fbpx

سعد المُجرَّد… من حيائه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على ما يبدو، لن تسعفه هذه المرّة الإنجازات والأمجاد التي اقتات منها لينجوَ بأفعاله، هو الذي طالما اختبأ خلف وهج اسمه واحتمى بجيش المصفّقين من حوله والمبرّرين له المرّة الأولى، والثانية، وحتّى الثالثة. لكنّ المرّة الرابعة ثقيلٌ هضمها، لو مهما صعب إثباتها وظلّت بعض الأصوات الفنيّة تعلو دعماً للفنّان المغربي سعد لمجرّد “المظلوم” و”ضحيّة المؤامرة” الجزائريّة تارّةً، والعالميّة طوراً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على ما يبدو، لن تسعفه هذه المرّة الإنجازات والأمجاد التي اقتات منها لينجوَ بأفعاله، هو الذي طالما اختبأ خلف وهج اسمه واحتمى بجيش المصفّقين من حوله والمبرّرين له المرّة الأولى، والثانية، وحتّى الثالثة. لكنّ المرّة الرابعة ثقيلٌ هضمها، لو مهما صعب إثباتها وظلّت بعض الأصوات الفنيّة تعلو دعماً للفنّان المغربي سعد لمجرّد “المظلوم” و”ضحيّة المؤامرة” الجزائريّة تارّةً، والعالميّة طوراً.

يوم الثلاثاء 28 آب/أغسطس، أكّدت النيابة العامّة الفرنسيّة في منطقة دراغينيان جنوبي شرقي فرنسا ملاحقتها سعد لمجرّد في تهمة اغتصاب جديدة تُضاف إلى سجلّه لشابّة فرنسيّة في سان تروبيه، ليلة الخامس والعشرين من الشهر المنصرم، وهي التهمة الثالثة الموجّهة له في فرنسا، بعد شكوى الناجية لورا بريول في تشرين الأوّل 2016 في باريس وشكوى أخرى تقدّمت بها سيّدة مغربيّة-فرنسيّة في نيسان 2017 أفادت فيها أنّ لمجرّد كان قد اعتدى عليها في كازابلانكا عام 2015. وكان لمجرّد واجه أيضاً شكوى مماثلة عام 2010 في الولايات المتّحدة تمّ حلّها بالتراضي بين الطرفين.

رغم التكرار والتدخّل الرسمي للقضاء في أكثر من ملفّ، لا يزال أسهل على بعضهم تصديق وجود مؤامرة كونيّة على المعتدي من تصديقهم أقوال المرأة التي تعرّضت لاعتداءٍ جنسي على يده. فكيف بالأحرى حين يكون المُتّهم نجماً محبوباً وجذّاباً؟

مرّةً أخرى، يتبدّى لنا كيف أنّ قصص النساء ما زالت تتعرّض للتشكيك وتُؤطَّر ضمن مخطّطات انتقاميّة أو مؤامراتيّة ضد مواطن رفع اسم بلاده وشاب ناجح يُحسد على ما يملك، فيما روايات الرجال، لا سيّما المتسلّحين منهم بسلطة المال والشهرة، تظلّ تجد من يُشرعنها ويتعاطف معها.

الاحتضان الشعبي للمجرّد في قضاياه السابقة لم يحمِه وحسب، بل أسّس، عن طريق تسويغ أفعاله وازدراء سرديّات الناجيات، لارتكابه الاعتداء تلوَ الآخر. هذا الاحتضان، مع ما يحفل به من معتقداتٍ ذكوريّة متأصّلة في مجتمعاتنا، لم يكن وحده الذي عرّض الشابّة الأخيرة المُشتكية للاعتداء. فالنظام القضائي الفرنسي بنفسه، كما شكت الناجية لورا بريول، قصّر في حماية الضحايا لصالح حريّة المتّهم. ويتّضح ذلك من خلال القرارات القضائيّة بإطلاق سراحه في نيسان 2017 والاستعاضة عن توقيفه بسوارٍ إلكترونيّ، مع السماح له بالسفر وإنتاج الأعمال الجديدة وكسب المزيد من الإعجاب والتهليل، بدلاً من احتجازه لوقتٍ أطول نظراً إلى خطورة التهمة الموجّهة إليه. كلّ هذا حصل بإسم حقوق جهة الدفاع التي لا خلاف جوهري عليها. ولكن، لماذا يصبح النظام القضائي فجأةً بهذا القدر من الرأفة، فتُستعمل مزاياه الحقوقيّة لصالح المعتدي المُفترض، لا الناجية والضحايا المُحتملات؟ وكيف لشابّ ذي تاريخٍ بات يعجّ بالسوابق الموثّقة وغير الموثّقة أن ينعم بتساهلٍ كهذا؟ فهل يُنتظر أن تُسجَّل شكوى خامسة ضدّه قبل أن يُتابع أمنيّاً ونفسيّاً بجدّيةٍ أكبر على أمل أن تُكبح ميوله العدوانيّة تجاه النساء؟   


منشور للناجية لورا بريول تسأل فيه: “برأيكم، بعد كم اغتصاب يجب أن يُسجن الرجل؟”

في هذا الإطار، دعت المناضِلة النسويّة في حركة “مالي” المغربيّة، ابتسام لاشغار، في تعليق لـ”درج”، إلى العودة إلى جوهر المسألة، وهو قوّة انتشار ثقافة الاغتصاب في عالمنا. وقالت تعليقاً على ردود الفعل المغربيّة الداعمة للمجرّد، “إننّا أمام ثقافة اغتصاب ممزوجة بهواية وطنيّة إسمها نظريّة المؤامرة، مصحوبة بتعصّب كبير، معزّزة بحماية النظام الذكوري للمُغتصِبين وإهماله الضحايا”.   

ولكن ثمّة بوادر تغيير ملموسة في المشهد الرّاهن، ربّما لأنّها المرّة الرابعة! فسلسلة المستجدّات الأخيرة التي أعقبت حادثة سان تروبيه تُنذر بمنعطفٍ لافتٍ في طريقة التعامل مع قضيّة لمجرّد. فخلال الأسبوع الذي تبع خبر توقيفه الأخير، وبُعيد إطلاق سراحه المشروط بكفالة ماليّة قيمتها 150 ألف يورو، تقرّر منع لمجرّد من مغادرة الأراضي الفرنسيّة ووضعت السلطات يدها على أوراقه وجواز سفره وأخضعته للمراقبة القضائيّة. وقد ترافقت هذه الإجراءات القانونيّة مع عواقب اجتماعيّة وخيمة، على عكس المرّات السابقة.

أبرز المؤشّرات الدالّة إلى خفوت هالة الدعم المجّاني الذي تمتّع به لمجرّد كان إعلان أحد أشهر محامي الدفاع في فرنسا، إيريك دوبون موريتي، عن تخلّيه عن موكّله قائلاً “أنا لم أعد محامي سعد لمجرّد”، ليصبح جان مارك فيديدا المحامي الوحيد الذي يتولّى الدفاع عنه. وموريتي هو المحامي الذي أوصى به رسميّاً ملك المغرب محمّد السادس ليدافع عن لمجرّد بعد توقيفه في تشرين الأوّل من العام 2016، متكفّلاً آنذاك بأتعابه كافّة وتكاليف الدفاع اللّازمة. ولكن هذه المرّة، لم يصدر حتّى الساعة أي موقف رسميّ من المغرب تعليقاً على الشكوى الأخيرة ضد لمجرّد.

علاوةً على ذلك، أعلنت اللّجنة المنظّمة لجوائز الموسيقى الأفريقيّة “أفريما”عن شطب اسم الفنّان سعد لمجّرد من قائمة المنافسة لعام 2018، بعدما كانت حظوظه بالفوز عالية جدّاً في ثلاثة تصنيفات، لما حقّقت أعماله من نجاحٍ ونسب مشاهدة قياسيّة في القارّة الأفريقيّة وفي العالم العربي، بخاصّة أغنيته الأخيرة “كازابلانكا”.

أمّا الأصوات المندّدة بسلوك الفنّان المغربي، التي كانت إمّا خجولة أو متردّدة أو نائية بنفسها في السابق، فقد قطعت الشكّ التلقائي بصدقيّة شهادات النساء بيقينٍ متبلورٍ بذنب لمجرّد. ومن بين هذه الأصوات، الفنّانة التونسيّة هند صبري والممثّلة المصريّة حلا شيحا.

أمّا الفنّانون الذين دافعوا عن لمجرّد عام 2016، أمثال سميرة سعيد وهيفا وهبي وغيرهما، فالتزموا بمعظمهم الصمت حيال نسخة الاغتصاب الأخيرة، ولم يتفاعل إلا القليل منهم مع المسألة دفاعاً عن لمجرّد، أبرزهم الفنّانة الإماراتيّة أحلام الشامسي، والفنّانة المغربيّة دنيا بطمة، والممثّل المصري محمّد رمضان الذي وصف لمجرّد “بالمظلوم وإن ذمّه الناس”.

ومن مصر، حيث تكاثرت سابقاً الردود الداعمة للمجرّد في بلاد يشتدّ فيها انتشار العنف الجنسي ضد النساء، علّقت الناشطة النسويّة والصحافيّة المؤسِّسة لموقع “ولها وجوه أخرى”، رنيم العفيفي، على قضيّة لمجرّد، مصرّحةً لـ”درج” “أنّنا نعيش ازدواجيّةً معقّدة؛ فمن أجل كسب إنجازات وهميّة مرتبطة بالنجوميّة والنجاح وإحراز قفزة فنيّة للمغرب وخدمة الدولة وسمعتها، يُسمَح بانتهاك أجساد النساء، وبشكلٍ متكرّر”. ولاحظت العفيفي ازدواجيّةً إضافيّة في التعاطي مع هذه المسألة، تمثّلت في مستويين. فمن جهة، “يفتخر المغرب بقوانين عديدة متقدّمة تُنصف النساء، كمدوّنة الأحوال الشخصيّة، في حين ما زال قسمٌ كبير من شعبه، وملكُه في الماضي القريب، يتدخّلان لحماية فنّان متّهم بالاغتصاب”. ومن جهة أخرى، “نرى كيف أنّ بعض المدوّنين العرب المتعاطفين مع لمجرّد اليوم هم أنفسهم من رحّبوا أمس بحملة أنا أيضاً أو #MeToo التي كشفت خلالها نساء مشهورات عن اعتداءات جنسيّة تعرّضن لها خلال مسيرتهنّ”.

تفاءلت العفيفي بأنّ “هذه المرّة سيكون وقعها مختلف، على أمل أن يُعيد المتعاطفون السابقون مع لمجرّد النظر في مواقفهم ويطرحوا على أنفسهم السؤال الأساسي: لماذا دافعنا عن المغتصب؟”

إقرأ أيضاً:
تقاطع الحملات المحليّة والعالميّة ضد العنف الجنسي
“في تلك الليلة تمّ اغتصابي”…
المتحرّشون في شوارع القاهرة… ومناهضوهم في السجون