fbpx

سدّ النهضة : حروب المياه تهزّ مصر وإثيوبيا والسودان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على وقع فشل المحادثات، تنشغل مصر وإثيوبيا والسودان بالتصريحات والزيارات العدائية والتهديدات المبطنة لقادة البلاد الثلاث. إنها حروب المياه الكامنة في المنطقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“المعركة بتاعتنا معركة تفاوض، لكن أنا بقول للناس كلها محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، وإلا هيبقى فيه حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لن يتخيلها أحد… أقول للأشقاء في اثيوبيا، بلاش إن إحنا نصل لمرحلة إنك أنت تمس نقطة من مياه مصر لأن الخيارات كلها مفتوحة”.

بدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حاسماً في خطابه الذي ألقاه قبل أيام من مفاوضات ما وصف بالفرصة الأخيرة، التي عقدت في كينشاسا برعاية الاتحاد الإفريقي، في محاولة لتجنب خطر نشوب صراع بسبب سدّ النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الازرق، لكن لم يتم إحراز أي تقدم.

 تلويح السيسي بالحرب الممكنة بين مصر وإثيوبيا ردّ عليها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالتلويح بالاستعداد لخوض الخيار العسكري أيضاً. 

وعلى وقع فشل المحادثات، تنشغل مصر وإثيوبيا والسودان بالتصريحات والزيارات العدائية والتهديدات المبطنة لقادة البلاد الثلاث، فتكررت زيارات إلى مصانع عسكرية بموازاة التصريحات عن خيارات مفتوحة في المفاوضات، وأمنيات بالنهايات السعيدة.

 لا حديث صريح عن المواجهة العسكرية إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسريبات “شبه رسمية” لإثارة حماسة الرأي العام، وترهيب الخصم، الذي لا يهدأ، لتبقى التساؤلات بلا إجابات واضحة: هل نشهد حربًا ثلاثية؟ وما “الخيارات المفتوحة” لمصر والسودان؟ وأي دور يلعبه مجلس الأمن في الأوقات الحرجة مثل هذه؟ وما خطورة “الملء الثاني” لسد النهضة؟ 

ما هي خيارات مصر “المفتوحة”؟

بالنسبة الى مصر فإن مشروع السد تهديد لوجودها، إذ تعتمد على مياه النيل لتوفير حوالي 97 بالمئة من مياه الري والشرب. في حين يخشى السودان من تضرر سدوده في حال عمدت إثيوبيا إلى ملء كامل للسد.

في المقابل، تصر إثيوبيا على مواصلة مخططها في ملء السد الصيف المقبل رغم الاحتجاجات المصرية والسودانية. في تموز/يوليو 2020 أعلنت إديس أبابا أنها أنجزت المرحلة الأولى من مشروعها بسعة بلغت 4,9 مليارات متر مكعب، تسمح باختبار أول مضختين في السد.

وتعتبر إثيوبيا أن الطاقة الكهرومائية الناجمة عن السد ستكون حيوية لتلبية حاجات الطاقة لسكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة. فمنذ فترة طويلة وأثيوبيا تسعى لبناء سد يوفر لشعبها الاحتياجات المائية ولكنها لم تقدم فعليا على هذه الخطوة إلا مؤخرا حيث بدأت في بناء السد عام 2011.

رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد يقول إنه بلاده تعول على هذا المشروع لتحقيق طفرة تنموية، نافيا أن تكون “نيته” إلحاق الضرر بمصر،”ما أريد أن يفهمه إخواننا ‘في مصر والسودان’ هو أننا لا نريد أن نعيش في الظلام.. نحن بحاجة إلى مصباح.. لن يضرهم النور بل يمتد إليهم”.

على الجانب المصري، لا تخشى القاهرة فقط من المساس بحصتها من مياه النيل، إنما تتوجس من تحوّل بناء السدود على النهر، الذي يعتبر شريان حياة بالنسبة إلى الدول العشر المطلة عليه، وما يمكن أن يعنيه لجوء دول أخرى ربما الى بناء سدود على نحو ما تفعل اثيوبيا.

لا تزال حقيقة غرق بعض القرى ، نتيجة للملء الأول لسد النهضة، تخيم على أذهان ملايين السودانيين، ويصيبهم بالرعب من الملء الثاني، الذي يكلفهم خسائر بالقوت والسكن والأرواح، ويدمر قرى ومدنًا كاملة بشكل لا يسمح بالوقوف على الحياد بين بلديْن يتجهّزان للحرب.

عملياً، لا تملك مصر، الآن، سوى خياريين قبل اللجوء إلى الحل العسكري. مساعد عبد العاطي، أستاذ القانون الدولي، يعتبر أن اللجوء إلى مجلس الأمن أصبح حتميًا لوقف الملء الثاني لسد النهضة، أو مد فترة الملء لـ3 سنوات مقبلة، ويقول لـ”درج”: “يحق لمصر والسودان، الآن، التقدم بمذكرة لمجلس الأمن، يرويان فيها ما جرى بجولات المفاوضات المستمرة منذ عام 2011، خاصة احترامهما رغبة المجلس السابقة في حل النزاع من بوابة الاتحاد الإفريقي، ويثبتان رغبتهما في حل الأمر وديًا وسلميًا للتوصل إلى اتفاق لملء السد طبقًا للقوانين الدولية، مع التأكيد على إصرار إثيوبيا على إفشاله باستمرار”. 

تستدعي تلك المذكرة، حسب عبد العاطي، تدخلًا رسميًا من مجلس الأمن لإجبار إثيوبيا على تعليق الملء الثاني لسد النهضة، ويمكن أن تؤدي، طبقًا للقوانين الدولية، إلى تجميد السدّ لحين الاتفاق بين الدول المتضررة على جميع النقاط المختلف عليها، وقد تطلب مصر الاستناد إلى اتفاقية الأنهار العابرة للحدود.

وتنصّ الاتفاقية على “تعزيز التعاون والتدابير المتخذة من أجل إدارة المياه السطحية والجوفية وحمايتها، وتشجيع تنفيذ خطط إدارة متكاملة للموارد المائية على مستوى الأحواض، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والوفاء بالالتزامات العالمية الأخرى”. 

تقليديا، لطالما كانت مقاربة السودان ومصر لملف سد النهضة تختلف عن المقاربة الإثيوبية، بدءا من الإطار العام الذي تدور فيه المفاوضات بين الدول الثلاثة. إذ تطالب مصر والسودان بضم كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذا الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأفريقي الذي يرعى المفاوضات، وهو ما ترفضه أديس أبابا.

إقرأوا أيضاً:

كان الاتفاق الأول لملء السد المعروف باسم “إعلان المبادئ” عبارة عن موافقة من دولتي المصب على تشغيل أديس أبابا السد لتوليد الكهرباء، بشرط أن يكونَ هناك اتفاق قانوني بعمليات الملء والتشغيل لكن إثيوبيا خالفت بنود الاتفاق، وأتمّت الملء الأول لخزان السد. الوضع بالنسبة إلى مصر كان مطمئنًا، فواصلت المفاوضات إذ لم تكن متضررة بقدر الضرر الذي وقع على السودان. الوضع حالياً بات أكثر دقة بالنسبة إلى مصر، فالملء الثاني واستمرار عمل السد سيؤثران على المدى البعيد تحديدًا في سنوات الجفاف.

عبر دبلوماسيتها الناعمة، حصلت إثيوبيا على موافقة مصر والسودان عبر اتفاق “إعلان المبادئ”، الذي قام على حطام جميع الاتفاقيات القديمة التي تنظم حصص مياه النيل، وتمنع بناء سدود على مجراه، وبه أصبح لدى إثيوبيا وثيقة موقعة من الجارتين المتضررتين تسمح لها بالحصول على تمويلات وتبرعات لبناء السد، فأنجزته في وقت أسرع مما يجب.

ورقة الضغط الثانية لمصر والسودان، هي الدعوة لوقف التمويل الدولي لسد النهضة، استنادًا إلى عدم قانونية تمويل السدود التي تعاني خلافات دولية، وهو ما حدث – جزئيًا – نهاية عام 2020، حين خفضت الولايات المتحدة 100 مليون دولار من مساعداتها لإثيوبيا، وأبلغ مصدر بالكونغرس الأمريكي رويترز – في رسالة بالبريد الإليكتروني – أن “الولايات المتحدة قررت خفض المساعدات بسبب موقف إثيوبيا من مفاوضات سد النهضة”.

يستبعد مسؤول مصري، طلب عدم نشر اسمه، خطوة الضربة العسكرية للسد الإثيوبي الضخم، فـ”انهياره يعني فيضانًا عنيفًا قد يدمر مدنًا سودانية ومصرية”، ويؤكد أن جولات أخرى لا تزال بانتظار مصر والسودان، بعضها ليس رسميًا، إنما يقوم على الضغط الدولي كي تتراجع أديس أبابا من تلقاء نفسها، فعلى سبيل المثال ممكن إبلاغ حلفاء مصر والسودان بإيقاف أي تعاون مع دولة تستثمر في إثيوبيا أو تتعامل معها، وإغلاق قناة السويس أمام السفن التي تنقل بضائع من أو إلى إثيوبيا. 

لا تخشى القاهرة فقط من المساس بحصتها من مياه النيل، إنما تتوجس من تحوّل بناء السدود على النهر، الذي يعتبر شريان حياة بالنسبة إلى الدول العشر المطلة عليه، وما يمكن أن يعنيه لجوء دول أخرى ربما الى بناء سدود على نحو ما تفعل اثيوبيا.

المستقبل الغامض.. المياه أداة سياسية وعسكرية!

زلة لسان كشفت خططاً تتجه ربما إثيوبيا فعله بالمياه الفائضة عن سعة خزان سد النهضة. قال دينا مفتي، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، لقناة الجزيرة، إن “من حق إثيوبيا بيع المياه الفائضة عن حاجتها بعد الملء الثاني لخزان سد النهضة”. أغلق “دينا” الهاتف، ثم عاود الاتصال بالجزيرة مرة أخرى، ليعدل مسار تصريحاته، قائلًا إنها انحرفت عن سياقها. 

وفي إطار تبادل الاتهامات حول من يتحمل مسؤولية الفشل ترى إثيوبيا أن مفاوضات سد النهضة الأخيرة لم تفشل، إنما “مصر والسودان اتبعتا نهجًا يسعى إلى تقويض العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي”، حسب وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، وهي الدفوع التي تواجه بها إثيوبيا الهجمة المصرية السودانية حتى الآن، وهو ما يمنح التقرير الصادر عن دولة الكونغو الديمقراطية، المستضيفة للمفاوضات بصفتها رئيسًا للاتحاد الإفريقي حاليًا، أهمية كبرى في التحكيم الدولي المنتظر.

تراهن إثيوبيا في خطواتها على قوة علاقتها بالدول المحيطة بها، على عكس مصر والسودان، البعيدتين عن القارة السمراء منذ عقود، وتحديدًا القاهرة، التي قطعت صلاتها بعمقها الإفريقي منذ حادث الاغتيال الذي تعرض له الرئيس الأسبق، حسني مبارك، في إحدى جولاته الإفريقية، فابتعدت على القارة سياسيًا واقتصاديًا فكان لها ما خشته طويلًا، فجذور التخطيط لسد النهضة تعود إلى التسعينيات، بينما تجاهل مبارك الأمر على اعتبار الدول الإفريقية لا تملك القوة الكافية للخروج عن طوع مصر، ووصلت إلى الذروة باتفاق “عنتيبي” قبل ثورة الخامس والعشرين يناير بقليل، حيث وقعت عليه 6 دول في عام 2010، ويلغي نصيب مصر الحالي من مياه النيل، ويفرض التقسيم العادل للمياه بين جميع الدول التي يمرّ بها، وهو ما فتح الطريق للتطورات التي بدأت منذ عام 2011، لتبدأ إثيوبيا في إنشاء السد فعليًا، ويصل الأمر إلى المستقبل الغامض الذي يحيط به الآن.

إقرأوا أيضاً:

أدى الملء الأول للسد عام 2011 لما يقارب أسبوعًا من العطش في السودان، حسب تصريح لوزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، التي ترى أن إثيوبيا لا تضع حسابًا للتحذيرات من خطورة ملء السد، رغم أن سعة الملء الأول لا تتجاوز 5 مليار متر مكعب من المياه، بينما يبلغ الملء الثاني نحو 13 مليار متر مكعب، ما يعني عطشًا طويلًا، إضافة إلى فيضانًا هائلًا وعنيفًا يغرق مدنًا ويقتل آلافًا في السودان، كما يقول عباس شراقي، خبير الموارد المائية المصري، لـ”درج”، كما أن نقص 5 مليون متر مكعب، بالنسبة إلى مصر، يعني “تبوير مليون فداناً زراعيا”.

لا تزال حقيقة غرق بعض القرى، نتيجة للملء الأول لسد النهضة، تخيم على أذهان ملايين السودانيين، ويصيبهم بالرعب من الملء الثاني، الذي يكلفهم خسائر بالقوت والسكن والأرواح، ويدمر قرى ومدنًا كاملة بشكل لا يسمح بالوقوف على الحياد بين بلديْن يتجهّزان للحرب.

تعتمد مصر على النيل لتوفير حوالى 97% من مياه الري والشرب، ويقول محمد نصر علام، وزير الري المصري السابق، إن استمرار إثيوبيا في الملء الثاني– دون اتفاق – يستنفد المخزون المائي للسد العالي ليؤدي إلى عطش بعض الأراضي الزراعية جنوبي مصر. بحسبفه فهذا السد قد يكلف القاهرة خسارة أغلب مياهها، ويمنح أديس أبابا حرية التحكم في “المحبس” الذي يمرر المياه إلى القاهرة والخرطوم مستقبلًا، ما يعني أنه بامكان اثيوبيا ان تغلق بوابة السد أو تفتحها لدولتي المصب (مصر والسودان) حسب المزاج السياسيّ والاقتصاديّ. سبق أن فعل ذلك الملك الإثيوبي دويت الثاني، حين هدد سلاطنة المماليك، الذين حكموا مصر خلال القرن الخامس عشر، بحجز مياه النيل عنهم، ليصبح ذلك التهديد مسلسلًا مكررًا.

الحرب قادمة؟

يستبعد كثيرون الحرب كحلّ لأزمة سد النهضة، فالضربة العسكرية يجب أن تكون وشيكة، لتسبق الملء الثاني لخزان السد، لكن.. هل مصر قادرة على الحرب؟

ربما نعم، فمصر تمتلك طائرات من طرازات متطورة كالرافال والسوخوي، التي تحمل نحو 9 أطنان من الصواريخ والقذائف، وقد افتتحت قاعدة برنيس العسكرية على حدود السودان، لتصبح بالقرب من الهدف المحتمل، فضلًا عن تواجد بعض طائراتها بقاعدة مروى الجوية السودانية برفقة قوات صاعقة مصرية وسودانية يمكن أن تتورط في إنزال بري بمنطقة سد النهضة لتنفيذ عملية نوعية تستهدف تعطيله، وتجنب تكلفة انهياره، التي تكلف القاهرة والخرطوم فيضانًا مندفعًا. 

يتفوق الجيش المصري على نظيره الإثيوبي، الذي يحتل المرتبة الستين من بين أقوى الجيوش في العالم، بينما تحتل مصر المرتبة الثالثة عشر

لكن الحروب لا تقوم على أساس موازين القوى العسكرية فقط، ففي أول زيارة للرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، إلى إثيوبيا، قال إن أمنها “مضمون بالولايات المتحدة الأمريكية”، ويوضح اللواء محمد إبراهيم، الخبير الإستراتيجي المصري، مغزى هذه الزيارة، قائلًا إن ضرب إثيوبيا يحمل تهديدًا لمصالح دول كبرى على أرضها، ويضيف: هذه الدول لن تسمح بوقوع حرب، وربما إثيوبيا تناور حتى اللحظة الأخيرة لتصل إلى أكبر قدر من المكاسب، لكن اللجوء إلى حل عسكري مرهون بموافقة مجلس الأمن.

مصر والسودان منحتا أديس أبابا الحق في بناء السد وتشغيله عبر اتفاقية المبادئ، وهو ما يجعل موقفهما حيال شنّ هجوم عسكري أمراً محفوفاً بالمخاطر، بحسب اللواء ابراهيم، الذي يؤكد على عدم نية مصر خوض حروب لعدم جاهزيتها الشعبية والنفسية والاقتصادية لمثل هذا النوع من المجازفات، ليبقى الأمر بالكامل في يد الوساطات الدولية. بحسبه فإن النغمة العنيفة التي تتبعها مصر مؤخرًا، ما هي إلا رسائل موجّهة إلى دولٍ أخرى للتدخل وحسم الصراع.

إقرأوا أيضاً:

11.04.2021
زمن القراءة: 8 minutes

على وقع فشل المحادثات، تنشغل مصر وإثيوبيا والسودان بالتصريحات والزيارات العدائية والتهديدات المبطنة لقادة البلاد الثلاث. إنها حروب المياه الكامنة في المنطقة.

“المعركة بتاعتنا معركة تفاوض، لكن أنا بقول للناس كلها محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، وإلا هيبقى فيه حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لن يتخيلها أحد… أقول للأشقاء في اثيوبيا، بلاش إن إحنا نصل لمرحلة إنك أنت تمس نقطة من مياه مصر لأن الخيارات كلها مفتوحة”.

بدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حاسماً في خطابه الذي ألقاه قبل أيام من مفاوضات ما وصف بالفرصة الأخيرة، التي عقدت في كينشاسا برعاية الاتحاد الإفريقي، في محاولة لتجنب خطر نشوب صراع بسبب سدّ النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الازرق، لكن لم يتم إحراز أي تقدم.

 تلويح السيسي بالحرب الممكنة بين مصر وإثيوبيا ردّ عليها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالتلويح بالاستعداد لخوض الخيار العسكري أيضاً. 

وعلى وقع فشل المحادثات، تنشغل مصر وإثيوبيا والسودان بالتصريحات والزيارات العدائية والتهديدات المبطنة لقادة البلاد الثلاث، فتكررت زيارات إلى مصانع عسكرية بموازاة التصريحات عن خيارات مفتوحة في المفاوضات، وأمنيات بالنهايات السعيدة.

 لا حديث صريح عن المواجهة العسكرية إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسريبات “شبه رسمية” لإثارة حماسة الرأي العام، وترهيب الخصم، الذي لا يهدأ، لتبقى التساؤلات بلا إجابات واضحة: هل نشهد حربًا ثلاثية؟ وما “الخيارات المفتوحة” لمصر والسودان؟ وأي دور يلعبه مجلس الأمن في الأوقات الحرجة مثل هذه؟ وما خطورة “الملء الثاني” لسد النهضة؟ 

ما هي خيارات مصر “المفتوحة”؟

بالنسبة الى مصر فإن مشروع السد تهديد لوجودها، إذ تعتمد على مياه النيل لتوفير حوالي 97 بالمئة من مياه الري والشرب. في حين يخشى السودان من تضرر سدوده في حال عمدت إثيوبيا إلى ملء كامل للسد.

في المقابل، تصر إثيوبيا على مواصلة مخططها في ملء السد الصيف المقبل رغم الاحتجاجات المصرية والسودانية. في تموز/يوليو 2020 أعلنت إديس أبابا أنها أنجزت المرحلة الأولى من مشروعها بسعة بلغت 4,9 مليارات متر مكعب، تسمح باختبار أول مضختين في السد.

وتعتبر إثيوبيا أن الطاقة الكهرومائية الناجمة عن السد ستكون حيوية لتلبية حاجات الطاقة لسكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة. فمنذ فترة طويلة وأثيوبيا تسعى لبناء سد يوفر لشعبها الاحتياجات المائية ولكنها لم تقدم فعليا على هذه الخطوة إلا مؤخرا حيث بدأت في بناء السد عام 2011.

رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد يقول إنه بلاده تعول على هذا المشروع لتحقيق طفرة تنموية، نافيا أن تكون “نيته” إلحاق الضرر بمصر،”ما أريد أن يفهمه إخواننا ‘في مصر والسودان’ هو أننا لا نريد أن نعيش في الظلام.. نحن بحاجة إلى مصباح.. لن يضرهم النور بل يمتد إليهم”.

على الجانب المصري، لا تخشى القاهرة فقط من المساس بحصتها من مياه النيل، إنما تتوجس من تحوّل بناء السدود على النهر، الذي يعتبر شريان حياة بالنسبة إلى الدول العشر المطلة عليه، وما يمكن أن يعنيه لجوء دول أخرى ربما الى بناء سدود على نحو ما تفعل اثيوبيا.

لا تزال حقيقة غرق بعض القرى ، نتيجة للملء الأول لسد النهضة، تخيم على أذهان ملايين السودانيين، ويصيبهم بالرعب من الملء الثاني، الذي يكلفهم خسائر بالقوت والسكن والأرواح، ويدمر قرى ومدنًا كاملة بشكل لا يسمح بالوقوف على الحياد بين بلديْن يتجهّزان للحرب.

عملياً، لا تملك مصر، الآن، سوى خياريين قبل اللجوء إلى الحل العسكري. مساعد عبد العاطي، أستاذ القانون الدولي، يعتبر أن اللجوء إلى مجلس الأمن أصبح حتميًا لوقف الملء الثاني لسد النهضة، أو مد فترة الملء لـ3 سنوات مقبلة، ويقول لـ”درج”: “يحق لمصر والسودان، الآن، التقدم بمذكرة لمجلس الأمن، يرويان فيها ما جرى بجولات المفاوضات المستمرة منذ عام 2011، خاصة احترامهما رغبة المجلس السابقة في حل النزاع من بوابة الاتحاد الإفريقي، ويثبتان رغبتهما في حل الأمر وديًا وسلميًا للتوصل إلى اتفاق لملء السد طبقًا للقوانين الدولية، مع التأكيد على إصرار إثيوبيا على إفشاله باستمرار”. 

تستدعي تلك المذكرة، حسب عبد العاطي، تدخلًا رسميًا من مجلس الأمن لإجبار إثيوبيا على تعليق الملء الثاني لسد النهضة، ويمكن أن تؤدي، طبقًا للقوانين الدولية، إلى تجميد السدّ لحين الاتفاق بين الدول المتضررة على جميع النقاط المختلف عليها، وقد تطلب مصر الاستناد إلى اتفاقية الأنهار العابرة للحدود.

وتنصّ الاتفاقية على “تعزيز التعاون والتدابير المتخذة من أجل إدارة المياه السطحية والجوفية وحمايتها، وتشجيع تنفيذ خطط إدارة متكاملة للموارد المائية على مستوى الأحواض، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والوفاء بالالتزامات العالمية الأخرى”. 

تقليديا، لطالما كانت مقاربة السودان ومصر لملف سد النهضة تختلف عن المقاربة الإثيوبية، بدءا من الإطار العام الذي تدور فيه المفاوضات بين الدول الثلاثة. إذ تطالب مصر والسودان بضم كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذا الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأفريقي الذي يرعى المفاوضات، وهو ما ترفضه أديس أبابا.

إقرأوا أيضاً:

كان الاتفاق الأول لملء السد المعروف باسم “إعلان المبادئ” عبارة عن موافقة من دولتي المصب على تشغيل أديس أبابا السد لتوليد الكهرباء، بشرط أن يكونَ هناك اتفاق قانوني بعمليات الملء والتشغيل لكن إثيوبيا خالفت بنود الاتفاق، وأتمّت الملء الأول لخزان السد. الوضع بالنسبة إلى مصر كان مطمئنًا، فواصلت المفاوضات إذ لم تكن متضررة بقدر الضرر الذي وقع على السودان. الوضع حالياً بات أكثر دقة بالنسبة إلى مصر، فالملء الثاني واستمرار عمل السد سيؤثران على المدى البعيد تحديدًا في سنوات الجفاف.

عبر دبلوماسيتها الناعمة، حصلت إثيوبيا على موافقة مصر والسودان عبر اتفاق “إعلان المبادئ”، الذي قام على حطام جميع الاتفاقيات القديمة التي تنظم حصص مياه النيل، وتمنع بناء سدود على مجراه، وبه أصبح لدى إثيوبيا وثيقة موقعة من الجارتين المتضررتين تسمح لها بالحصول على تمويلات وتبرعات لبناء السد، فأنجزته في وقت أسرع مما يجب.

ورقة الضغط الثانية لمصر والسودان، هي الدعوة لوقف التمويل الدولي لسد النهضة، استنادًا إلى عدم قانونية تمويل السدود التي تعاني خلافات دولية، وهو ما حدث – جزئيًا – نهاية عام 2020، حين خفضت الولايات المتحدة 100 مليون دولار من مساعداتها لإثيوبيا، وأبلغ مصدر بالكونغرس الأمريكي رويترز – في رسالة بالبريد الإليكتروني – أن “الولايات المتحدة قررت خفض المساعدات بسبب موقف إثيوبيا من مفاوضات سد النهضة”.

يستبعد مسؤول مصري، طلب عدم نشر اسمه، خطوة الضربة العسكرية للسد الإثيوبي الضخم، فـ”انهياره يعني فيضانًا عنيفًا قد يدمر مدنًا سودانية ومصرية”، ويؤكد أن جولات أخرى لا تزال بانتظار مصر والسودان، بعضها ليس رسميًا، إنما يقوم على الضغط الدولي كي تتراجع أديس أبابا من تلقاء نفسها، فعلى سبيل المثال ممكن إبلاغ حلفاء مصر والسودان بإيقاف أي تعاون مع دولة تستثمر في إثيوبيا أو تتعامل معها، وإغلاق قناة السويس أمام السفن التي تنقل بضائع من أو إلى إثيوبيا. 

لا تخشى القاهرة فقط من المساس بحصتها من مياه النيل، إنما تتوجس من تحوّل بناء السدود على النهر، الذي يعتبر شريان حياة بالنسبة إلى الدول العشر المطلة عليه، وما يمكن أن يعنيه لجوء دول أخرى ربما الى بناء سدود على نحو ما تفعل اثيوبيا.

المستقبل الغامض.. المياه أداة سياسية وعسكرية!

زلة لسان كشفت خططاً تتجه ربما إثيوبيا فعله بالمياه الفائضة عن سعة خزان سد النهضة. قال دينا مفتي، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، لقناة الجزيرة، إن “من حق إثيوبيا بيع المياه الفائضة عن حاجتها بعد الملء الثاني لخزان سد النهضة”. أغلق “دينا” الهاتف، ثم عاود الاتصال بالجزيرة مرة أخرى، ليعدل مسار تصريحاته، قائلًا إنها انحرفت عن سياقها. 

وفي إطار تبادل الاتهامات حول من يتحمل مسؤولية الفشل ترى إثيوبيا أن مفاوضات سد النهضة الأخيرة لم تفشل، إنما “مصر والسودان اتبعتا نهجًا يسعى إلى تقويض العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي”، حسب وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، وهي الدفوع التي تواجه بها إثيوبيا الهجمة المصرية السودانية حتى الآن، وهو ما يمنح التقرير الصادر عن دولة الكونغو الديمقراطية، المستضيفة للمفاوضات بصفتها رئيسًا للاتحاد الإفريقي حاليًا، أهمية كبرى في التحكيم الدولي المنتظر.

تراهن إثيوبيا في خطواتها على قوة علاقتها بالدول المحيطة بها، على عكس مصر والسودان، البعيدتين عن القارة السمراء منذ عقود، وتحديدًا القاهرة، التي قطعت صلاتها بعمقها الإفريقي منذ حادث الاغتيال الذي تعرض له الرئيس الأسبق، حسني مبارك، في إحدى جولاته الإفريقية، فابتعدت على القارة سياسيًا واقتصاديًا فكان لها ما خشته طويلًا، فجذور التخطيط لسد النهضة تعود إلى التسعينيات، بينما تجاهل مبارك الأمر على اعتبار الدول الإفريقية لا تملك القوة الكافية للخروج عن طوع مصر، ووصلت إلى الذروة باتفاق “عنتيبي” قبل ثورة الخامس والعشرين يناير بقليل، حيث وقعت عليه 6 دول في عام 2010، ويلغي نصيب مصر الحالي من مياه النيل، ويفرض التقسيم العادل للمياه بين جميع الدول التي يمرّ بها، وهو ما فتح الطريق للتطورات التي بدأت منذ عام 2011، لتبدأ إثيوبيا في إنشاء السد فعليًا، ويصل الأمر إلى المستقبل الغامض الذي يحيط به الآن.

إقرأوا أيضاً:

أدى الملء الأول للسد عام 2011 لما يقارب أسبوعًا من العطش في السودان، حسب تصريح لوزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، التي ترى أن إثيوبيا لا تضع حسابًا للتحذيرات من خطورة ملء السد، رغم أن سعة الملء الأول لا تتجاوز 5 مليار متر مكعب من المياه، بينما يبلغ الملء الثاني نحو 13 مليار متر مكعب، ما يعني عطشًا طويلًا، إضافة إلى فيضانًا هائلًا وعنيفًا يغرق مدنًا ويقتل آلافًا في السودان، كما يقول عباس شراقي، خبير الموارد المائية المصري، لـ”درج”، كما أن نقص 5 مليون متر مكعب، بالنسبة إلى مصر، يعني “تبوير مليون فداناً زراعيا”.

لا تزال حقيقة غرق بعض القرى، نتيجة للملء الأول لسد النهضة، تخيم على أذهان ملايين السودانيين، ويصيبهم بالرعب من الملء الثاني، الذي يكلفهم خسائر بالقوت والسكن والأرواح، ويدمر قرى ومدنًا كاملة بشكل لا يسمح بالوقوف على الحياد بين بلديْن يتجهّزان للحرب.

تعتمد مصر على النيل لتوفير حوالى 97% من مياه الري والشرب، ويقول محمد نصر علام، وزير الري المصري السابق، إن استمرار إثيوبيا في الملء الثاني– دون اتفاق – يستنفد المخزون المائي للسد العالي ليؤدي إلى عطش بعض الأراضي الزراعية جنوبي مصر. بحسبفه فهذا السد قد يكلف القاهرة خسارة أغلب مياهها، ويمنح أديس أبابا حرية التحكم في “المحبس” الذي يمرر المياه إلى القاهرة والخرطوم مستقبلًا، ما يعني أنه بامكان اثيوبيا ان تغلق بوابة السد أو تفتحها لدولتي المصب (مصر والسودان) حسب المزاج السياسيّ والاقتصاديّ. سبق أن فعل ذلك الملك الإثيوبي دويت الثاني، حين هدد سلاطنة المماليك، الذين حكموا مصر خلال القرن الخامس عشر، بحجز مياه النيل عنهم، ليصبح ذلك التهديد مسلسلًا مكررًا.

الحرب قادمة؟

يستبعد كثيرون الحرب كحلّ لأزمة سد النهضة، فالضربة العسكرية يجب أن تكون وشيكة، لتسبق الملء الثاني لخزان السد، لكن.. هل مصر قادرة على الحرب؟

ربما نعم، فمصر تمتلك طائرات من طرازات متطورة كالرافال والسوخوي، التي تحمل نحو 9 أطنان من الصواريخ والقذائف، وقد افتتحت قاعدة برنيس العسكرية على حدود السودان، لتصبح بالقرب من الهدف المحتمل، فضلًا عن تواجد بعض طائراتها بقاعدة مروى الجوية السودانية برفقة قوات صاعقة مصرية وسودانية يمكن أن تتورط في إنزال بري بمنطقة سد النهضة لتنفيذ عملية نوعية تستهدف تعطيله، وتجنب تكلفة انهياره، التي تكلف القاهرة والخرطوم فيضانًا مندفعًا. 

يتفوق الجيش المصري على نظيره الإثيوبي، الذي يحتل المرتبة الستين من بين أقوى الجيوش في العالم، بينما تحتل مصر المرتبة الثالثة عشر

لكن الحروب لا تقوم على أساس موازين القوى العسكرية فقط، ففي أول زيارة للرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، إلى إثيوبيا، قال إن أمنها “مضمون بالولايات المتحدة الأمريكية”، ويوضح اللواء محمد إبراهيم، الخبير الإستراتيجي المصري، مغزى هذه الزيارة، قائلًا إن ضرب إثيوبيا يحمل تهديدًا لمصالح دول كبرى على أرضها، ويضيف: هذه الدول لن تسمح بوقوع حرب، وربما إثيوبيا تناور حتى اللحظة الأخيرة لتصل إلى أكبر قدر من المكاسب، لكن اللجوء إلى حل عسكري مرهون بموافقة مجلس الأمن.

مصر والسودان منحتا أديس أبابا الحق في بناء السد وتشغيله عبر اتفاقية المبادئ، وهو ما يجعل موقفهما حيال شنّ هجوم عسكري أمراً محفوفاً بالمخاطر، بحسب اللواء ابراهيم، الذي يؤكد على عدم نية مصر خوض حروب لعدم جاهزيتها الشعبية والنفسية والاقتصادية لمثل هذا النوع من المجازفات، ليبقى الأمر بالكامل في يد الوساطات الدولية. بحسبه فإن النغمة العنيفة التي تتبعها مصر مؤخرًا، ما هي إلا رسائل موجّهة إلى دولٍ أخرى للتدخل وحسم الصراع.

إقرأوا أيضاً: