قبل عشرة أيام من تنصيب بايدن، كان عبد الله العودة في منزله في واشنطن يتصفح بريده الإلكتروني عندما ظهرت رسالة تحذيرية على شاشته.
جاء في الرسالة: “ربما اكتشفت غوغل محاولات لسرقة كلمة مرورك من قراصنة مدعومين من الحكومة”، مع نصحه بتعزيز إجراءات الأمن عند استخدام الإنترنت.
على رغم أن التنبيه الأمني الذي أرسلته “غوغل” لم يكشف عن الجهة، فقد كان عبد الله العودة على دراية تامة بالحكومة المسؤولة عن ذلك، تلك التي لطالما ترصده متصيدو الإنترنت التابعون لها على منصات التواصل الاجتماعي، والتي أيضاً تسجن والده الإصلاحي البارز.
عبد الله العودة هو شخصية قيادية في منظمة مقرها الولايات المتحدة تهدف إلى تعزيز جهود الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي. أسس المنظمة، المعروفة باسم “الديموقراطية الآن للعالم العربي” DAWN، الصحافي السعودي جمال خاشقجي، قبل أن يقتله عملاء الحكومة عام 2018. ومنذ ذلك الحين وهي تمارس ضغوطاً على الحاكم الفعلي للبلاد، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من أجل محاسبته على دوره المفترض في عملية القتل.
يقول العودة إنه يعرف خمسة معارضين آخرين تلقوا تحذيرات مماثلة من “غوغل” في الوقت نفسه، وهو ما يوحي بأنه كان هجوماً منسقاً.
مع تولي بايدن مهمات الرئاسة والإشارة إلى أن قضية مقتل خاشقجي تمثل أولوية لإدارته، يرى العودة أن “الحكومة السعودية مُرتعِبة. فهم يخشون من عقد المعارضين السعوديين لقاءات مع صناع القرار، وأن يكون لهم تأثير مجدداً”.
إنما ثمة جانب آخر لذاك الهجوم السيبراني المحتمل، كون “غوغل” هي التي أرسلت التحذير. فقبل ذلك بأيام، عرف العودة بخصوص صفقة وقعتها عملاقة التكنولوجيا لتوفير خدمات الحوسبة السحابية في المملكة العربية السعودية، وهو ما يخشى العودة ومعارضون آخرون من أنه سوف يزيد كثيراً من قدرة الحكومة على استهداف خصومها ومراقبة الأنشطة الرقمية المحلية.
لم يحظ الاتفاق المبرم مع شركة تابعة لعملاقة النفط “أرامكو”، المملوكة للدولة، سوى بالقليل من التغطية الإعلامية، ربما لأن “غوغل” أعلنت عنه قبل عيد الميلاد مباشرة، لضمان عدم متابعة كثيرين الأمر خلال فترة العطلة. ولم يلق ذاك الاتفاق معارضةً ملحوظة أيضاً من موظفي “غوغل” أو نقابتهم المُشكلة حديثاً، وهو ما أثار دهشة بعض المراقبين في عالم التكنولوجيا.
لكن ومع بدء تسرب الأنباء على نطاق أوسع هذا العام، استحوذ الغضب على المنفيين السعوديين الذين فروا من قمع بن سلمان.
قالت لينا الهذلول، التي حظيت شقيقتها لجين باهتمام دولي كبير بسبب نشرها مقاطع فيديو على موقع “يوتيوب” المملوك لشركة “غوغل”، احتجاجاً على حظر قيادة المرأة السيارة، “تساهم غوغل بذلك في تحسين سمعة محمد بن سلمان، بعد عملية قتل جمال خاشقجي”. وقبل إطلاق سراحها في 10 شباط/ فبراير، ظلت لجين في السجن لنحو 3 سنوات – على رغم رفع الحظر على قيادة المرأة السيارة- وهو ما اعتبره المراقبون جهداً منظماً متعمداً لمعاقبتها على التعبير عن رأيها. وقد سُجن معارضون آخرون، مثل المدون رائف بدوي، لفترات أطول من ذلك.
