12 صاروخاً باليستياً انطلقت من الأراضي الإيرانية نحو القنصلية الأميركية في إربيل، شمال العراق ثأراً لمقتل عدد من القيادات العسكرية الإيرانية في قصف إسرائيلي لسوريا.
الصواريخ وفقاً لخبراء في الشأن الأمني هي من نوع فاتح 110 ذات مدى 300 كيلومتر انطلقت من الأراضي الإيرانية المحاذية للعراق، البعض منها سقط في محيط القنصلية وبالقرب من مقر قناة كوردستان 24 وأخرى على أحد المنازل السكنية ليتسبب بإصابة شخصين وبقية الصواريخ لم يتم الإعلان عن مكان سقوطها.
هذا هو الاستهداف الثاني المعلن عنه من الجانب الإيراني بعد القصف الأول الذي حدث في الثامن من كانون الثاني/ يناير 2020 والذي أتى رداً على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني بغارة جوية أميركية على طريق مطار بغداد الدولي.
القصف الصاروخي أحرج الحكومة العراقية من الإعلان عن مكان الانطلاق، ليعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تغريدة له أن “الاعتداء الذي استهدف مدينة إربيل العزيزة وروّع سكانها هو تعد على امن شعبنا، وستقوم قواتنا الأمنية بالتحقيق في هذا الهجوم” ولم يشر الى مكان وموقع الانطلاق وتبع ذلك تغريدة رئيس الجمهورية برهم صالح في السياق نفسه بان “استهداف أربيل جريمة إرهابية مدانة وتوقيته المريب مع بوادر الانفراج السياسي يستهدف عرقلة الاستحقاقات الدستورية بتشكيل حكومة مقتدرة”، إلا أن حكومة إقليم كردستان أعلنت وبشكل صريح أن هذا الهجوم هو من ايران وانه تكرار لهجماتها السابقة داعين المجتمع الدولي لعدم السكوت على هذا الحال.
12 صاروخاً باليستياً انطلقت من الأراضي الإيرانية نحو القنصلية الأميركية في إربيل، شمال العراق ثأراً لمقتل عدد من القيادات العسكرية الإيرانية في قصف إسرائيلي لسوريا.
بعد ساعات من حادثة القصف الصاروخي أعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن العملية تحت ذريعة وجود مركز تدريب للموساد الإسرائيلي في إربيل، وصفه البيان بـ”المركز الاستراتيجي للمؤامرة والشرارة للصهاينة” وإن استهدافه جاء رداً على “الجرائم الأخيرة للكيان الصهيوني المزور، وفي ضوء إعلاننا السابق بأن الجرائم والأعمال الشريرة لهذا الكيان المشؤوم لن تمر من دون رد”، علماً أنه في الثامن من آذار/ مارس 2022 قتلت إسرائيل ضابطين في الحرس الثوري الإيراني بغارة جوية في ضاحية دمشق السورية.
ردود الأفعال الدولية والعربية أحرجت حكومة العراق بشكل واضح، لتبدأ الأخيرة اجتماعاتها الرسمية من اعلى سلطة في الدولة إذ توالت بيانات الإدانة من قبل بعثة الأمم المتحدة في العراق موجهة دعوة للشعب العراقي “للوقوف صفاً واحداً في مواجهة أي عمل ينتهك سيادة العراق ووحدة أراضيه، او يهدف إلى تقويض الاستقرار والوحدة”.
الولايات المتحدة وعبر سفارتها في العراق نفت تضرر أي من منشأتها بالقصف الإيراني، كما ولم يُصب أحد من العاملين في القنصلية بجروح، وأنه ليس لديهم ما يشير إلى أن هذا الهجوم كان موجهاً ضد الولايات المتحدة الأميركية وأن على إيران الكف عن هجماتها واحترام سيادة العراق وأن توقف تدخلها في الشأن العراقي الداخلي.
بعثة الاتحاد الأوربي في العراق أدانت حادثة الاعتداء ووجدت ان لا مبرر لمثل هذا العمل العنفي ضد أراضي دولة ذات سيادة فيما وجدت حكومة بريطانيا أن هذا الحادث هو انتهاك للسيادة وأنها ستواصل دعم أمن العراق واستقراره بما في ذلك إقليم كردستان.
المفارقة أن الميليشات المسلحة في العراق أعلنت وبشكل واضح عن ترحيبها بالقصف الصاروخي وفي مقدمتها كتائب “حزب الله” العراقي، واضعة الشأن العراقي خلف ظهرها إذ وجدت في حادثة القصف الصاروخي استهدافاً لقاعدة ما وصفته بـ”الكيان الصهيوني في إربيل”، مؤكدة مقتل عدد من ضباط الموساد في القصف فضلاً عن وقوع عدد من الجرحى. وجددت كتائب “حزب الله” سعيها إلى إفراغ القواعد العسكرية ومقرات المخابرات الأجنبية في العراق. أما ميليشيا “النجباء” برئاسة امينها العام أكرم الكعبي فأعلنت بوضوح ان هذه المواقع ستكون هدفاً مشروعاً لما سمته “المقاومة العراقية”.
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا إلى رفع مذكرة احتجاج الى الأمم المتحدة والسفير الإيراني ببغداد بشأن حادثة الاستهداف وأخذ الضمانات بعدم تكرارها وأن لا تستخدم الأراضي العراقية ساحة للصراع السياسي والعسكري وأن على الجهات المختصة فتح تحقيق بالمزاعم بوجود مواقع إسرائيلية، في مقابل ذلك نفى مسؤولون في الإقليم ادعاءات إيران بوجود أي مركز أو موقع للموساد الإسرائيلي.
الاتهامات لكردستان بالتواصل مع إسرائيل ليست جديدة، فقد انتشرت تقارير إعلامية أيضاً عام 2014 عند احتلال تنظيم “داعش” محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين تتهم إربيل بتمرير شحنات نفطية من كردستان عبر وسيط إلى إسرائيل، كما ظهرت تصريحات لعضو لجنة النفط والطاقة النيابية العراقية السابق عدي عواد يتهم فيها حكومة كردستان بتهريب النفط وتصديره إلى إسرائيل، وكل هذه الادعاءات قوبلت بنفي رسمي كردي.
تاريخياً، سجلت اتصالات إسرائيلية- أميركية لدعم ملا مصطفى البارزاني قائد الحراك الكردي في شمال العراق عام 1959، والمطالب بالحكم الذاتي للأكراد، وحصلت اتصالات مباشرة في عام 1963 بين البرزاني وإسرائيل بوساطة إيرانية.
وفي العام الماضي (2021) دعا أكثر من 300 عراقي بينهم شيوخ عشائر إلى التطبيع بين العراق وإسرائيل في أول نداء من نوعه أطلق خلال مؤتمر عُقد تحت عنوان “السلام والاسترداد” في الإقليم، وأثار ضجة كبيرة واستنكاراً من قبل حكومة بغداد.
إقرأوا أيضاً:
الخارجية العراقية استدعت السفير الإيراني في بغداد ايرج مسجدي وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية حادثة القصف الصاروخي لعاصمة الإقليم.
المجلس الوزاري للأمن الوطني برئاسة الكاظمي عقد اجتماعه وخرج بإعلان صريح بأن الاعتداء انطلق من الأراضي الإيرانية ووصف الحادث بـ”الاعتداء على مبدأ حسن الجوار بين العراق وإيران، والعلاقة التاريخية التي تربط شعبي البلدين الجارين، فضلاً عن كونه انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية” وأنه ينتظر موقفاً من القيادة السياسية الإيرانية في رفض الاعتداء.
الرسائل الإيرانية عبر القصف في الداخل العراقي كانت واضحة جداً، بحسب الخبير الأمني سرمد البياتي في مقدمتها أن مدينة أربيل هي تحت مرمى النيران وأن هذا الحادث هو رداً على مقتل قادة من الحرس الثوري في سوريا.
الباحث في الشأن الاستراتيجي صلاح الموسوي يرى أن الرسالة الإيرانية واضحة المعالم بأنها هي المسيطر الوحيد في الشأن العراقي وان على العملية السياسية ان تسير وفق المعطيات التي توافق سياسات إيران، وإذا لم يحدث ذلك، ستعمد إلى إثارة المشكلات، خصوصاً أن العملية السياسية شهدت انفراجة جديدة إلى حد ما، في ملف تشكيل الحكومة، ولكن قد لا تكون هذه الانفراجة على هوى السياسة الإيرانية، خصوصاً مع تعليق الاتحاد الأوروبي مفاوضات فيينا “بفعل عوامل خارجية”، بحسب ما أعلن وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل.
الكاتب احمد الزيادي يجد ان هذه الحادثة حملت صفة المواجهة المباشرة من قبل الطرف الإيراني هذه المرة، إذ لم يكن القصف بالنيابة عبر وكلائها وهذا يشير إلى أن مستوى التصعيد خطير جداً. فالعراق لا يملك دفاعات جوية ضد أي صواريخ او طائرات عابرة للحدود تمر عبر سمائه، إذ لم يُسمع أن الدفاع الجوي العراقي قد صد هجوماً صاروخياً أو اعترض طائرة مسيّرة برغم إنفاق مبالغ طائلة على التسليح.
إقرأوا أيضاً: