fbpx

سجال “الأحوال الشخصية” في لبنان …آتٍ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما يبدو أكثر أهمية إلى حد كبير ويمكن البناء عليه بالفعل، هو الناخب الذي لم يستجب للدعوات التي أطلقتها المساجد للامتناع عن اختيار التغييريين، فرقعة الخوف من هاجس التحرر الفردي تنحسر شيئاً فشيئاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الزواج المدني  (الاختياري بالنسخة “الملطفة” كما هو متداول)هو عنوان كل مرحلة تحاول فيها السلطة بوجهيها السياسي والديني تشتيت الانتباه عن ضغط باتجاهها مباشرة أو بأي اتجاه يثير قلقها.  

وفي كل مرة ينتهي الأمر بأصوات من دار الفتوى والكنيسة تعلو بوجه علمانيين أو ليبراليين من المطالبين بدولة المدنية، فينكفئ هؤلاء. تطوى الصفحة، ويعود رجال السلطة إلى سلطاتهم ومنافعهم. 

في الظاهر قد لا تبدو هذه المرة مختلفة عن سابقاتها لا من ناحية المنطلق ولا حصراً من ناحية النتيجة والخاتمة. لكن في الجوهر، للنغمة هذه المرة جوانب ومنحنيات كثيرة تستدعي اهتماماً يمكن القول بلا مجازفة إنها تصلح للبناء عليها. 

غصَّت الصفحات الشخصية والمهنية على وسائل التواصل بفيديو الشيخ الذي أباح البصق كفعل أولي يرتقي اعتداءً إلى مستويات عدة من بينها ألا يدفن ثلاثة نواب “سنة” وصلوا إلى المجلس النيابي من خلال خوضهم الانتخابات تحت عنوان التغيير بأجنحة اقتصادية وسياسية وحقوقية مختلفة، مع المسلمين، بل مع “الكفّار”. وذلك على خلفية موقفهم من الزواج المدني الاختياري. 

هذا الشيخ ليس وحده، وهذه الحملة ليست لاحقة، بل سابقة، وفي الوقت نفسه مفتعلة إلى حد بعيد. وإن بدا في الفيديو واقفاً بمفرده، فهذا الشيخ ليس الوحيد في دعوته، بل معه دار الفتوى.

فقد علت قبل الانتخابات من منابر المساجد لا سيما في بيروت دعوات إلى عدم انتخاب مرشحي التغيير الذين بدوا قادرين على المنافسة بقوة في دائرة بيروت الثانية. وهو ما ترجم بوصول اثنين منهم هما ابراهيم منيمنة ووضاح الصادق. أما في الشوف فالمرشحة حليمة قعقور والتي وصلت أيضاً إلى المجلس المنتخب حديثاً، نالت نصيبها أيضاً من الهجوم، قبل الفوز بمقعد سني وبعده، لطرحها خطاباً يختلف عما حاولت ترسيخه خلال قوى الجماعة الإسلامية و”الحزب الاشتراكي” و”تيار المستقبل” على حساب مزاج قديم يساري كان له حضور في بعض القرى في الشوف وإقليم الخروب تحديداً من حيث انطلقت النائبة حالياً. 

لهذا الهجوم عناوين مختلفة، لكن كان لافتاً أنه تركز قبل أيام قليلة من الانتخابات على عنوان محدد، وهو أن هؤلاء التغييرين الذين ترشحوا حينها، ليبراليو الهوى في ما يتعلق بالحقوق الشخصية. تمت شيطنتهم بأنهم سيتركون الحبل على الغارب في ما يخص حرية النساء وحقوق المثليين. لم محاربتهم ممكنة، ولا حتى تأليب “الناخب السني” ضدهم على خلفية طرحهم بخصوص الهم المعيشي أو جريمة مرفأ بيروت أو أي من القضايا التي أصبح البلد والمواطنون فيه في مرحلة ما بعد الانهيار. كان التلويح بـ”وحش الحرية الفردية” الأسهل والرابح بحسب ظنهم. لكنهم أخطأوا تماماً. 

فهؤلاء المرشحون لم يخفوا آراءهم. منهم من كان واضحاً في عدم تأييده معارك تخاض من أجل ضمان حقوق المثليين، ومنهم من كان أكثر تمسكاً بتبنيه خيار الدولة المدنية التي تكفل حقوقاً متساوية للمواطنين من دون استثناء ومن دون إسقاط عنوان الزواج المدني الاختياري. إذاً كان الناخب يعلم من وماذا يختار وعلى حساب ماذا. سقطت دعوات التخويف من مؤيدي الزواج المدني وفاز خيار الناخب الذي جاء جواباً واضحاً من ناحية الأولويات، الاقتصاد والسياسة. 

اللافت أيضاً، أن سبب هذا الضجيج الآن هو سؤال طرح في سياق حلقة تلفزيونية لبرنامج تصلح تسميته برنامج الضوضاء. سؤال رمي في وجه المرشحين على طريقة المباغتة وسط تصفيق حاد وقهقهة مريبة غالباً تخرج من حلق المضيف. تبعثرت أيادي المرشحين وتفاوتت نبرة صوتهم في الإجابة عنه. جاء السؤال في سياق إثبات أن هؤلاء النواب ليسوا على قلب واحد في رؤيتهم، لا برنامج ولا مشروع يجمعهم وأن مصيرهم الافتراق عند أول ناصية في هذا الطريق التشريعي المتعرج كما جرت العادة في لبنان. ما بدا مريباً هو أسلوب طرح السؤال، لا أحقيته أو مشروعيته. لكن مرة أخرى جاءت الإجابات متوقعة، تحديداً من هؤلاء النواب الثلاثة. لم يعبروا عما كان مخفياً قبل انتخابهم. وبهذا المعنى، فإن البناء على وضوح مواقف هؤلاء قبل الانتخاب وبعدها مهم. 

وما يبدو أكثر أهمية إلى حد كبير ويمكن البناء عليه بالفعل، هو الناخب الذي لم يستجب للدعوات التي أطلقتها المساجد للامتناع عن اختيار التغييريين. وذلك لأسباب عدة جعلت رقعة الخوف من هاجس التحرر الفردي تنحسر شيئاً فشيئاً في السنوات الماضية. لا لأن هذا الناخب المواطن انتفض تماماً على قناعات أو ترسبات حول الحرية الفردية، بل الأرجح أن ما خاضه في البلد خلال السنوات الثلاث الماضية رتب في ذهنه أولويات على نحو مختلف. هذا إضافة إلى أن واقع الحال جعل الزواج المدني حاضراً في “بيوتات سنية” كثيرة، تقبلته بوصفه بضاعة مستوردة من قبرص. الناخب يعلم أن الأولوية هي لمواجهة السلطة التي نهبت وقتلت.

إقرأوا أيضاً:

“معركة” الزواج المدني مشروعة في أي وقت، وهي جزء طبيعي ضمن مساق التغيير الأكبر والمراجعة الجوهرية لقانون الأحوال الشخصية والذي به تضرب أسس الهيمنة للسلطة الدينية المتحكمة والمتشابكة مع أقانيم السياسة. لكنها اليوم معركة مفتعلة على التغييرين لتشتيت الانتباه، وعليه تكون الإجابة بإبقاء البوصلة نحو الاتجاه الذي يثير قلق هذه المنظومة راهنًا وبشكل مباشر. 

البوصلة تقتضي، أن تتشكل كتلة تغييرية في صلبها نواب17 تشرين، تتصدى لما تسعى السلطة إلى تمريره في الملفات السياسية والاقتصادية الملحة. نواب التغيير، لهم حواضن إن جاز استخدام هذا اللفظ هنا، في مجالات مختلفة وقد وعدتهم بمؤازرتهم من خارج المجلس لاستكمال مسيرة لا زالت في بدايتها فقط. لن تستكين المنظمات وهيئات المجتمع المدني الرافعة مختلف القضايا المتصلة بالأحوال الشخصية أمام الصيحات الأخيرة من السلطة الدينية، تمامًا كما لم تفعل من قبل. لذا يمكن لنواب التغيير الالتفات إلى أولويات الناخب كما حددها. ويقع لاحقًا على عاتقهم الجلوس مع أصحاب الاختصاص، بهدوء وروية، لصياغة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية وفي موازاته قانون منح الجنسية، ينصفنا كمواطنين، ينصفنا كنساء، ينصفنا كأفراد متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون من دون إجحاف لخصوصيتنا وميولنا أو معتقداتنا.

إقرأوا أيضاً:

بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 06.09.2024

“هالسيارة مش عم تمشي”… لكنها الحرب في ميس الجبل وليس في “ميس الريم”!

نعم، لقد تأخر الجنوبيون بالاعتراف أن هذه الحرب ليست نزهة، بل نكبة أخرى، وأنهم سوف يتجرعون مراراتها إلى أجل غير معروف، فالقافلة المغادرة، لا تعني سوى أن جنوبهم وليس ميس الجبل وحدها، على وشك فقدان الحياة.
22.05.2022
زمن القراءة: 4 minutes

ما يبدو أكثر أهمية إلى حد كبير ويمكن البناء عليه بالفعل، هو الناخب الذي لم يستجب للدعوات التي أطلقتها المساجد للامتناع عن اختيار التغييريين، فرقعة الخوف من هاجس التحرر الفردي تنحسر شيئاً فشيئاً.

الزواج المدني  (الاختياري بالنسخة “الملطفة” كما هو متداول)هو عنوان كل مرحلة تحاول فيها السلطة بوجهيها السياسي والديني تشتيت الانتباه عن ضغط باتجاهها مباشرة أو بأي اتجاه يثير قلقها.  

وفي كل مرة ينتهي الأمر بأصوات من دار الفتوى والكنيسة تعلو بوجه علمانيين أو ليبراليين من المطالبين بدولة المدنية، فينكفئ هؤلاء. تطوى الصفحة، ويعود رجال السلطة إلى سلطاتهم ومنافعهم. 

في الظاهر قد لا تبدو هذه المرة مختلفة عن سابقاتها لا من ناحية المنطلق ولا حصراً من ناحية النتيجة والخاتمة. لكن في الجوهر، للنغمة هذه المرة جوانب ومنحنيات كثيرة تستدعي اهتماماً يمكن القول بلا مجازفة إنها تصلح للبناء عليها. 

غصَّت الصفحات الشخصية والمهنية على وسائل التواصل بفيديو الشيخ الذي أباح البصق كفعل أولي يرتقي اعتداءً إلى مستويات عدة من بينها ألا يدفن ثلاثة نواب “سنة” وصلوا إلى المجلس النيابي من خلال خوضهم الانتخابات تحت عنوان التغيير بأجنحة اقتصادية وسياسية وحقوقية مختلفة، مع المسلمين، بل مع “الكفّار”. وذلك على خلفية موقفهم من الزواج المدني الاختياري. 

هذا الشيخ ليس وحده، وهذه الحملة ليست لاحقة، بل سابقة، وفي الوقت نفسه مفتعلة إلى حد بعيد. وإن بدا في الفيديو واقفاً بمفرده، فهذا الشيخ ليس الوحيد في دعوته، بل معه دار الفتوى.

فقد علت قبل الانتخابات من منابر المساجد لا سيما في بيروت دعوات إلى عدم انتخاب مرشحي التغيير الذين بدوا قادرين على المنافسة بقوة في دائرة بيروت الثانية. وهو ما ترجم بوصول اثنين منهم هما ابراهيم منيمنة ووضاح الصادق. أما في الشوف فالمرشحة حليمة قعقور والتي وصلت أيضاً إلى المجلس المنتخب حديثاً، نالت نصيبها أيضاً من الهجوم، قبل الفوز بمقعد سني وبعده، لطرحها خطاباً يختلف عما حاولت ترسيخه خلال قوى الجماعة الإسلامية و”الحزب الاشتراكي” و”تيار المستقبل” على حساب مزاج قديم يساري كان له حضور في بعض القرى في الشوف وإقليم الخروب تحديداً من حيث انطلقت النائبة حالياً. 

لهذا الهجوم عناوين مختلفة، لكن كان لافتاً أنه تركز قبل أيام قليلة من الانتخابات على عنوان محدد، وهو أن هؤلاء التغييرين الذين ترشحوا حينها، ليبراليو الهوى في ما يتعلق بالحقوق الشخصية. تمت شيطنتهم بأنهم سيتركون الحبل على الغارب في ما يخص حرية النساء وحقوق المثليين. لم محاربتهم ممكنة، ولا حتى تأليب “الناخب السني” ضدهم على خلفية طرحهم بخصوص الهم المعيشي أو جريمة مرفأ بيروت أو أي من القضايا التي أصبح البلد والمواطنون فيه في مرحلة ما بعد الانهيار. كان التلويح بـ”وحش الحرية الفردية” الأسهل والرابح بحسب ظنهم. لكنهم أخطأوا تماماً. 

فهؤلاء المرشحون لم يخفوا آراءهم. منهم من كان واضحاً في عدم تأييده معارك تخاض من أجل ضمان حقوق المثليين، ومنهم من كان أكثر تمسكاً بتبنيه خيار الدولة المدنية التي تكفل حقوقاً متساوية للمواطنين من دون استثناء ومن دون إسقاط عنوان الزواج المدني الاختياري. إذاً كان الناخب يعلم من وماذا يختار وعلى حساب ماذا. سقطت دعوات التخويف من مؤيدي الزواج المدني وفاز خيار الناخب الذي جاء جواباً واضحاً من ناحية الأولويات، الاقتصاد والسياسة. 

اللافت أيضاً، أن سبب هذا الضجيج الآن هو سؤال طرح في سياق حلقة تلفزيونية لبرنامج تصلح تسميته برنامج الضوضاء. سؤال رمي في وجه المرشحين على طريقة المباغتة وسط تصفيق حاد وقهقهة مريبة غالباً تخرج من حلق المضيف. تبعثرت أيادي المرشحين وتفاوتت نبرة صوتهم في الإجابة عنه. جاء السؤال في سياق إثبات أن هؤلاء النواب ليسوا على قلب واحد في رؤيتهم، لا برنامج ولا مشروع يجمعهم وأن مصيرهم الافتراق عند أول ناصية في هذا الطريق التشريعي المتعرج كما جرت العادة في لبنان. ما بدا مريباً هو أسلوب طرح السؤال، لا أحقيته أو مشروعيته. لكن مرة أخرى جاءت الإجابات متوقعة، تحديداً من هؤلاء النواب الثلاثة. لم يعبروا عما كان مخفياً قبل انتخابهم. وبهذا المعنى، فإن البناء على وضوح مواقف هؤلاء قبل الانتخاب وبعدها مهم. 

وما يبدو أكثر أهمية إلى حد كبير ويمكن البناء عليه بالفعل، هو الناخب الذي لم يستجب للدعوات التي أطلقتها المساجد للامتناع عن اختيار التغييريين. وذلك لأسباب عدة جعلت رقعة الخوف من هاجس التحرر الفردي تنحسر شيئاً فشيئاً في السنوات الماضية. لا لأن هذا الناخب المواطن انتفض تماماً على قناعات أو ترسبات حول الحرية الفردية، بل الأرجح أن ما خاضه في البلد خلال السنوات الثلاث الماضية رتب في ذهنه أولويات على نحو مختلف. هذا إضافة إلى أن واقع الحال جعل الزواج المدني حاضراً في “بيوتات سنية” كثيرة، تقبلته بوصفه بضاعة مستوردة من قبرص. الناخب يعلم أن الأولوية هي لمواجهة السلطة التي نهبت وقتلت.

إقرأوا أيضاً:

“معركة” الزواج المدني مشروعة في أي وقت، وهي جزء طبيعي ضمن مساق التغيير الأكبر والمراجعة الجوهرية لقانون الأحوال الشخصية والذي به تضرب أسس الهيمنة للسلطة الدينية المتحكمة والمتشابكة مع أقانيم السياسة. لكنها اليوم معركة مفتعلة على التغييرين لتشتيت الانتباه، وعليه تكون الإجابة بإبقاء البوصلة نحو الاتجاه الذي يثير قلق هذه المنظومة راهنًا وبشكل مباشر. 

البوصلة تقتضي، أن تتشكل كتلة تغييرية في صلبها نواب17 تشرين، تتصدى لما تسعى السلطة إلى تمريره في الملفات السياسية والاقتصادية الملحة. نواب التغيير، لهم حواضن إن جاز استخدام هذا اللفظ هنا، في مجالات مختلفة وقد وعدتهم بمؤازرتهم من خارج المجلس لاستكمال مسيرة لا زالت في بدايتها فقط. لن تستكين المنظمات وهيئات المجتمع المدني الرافعة مختلف القضايا المتصلة بالأحوال الشخصية أمام الصيحات الأخيرة من السلطة الدينية، تمامًا كما لم تفعل من قبل. لذا يمكن لنواب التغيير الالتفات إلى أولويات الناخب كما حددها. ويقع لاحقًا على عاتقهم الجلوس مع أصحاب الاختصاص، بهدوء وروية، لصياغة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية وفي موازاته قانون منح الجنسية، ينصفنا كمواطنين، ينصفنا كنساء، ينصفنا كأفراد متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون من دون إجحاف لخصوصيتنا وميولنا أو معتقداتنا.

إقرأوا أيضاً:

22.05.2022
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية