وشلاليت” ويحاول إخراجه من المدرسة حتى يتعلّم “صنعة” تنفعه مع الزمن، حتى فكر في مغادرة منزله للأبد، وأعدّ خطة “الهروب الكبير”، إلا أن خوفه من والده منعه من تنفيذها.

كان الخوف هو الرقم الصعب في علاقة عادل إمام بالسلطة، الشعور الذي دفعه إلى مناورتها والتحرش بها، من دون معاداتها بشكل مباشر. كانت تتمثل أمامه في والده الغليظ، الذي لا يجرؤ على خصومته أو مهاجمته علناً، ولا يرضى مهادنته، ويقول، في حوار لـ”الجريدة” الكويتية (نشر عام 2007)، إنه “غرق طوال عمره في عالم السياسة من دون أن يشترك مباشرةً”، وهي الإشارة الثانية إلى مهابته السلطة.

انضمّ عادل إمام إلى حزب شيوعي سري في صغره، حين كان طالباً بالمرحلة الثانوية، من خلال صديق له دعاه إلى حضور اجتماع لخلية من خلايا الحزب، ولم يكن يفهم ما الذي تعنيه كلمة شيوعية، لكنه كان مدفوعاً بشعور وطني ويعترف: “كنت أريد أن أفعل أي شيء لمصلحة الغالبية الفقيرة في مصر، وهذا ما كانت تنادي به التيارات اليسارية وما زالت”.

ولم يكن عادل منخرطاً في السياسة أو العمل الحزبي، ظلّ هامشياً، كما انضم إليها بالمصادفة وبطريقة عبثية، خرج منها أيضاً بطريقة عبثية، وكان مألوفاً أن يختارَ كل عضو في هذه التنظيمات اسماً حركياً لنفسه يتعامل به مع زملائه الآخرين، كي لا يعرف أحد اسمه الأصلي لظروف التأمين، حتى إذا ألقي القبض على أحد الأعضاء لا يفشي أسرار الآخرين. وفي التنظيم، اختاروا اسماً حركياً لعادل، هو اسمه الأصلي “عادل”، وشعر بالإهانة لأن تلك اللفتة تعني أنه عضو غير مهم، فاشتعل غضبه وغادر الحزب، وصار غاضباً من السلطة ومن المعارضة أيضاً، وشكّل ذلك الملمح جانباً من تاريخه الفني والسياسي، فكان كما يسخر من السلطة ورجال الأعمال، يظهر وجهاً قبيحاً لليسار والمعارضة والإسلاميين.

“كنت أريد أن أفعل أي شيء لمصلحة الغالبية الفقيرة في مصر، وهذا ما كانت تنادي به التيارات اليسارية وما زالت”.

شروط السلطة: اضرب في الحاشية.. ولا تقترب من الرئيس

يتقدم عادل إمام نحو عامه الثالث والثمانين، حاملاً على كاهله إرثاً ثقيلاً من العلاقات والتشابكات والاشتباكات والأفلام التي تحوّلت إلى إرث فني مصري، وشاهد على التاريخ منذ عصر جمال عبد الناصر حتى اليوم، إلا أنه امتلك علاقة خاصة بالرئيس الأسبق، حسني مبارك.

بكى عادل إمام حين سقط مبارك، وكان يرى أنه ليس فرعوناً كما وصفه البعض، بل رجل طيب له أخطاؤه كما أن له جوانبه الإيجابية، وحين سؤال من الإعلامي عمرو الليثي عن دعمه لجمال مبارك رئيساً خلفاً لوالده، قال: “الأستاذ جمال من حقه الترشح للرئاسة كمواطن مصري، وأنا كمواطن مصري من حقي أن أمنحه صوتي، أليست هذه الديمقراطية؟”.

كانت كلمة سر عادل إمام، هي مبارك، صديقه ويحبّه ويتحمّل منه أي شيء، ويرى أنه شريكه في الزعامة، عادل زعيم فني ومبارك زعيم سياسي، وكان مبارك طوال تاريخه يحبّ أن يكون كبير الفنانين صديقه لرؤيته أن الفن من أدوات الحكم، كما فعل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي أقام له جنازة عسكرية.

وكان عادل إمام صديقاً وفياً لمبارك يعرف تماماً ما يريده منه، ويدرك وصفة السلطة للبقاء، ووصفة الفنان أو الكاتب أو المثقف للاستمرار: انتقد الحكومة كما تريد، عارض رجال الأعمال، اضرب في الحاشية، ولكن لا تقترب من الرئيس.

لم ينتقد عادل إمام الرئيس نقداً صريحاً أو بالتلميح لمرة واحدة… ففي النهاية، كان يستقوي بعلاقته بمبارك على الرقابة إذا رغبت في حذف أحد مشاهده، سواء لأنه يحمل رأياً سياسياً أو لأنه يتضمّن مشهداً جريئاً، وهي الخلطة الجماهيرية التي أدمنها ليتصدّر شباك التذاكر باستمرار. وحين رفض حبيب العادلي فيلم “عريس من جهة أمنية” لصناعته كوميديا عن ضابط في جهاز أمن الدولة صاحب اليد العليا في مصر، وكان معروفاً أن العادلي هو “حارس المُلك” بالنسبة إلى مبارك، لجأ عادل إلى الرئيس فمرّ الفيلم.

بطل بمواجهة الإرهاب؟

أبقى عادل إمام في أفلامه الرئيس حكماً بين السلطات، ولم يظهره رجلاً فاسداً، وذلك لأن الرئيس هو الذي يضمن له بقاءه، وحين اتهمه البعض بأنه فنان السلطة، جاء رده: “الذين يتهمونني بالتواطؤ مع السلطة، عليهم أن يشاهدوا مسرحية (الزعيم). أنا لا يمكنني أن أكون مشاكساً ضد طرف يخطئ، ثم أسكت عن طرف آخر يرتكب الخطايا، أنا واحد من أبناء الشعب، أعبر عن البسطاء ورأيهم وفكرهم”.

كانت تلك الفلسفة “السياسية” لعادل إمام في أفلامه، واحد من الشعب يقول ما يقوله الناس على المقاهي، ويعاني معاناتهم، ويحمل في صدره غضبهم من النظام والحكومة ورجال الأعمال، ويحاول كشف الفساد ومواجهته، لكنه في الوقت نفسه، يحافظ على الدفء الذي يجمعه برموز السلطة ورجالها، فلا ينتقد اسماً منهم، ولا يعرض حياة أحدهم، ولا يقترب من شخص الرئيس بالنقد. بل يعامله كصديق، كي يضمن المرور الآن من كل السلطات الرقابية والمشكلات الأمنية.

وللاحتفاظ بالدفء بينه وبين الناس، رفض الانضمام للحزب الوطني والتعيين بمجلس الشعب خلال عهد مبارك، حتى لو كان تعيينه رمزياً، كي يبقى صوتهم في السينما والمتحدث باسمهم.

وفي الطريق إلى ذلك، كانت أفلامه تعبيراً صريحاً عن فكرة “الفرد في مواجهة السلطة، ويمكن أن ينتصر”. في فيلم “الغول” يقتل رجل أعمال، ويقول له في النهاية: “أنت ضيعت حياتي بالقانون بتاعك، ودلوقتي جه وقت القانون بتاعي”. وفي “سلام يا صاحبي”، يأخذ بثأر صديقه بقانونه الخاص، ويذهب إلى قبره ليهديه تلك النهاية. يشعر الناس في ذلك الوقت بالانتصار الكامل، لقد هزموا الغول وقتلوه وأدى ذلك الدور نيابة عنهم عادل إمام، وحان الوقت ليعودوا إلى الأسرّة مرتاحي البال.

هل كان عادل إمام مخلصاً للناس؟

يجيب الناقد الفني أحمد يوسف، على ذلك السؤال في كتابه “سياسة عادل إمام.. رسائل من الوالي“، بأنّ “أصحاب السياسة الرسمية، والمثقفين الذين يسيرون في ركابها، اكتشفوا الدور الذي يقوم به هذا النجم والتأثير الذي يمارسه على جمهوره، فتحوَل موقفهم تجاهه من النقيض إلى النقيض، فكأنهم أدركوا أنه يمكن توظيف نجوميته لمصلحتهم، ليجعلوه ينطق بأفكارهم ومفاهيمهم المغلوطة، أو المسطحة بفرض حسن النيات، عن قضايا حيوية، مثل الإرهاب أو الديمقراطية أو علاقة الشعب بالسلطة”.

قدم عادل إمام الإرهابي وطيور الظلام وعمارة يعقوبيان، ولم تكن أفلاماً كوميدية، لكن الأكثر شعبية والأقدر على توصيل رسائل الدولة من وراء تلك الأفلام كان عادل إمام فأوكلت بطولتها إليه، وكانت ضمن معركة الدولة والتيار الإسلامي في التسعينيات وما بعدها، وذهب إمام إلى أسيوط “معقل الإخوان” لعرض إحدى مسرحياته حين مُنعت فرقة مسرحية من تقديم أعمالها، وتم تهديده بالقتل في ذلك الوقت، وكان ذلك موقفاً بطولياً لا يُنسى عزّز موقفه لدى الدولة، ومنحه المزيد من القدرة على رفع سقف النقد في السينما. ويرى القيادي الأمني الأسبق، فؤاد علام، أنّ عادل إمام “كان مجرد دُمية بيد أجهزة الأمن تقول لها أن تفعل شيئاً، فيفعله من دون تفكير”. ويضيف لـ”درج”: “لم يكن أي شيء بقرار شخصي منه، إنما تعليمات يتلقاها، وذهابه إلى أسيوط كان مؤمناً بالكامل، بحيث لا يستطيع أحد أن يتعرض له أو لفرقته المسرحية بأذى. كان كل شيء محسوباً”.

عادل إمام كان معارضاً؟

يرى الناقد طارق الشناوي، الذي ربطته علاقة ندية مع الزعيم، أن عادل إمام قدم أفلاماً معارضة أو ناقدة للأوضاع السياسية والاقتصادية في عهد مبارك بأمر من الدولة، وذلك حتى لا يُحسب عليها بالكامل، ويمنحه ذلك صدقية حين يقدم أفلاماً تنتقد التيارات الإسلامية “بما في ذلك الإرهابية” التي ناصبت الدولة العداء في ذلك الوقت.

ويقول لـ”درج”: “عادل لم يكن معارضاً ليوم واحد في حياته، حتى يقدم أفلاماً جريئة قد تهدد مستقبله الفني، لكن كل شيء كان متفقاً عليه ومحسوباً لرغبة السلطة في خلق هامش حرية للتنفيس عن الناس، ولولا ذلك لمنعت أفلامه، ولأن عادل إمام يعلم ذلك، كان يعرف حدوده في الأفلام التي يقدمها، ينتقد أوضاعاً خاطئة أو فساداً نعرفه جميعاً، لكنه لا يقترب من الفساد الذي لا نعرفه، أو الذي نعرفه ولا تريد السلطة الحديث عنه، ومن ذلك أنه كان مؤيداً لمشروع توريث جمال مبارك”.

وفي تسجيل صوتي شهير للفنانة نجلاء فتحي، قالت لعادل إمام: “بقالك 40 سنة بتخدم الحكومة، وهذا سر موقفك المخزي من ثورة 25 يناير، مكنش مطلوب منك إنك تمسح جوخ ليهم، إنت نجم كبير، هما اللي يمسحوا جوخ بيك، كان لازم يكون لك موقف أو لا موقف، يا تقف مع الشعب يا تسكت وتقفل عليك بابك”.

وأضافت: “من يفهم في الدراما والفن سيعلم أن أفلام عادل إمام لم تكن تظهر الفساد بقدر ما كانت تدعو إلى الفساد ومناصرة الفساد، وهو يتبع مبدأ اللف والدوران. زمان كنت مهتم بالمواطن الغلبان، وقدمت دور الغلبان اللي بيتضرب على قفاه، لكن من أول الثمانينيات ولحد الآخر، بقالك 40 سنة بتشرّب الشعب اللي الحكومة عايزاه”.

انحاز الزعيم إلى الناس أحياناً في نهايات عهد مبارك، وفي المقابل، هاجم حركة “كفاية” التي كانت مهمتها إسقاط حكم مبارك.

تستفيد الأنظمة السياسية دوماً من الشخصيات الجماهيرية والنجوم الشعبيين، وتستثمرها في خدمة قضاياها، وهي من الأمور المعروفة في الشرق الأوسط، ومصر تحديداً، فكم من المرات طُرحت أسماء شعبية غامضة كعمر سليمان كمرشحين رئاسيين في حملات غريبة خلال عهد مبارك، فقط لقياس مدى شعبيته، فضلاً عن استخدام فنانين وكتاب للترويج لقضية ما، كما استُخدم الفنان محمود عبد العزيز في الدعاية لجهاز المخابرات بمسلسل رأفت الهجان.

ومن المعروف عن نظام مبارك، أنه لم يبقِ أحد الفنانين أو المثقفين بعيدين تماماً منه، بل نشأ في عهده ما يعرف بـ”الحظيرة” التي يدخلها جميع الفاعلين في المجال العام مُحبين أو كارهين، وسواء كانوا ناقدين للسلطة أو مُتحمّسين لها، فكانوا جزءاً من خطة النظام للدفاع عن نفسه، إما بأن يكونوا جزءاً من هامش الحرية والتنفيس لتجنب الكبت الشعبي والثورة، وكان جزءاً من ذلك أفلام أنتجت وصحف صدرت وقنوات رفعت سقف النقد، فلم يكن عادل إمام طرفاً في صراع، بل رجلاً يعمل تحت جناح السلطة التي تمنحه تصريحاً بعرض عمله من مراحله الأولى كـ”سيناريو” قبل التصوير، ويؤدي دوراً قدرته له.

وحافظ عادل إمام على تلك الفلسفة مع من خلفوا مبارك، محمد مرسي والسيسي، فرغم عداءه التاريخي للجماعات الإسلامية، تزوّجت ابنته واحداً منهم، نجل القيادي الإخواني الشهير، نبيل مقبل، ووصف اللقاء بين الفنانين ومرسي، خلال رئاسته، بالمثمر والمطمئن، وأكد أنّ الفنانين طرحوا مخاوفهم على الرئيس ووعدهم بعودة المسرح والسينما والقصة لدورها الريادي.

عوالم خفية… السلطة لا تتحمل “وصفة” الزعيم

حاول عادل إمام، في مسلسلاته التي قدمها في عهد السيسي، أن يمارس هوايته المفضلة في انتقاد الحاشية والحكومة، والحفاظ على هيبة الرئيس كما فعل مع سابقيه، فكان الرد حاداً وحاسماً ومُنع عادل إمام من التمثيل بقرار سيادي بسبب مشهد انتقد فيه بعض الأوضاع، فضلاً عن رفضه خطة الدولة وضع ضوابط للتحكم بالمسلسلات ووصفها بـ”الكلام الفارع”، برغم أنه كان قد أعد مسلسل “فالانتينو” لعام 2019، وخرج عادل إمام من السباق الرمضاني للمرة الأولى منذ اتجاهه إلى الدراما، وأغلقت أبواب الإعلام المصري في وجهه طوال ذلك العام، فصار اسمه ممنوعاً من الذكر وصورته محظورة حتى مُنعت المقالات التي تتناول تاريخه وأعماله.

ولأن صيغة عادل إمام “صديق الرئيس، الذي ينتقد الجميع إلا الرئيس” لم تعد مجدية مع النظام القائم في مصر، لم يكتفِ بتغييبه عن الساحة وعدم الاحتفاء به ومنعه أحياناً خوفاً من شعبيته الكبيرة.. ففي افتتاح أحد المشروعات القومية، انتقد السيسي فيلمه الشهير “الإرهاب والكباب” (الذي عرض عام 1992)، برغم عدم وجود أي مناسبة لذلك، وقال: “الفيلم جعل البلد خصماً، بدلاً من أن تكون السلبيات الموجودة في المجتمع هي الخصم، وعندما تحولت البلد إلى خصم هدّوها في 25 يناير 2011”.

وفي علاقة عادل إمام بالنظام القائم، يتجلّى مسلسل “عوالم خفية” ليلخّص ما أراد أن يفعله عادل إمام، لكن الأبواب سُدّت في وجهه لاختلاف طباع رجال المرحلة عن رجال المراحل السابقة، وقدرتهم على تطويع الفن لخدمة السياسة. تدور قصة المسلسل حول الصحفي هلال كامل، الذي يعمل بصحيفة معارضة، تقع بين يديه مذكرات فنانة قيل إنها انتحرت في مدينة الإسكندرية عام 2010. يفك رموز المذكرات ليكتشف قضايا فساد وزراء حتى يحل اللغز.

يقدم عادل للنظام الدعاية التي اعتاد تقديمها، لكنها لم تعد مقبولة، فليس مقبولاً أن تظهر وزيراً فاسداً أو تلقي الضوء على المشكلات التي يعاني منها الشعب، حتى لو كانت بقية المسلسل تحفل بتلميع صورة جهاز الأمن الوطني، الذي كان يتواصل معه “هلال” حين يستشعر مؤامرات خارجية على مصر، ومديحاً لرئيس الوزراء البشوش الذي يستدعي الصحافي ويشكره على كشفه الفساد، الذي يعود إلى عصور سابقة وليس إلى العصر الحالي.

كان عادل إمام عدواً ظاهرياً للسلطة على مدار حياته، ورفض أن يكون جزءاً منها، رغم الكثير من الوئام معها للهروب من مقصّ الرقيب وتمرير بعض الأعمال، إلا أنه في النهاية لم يكن رجل كل الأنظمة، فالطريقة التي يلعب بها السياسة لم تكن ملائمة سوى لنظام مبارك، الذي شهد زعامته، باعتباره أداة لتطويع الجماهير، بينما رفضها الآخرون.