تحدثت الهذلول إلينا من بلجيكا، حيث تعيش الآن في المنفى، واتهمت “غوغل” بوضع نفسها في مكان يسمح لها بمساعدة السلطات السعودية لقمع المعارضة على نطاق أوسع، مضيفةً، “تم اختراق حسابات لجين وتعقبها قبل إلقاء القبض عليها، لذا فإن فكرة سماح شركة غوغل للنظام السعودي باستخدام حواسيبها تبدو صادمة”.
ثمة أدلة متزايدة على تكاثف الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية على الصعيد العالمي لملاحقة خصومها إلكترونياً، مستعينةً في بعض الأحيان ببرامج تجسس إسرائيلية الصنع. وقد اشتملت قائمة المستهدفين على عمر عبد العزيز، أحد الأصوات المعارضة الصريحة في المنفى، وكذلك مؤسس “أمازون” جيف بيزوس، كما يقال.
يعرف أيّ سعودي يتجرأ على انتقاد الدولة على الإنترنت أنه سيواجه سيلاً من الشتائم والإساءات من حشود تبدو محكمة التنظيم من متصيدو الإنترنت الموالين للحكومة، الذين عادة ما يعرفون باسم “الذباب الإلكتروني”. أحد الأسباب التي ربما استُهدف خاشقجي بسببها -مثلما أبرز وثائقي “المنشق” الجديد الذي يستعرض ملابسات اغتياله- هو محاولته تنظيم مقاومة إلكترونية. كانت الخطة، بالتعاون مع عبد العزيز، هي إنشاء جيش من “النحل الإلكتروني”، يتشكل من أنصاره وداعميه، لمواجهة الروايات الرسمية المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي.
نشرت “غوغل” معلومات قليلة حول خططها في السعودية، لكن تم التحقق من اسم عميل بالفعل: موقع “نون”، وهو مشروع إماراتي سعودي مشترك للتسوق عبر الإنترنت، ويعتبر المنافس الإقليمي الرئيس لـ”أمازون”. تخوض “غوغل” معركة عالمية أوسع نطاقاً من أجل إسقاط عملاقة التسوق عبر الإنترنت “أمازون” الرائدة في مجال الحوسبة السحابية. وربما فتحت جريمة قتل جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست”، المجال أمام “غوغل” مع تسببها في إلغاء بيزوس -مالك الصحيفة- مخططات استثمارية في السعودية.
يبدو أن تلبية مطالب المساهمين المتعلقة بنمو الأرباح كانت سبباً في تجاوز المخاطر التي تهدد بالمس بسمعة “غوغل”. وبحسب شريكتها “أرامكو”، فإن سوق الحوسبة السحابية السعودية يمكن أن تبلغ قيمتها ما لا يقل عن 10 مليارات دولار بحلول عام 2030، أي ما يقارب ثلثي عائدات “غوغل” العالمية الحالية من هذا المصدر. بيد أن الشروط والضمانات المالية المتعلقة بكيفية استخدام قوتها الحاسوبية السحابية لا تزال تتسم بالضبابية وتفتقر إلى الشفافية.
في حين يشير البيان الذي أصدرته شركة “أرامكو” حول الصفقة إلى “الحلول المتعددة” التي تقدمها منصة “غوغل” السحابية في مجالات تشمل “الذكاء الاصطناعي”، وخدمات “التحليلات الذكية”، وهي تقنيات تسمح بمعالجة كميات كبيرة من البيانات.
تشمل المبادئ الأساسية التي تستند إليها “غوغل” في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، التزامات بعدم استخدام “تقنيات تجمع المعلومات أو تستخدمها في المراقبة منتهكةً بذلك القواعد المتعارف عليها دولياً” أو “التي يتنافى غرضها مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان المقبولة على نطاق واسع”.
لا يزال من غير الواضح كيف يمكن التمسك بهذه المبادئ من خلال العمل مع الحكومة السعودية التي أظهرت استعدادها لقتل منتقديها. بيد أن “غوغل” لم تستجب لطلب التعليق على هذه المقالة.
ربما تراجع محرك البحث العملاق عن شعار “لا تكن شريراً” الذي تبنته الشركة قبل بضع سنوات، لكن المخاطر لا تزال مرتفعة. قال جاك بولسون، وهو عالم أبحاث سابق في “غوغل”، استقال احتجاجاً على خطة الشركة تطوير محرك بحث في الصين يخضع للرقابة الحكومية، “إن بصمة غوغل في الترويج لنفسها كشركة تقنية تتمتع بقيم أخلاقية تعني أن أفعالها تساعد على وضع معايير هذه الصناعة”. يرى بولسون أنه في أعقاب مقتل خاشقجي، قطعت شركات عالمية كثيرة علاقاتها مع المملكة، وفي الوقت الذي أقدمت فيه بعض الشركات على إعادة هذه العلاقات بالفعل، جعلت “غوغل” الأمر أكثر سهولةً بسبب إقراراها وموافقتها على التعامل مع المملكة. مضيفاً “سيؤدي تشكيل شراكة وثيقة مع المملكة العربية السعودية من دون حدود واضحة إلى المساعدة في وقف العزوف عن التعامل مع حكامها الذي شهدته فترة ما بعد خاشقجي”.
أعرب عاملون سابقون في “غوغل” عن استيائهم من عدم وجود المزيد من المعارضة للصفقة السعودية من داخل الشركة -أو “اتحاد عمال ألفابيت” AWU. في منطقة وادي السيليكون المعادية بشدة للاتحاد، ينطوي تشكيل هذه المنظمة على دلالة رمزية للغاية، لا سيما أنها تمخضت إلى حد كبير من المعارضة لمشاريع سابقة مثيرة للجدل، مثل محرك البحث الصيني، ومشروع الذكاء الاصطناعي لمصلحة وزارة الدفاع الأميركية، وأنظمة المراقبة لمصلحة هيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة.
قالت ميريديث ويتيكر، التي قادت حملة داخلية تعارض عقد مشروع الذكاء الاصطناعي مع وزارة الدفاع قبل الإطاحة بها وطردها من منصبها، “الآن بعدما أصبح هناك اتحاد، نتمنى أن نرى المزيد من التراجع بشأن هذه القضية”. وأبدى بولسون المزيد من التعاطف معرباً عن أنه يتمنى أن يكون صمت “اتحاد عمال ألفابيت” حتى الآن “نتيجة لأنهم ما زالوا في المرحلة الأولى للتأسيس وليس بسبب سياستهم”.
يبدو أن القيود والخطوط الحمر السابقة التي وضعها موظفو “غوغل”، تنطبق مباشرة على المملكة العربية السعودية الآن. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وقع أكثر من 2000 عامل رسالة تدعو الشركة إلى عدم عقد أي صفقات مع منتجي الوقود الأحفوري، كجزء من جهود أوسع للتصدي لتغير المناخ. وعلى صعيد الشركات العالمية، تحمل شركة “أرامكو” السعودية اللقب الإشكالي لأكبر مصدر تلوث في العالم.
في الوقت الحالي، يبدو أن “اتحاد عمال ألفابيت” أكثر انشغالاً بشؤونه الداخلية والسياسات المشتركة بين الاتحادات. فقد صرح تشوي شو، نائب رئيس مجلسه التنفيذي، في رسالة نصية، جاء فيها، “ليس لدينا الوقت لتقديم رد مناسب (على هذه المسألة) للأسف”، مضيفاً أننا في الاتحاد “مشغولون للغاية ببناء هياكلنا. ولن نكون مستعدين للإدلاء ببيانات بشأن مثل هذه القضايا لبضعة أشهر أخرى”.
يبدو أن إدارة بايدن تتحرك بسرعة أكبر. فراهناً، أمرت الولايات المتحدة بتجميد موقت لصفقات أسلحة تبلغ قيمتها بلايين من الدولارات، كان الرئيس ترامب قد عقدها مع بن سلمان. ومن جانبه يدعو عبد الله العودة وغيره من المعارضين في الولايات المتحدة، شركة “غوغل” إلى وقف صفقة خدمات “غوغل” السحابية مع المملكة العربية السعودية.
في ظل الظروف الراهنة، على حد قول العودة، يبدو أن “غوغل تقدم قوتها وقدرتها إلى نظام حكم دكتاتوري وحشي”.
هذا المقال مترجم عن codastory.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.
إقرأوا أيضاً: