fbpx

“سرقة القرن” في العراق: خمس شركات تستولي على 2.5 مليار دولار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجريمة المنظمة التي التهمت خلال 11 شهرا مبلغ 2.5 مليار دولار من الهيئة العامة للضرائب، وقعت حين كان عشرات آلاف العراقيين يعتصمون ويتظاهرون للمطالبة بالإصلاح وانهاء الفساد وحكومات في بلد ربع سكانه يعيشون تحت خط الفقر

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أواخر 2021 وبينما كان العراقيون يتطلعون إلى تشكيل حكومة جديدة تتصدى للفساد الذي أوصل الدولة الى حافة الانهيار، وحين كانت أكبر جبهتين سياسيتين أفرزتهما نتائج الانتخابات المبكرة تتصارعان لنحو عام على تشكيل حكومة(أغلبية) كما أرادها التيار الصدري أو(توافقية)كما سعى إليها الإطار التنسيقي، كان مسؤولون كبار يعملون على إتمام أكبر عملية سرقة للمال العام في تاريخ العراق.

الجريمة المنظمة التي التهمت خلال 11 شهرا مبلغ 2.5 مليار دولار من الهيئة العامة للضرائب، وقعت حين كان عشرات آلاف العراقيين يعتصمون ويتظاهرون للمطالبة بالإصلاح وانهاء الفساد وحكومات (محاصصة المغانم) في بلد ربع سكانه يعيشون تحت خط الفقر وينتظرون تحسين أوضاعهم المعيشية وتطوير الخدمات بالاستفادة من الوفرة المالية التي أمّنها ارتفاع أسعار النفط. 

تم اكتشاف ما بات يعرف في العراق اليوم بـ”سرقة القرن” بعد شهرين من استقالة وزير المالية السابق علي علاوي، التي جاءت إثر تداعيات فضيحة فساد في عقد تعويض شركة أهلية للنظم وخدمات الدفع الإلكتروني (بوابة عشتار) بمبلغ 600 مليون دولار من قبل مصرف الرافدين، وبعد أيام من قرار قضائي بوقف صرف نحو 50 مليون دولار، لمكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

16 متهماً تدور حولهم الشبهات ويخضعون للتحقيق بتشكيل شبكة تمتد خيوطها من مجلس النواب الى مجلس الوزراء وصولاً إلى الهيئة العامة للضرائب ووزارة المالية، بحسب تصريحات نواب ومتابعين للملف أشاروا إلى أن المبلغ المسروق الذي يوازي نحو ربع موازنة دولة جارة للعراق، تم استخدامه لشراء نحو 100 عقار بأسعار مبالغ فيها.

تم اكتشاف ما بات يعرف في العراق اليوم بـ“سرقة القرن” بعد شهرين من استقالة وزير المالية السابق علي علاوي، التي جاءت إثر تداعيات فضيحة فساد في عقد تعويض شركة أهلية للنظم وخدمات الدفع الإلكتروني

تحقيقات أولية

بعد ساعات من كشف الخيوط الأولى للقضية، توالت البيانات من الجهات المختلفة (القضائية، والحكومية، والتشريعية) المعنية بالأموال المسروقة والجهات التي تحقق فيها، لاعلان مواقفها واجراءاتها.

كان آخرها إصدار بيان من مجلس القضاء الأعلى، تضمن إصدار محكمة تحقيق الكرخ الثانية المختصة بقضايا النزاهة في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 أمر استقدام عضو من اللجنة المالية في مجلس النواب للدورة السابقة، دون أن يشير البيان إلى اسمه.

سبق أمر الاستقدام ذلك، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، أمر استقدام آخر من ذات المحكمة بحق مدير عام الهيئة العامة للضرائب عبد الستار هاشم علي ومعاونه وعدد من الموظفين في القسم المالي على خلفية سرقة (3.7) ترليون دينار عراقي، ما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار، من حساب الأمانات الخاصة بالهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين، من الفترة الممتدة بين 9 أيلول/ سبتمبر 2021 وحتى 11 آب/أغسطس 2022.

مجلس القضاء الأعلى أكد في بيان آخر صدر عنه بأن الاستقدام تم بناء على المادة 340 من قانون العقوبات العراقي بتهمة إحداث ضرر متعمد بأموال عائدة لوزارة المالية. وان مذكرات قبض صدرت بحق أصحاب شركات متورطة بالاستيلاء على تلك الأموال ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها المصرفية، فضلاً عن تشكيل لجنة تدقيقية مشتركة من وزارة المالية والهيئة العامة للضرائب ومصرف الرافدين وهيئة النزاهة لتدقيق المبالغ المصروفة.

C:\Users\Ster\OneDrive\Desktop\كتاب مجلس القضاء الاعلى.jpg

وخلاصة هذه القضية نجدها في كتاب حمل الرقم 111 أرسلته وزارة المالية في العاشر من تشرين الثاني/ أكتوبر 2022، إلى مجلس النواب العراقي بناءً على طلب من اللجنة المالية فيها، حمل عنوان “سري”، مرفق بدورهِ مع تقرير تدقيقي مفصل نظمته الهيئة العامة للضرائب وحمل توقيع نائب المدير العام عبد الستار هاشم علي.

 تضمن التقرير رقم 61 س/1647 معلومات تفصيلية عن المبالغ المسروقة من حساب الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين والجهات المسؤولة عن صرفها والأخرى المستولية عليها. 

وأفرد نتائج كشفت عن أرقام ومبالغ صكوك مالية ومخاطبات موجهة من الهيئة العامة للضرائب مع صور كشوفات الحسابات المصرفية ووكالات عامة ومستمسكات شخصية رسمية للذين استولوا على أمانات الضرائب.

وتبين من خلال تلك النتائج سحب مبلغ مقداره 3،701،380،882،000(ثلاثة ترليون وسبعمائة وواحد مليار وثلاثمائة وثمانون مليون وثمانمائة واثنين وثمانين ألف دينار)من حساب الأمانات الخاصة للهيئة العامة للضرائب الذي يحمل الرقم 60032 في مصرف الرافدين، مودعة في فرعين هما(الأحرار والضرائب) وذلك من الفترة بين 9 أيلول/سبتمبر 2021 و11آب/أغسطس 2022.

وقد تم السحب عبر 247 صكاً مصرفياً لصالح خمس شركات هي: القانت للمقاولات العامة، الحوت الأحدب للتجارة العامة، رياح بغداد للتجارة العامة، المبدعون للخدمات النفطية، بادية المساء للتجارة العامة.

وتوصل التدقيق إلى أن أياً من هذه الشركات (الصغيرة والحديثة الإنشاء) لا تملك أمانات ضريبية وليس لديها توكيل من طرف ثالث لسحب أمانات ضريبية. وأن الصكوك المحررة غير مقيدة في حسابات هيئة الضرائب، وقد تم سحب مبالغها فور إيداعها لدى مصرف الرافدين.

ويشير التقرير، في استنتاج نهائي إلى أن مبلغ الأمانات المودعة في حسابات الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب قد سرق، بعد أن سحب من قبل مخولين من الشركات الخمس، وأن صكوكها قد نظمت من قبل الإدارة السابقة للهيئة والأقسام المختصة فيها خلافاً للقانون ودون استحقاق. 


الأمانات الضريبة

 ويبيّن تقرير الهيئة العامة للضرائب ماهية الأمانات الضريبية، بأنها مبالغ تستقطع من المقاولين والمجهزين سواءً أكانوا شركات أم أفرادا، والاستقطاع يكون من قبل رب العمل عند تسديد السلف المتحققة لشركات أو أفراد عن طريق إنجاز أعمالها والتي يتم تحويلها الى القسم المالي في مركز الهيئة في حسابات الأمانات.

ويبين كذلك آلية رد مبلغ الأمانات الضريبية الفائضة بأن يقدم المكلف شركةً أو فرداً، طلباً يعرف بـ”رد مبلغ”، يوضح فيه المقدار المطلوب رده وسبب الطلب، ومن ثم يتم دفع الرسوم الخاصة بالطلب ويسجل في سجل الوارد لواحد من القسمين المعنيين وهما: الشركات أو كبار المكلفين.

ويفترض أن يحتوي الطلب الشعار الخاص بالشركة وأن يوقع من قبل صاحب العلاقة كالمدير المفوض أو وكيله مع إرفاق الوكالة وصحة صدورها. وبعد ذلك يمر الطلب بسلسلة من الإجراءات المعقدة يشير إليها التقرير بإسهاب ليبين صعوبة الاستيلاء على تلك المبالغ لولا وجود من سهل الأمر. 

ثم يظهر تقرير الهيئة بوضوح تام من قام بتسهيل الأمر، وذلك من خلال إشارته إلى أن مكتب رئاسة الوزراء كان قد كلف في 2017 ديوان الرقابة المالية بتدقيق جميع معاملات إعادة مبالغ الأمانات الضريبية والجمركية من تاريخ 1 كانون الثاني/يناير2015.

وأشار كذلك إلى اقتراحاً قدم من اللجنة المالية في مجلس النواب إلى وزارة المالية بأن يتم التدقيق من قبل الهيئة العامة للضرائب. وإلى طلب تقدم به المدير السابق لهيئة الضرائب إلى وزارة المالية في آب/ أغسطس 2021 بحصر التدقيق بهيئته دون حاجة إلى إشراك ديوان الرقابة المالية. وحصل الطلب على موافقة من وزير المالية وقتها.

ويتضح من خلال كشف حساب هيئة الضرائب في مصرف الرافدين فرع الضرائب، أن الشركات الخمس تقاسمت المبالغ التالية فيما بينها بعد سحب الصكوك الصادرة من الهيئة العامة للضرائب: 

شركة الحوت الأحدب للتجارة العامة محدودة المسؤولية (982)مليار دينار،  شركة رياح بغداد للتجارة للتجارة العامة محدودة المسؤولية(477)مليار دينار، شركة القانت للمقاولات العامة المحدودة(1،185)ترليون دينار، شركة المبدعون للخدمات النفطية المحدودة(433.15)مليار دينار، شركة بادية المساء للتجارة العامة محدودة المسؤولية(624)مليار دينار. 

ويكرر التقرير توصله إلى نتيجة مفادها، أن المبالغ هذه قد سرقت من الشركات الخمس بموجب الصكوك التي حررت لصالحها من قبل الهيئة العامة للضرائب دون أن تذهب إلى أصحاب حق استرداد الأمانات الضريبية الحقيقيين أو تذهب كإيراد إلى الخزينة العامة للدولة بموجب القوانين النافذة. 

وعن أثر الصكوك المحررة على حسابات الهيئة العامة للضرائب، كان قسم المحاسبة في الهيئة قد أكد في تقرير ماليٍ صدر عنه في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2022 أن رصيد حساب الأمانات قدره  3،531،501،703،289(ثلاثة ترليون وخمسمائة وواحد وثلاثين مليارا وخمسمائة وواحد مليون وسبعمائة وثلاثة آلاف ومائتان وتسعة وثمانون دينار).

بينما الرصيد الفعلي المتبقي هو 145،050،309،732(مئة وخمسة وأربعون مليار وخمسون مليون وثلاث مائة وتسعة ألف وسبعمائة واثنان وثلاثون دينار).

موظفون متواطئون

ويعود تقرير الهيئة العامة للضرائب، ليركز على الطريقة التي استولت بها الشركات الخمس على مبالغ الأمانات، من خلال تنظيمها لمعاملات رد الأمانات بتوقيع معاون المدير العام السابق الذي كان مسؤولاً عن قسم الرقابة وكبار المكلفين دون وجود أية مستندات أولية أصولية لتلك المعاملات. 

وتم بعدها إصدار موافقة صورية على رد المبالغ من قبل قسم الرقابة، وتنظيم صكوك بها من قبل المخولين في القسم المالي وهم كل من(مدير القسم المالي ووكيله ومسؤول شعبة الأمانات). 

وتم تسليم كل واحدة من تلك الشركات الصك الذي يحمل اسمها وقام ممثلوها بإيداعها حساباتهم بفروع مصرف الرافدين، وقامت تلك الفروع بإرسال إشعار إلى فرع الضريبة في ذات المصرف والذي فيه حسابات الأمانات للهيئة العامة للضرائب المرقم 60032 مع نسخ من الصكوك والتواقيع ليتم التأكد من صحتها. 

ونظم مكتب المدير العام للهيئة العامة للضرائب كتباً مرفق بها نسخ من الصكوك الصادرة من القسم المالي تأكيداً منه على صحتها، فقام مصرف الرافدين بتحويل المبالغ من حساب الأمانات للهيئة العامة للضرائب إلى حسابات الشركات المستفيدة، ليقوم ممثلون عن كل شركة من الشركات الخمس مباشرة بسحب مبالغ الصكوك نقداً.

ويصل تقرير الهيئة العامة للضرائب إلى ماهية الشركات الخمس المستولية على مبالغ الأمانات، ويؤكد بأن ليس لديها أمانات ضريبية وبعضها لم تتحاسب ضريبياً أصلاً، لكونها حديثة التأسيس، وهي( الحوت الأحدب، رياح بغداد، بادية المساء).

أما الشركتان الأخريتان،  فقد تحاسبت الأولى في 2012 وهي المبدعون للخدمات النفطية، والثانية وهي القانت للمقاولات العامة، تحاسبت ضريبياً سنة 2021. 

أما عن تواريخ تسجيل تلك الشركات لدى مسجل الشركات، وأسماء مدرائها المفوضين مع رؤوس أموالها، فقد تضمن التقرير الجدول التالي: 

القانت للمقاولات العامة تم تسجيلها في 7/9/2021 برأس مال مقداره 5 ملايين دينار، وفتح حسابها المصرفي في ذات الشهر، مديرها المفوض هو نور زهير جاسم. وذات الاسم يظهر مديراً مفوضاً في شركة المبدعون للخدمات النفطية وهي الأقدم من بين الشركات الخميس في 9/3/2006، برأس مال مقداره 10 مليون دينار، وفتح حسابها المصرفي في مصرف الرافدين في 28/10/2021 .  

 الحوت الأحدب للتجارة العامة تم تأسيسها في 6/7/2021 برأس مال مقداره مليون دينار، وفتح حسابها المصرفي في 16/11/2021 ومديرها المفوض هو عبد المهدي توفيق مهدي، ويظهر أسم الأخير مديراً مفوضاً كذلك لشركة رياح بغداد التي أسست في 28/7/2021، برأس مال مقداره مليون دينار، وفتح حسابها المصرفي في 23/11/2021 . وعبد المهدي توفيق مهدي هو مدير مفوض لشركة ثالثة هي بادية المساء للتجارة، تم تأسيسها في 28/7/2021(نفس تاريخ تأسيس شركة رياح بغداد) برأس مال مقداره مليون دينار وفتح حسابها المصرفي أيضاً في 16/11/2021. 

ولم تجد الهيئة العامة للضراب وفقاً لما جاء في تقريرها أية “أوليات” لصكوك الشركات الخمس، ولا حتى لمعاملات استرداد مبالغ الأمانات، كما لم تجد أثراً لها لدى تدقيقها سجلات حسابات الأمانات والمستردات في قسم المحاسبة في الهيئة، مما يؤشر إلى تلاعب قامت به إدارات في الهيئة العامة للضرائب لصالح الشركات الخمس”التي قامت بسرقة المبالغ” وفقاً لما يعود التقرير لتأكيده مراراً. 

وحمل التقرير المسؤولية القانونية لإدارة الهيئة العامة للضرائب ومسؤولي الأقسام المختصة فيها والموظفين المعنيين والمخوّلين توقيع الصكوك. لما وصفه تسهيلهم “اختلاس وسرقة وتزوير والتلاعب بمبالغ الأمانات التابعة للهيئة العامة للضرائب، وتحرير صكوك دون وجه حق”.

وأختتم التقرير بتوصية الجهات المختصة بضبط المبالغ وأوليات الصكوك والشركات الخمس واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المقصرين في الهيئة العامة للضرائب والشركات “التي قامت بالاستيلاء على مبالغ الأمانات وسرقتها”.

نتائج التدقيق التي وردت في تقرير هيئة الضرائب، كانت بناءً على أمر أصدره وزير المالية السابق بالوكالة- وزير النفط  إحسان عبد الجبّار- بتشكيل لجنة تحقيق إداري، للتأكد من بيانات ومعلومات عن وجود هدر في المال العام  في حساب الأمانات للهيئة العامة للضرائب.

وعزل بموجبه رئيس الهيئة وموظفين كبار ضمن طاقمه الإداري، وذلك تحسباً من قيامهم بمزيد من التلاعب بإخفاء معلومات أو إضفاء صفة المشروعية على التجاوزات التي قاموا بها. وقد أدى ذلك إلى المحافظة على المبالغ المتبقية حتى وإن كانت فقط 10% مما تم الاستيلاء عليه، والأهم من ذلك منع مزيد من الأعمال المماثلة في أفرع وزارة المالية بما فيه الهيئة العامة للجمارك.

وكانت تحقيقات قضائية قد أجريت قبلها وتحديداً في شهر آب/أغسطس 2022، وصدرت جملة قرارات انصبت على وقف صرف الأمانات، وتدقيق الأوليات الخاصة بالأموال التي تم الاستيلاء عليها ومن ثم صدرت أوامر قبض بحق متهمين في القضية وتم استقدام شهود. 

ويتساءل مختصون بالقطاع المالي، عن دور ديوان الرقابة المالية المفقود في هذه القضية، ويتضح من خلال العودة للوراء، أن الديوان قام بالفعل بتقديم تقريرين عن أعمال تدقيق قام بها في سنتي 2015 و2016، بموجب كتابيه المرقمين 18332 في 30-08-2017 ، 23691 في 26-10-2017.

لكن في 2017 قدمت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي مقترحاً لوزارة المالية لحصر التدقيق بالهيئة العامة للضرائب دون حاجة لتدقيق ديوان الرقابة المالية كأجراء سابق للصرف ورد الامانات الضريبية والكمركية، والحجة في ذلك بسبب ضغوط مورست من قبل أصحاب الشركات من أجل سرعة عملها وتجاوز التأخير الكبير في إنجاز معاملاتها.

خبير قانوني مطلع على ملف سرقة أمانات الهيئة العامة للضرائب، ذكر بأن أصل المشكلة بدأ من اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي التي اقترحت حصر التدقيق بالهيئة العامة للضرائب دون إشراك ديوان الرقابة المالية. 

وأن الديوان قام بمفاتحة مكتب رئيس الوزراء مؤيداً بدوره المقترح بموجب كتابه المرقم 12772 في 27-07-2021، وأن وزير المالية وافق بعد تدخلات وضغوط مورست عليه وفقاً لتعبيره، فتم الايعاز للصرف دون تدقيق الديوان، وقد تم افتتاح الصرف بصكوك سبعة لصالح شركة “القانت”.

يعود تقرير الهيئة العامة للضرائب، ليركز على الطريقة التي استولت بها الشركات الخمس على مبالغ الأمانات، من خلال تنظيمها لمعاملات رد الأمانات بتوقيع معاون المدير العام السابق

ردود فعل رسمية وغضب شعبي

لإبعاد نفسه عن دائرة الاتهام بالتزامن مع انتهاء مهام عمله كرئيس لمجلس الوزراء، أكد مصطفى الكاظمي، في بيان صدر عنه في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أن حكومته سبق وأن اكتشفت ما وصفه بالخرق (يقصد الاستيلاء على أمانات هيئة الضرائب). وأنها سارعت إلى فتح تحقيقات، والمضي قدماً بالإجراءات القانونية اللازمة بالتعاون مع القضاء وسلمت الأدلة والوثائق للقضاء منذ أشهر.

لكن بعدها بيوم واحد، طالبت لجنة النزاهة البرلمانية محكمة استئناف الكرخ، محكمة تحقيق الكرخ الثالثة، بمنع الكاظمي من السفر وكذلك مدير القسم المالي في مكتب رئاسة الوزراء(السابق)، لوجود شبهات فساد تتعلق بأموال عامة. 

أما خلفه، محمد شياع السوداني، الذي كلف برئاسة الوزراء في 13 تشرين الثاني/أكتوبر، فقد ذكر في تصريحات صحفية بأنه لن يتوانى عن اتخاذ إجراءات حقيقية “لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكلِّ وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها” وفقاً لما ذكر. ‏

ونوه إلى أنه وضع هذا الملف ضمن أولويات برنامجه، وتابع يقول: “لنْ نسمحَ بأن تُستباحَ أموال العراقيين، كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين”.

وكان مسؤولون وبرلمانيون قد تسابقوا لإعلان مواقفهم الغاضبة مما وصفه البعض منهم بـ”الجريمة المنظمة” إذ قال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب مصطفى سند في تصريحات وبيانات ولقاء على قناة “الرابعة”، أنها نُفذت من خلال شبكة ضمت مسؤولين في ثلاث جهات عليا هي اللجنة المالية البرلمانية ومكتب رئيس الوزراء، وهيئة الضرائب.

وأكد سند بأن هنالك 16 متهماً يتم التحقيق معهم حاليا لمعرفة تفاصيل السرقات والمتورطين فيها. وأن أولى خطوات الشبكة للاستحواذ على أموال الضرائب بدأت من كتاب قدمه رئيس اللجنة المالية هيثم الجبوري الى مكتب رئيس الوزراء لإلغاء تدقيق ديوان الرقابة المالية وحصر المهمة بالهيئة العامة للضرائب، بحجة “حصول تأخير في إجراءات صرف المستحقات المالية لمستحقيها والخاصة الأمانات الضريبية والجمركية”. 

واتهم سند زميله السابق هيثم الجبوري بتمرير ذلك الكتاب من دون علم أعضاء اللجنة المالية الذين كانوا منشغلين بالدعاية لأنفسهم للانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021. وقال ان مسؤولين بمكتب رئيس الوزراء مرروا الكتاب من خلال مدير المكتب رائد جوحي، ليرفع الى وزارة المالية “لمنع ديوان الرقابة من متابعة صرف الأموال في الهيئة العامة للضرائب، ولكي يتم تخويل مدير الهيئة بالصرف”.

وأضاف النائب في اللجنة المالية، انه تم تغيير مدير عام هيئة الضرائب الذي كان يشغله شاكر الزبيدي، واستلم الموقع سامر الربيعي في آب/أغسطس2021 قبل أن يبدل سريعاً بمدير آخر هو أسامة حسام جودت: “الذي يبدو أنه قد عين لتمرير العملية لأنه أتى بثلاثة موظفين بعد ان دمج ثلاثة أقسام في الدائرة هي كانت تشكل فلاتر صرف الأموال، في قسم واحد لحصر عملية صرف الأموال من خلال موافقة المدير والموظفين المذكورين على الصكوك” وفقاً لـسند.

ويلفت سند أن الصك الحكومي في العراق يتم صرفه دون تأخير، ولهذا فإن مصرف الرافدين كان ملزما بصرف تلك الأموال، حتى وإن كانت الاموال كبيرة جدا. “ولوقف الشكوك بشأن الشركات المستلمة التي ليس لديها أمانات ضريبية أصلا، فقد كانت ترد المصرف اتصالات من مكتب رئيس الوزراء للصرف”.

واستغرب سند  سفر مدير الهيئة العامة للضرائب أسامة إلى الأردن لغرض العلاج تزامنا مع إثارة موضوع الاستيلاء على مبالغ الأمانات، وقال “لا أعرف إن كان قد عاد أم مازال هناك؟”.

وعن كيفية قيام الجهات المستولية على أموال الأمانات بـ”تبييضها” يقول سند: “أنفقوها على شراء 100 عقار وحصص في مركزين تجاريين(مول)، لأنه من الصعب تحويلها إلى خارج البلاد. يبدو أنهم كانوا على عجلة لصرف تلك المبالغ، وكانوا يدفعون سعراً أكبر من السعر الحقيقي للعقار”. 

وأعرب عن تفاؤله بالتحقيق القضائي الحاصل واستعادة الأموال لأن عملية تحويل ملكية العقارات تتطلب وقتاً فهناك “امكانية لاستعادة الجزء الأكبر من الأموال عبر وقف تحويل العقارات، واعادة الاموال المدفوعة لشرائها، وقد تم بالفعل وضع اليد على نحو 55 عقاراً”.

وعن إمكانية رد الأموال التي قدرها بـ7.4 ترليون دينار، يذكر سند بأنّ ذلك ممكن عن طريق دائرة حكومية أسمها “دائرة الاسترداد” وظيفتها إسترداد الأموال المنهوبة والمحولة بطرق غير شرعية داخل وخارج البلاد. ودعا من أسماهم بـ”أطراف شبكة التأمينات الضريبية” التي قال إنها هربت إلى “أربيل ودبي” للتفاوض واسترداد المبالغ أو صرفها لأصحاب الأمانات الحقيقيين من الشركات والأفراد المودعين. 

ونفى النائب السابق هيثم الجبوري، ومستشار الشؤون الفنية لرئيس الحكومة، الاتهامات الموجهة اليه، وقال ان المقترح الموجه الى رئاسة الوزراء لم يتم الموافقة عليه اصلا. وبرر توجيه الكتاب بما تضمنه من مقترح نزولا عند مطالب أصحاب الشركات بسبب تأخر صرف اموال الأمانات الخاصة بهم لسنوات دون حسمها.

وبشأن موافقة اعضاء اللجنة المالية من عدمه، على المقترح الذي قدمه قال ان القرارات في اللجنة يتم التصويت عليها، أما المقترحات فلا يصوت عليها بل يتم رفعها للنواب للاطلاع عليها. 

وقال الجبوري، ان الجهة التي تتحمل المسؤولية القانونية لسرقة تلك الأموال هي “الهيئة العامة للضرائب ومكتب غسيل الأموال في مصرف الرافدين”.

 وكانت شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، قد نشرت بالتعاون مع “درج”، تحقيقاً في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي كشفت فيه عن  تدفق أموال كبيرة إلى السوق العقاري في إطار عمليات غسيل أموال أدت إلى رفع اسعار العقارات بنحو كبير وغير معهود في العاصمة بغداد.

أنجز هذا التحقيق تحت إشراف شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

20.10.2022
زمن القراءة: 13 minutes

الجريمة المنظمة التي التهمت خلال 11 شهرا مبلغ 2.5 مليار دولار من الهيئة العامة للضرائب، وقعت حين كان عشرات آلاف العراقيين يعتصمون ويتظاهرون للمطالبة بالإصلاح وانهاء الفساد وحكومات في بلد ربع سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أواخر 2021 وبينما كان العراقيون يتطلعون إلى تشكيل حكومة جديدة تتصدى للفساد الذي أوصل الدولة الى حافة الانهيار، وحين كانت أكبر جبهتين سياسيتين أفرزتهما نتائج الانتخابات المبكرة تتصارعان لنحو عام على تشكيل حكومة(أغلبية) كما أرادها التيار الصدري أو(توافقية)كما سعى إليها الإطار التنسيقي، كان مسؤولون كبار يعملون على إتمام أكبر عملية سرقة للمال العام في تاريخ العراق.

الجريمة المنظمة التي التهمت خلال 11 شهرا مبلغ 2.5 مليار دولار من الهيئة العامة للضرائب، وقعت حين كان عشرات آلاف العراقيين يعتصمون ويتظاهرون للمطالبة بالإصلاح وانهاء الفساد وحكومات (محاصصة المغانم) في بلد ربع سكانه يعيشون تحت خط الفقر وينتظرون تحسين أوضاعهم المعيشية وتطوير الخدمات بالاستفادة من الوفرة المالية التي أمّنها ارتفاع أسعار النفط. 

تم اكتشاف ما بات يعرف في العراق اليوم بـ”سرقة القرن” بعد شهرين من استقالة وزير المالية السابق علي علاوي، التي جاءت إثر تداعيات فضيحة فساد في عقد تعويض شركة أهلية للنظم وخدمات الدفع الإلكتروني (بوابة عشتار) بمبلغ 600 مليون دولار من قبل مصرف الرافدين، وبعد أيام من قرار قضائي بوقف صرف نحو 50 مليون دولار، لمكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

16 متهماً تدور حولهم الشبهات ويخضعون للتحقيق بتشكيل شبكة تمتد خيوطها من مجلس النواب الى مجلس الوزراء وصولاً إلى الهيئة العامة للضرائب ووزارة المالية، بحسب تصريحات نواب ومتابعين للملف أشاروا إلى أن المبلغ المسروق الذي يوازي نحو ربع موازنة دولة جارة للعراق، تم استخدامه لشراء نحو 100 عقار بأسعار مبالغ فيها.

تم اكتشاف ما بات يعرف في العراق اليوم بـ“سرقة القرن” بعد شهرين من استقالة وزير المالية السابق علي علاوي، التي جاءت إثر تداعيات فضيحة فساد في عقد تعويض شركة أهلية للنظم وخدمات الدفع الإلكتروني

تحقيقات أولية

بعد ساعات من كشف الخيوط الأولى للقضية، توالت البيانات من الجهات المختلفة (القضائية، والحكومية، والتشريعية) المعنية بالأموال المسروقة والجهات التي تحقق فيها، لاعلان مواقفها واجراءاتها.

كان آخرها إصدار بيان من مجلس القضاء الأعلى، تضمن إصدار محكمة تحقيق الكرخ الثانية المختصة بقضايا النزاهة في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 أمر استقدام عضو من اللجنة المالية في مجلس النواب للدورة السابقة، دون أن يشير البيان إلى اسمه.

سبق أمر الاستقدام ذلك، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، أمر استقدام آخر من ذات المحكمة بحق مدير عام الهيئة العامة للضرائب عبد الستار هاشم علي ومعاونه وعدد من الموظفين في القسم المالي على خلفية سرقة (3.7) ترليون دينار عراقي، ما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار، من حساب الأمانات الخاصة بالهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين، من الفترة الممتدة بين 9 أيلول/ سبتمبر 2021 وحتى 11 آب/أغسطس 2022.

مجلس القضاء الأعلى أكد في بيان آخر صدر عنه بأن الاستقدام تم بناء على المادة 340 من قانون العقوبات العراقي بتهمة إحداث ضرر متعمد بأموال عائدة لوزارة المالية. وان مذكرات قبض صدرت بحق أصحاب شركات متورطة بالاستيلاء على تلك الأموال ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها المصرفية، فضلاً عن تشكيل لجنة تدقيقية مشتركة من وزارة المالية والهيئة العامة للضرائب ومصرف الرافدين وهيئة النزاهة لتدقيق المبالغ المصروفة.

C:\Users\Ster\OneDrive\Desktop\كتاب مجلس القضاء الاعلى.jpg

وخلاصة هذه القضية نجدها في كتاب حمل الرقم 111 أرسلته وزارة المالية في العاشر من تشرين الثاني/ أكتوبر 2022، إلى مجلس النواب العراقي بناءً على طلب من اللجنة المالية فيها، حمل عنوان “سري”، مرفق بدورهِ مع تقرير تدقيقي مفصل نظمته الهيئة العامة للضرائب وحمل توقيع نائب المدير العام عبد الستار هاشم علي.

 تضمن التقرير رقم 61 س/1647 معلومات تفصيلية عن المبالغ المسروقة من حساب الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين والجهات المسؤولة عن صرفها والأخرى المستولية عليها. 

وأفرد نتائج كشفت عن أرقام ومبالغ صكوك مالية ومخاطبات موجهة من الهيئة العامة للضرائب مع صور كشوفات الحسابات المصرفية ووكالات عامة ومستمسكات شخصية رسمية للذين استولوا على أمانات الضرائب.

وتبين من خلال تلك النتائج سحب مبلغ مقداره 3،701،380،882،000(ثلاثة ترليون وسبعمائة وواحد مليار وثلاثمائة وثمانون مليون وثمانمائة واثنين وثمانين ألف دينار)من حساب الأمانات الخاصة للهيئة العامة للضرائب الذي يحمل الرقم 60032 في مصرف الرافدين، مودعة في فرعين هما(الأحرار والضرائب) وذلك من الفترة بين 9 أيلول/سبتمبر 2021 و11آب/أغسطس 2022.

وقد تم السحب عبر 247 صكاً مصرفياً لصالح خمس شركات هي: القانت للمقاولات العامة، الحوت الأحدب للتجارة العامة، رياح بغداد للتجارة العامة، المبدعون للخدمات النفطية، بادية المساء للتجارة العامة.

وتوصل التدقيق إلى أن أياً من هذه الشركات (الصغيرة والحديثة الإنشاء) لا تملك أمانات ضريبية وليس لديها توكيل من طرف ثالث لسحب أمانات ضريبية. وأن الصكوك المحررة غير مقيدة في حسابات هيئة الضرائب، وقد تم سحب مبالغها فور إيداعها لدى مصرف الرافدين.

ويشير التقرير، في استنتاج نهائي إلى أن مبلغ الأمانات المودعة في حسابات الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب قد سرق، بعد أن سحب من قبل مخولين من الشركات الخمس، وأن صكوكها قد نظمت من قبل الإدارة السابقة للهيئة والأقسام المختصة فيها خلافاً للقانون ودون استحقاق. 


الأمانات الضريبة

 ويبيّن تقرير الهيئة العامة للضرائب ماهية الأمانات الضريبية، بأنها مبالغ تستقطع من المقاولين والمجهزين سواءً أكانوا شركات أم أفرادا، والاستقطاع يكون من قبل رب العمل عند تسديد السلف المتحققة لشركات أو أفراد عن طريق إنجاز أعمالها والتي يتم تحويلها الى القسم المالي في مركز الهيئة في حسابات الأمانات.

ويبين كذلك آلية رد مبلغ الأمانات الضريبية الفائضة بأن يقدم المكلف شركةً أو فرداً، طلباً يعرف بـ”رد مبلغ”، يوضح فيه المقدار المطلوب رده وسبب الطلب، ومن ثم يتم دفع الرسوم الخاصة بالطلب ويسجل في سجل الوارد لواحد من القسمين المعنيين وهما: الشركات أو كبار المكلفين.

ويفترض أن يحتوي الطلب الشعار الخاص بالشركة وأن يوقع من قبل صاحب العلاقة كالمدير المفوض أو وكيله مع إرفاق الوكالة وصحة صدورها. وبعد ذلك يمر الطلب بسلسلة من الإجراءات المعقدة يشير إليها التقرير بإسهاب ليبين صعوبة الاستيلاء على تلك المبالغ لولا وجود من سهل الأمر. 

ثم يظهر تقرير الهيئة بوضوح تام من قام بتسهيل الأمر، وذلك من خلال إشارته إلى أن مكتب رئاسة الوزراء كان قد كلف في 2017 ديوان الرقابة المالية بتدقيق جميع معاملات إعادة مبالغ الأمانات الضريبية والجمركية من تاريخ 1 كانون الثاني/يناير2015.

وأشار كذلك إلى اقتراحاً قدم من اللجنة المالية في مجلس النواب إلى وزارة المالية بأن يتم التدقيق من قبل الهيئة العامة للضرائب. وإلى طلب تقدم به المدير السابق لهيئة الضرائب إلى وزارة المالية في آب/ أغسطس 2021 بحصر التدقيق بهيئته دون حاجة إلى إشراك ديوان الرقابة المالية. وحصل الطلب على موافقة من وزير المالية وقتها.

ويتضح من خلال كشف حساب هيئة الضرائب في مصرف الرافدين فرع الضرائب، أن الشركات الخمس تقاسمت المبالغ التالية فيما بينها بعد سحب الصكوك الصادرة من الهيئة العامة للضرائب: 

شركة الحوت الأحدب للتجارة العامة محدودة المسؤولية (982)مليار دينار،  شركة رياح بغداد للتجارة للتجارة العامة محدودة المسؤولية(477)مليار دينار، شركة القانت للمقاولات العامة المحدودة(1،185)ترليون دينار، شركة المبدعون للخدمات النفطية المحدودة(433.15)مليار دينار، شركة بادية المساء للتجارة العامة محدودة المسؤولية(624)مليار دينار. 

ويكرر التقرير توصله إلى نتيجة مفادها، أن المبالغ هذه قد سرقت من الشركات الخمس بموجب الصكوك التي حررت لصالحها من قبل الهيئة العامة للضرائب دون أن تذهب إلى أصحاب حق استرداد الأمانات الضريبية الحقيقيين أو تذهب كإيراد إلى الخزينة العامة للدولة بموجب القوانين النافذة. 

وعن أثر الصكوك المحررة على حسابات الهيئة العامة للضرائب، كان قسم المحاسبة في الهيئة قد أكد في تقرير ماليٍ صدر عنه في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2022 أن رصيد حساب الأمانات قدره  3،531،501،703،289(ثلاثة ترليون وخمسمائة وواحد وثلاثين مليارا وخمسمائة وواحد مليون وسبعمائة وثلاثة آلاف ومائتان وتسعة وثمانون دينار).

بينما الرصيد الفعلي المتبقي هو 145،050،309،732(مئة وخمسة وأربعون مليار وخمسون مليون وثلاث مائة وتسعة ألف وسبعمائة واثنان وثلاثون دينار).

موظفون متواطئون

ويعود تقرير الهيئة العامة للضرائب، ليركز على الطريقة التي استولت بها الشركات الخمس على مبالغ الأمانات، من خلال تنظيمها لمعاملات رد الأمانات بتوقيع معاون المدير العام السابق الذي كان مسؤولاً عن قسم الرقابة وكبار المكلفين دون وجود أية مستندات أولية أصولية لتلك المعاملات. 

وتم بعدها إصدار موافقة صورية على رد المبالغ من قبل قسم الرقابة، وتنظيم صكوك بها من قبل المخولين في القسم المالي وهم كل من(مدير القسم المالي ووكيله ومسؤول شعبة الأمانات). 

وتم تسليم كل واحدة من تلك الشركات الصك الذي يحمل اسمها وقام ممثلوها بإيداعها حساباتهم بفروع مصرف الرافدين، وقامت تلك الفروع بإرسال إشعار إلى فرع الضريبة في ذات المصرف والذي فيه حسابات الأمانات للهيئة العامة للضرائب المرقم 60032 مع نسخ من الصكوك والتواقيع ليتم التأكد من صحتها. 

ونظم مكتب المدير العام للهيئة العامة للضرائب كتباً مرفق بها نسخ من الصكوك الصادرة من القسم المالي تأكيداً منه على صحتها، فقام مصرف الرافدين بتحويل المبالغ من حساب الأمانات للهيئة العامة للضرائب إلى حسابات الشركات المستفيدة، ليقوم ممثلون عن كل شركة من الشركات الخمس مباشرة بسحب مبالغ الصكوك نقداً.

ويصل تقرير الهيئة العامة للضرائب إلى ماهية الشركات الخمس المستولية على مبالغ الأمانات، ويؤكد بأن ليس لديها أمانات ضريبية وبعضها لم تتحاسب ضريبياً أصلاً، لكونها حديثة التأسيس، وهي( الحوت الأحدب، رياح بغداد، بادية المساء).

أما الشركتان الأخريتان،  فقد تحاسبت الأولى في 2012 وهي المبدعون للخدمات النفطية، والثانية وهي القانت للمقاولات العامة، تحاسبت ضريبياً سنة 2021. 

أما عن تواريخ تسجيل تلك الشركات لدى مسجل الشركات، وأسماء مدرائها المفوضين مع رؤوس أموالها، فقد تضمن التقرير الجدول التالي: 

القانت للمقاولات العامة تم تسجيلها في 7/9/2021 برأس مال مقداره 5 ملايين دينار، وفتح حسابها المصرفي في ذات الشهر، مديرها المفوض هو نور زهير جاسم. وذات الاسم يظهر مديراً مفوضاً في شركة المبدعون للخدمات النفطية وهي الأقدم من بين الشركات الخميس في 9/3/2006، برأس مال مقداره 10 مليون دينار، وفتح حسابها المصرفي في مصرف الرافدين في 28/10/2021 .  

 الحوت الأحدب للتجارة العامة تم تأسيسها في 6/7/2021 برأس مال مقداره مليون دينار، وفتح حسابها المصرفي في 16/11/2021 ومديرها المفوض هو عبد المهدي توفيق مهدي، ويظهر أسم الأخير مديراً مفوضاً كذلك لشركة رياح بغداد التي أسست في 28/7/2021، برأس مال مقداره مليون دينار، وفتح حسابها المصرفي في 23/11/2021 . وعبد المهدي توفيق مهدي هو مدير مفوض لشركة ثالثة هي بادية المساء للتجارة، تم تأسيسها في 28/7/2021(نفس تاريخ تأسيس شركة رياح بغداد) برأس مال مقداره مليون دينار وفتح حسابها المصرفي أيضاً في 16/11/2021. 

ولم تجد الهيئة العامة للضراب وفقاً لما جاء في تقريرها أية “أوليات” لصكوك الشركات الخمس، ولا حتى لمعاملات استرداد مبالغ الأمانات، كما لم تجد أثراً لها لدى تدقيقها سجلات حسابات الأمانات والمستردات في قسم المحاسبة في الهيئة، مما يؤشر إلى تلاعب قامت به إدارات في الهيئة العامة للضرائب لصالح الشركات الخمس”التي قامت بسرقة المبالغ” وفقاً لما يعود التقرير لتأكيده مراراً. 

وحمل التقرير المسؤولية القانونية لإدارة الهيئة العامة للضرائب ومسؤولي الأقسام المختصة فيها والموظفين المعنيين والمخوّلين توقيع الصكوك. لما وصفه تسهيلهم “اختلاس وسرقة وتزوير والتلاعب بمبالغ الأمانات التابعة للهيئة العامة للضرائب، وتحرير صكوك دون وجه حق”.

وأختتم التقرير بتوصية الجهات المختصة بضبط المبالغ وأوليات الصكوك والشركات الخمس واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المقصرين في الهيئة العامة للضرائب والشركات “التي قامت بالاستيلاء على مبالغ الأمانات وسرقتها”.

نتائج التدقيق التي وردت في تقرير هيئة الضرائب، كانت بناءً على أمر أصدره وزير المالية السابق بالوكالة- وزير النفط  إحسان عبد الجبّار- بتشكيل لجنة تحقيق إداري، للتأكد من بيانات ومعلومات عن وجود هدر في المال العام  في حساب الأمانات للهيئة العامة للضرائب.

وعزل بموجبه رئيس الهيئة وموظفين كبار ضمن طاقمه الإداري، وذلك تحسباً من قيامهم بمزيد من التلاعب بإخفاء معلومات أو إضفاء صفة المشروعية على التجاوزات التي قاموا بها. وقد أدى ذلك إلى المحافظة على المبالغ المتبقية حتى وإن كانت فقط 10% مما تم الاستيلاء عليه، والأهم من ذلك منع مزيد من الأعمال المماثلة في أفرع وزارة المالية بما فيه الهيئة العامة للجمارك.

وكانت تحقيقات قضائية قد أجريت قبلها وتحديداً في شهر آب/أغسطس 2022، وصدرت جملة قرارات انصبت على وقف صرف الأمانات، وتدقيق الأوليات الخاصة بالأموال التي تم الاستيلاء عليها ومن ثم صدرت أوامر قبض بحق متهمين في القضية وتم استقدام شهود. 

ويتساءل مختصون بالقطاع المالي، عن دور ديوان الرقابة المالية المفقود في هذه القضية، ويتضح من خلال العودة للوراء، أن الديوان قام بالفعل بتقديم تقريرين عن أعمال تدقيق قام بها في سنتي 2015 و2016، بموجب كتابيه المرقمين 18332 في 30-08-2017 ، 23691 في 26-10-2017.

لكن في 2017 قدمت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي مقترحاً لوزارة المالية لحصر التدقيق بالهيئة العامة للضرائب دون حاجة لتدقيق ديوان الرقابة المالية كأجراء سابق للصرف ورد الامانات الضريبية والكمركية، والحجة في ذلك بسبب ضغوط مورست من قبل أصحاب الشركات من أجل سرعة عملها وتجاوز التأخير الكبير في إنجاز معاملاتها.

خبير قانوني مطلع على ملف سرقة أمانات الهيئة العامة للضرائب، ذكر بأن أصل المشكلة بدأ من اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي التي اقترحت حصر التدقيق بالهيئة العامة للضرائب دون إشراك ديوان الرقابة المالية. 

وأن الديوان قام بمفاتحة مكتب رئيس الوزراء مؤيداً بدوره المقترح بموجب كتابه المرقم 12772 في 27-07-2021، وأن وزير المالية وافق بعد تدخلات وضغوط مورست عليه وفقاً لتعبيره، فتم الايعاز للصرف دون تدقيق الديوان، وقد تم افتتاح الصرف بصكوك سبعة لصالح شركة “القانت”.

يعود تقرير الهيئة العامة للضرائب، ليركز على الطريقة التي استولت بها الشركات الخمس على مبالغ الأمانات، من خلال تنظيمها لمعاملات رد الأمانات بتوقيع معاون المدير العام السابق

ردود فعل رسمية وغضب شعبي

لإبعاد نفسه عن دائرة الاتهام بالتزامن مع انتهاء مهام عمله كرئيس لمجلس الوزراء، أكد مصطفى الكاظمي، في بيان صدر عنه في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أن حكومته سبق وأن اكتشفت ما وصفه بالخرق (يقصد الاستيلاء على أمانات هيئة الضرائب). وأنها سارعت إلى فتح تحقيقات، والمضي قدماً بالإجراءات القانونية اللازمة بالتعاون مع القضاء وسلمت الأدلة والوثائق للقضاء منذ أشهر.

لكن بعدها بيوم واحد، طالبت لجنة النزاهة البرلمانية محكمة استئناف الكرخ، محكمة تحقيق الكرخ الثالثة، بمنع الكاظمي من السفر وكذلك مدير القسم المالي في مكتب رئاسة الوزراء(السابق)، لوجود شبهات فساد تتعلق بأموال عامة. 

أما خلفه، محمد شياع السوداني، الذي كلف برئاسة الوزراء في 13 تشرين الثاني/أكتوبر، فقد ذكر في تصريحات صحفية بأنه لن يتوانى عن اتخاذ إجراءات حقيقية “لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكلِّ وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها” وفقاً لما ذكر. ‏

ونوه إلى أنه وضع هذا الملف ضمن أولويات برنامجه، وتابع يقول: “لنْ نسمحَ بأن تُستباحَ أموال العراقيين، كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين”.

وكان مسؤولون وبرلمانيون قد تسابقوا لإعلان مواقفهم الغاضبة مما وصفه البعض منهم بـ”الجريمة المنظمة” إذ قال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب مصطفى سند في تصريحات وبيانات ولقاء على قناة “الرابعة”، أنها نُفذت من خلال شبكة ضمت مسؤولين في ثلاث جهات عليا هي اللجنة المالية البرلمانية ومكتب رئيس الوزراء، وهيئة الضرائب.

وأكد سند بأن هنالك 16 متهماً يتم التحقيق معهم حاليا لمعرفة تفاصيل السرقات والمتورطين فيها. وأن أولى خطوات الشبكة للاستحواذ على أموال الضرائب بدأت من كتاب قدمه رئيس اللجنة المالية هيثم الجبوري الى مكتب رئيس الوزراء لإلغاء تدقيق ديوان الرقابة المالية وحصر المهمة بالهيئة العامة للضرائب، بحجة “حصول تأخير في إجراءات صرف المستحقات المالية لمستحقيها والخاصة الأمانات الضريبية والجمركية”. 

واتهم سند زميله السابق هيثم الجبوري بتمرير ذلك الكتاب من دون علم أعضاء اللجنة المالية الذين كانوا منشغلين بالدعاية لأنفسهم للانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021. وقال ان مسؤولين بمكتب رئيس الوزراء مرروا الكتاب من خلال مدير المكتب رائد جوحي، ليرفع الى وزارة المالية “لمنع ديوان الرقابة من متابعة صرف الأموال في الهيئة العامة للضرائب، ولكي يتم تخويل مدير الهيئة بالصرف”.

وأضاف النائب في اللجنة المالية، انه تم تغيير مدير عام هيئة الضرائب الذي كان يشغله شاكر الزبيدي، واستلم الموقع سامر الربيعي في آب/أغسطس2021 قبل أن يبدل سريعاً بمدير آخر هو أسامة حسام جودت: “الذي يبدو أنه قد عين لتمرير العملية لأنه أتى بثلاثة موظفين بعد ان دمج ثلاثة أقسام في الدائرة هي كانت تشكل فلاتر صرف الأموال، في قسم واحد لحصر عملية صرف الأموال من خلال موافقة المدير والموظفين المذكورين على الصكوك” وفقاً لـسند.

ويلفت سند أن الصك الحكومي في العراق يتم صرفه دون تأخير، ولهذا فإن مصرف الرافدين كان ملزما بصرف تلك الأموال، حتى وإن كانت الاموال كبيرة جدا. “ولوقف الشكوك بشأن الشركات المستلمة التي ليس لديها أمانات ضريبية أصلا، فقد كانت ترد المصرف اتصالات من مكتب رئيس الوزراء للصرف”.

واستغرب سند  سفر مدير الهيئة العامة للضرائب أسامة إلى الأردن لغرض العلاج تزامنا مع إثارة موضوع الاستيلاء على مبالغ الأمانات، وقال “لا أعرف إن كان قد عاد أم مازال هناك؟”.

وعن كيفية قيام الجهات المستولية على أموال الأمانات بـ”تبييضها” يقول سند: “أنفقوها على شراء 100 عقار وحصص في مركزين تجاريين(مول)، لأنه من الصعب تحويلها إلى خارج البلاد. يبدو أنهم كانوا على عجلة لصرف تلك المبالغ، وكانوا يدفعون سعراً أكبر من السعر الحقيقي للعقار”. 

وأعرب عن تفاؤله بالتحقيق القضائي الحاصل واستعادة الأموال لأن عملية تحويل ملكية العقارات تتطلب وقتاً فهناك “امكانية لاستعادة الجزء الأكبر من الأموال عبر وقف تحويل العقارات، واعادة الاموال المدفوعة لشرائها، وقد تم بالفعل وضع اليد على نحو 55 عقاراً”.

وعن إمكانية رد الأموال التي قدرها بـ7.4 ترليون دينار، يذكر سند بأنّ ذلك ممكن عن طريق دائرة حكومية أسمها “دائرة الاسترداد” وظيفتها إسترداد الأموال المنهوبة والمحولة بطرق غير شرعية داخل وخارج البلاد. ودعا من أسماهم بـ”أطراف شبكة التأمينات الضريبية” التي قال إنها هربت إلى “أربيل ودبي” للتفاوض واسترداد المبالغ أو صرفها لأصحاب الأمانات الحقيقيين من الشركات والأفراد المودعين. 

ونفى النائب السابق هيثم الجبوري، ومستشار الشؤون الفنية لرئيس الحكومة، الاتهامات الموجهة اليه، وقال ان المقترح الموجه الى رئاسة الوزراء لم يتم الموافقة عليه اصلا. وبرر توجيه الكتاب بما تضمنه من مقترح نزولا عند مطالب أصحاب الشركات بسبب تأخر صرف اموال الأمانات الخاصة بهم لسنوات دون حسمها.

وبشأن موافقة اعضاء اللجنة المالية من عدمه، على المقترح الذي قدمه قال ان القرارات في اللجنة يتم التصويت عليها، أما المقترحات فلا يصوت عليها بل يتم رفعها للنواب للاطلاع عليها. 

وقال الجبوري، ان الجهة التي تتحمل المسؤولية القانونية لسرقة تلك الأموال هي “الهيئة العامة للضرائب ومكتب غسيل الأموال في مصرف الرافدين”.

 وكانت شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، قد نشرت بالتعاون مع “درج”، تحقيقاً في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي كشفت فيه عن  تدفق أموال كبيرة إلى السوق العقاري في إطار عمليات غسيل أموال أدت إلى رفع اسعار العقارات بنحو كبير وغير معهود في العاصمة بغداد.

أنجز هذا التحقيق تحت إشراف شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية